الكاتب أحمد عثمان ليس هناك أية مقدسات لليهود تحت المسجد الأقصى
في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها الأراضي المحتلة، ومع تزايد المغالطات التاريخية التي تروج لها اسرائيل لتواصل الإحتلال والقتل والتنكيل بالشعب الفلسطيني، برزت الحاجة لعودتنا إلى للجذور التاريخية للقضية بين العرب واسرائيل، وضيفنا في هذا العدد من مجلة (عربيات) الكاتب أحمد عثمان يستعرض معنا من خلال دراساته و كتابه الأخير "تاريخ اليهود" القصة من البداية حتى وصول اليهود لتأسيس دولة اسرائيل وحقيقة الهيكل بالإضافة للعديد من الحقائق التاريخية التي توصل إليها.
لماذا وقع اختيارك على دراسة التاريخ؟
في الواقع أنا لم أتخصص في دراستي الجامعية في التاريخ ولكن درست الحقوق ، ولم أعمل بها فأول عمل لي كان في مجال الصحافة التي أعتقد أن لها علاقة وثيقة بالحقوق والإقتصاد ... بعد ذلك بفترة بدأ اهتمامي بالتاريخ وانتقلت لدراسته في جامعة لندن .
كيف تحول اهتمامك من الحقوق والصحافة إلى التاريخ؟
بدأ اهتمامي بالتاريخ عندما قرأت قصة سيدنا موسى عليه السلام ووجدت بداخلي رغبة بالتعمق في تاريخه في مصر تحديداً فلم تتوفر لدي مصادر كافية وسافرت إلى لندن للحصول على مراجع واكتشفت للأسف أن الآثار والتاريخ لدينا بينما المعلومات والمصادر في الخارج وبجميع اللغات بمافيها العربية... و التاريخ شيء أساسي ومهم لكل انسان، فمأساة الأمة العربية الرئيسية في تفكيرها أنها لاتعرف تاريخها وهذا ينعكس بشكل سلبي حتى على الفكر السياسي والإعلامي لدينا نتيجة لغياب دراستنا المتعمقة لتاريخنا وتاريخ العالم من حولنا... فمعظم المفكرين لدينا شعراء والشاعر بطبيعته انفعالي وبالتالي نحن في الغالب أمة قائمة على الإنفعال العاطفي وليس على التفكير والحقائق.
كثيراً مانلاحظ التشكيك في مصادر التاريخ المكتوب والطعن فيها على أساس أنها تأثرت بسلطات الحكم في الأزمنة المختلفة ولم تسجل الحقيقة كاملة؟
لايهم ذلك ، فالباحث في هذا المجال لا يعتمد على مصدر أو عدة مصادر ويسلم بما ورد فيها... لأن هناك (علم الآثار) الذي بدأ من منتصف القرن التاسع ووضع أسس أهمها أن يقوم الباحث في التاريخ بالتنقيب بنفسه بعد أن يمر على جميع المصادر المتوفرة وقد يصل إلى نتائج مختلفة تماماً من خلال معطيات جديدة يكتشفها، وهذا ما يحدث غالباً أثناء دراساتنا.
من أبرز أعمالك في هذا المجال كتاب ( تاريخ اليهود ) ويبدو أنه صدر بعد أبحاث ، فهل وجدت من خلال هذه الأبحاث مايشير إلى مزاعم "أرض الميعاد" و"الشعب المختار" التي يدعيها اليهود اليوم؟
تعاليم موسى الأولى جاءت بكل وضوح لتقول ( إله واحد معبود لكل البشر ) وهذا يتناقض تماماً مع فكرة الشعب المختار وأرض الميعاد فعندما يقول سيدنا موسى عليه السلام إله واحد لكل البشر لايمكن أن يفضل أحد بسبب سلالته..
من أين اذن جاءت فكرة " أرض الميعاد " والهيكل المزعوم؟
بعد موت سيدنا موسى ارتد بنو اسرائيل وظلوا مرتدين قرون عديدة خرجوا خلالها من مصر إلى أرض كنعان وعبدوا الآلهة الكنعانية فكانوا يضعوا الصخور فوق الجبال ويعبدونها.. واعتبروا من هنا أنها أرضهم الأولى ولا أتفق معهم في ذلك بالطبع.. أما الهيكل الأول فهو هيكل سيدنا سليمان عليه السلام وليس لهم علاقة ببناءه في رأيي.
هل يمكنك أن تسرد لنا جزء من تسلسل الأحداث كما وردت في كتابك عن تاريخ اليهود؟
في القرن السابع قبل الميلاد جاء الأشوريون وأقاموا امبراطورية تضم سوريا ولبنان وفلسطين ، وقاموا بتهجير بعض الأقوام الإسرائيلية.. ثم جاءت دولة ( بابل ) التي حلت محل الدولة الآشورية في القرن السادس قبل الميلاد ودمرت معبد القدس الذين يزعمون اليوم أن ذلك المعبد كان يهودي، وقام ( نبوخذ نصر ) ملك بابل بسبي اليهود وارسالهم إلى بابل... حيث بدأ الكهنة يفكرون في سبب ماحل بهم وأدركوا أنه غضب من الله بسبب ردتهم عن ديانة سيدنا موسى عليه السلام. فبدأوا بكتابة ( التوراة ) من جديد وهنا حصل التغيير والتحريف حيث أضافوا فكرة الشعب المختار وأرض الميعاد في القرن السادس قبل الميلاد وأعتقد أنها لم تكن من تعاليم موسى لكن الكهنة أضافوها لتشجيع اليهود على العودة للديانة.
ثم جاء الفرس في نهاية ذلك القرن وشجعوا اليهود كثيراً ومنحوهم تصريح لبناء معبد هو مايسمونه ( الهيكل الثاني ) بينما أعتقد من دراستي للتاريخ أنه كان أول معبد لهم لأنه قبل ذلك لم يكن معبد القدس يهودي.
وسكنوا في مدينة القدس التي كانت مهدمة حتى القرن الرابع قبل الميلاد وانضم لهم الكاهن ( عزرا ) قادماً من بابل ومعه التوراة الجديدة لإحياء الديانة اليهودية.. واستمر الحال على ماهو عليه إلى أن جاء الرومان وذبحوا طائفة الكهنة كلها فانتهت ( يهودية الكهنة ) وبدأت (يهودية الأحبار) الذين كتبوا " التلمود " وهو كلام يزعمون أنه متناقل شفهياً عن سيدنا موسى عليه السلام ويتعاملون به تقريباً كما يتعامل المسلم مع الحديث والسنة، أما شعائهم التعبدية فكانت تقتصر على قرابين وأضحية يقدمها اليهودي إلى الكاهن ليذبحها دون قراءة توراة أو صلاة.. وخلاصة القول، تاريخياً ليس هناك أية مقدسات لليهود اسفل المسجد الأقصى، بينما تشكل الصخرة تحت القبة محراب معبدهم القديم، الذي حطمه الرومان عام 70 ميلادية.
ماهي أهم النقاط التي أثارت ملاحظتك في فكرة بناء "الهيكل"؟
هناك أقوال في بعض كتبهم تذكر أن ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه طلب منهم بناء المعبد لكنهم رفضوا لأن في اعتقادهم يجب أن يأتي المسيح ويقوم ببناءه ذلك أنهم لايؤمنوا بأن سيدنا عيسى عليه السلام هو المسيح وإلى يومنا هذا يترقبون نزوله... ولذلك الحاخامات يمنعوا أن يدخل أي يهودي عند الصخرة ومن يدخل إلى تلك المنطقة مثل شارون وغيره يدخلها لأسباب سياسية... هذا هو محور الخلاف في بداية الحركة الصهيونية... فعندما أوصى البعض بالعودة لفلسطين اعترض اليهود الأرثودوكس على العودة قبل نزول المسيح. واتفقوا في النهاية على العودة لبناء الدولة اليهودية حتى يساعدوا في اعتقادهم على نزول المسيح .
ماهي المراجع التي استندت عليها في كتاب ( تاريخ اليهود ) بأجزاءه الثلاث؟
في كتاب تاريخ اليهود واستعرضت القصص التي جاءت في التوراة والقرآن مع الأدلة التاريخية وشمل الكتاب تاريخهم من البداية إلى الحركة الصهيونية.. ومن بعض استنتاجاتي فيه عن المزاعم التي لا أساس لها من الصحة كشفت عن المعتقدات الخاطئة التي وردت في التوراة ومنها الإعتقاد بأن هناك ملك اسرائيلي يسمى ( داوود ) أقام امبراطورية حدودها من النيل إلى الفرات، بينما الأدلة التاريخية أثبتت أن هذا لم يحدث إطلاقاً في أي زمن من الأزمنة.
ماذا عن كتاب ( الشعر الجاهلي ) الذي أصدرته مؤخراً؟
كتاب الشعر الجاهلي كتبته كرد على الدكتور طه حسين الذي أثار قضية غريبة جداً عن الشعر الجاهلي مختصرها " أن الشعر الذي تناوله الجاهليين من معلقات وغيرها كان يتداول شفاهة ولم يكتب أو يدون إلا في العصر الأموي " ويقول :" إذا كانت اللغة العربية الفصحى هي لهجة قريش في مكة فكيف لشعراء الجاهلية قبل الإسلام من نجد واليمن وغيرها أن يكتبوا الشعر بها " فاستنتج ( طه حسين ) أن الشعر الجاهلي غير حقيقي وأن هناك من قام بتأليفه ونسبته إلى الجاهلية ... ومن خلال كتابي حاولت أن أناقش هذا الإستنتاج فمن وجهة نظري الدكتور ( طه حسين ) اخطأ في التسليم بمسألة أن اللغة العربية الفصحى كانت لغة قريش لأنني من خلال بحثي وجدت أنها لم تكن لغة أي قبيلة ... ولكنها لغة أدبية استخدمها بالتحديد شعراء الجاهلية .... ف كانت توجد ( 7 ) لهجات أساسية في الجزيرة العربية ، وكان الشعراء في المواسم يذهبون إلى مكة ويقف كل شاعر فوق صخره ليلقي أبياته بلهجته وتقف أمامهم عقبة فهم اللهجات المختلفة فأصبح كل شاعر يحضر معه مترجم أو مايسمى ( خبراء لهجات ) ليقف بجانبه ويعيد الأبيات للمستمعين بكل لهجة ... فيما بعد أصبح هؤلاء الخبراء أو الرواة شعراء مثل ( الأعشى ) وغيره وحتى يصبح شعرهم مفهوم لكل العرب بدأوا يتخيروا ألفاظ وتركيبات لغوية