غازي القصيبي اختلفت عليه الآراء في حياته وشهدت له بالإنتصار بعد وفاته
ما أن أعلن الديوان الملكي السعودي خبر وفاة وزير العمل السعودي الدكتور غازي القصيبي حتى انطلقت حملة رثاء شعبية شارك فيها أفراد المجتمع السعودي الذي عرف هذا الرجل من خلال "حياته في الإدارة" وحنكته في السياسة ومهارته في الدبلوماسية، وشاركهم العالم العربي الذي تعرف على القصيبي من خلال مواقفه الجريئة وأعماله الأدبية التي لم تتأثر بالعرف الدبلوماسي، وكان للعالم الإفتراضي كلمته إذا قام الآلاف في الشبكات الاجتماعية باستبدال صورهم الشخصية بصورة القصيبي تأكيداً على أنه حاضراً في القلوب وإن غيبه الموت، واستقبل الشباب قبل الكبارالتعازي في الرمز الذي ألهمهم الكثير على مختلف الأصعدة. عربيات في هذا التقرير بحثت عن جوانب حياة الفقيد ومواقفه وردود الأفعال على رحيله لدى شخصيات عرفته وتأثرت به.
الدكتور أبوبكر باقادر: شخصية متعددة الجوانب سمتها الريادة
في البداية يتحدث الدكتور أبو بكر باقادر وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الخارجية عن رحيل القصيبي قائلا: "غياب الدكتور غازي القصيبي هو غياب علم من أعلام منطقة الخليج والعالم العربي، أتمنى تعيش ذكراه، وأن يكون رمزاً ونموذجاً لأجيال عديدة من أبناء هذه المنطقة، فهو شخصية متعددة الجوانب، سياسي وإداري وشاعر وروائي وصاحب فكر اجتماعي سياسي وطني، وقد جمع بين كل هذه الشخصيات في شخصه وكان رائداً وفي المقدمة ولفترة طويلة وبطريقة متصاعدة حتى أخر لحظات حياته رحمه الله".
الدكتور حسن النعمي: رحيل فارس غير منكسر
الناقد الدكتور حسن النعمي يختلف مع من يرثي غازي القصيبي قائلاً: "أختلف معهم لأنه لا قيمة للرثاء الذي يدعو للشفقة إلا للخاملين والمفلسين، أما القصيبي فهو باق طالما بقيت أعماله من شعر ورواية ومقالة. ويكفيه شرفاً، أنه صدح طوال حياته بما يعتقد، وبما يؤمن به من كلمة شريفة، تبني ولا تهدم، وتتطلع للأمام لا إلى الخلف. ومثلما غنى زمناً بشعره الذي نوع فيه تجاربه من العمودي إلى الحر، فالمنثور، نجده دخل مغامرة الكتابة السردية من أوسع أبوابها، فإذا به يحتل الصدر منها من خلال رواياته الخالدة، شقة الحرية، والعصفورية، وأبو شلاخ البرمائي وغيرها". ويضيف: "لا شك أن رحيل القصيبي محزن ومؤلم، لكنه في المقابل رحيل فارس مبدع، غير منكسر، أسهم بأدبه وأعطى ما في وسعه من شرف الكلمة وأمانتها. وهذه سنة الحياة التي لا بد أن نتفهمها. رحم الله القصيبي وأسكنه فسيح جناته".
زاهي وهبي: مواقفه لم يقيدها العرف الدبلوماسي
الإعلامي زاهي وهبي يقول: "سأفتقد غازي القصيبي كقارئ، فرحيله خسارة للمشهد الإبداعي العربي عموما والسعودي بشكل خاص. أنا معجب بأعماله وانحيازه للقضايا العربية كالقضية الفلسطينية وجرأته في التعبير وعدم تقيده بالموقف الدبلوماسي، فقد خرج عن العرف الدبلوماسي لأجل تسجيل موقف من خلال قصيدة ونص، ولم التقي به بالرغم من محاولتي استضافته في برنامج البيت بيتك، فلم تنجح المحاولات بسبب تضارب المواعيد، للأسف رحل دون أن احظي بحوار معه أو لقاء مباشر لكني التقية كثيرا من خلال النصوص والروايات الأدبية كرواية شقة الحرية، رحمه الله عليه كان حاضرا بإبداعه وانتاجه الذي أثرى وأضاف للمشهد الإبداعي العربي، فالخبر حزين لكن العزاء أنه قد رحل في أيام مباركة ".
فاروق جويدة: خاض معارك كثيرة وكان حاسماً في قراراته
أما الشاعر فاروق جويدة فثمن أعماله الأدبية ومواقفه الإنسانية والسياسية، قائلاً: "لا شك أن رحيل الشاعر غازي القصيبي خسارة كبيرة كشخص وشاعر ومسئول وزاري كان له دور في المملكة الشقيقة، ورغم إننا التقينا مرات قليلة إلا إنني كنت أتابع مشواره الشعري طوال العقود الأخيرة، وهو شاعر مميز يتسم شعره بعبارات سهلة، وإيقاع جميل، وإحساس صادق. لقد كان واجهة مشرقة للشعر السعودي، وفي الرواية استوقف الكثير من النقاد والكتاب وأصحاب الفكر، وكوزير خاض معارك كثيرة في بلاده وكان حاسما في الكثير من القرارات، وعلى المستوى الإنساني كانت لي تجربة معه لن أنساها فله موقف كريم مع الشاعر الراحل أمل دنقل عندما كان أمل في المستشفي يُعالج من مرض السرطان، جمع القصيبي مبلغا من المال من المثقفين السعوديين وحمله إلى صديق مشترك وقدمه لأمل في المستشفي وكنت شاهدا على هذه الواقعة، لا شك أن خسارتنا في غازي القصيبي خسارة كبيرة كشاعر وكمثقف وإنسان عاش من أجل قضايا وطنه وأمته "
الدكتور خالد الحارثي: العزاء اليوم لكل الشباب
ويختصر الدكتور خالد الحارثي رئيس لجنة الضيافة بالغرفة التجارية الصناعية بجدة مشاعر الألم بكلمة "لا تتركنا يا غازي"، مشيراً إلى مشاركة الدكتور غازي القصيبي في يوم الضيافة السعودي بقوله: "هي مشاركة حرص عليها شخصياً لتغير ثقافة العمل ولغرس ثقافة جديدة مفادها أن لا عيب في العمل، فعندما عرضت عليه الفكرة بصفة شخصية كان سعيداً بالفكرة، وكنت استأذنه بخجل متسائلاً (هل من الممكن يا معالي الوزير أن ترتدي زي النادل؟)، فقال ( بل أنا سأرتدي زي النادل وسأقوم بخدمة الشباب السعودي بنفسي)، وكان رحمه الله عليه حريصا على متابعة أحداث يوم الضيافة، وعندما بدأت المناسبة كان يسأل أين الشباب السعودي ليقوم بخدمتهم ورفع معنوياتهم، وبالفعل قام بنفسه بتقديم الطلبات على طاولات الشباب الذي يمارسون مهنة الضيافة في المطاعم، وكان يقول لهم أهنئكم على ما تقومون به، ويهمس لهم أنا فخور بكم وسعيد بكم، قال الكثير من ما يسر خاطرهم، ولا أنسى موقفه الذي ترك بصمة في نفوس الشباب وعائلاتهم عندما قام بتقبيل جبهة ورأس أحد الطباخين السعوديين واخذ قبعته وارتداها قائلا (أنا فخور بك)، لقد ضرب مثلا وأمثال لشبابنا حول أهمية العمل وأن العمل الشريف لا عيب فيه، كان متواضعا وتواضعه وراء استمرار يوم الضيافة، ولا أنسى أن مشاركة الوزير للشباب في العمل تركت أصداء طيبة فبعد مرور يومين على المناسبة تقدم سبعة شباب سعوديين راغبين في العمل بأحد المطاعم بجدة، كما أن الوزير رحمه الله تلقى اتصالات من وزراء ومسئولين عرب مهنئيهن معاليه بيوم الضيافة، وبهذه التجربة المختلفة، فالأثر والأصداء لم تكن محلية فحسب إنما عربية، والعزاء اليوم لكل الشباب ولكل الأسر التي سعدت بدعم القصيبي لأبنائها، وأسال الله أن يتغمد الفقيد برحمته وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان".
منال الشريف: مواجهته للتيارات المتعددة لم تمنعه من تحقيق أهدافه
الأستاذة منال الشريف مدير تحرير الأقسام النسائية بمؤسسة عكاظ للصحافة والطباعة والنشر: "إن لم تخذلني الذاكرة كنت آخر من أجرى مع القصيبي حوارا صحفياً، كان رحمه الله رجلا قويا واجه تيارات متعددة ومعارضة ومتشددة لم تثنيه عن خدمة الدولة التي كان يرى أن لا سلطة تعلو سلطتها، القصيبي الذي سعى لإيجاد حلول لأبناء وبنات الوطن بتجسيد قرارات الوزارة في شخصه بصورة جعلته ينزل مع الشباب للعمل في المطاعم مزيلاً الحواجز الاجتماعية التي تمنع الشباب من ممارسة الأعمال الشريفة والغير مألوفة. لم يقف مكتوف الأيدي حتى مع السيدات بتفعيل القرارات الداعمة لأعمالهن. ماذا أقول في رحيل الإنسان والشاعر العظيم مبدع الكلمة والحرف الذي أثرى المكتبة العربية بإنتاجه الأدبي؟. القصيبي لم يكن وزيرا أو مسئول بل كان إنساناً صادقاً تقبل النقد القاسي الموجه لوزارته وكأنها العصا السحرية التي عليها خلق وظيفة مرموقة دون النظر حتى لمؤهلات الشباب، وقد أبدع في كل المناصب التي تقلدها؟"... وعن تعاونه مع الصحفيين تقول الشريف: "كان يتعاون مع الصحافيين ويتعامل برقي، وكأديب كان يغضب عندما لا يجيد الصحفي طرح سؤاله".
منى سراج: (جوكر) الأداء المتميز في جميع المناصب
بينما ترى الإعلامية منى سراج أن القصيبي استطاع أن يترك أثرا في أبناء جيلها خاصة فيما يتعلق بإنتاجه الأدبي موضحة: "إنتاج القصيبي الأدبي كان نقلة في تفكير معظم أبناء جيلي، حيث كنا نتعلق بإصداراته التي كانت لها أبعاد مختلفة أثرت في شخصياتنا، والمميز أن القصيبي لم يتأثر ككاتب أو كأديب بالعمل السياسي فحتى مقالاته كانت متنوعة بين الوطنية والإنسانية والاجتماعية التي تحمل ردة فعل أو تعليق على تجربة الأصدقاء أو حالة بعينها في المجتمع، وبالرغم من أن تعلقي بالدكتور غازي القصيبي كان تعلق بأديب أكثر من كونه وزير إلا إنني كنت أراه (الجوكر) القادر على الأداء المتميز في أي منصب من المناصب التي تقلدها في الدولة، ويؤسفني أن وفاته كانت بعد إعلان الخطة الخاصة بالتنمية والتي علقنا عليها أمالا كبيرة، فمن المؤلم أن لا يكون هو عرابها ومتابعا لها خاصة وأنه شخصية مختلفة تلمس مكامن الخجل في نفوس الشباب والحواجز التي تقف بينهم وبين ممارسة الأعمال التي يراها البعض أعمالا دُنيا فشاركهم العمل متجاهلا أي نقد أو هجوم ضد شخصه، أتمنى أن يكون القصيبي كمسؤول نموذجا يحتذى به، وأتمنى أن يستلم العمل من بعده من تأثر بمدرسته فيكمل مشواره، رحم الله الدكتور غازي القصيبي وأسكنه فسيح جناته".
وجدي عبدالله الجفري: للقصيبي نصيب الأسد من (رسائل) والدي
ويستعرض الأستاذ وجدي عبد الله الجفري العلاقة التي جمعت بين والده الكاتب والأديب عبد الله الجفري ومعالي الوزير غازي القصيبي مؤكدا على أن العلاقة التي جمعت بينهما كانت علاقة أخوة وصداقة وطيدة مضيفاً: "إحدى كتب والدي والجاهزة للطباعة بعنوان (رسائل) جمع فيها رسائله رحمه الله مع شخصيات بارزة وأدباء، المثير أن نسبة كبيرة من هذه الرسائل كانت بينه وبين الدكتور غازي القصيبي، ومايدل على العلاقة التي جمعتها القصيدة التي كتبها الدكتور غازي رثاءا في والدي رحمه الله. لم يختلفا أبدا، ومواقفه مع والدي كثيرة سواءاً في حياته أو بعد مماته، وأذكر موقفا له بعد توقف والدي عن الكتابة في صحيفة الحياة بسبب نقل مقاله من الصفحة الأخيرة لإحدى الصفحات الداخلية أن كتب له القصيبي مواسيا (لا تحزن فأينما يكون مكان مقالك هو صدر الصحيفة)، لم تتوقف مواقفه مع أبي حتى بعد وفاته حيث إنني احتفظ له بموقف شخصي مع أسرتنا رحمه الله عليهما".