البحث عن هيكل سليمان أم خاتمه؟
«لايأس مع الحفريات طالما لم يوقفنا أحد»، يبدو أن هذا هو لسان حال الحفارة الإسرائيليين تحت المسجد الأقصى بحثاً عن هيكل سليمان، تلك العملية التي استمرت لعقود من الزمان مصحوبة بالأسباب المسجلة على اسطوانتها المشروخة أصبح من الضروري تجديدها ومن المنطقي تغييرها، واحتراماً لجنون العالم الذي يصدقها بوسع الدولة الصهيونية أن تعلن عن بدء عمليات البحث عن (خاتم سليمان) تحت المسجد الأقصى لأن كذبة اختفاء الهيكل عن بكرة أبيه طوال هذه السنوات تبدو (واسعة) جداً وبحاجة لتضييقها بواسطة خياط متخصص في الأكاذيب المنسوجة على خيوط الخرافات.
يقال «تزرعها خيار يطلع فقوس» وأقول «تزرعها أكذوبة خاتم يطلع لك هيكلين» أحدهما مع الأسف الشديد هيكل مسجدنا الأقصى المبارك الذي قد يسقط فوق هيكل آخر يرجح أنه كنيس قامت الدولة الصهيونية بتشييده تحت الأقصى كنواة لبناء الهيكل الجديد. وإذا كان المسجد الأقصى مهدداً بالسقوط فالقضية الفلسطينية تكاد تسقط بالتقادم وتضيع بالتناحر والتضارب لتقدم نفسها ضحية على طبق من ذهب للعدو فتتلاشى مصداقيتها وشرعيتها بينما «الرفاق» يحفرون.
ظلت تعلق بذاكرتي آراء كنت أختلف معها ومع اعتقادها بأن الأثر النفسي الذي تتركه الحرب برائحة دمائها وقسوة دمارها لايزول إلا بزوال الأجيال التي عاصرتها، فالحرب تطبع القسوة في نفوس من يحترق بنارها حتى يصعب على أهلها أن يعيشوا بسلام بعدها... رؤى لطالما اعتبرت أنها غير واقعية ولا منطقية ولا عادلة ولكن يبدو أن الواقع والمنطق يثبت صحتها، ويبدو أننا سنكون بحاجة للانتظار عقوداً من الزمان نودع خلالها الأجيال التي عاصرت الحروب في فلسطين وجارتها لبنان وابنة عمها العراق حتى يعود الاستقرار إلى المنطقة ويستعيد أهالي الدول المصابة بفايروس الحرب الإحساس بقيمة حياة يحكمها العقل والثقة في قدرة السياسة على إحلال العدل... السؤال الصعب هو: كيف سيولد أول أبناء هذا الجيل المنتظر إذا كانت الحروب متواصلة مع العدو الخارجي ومتبوعة بحروب أهلية بين أبناء الوطن الواحد؟.
أما السؤال الأصعب فهو: ماذا لو أفقنا ذات يوم من حلم الصلاة في الأقصى على واقع هدم الأقصى؟. بوسعنا أن نسوق إجابات مختلفة مغلفة بالألم والحزن والغضب، أما الإجابات المرفوضة على السؤال فهي أية إجابة تحتوي على كلمة (تفاجأنا) أو (مفاجأة) أو (أمر غير متوقع) أو (لم يكن في الحسبان)... فالأمة العربية والإسلامية من أقصاها لأدناها لا يُعقل أنها لم تَعقِل أن النتيجة الطبيعية للحفريات وللانهيارات الجزئية التي تعرض لها المسجد الأقصى ستكون انهياراً كاملاً ما لم يتدخل أحد لإيقافها أو تتدخل معجزة إلهية في زمن انقطعت فيه المعجزات... انقطعت ليتحمل الإنسان مسؤولية إيمانه ومعتقداته ومقدساته وإعمار الأرض وإدارة حياته بالعلم الذي سخر الله له سبله.
كانت المعجزات لأقوام لا تفقه وفي عصور ساد فيها الجهل وطغى الكفر حتى أتتهم المعجزة مثبتة للإيمان أو رادعة للطغيان، أما اليوم فقد حل العلم محل المعجزة وأصبح العلماء رسل العلم إلينا والإعلام ناشراً للرسالة، والرسالة قد وصلت بوضوح لندرك أن المسجد الأقصى مهدد بالانهيار. هذه الرسالة بوسعنا أن نواجهها بإعادة ترتيب الأولويات ونبذ الخلافات وبذل الجهد الرامي إلى توجيه الاهتمام الدولي لهذه الجريمة قبل أن تكتمل، وبوسعنا أن نتولى عن القضية معتبرين أن لاصوت يعلو على صوت الصراعات الداخلية والانتصارات الحزبية والطائفية التي يمكن إدراجها في قائمة الهزائم مع مرتبة الشرف، كما بوسعنا أن نعترف بأننا بالرغم مما وصلنا إليه من العلم قد اخترنا أن نرتد إلى عصور أمم انتظرت المائدة لتأكل والناقة لتؤمن والريح لتهلك.
هناك من ينتظر معجزة لحل المشاكل الكبرى ريثما ننتهي من انشغالنا بتوافه الأمور... وهناك من يحلم بالصلاة في المسجد الأقصى المبارك دون أن يفكر في آلية تناسب العصر لتحقيق هذا الحلم، وقد يسرقنا الوقت ويسبقنا تسارع الأحداث التي معها لا أدري أية صلاة ستقام أولاً؟ صلاتنا في الأقصى أم صلاة الحفارين وعمال البناء ومن وراءهم في الهيكل الذي قد يتخذ من بقعة حلمنا مكان؟. بين من ينتظرون المعجزات ومن يتعلقون بأستار الخرافات أتقدم بأطيب الأماني للباحثين عن هيكل سليمان أو خاتمه عسى أن يعثروا في معرض بحثهم على عصا موسى فتتحول إلى ثعبان مبين يلقف مايأفكون أو يلقفهم أجمعين بينما نحن قاعدون.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ