منتديات الحوار الإلكتروني تحت المجهر
خاص- عربيات: تعتبر تجربة الحوار الإلكتروني تجربة مثيرة وبالرغم من حداثة عهدنا بها في العالم العربي، إلا أنها باتت تجذب جمهوراً عريضاً، فتشهد ساحاتها يومياً نقاشات وصراعات وخلافات بين أفراد لهم خلفيات ثقافية وآراء مختلفة... وبوسعنا أن نعتبر أن المنتديات قد أصبحت اليوم من أهم قنوات الحوار وأكثرها استقطاباً لجمهور الشباب تحديداً، إلا أن السؤال الذي يحير المتابع هو: هل هذا الحوار صحي؟وهل حقق نتائجاً إيجابية مرضية؟... من خلال هذا التحقيق تسعى "عربيات" إلى البحث عن إجابات لدى رواد المنتديات وبعض المختصين وقد رأينا أن تكون الخطوة الأولى من مركز الدراسات لنتعرف من خلال الاستطلاع الذي أجريناه على شريحة المهتمين بمنتديات الإنترنت وتقييمهم لها وتجاربهم معها.
قراءة للنتائج
للإطلاع على نتائج الاستطلاع اضغط هنا
شكلت الفئة العمرية 16 – 25 سنة نسبة 62% من المشاركين في الدراسة، تليها الفئة 26 – 35 بنسبة 27%، والفئة 36 – 45 بنسبة 10%، والفئة العمرية 46 – 55 بنسبة 1% فقط.... كما بلغت نسبة الذكور المشاركين في الدراسة 51% والإناث 49%.
برزت المشاركة السعودية بنسبة 36% من السعوديين المشاركين في الاستطلاع، و14% لكل من الإمارات ومصر فيما توزعت النسب المتبقية بين دول الخليج ولبنان واليمن والمغرب وفلسطين وسوريا والأردن والعراق والسودان.
تناسباً مع الفئات العمرية نلاحظ معدلات الدخل الشهري التي تشير إلى أن غالبية المشاركين في ساحات الحوار من الطلبة أو الطالبات أو في بداية مراحل العمل الوظيفي... فكان الدخل الشهري لـ 29% من المشاركين في هذه الدراسة أقل من 500 دولار وبنسبة أقل بـ 2% جاء أصحاب الدخل الشهري 500 – 1500 دولار.... يليهما أصحاب الدخل الشهري 1500 – 2500 دولار بنسبة 19%... وأصحاب الدخل الشهري 2500 – 3500 بنسبة 15%.
62% من الشريحة المشاركة في الدراسة تشارك في منتديات الحوار الإلكتروني.... بينما 26% تتابع المنتديات ولاتشارك فيها... و 12% اختارت ( أحياناً ) للمتابعة والمشاركة في المنتديات.
كانت معرفة الفترة الزمنية التي استخدمت خلالها هذه الشريحة الحوار الإلكتروني مهمة لقياس العمر الزمني للتجربة... وتوضح النتائج أن 26% بدأت علاقتهم بالمنتديات منذ عامين فقط... و 25% منذ 3 أعوام... و 22% منذ 4 أعوام.... و 16% منذ عام واحد فقط... و 8% منذ أكثر من 5 أعوام.... وجاء في المرتبة الأخيرة بنسبة 4% رواد المنتديات منذ أقل من عام واحد.
كما نلاحظ أن الغالبية العظمى وبنسبة 96% تشارك في أكثر من منتدى، بينما 4% فقط ينحصر اهتمامهم بمنتدى واحد.
احتلت القضايا الاجتماعية المرتبة الأولى من اهتمامات المشاركين بنسبة 72%، تليها المواضيع العامة بنسبة 48%، ثم الاقتصاد بنسبة 31%، والترفيه بنسبة 29%، والسياسة 25%... ثم الأقسام النسائية والجوالات والاتصالات والمنتديات الأدبية والشعرية والدينية والمتعلقة بالكمبيوتر والإنترنت تباعاً بنسب أقل.
يؤكد 69% من المشاركين استفادتهم من الاحتكاك مع الآخرين في المنتديات.... كما يفيد 32% أن هذه المنتديات قد أسهمت بتطوير قدراتهم على الحوار والنقاش.... بينما يرى 22% أنها مجرد تسلية لشغل أوقات الفراغ.... و يرى 21% أن المنتديات لم تحقق لهم أي استفادة... في مقابل 18% اكتسبوا مواهب جديدة ومهارات عن طريق الدروس المطروحة في المنتديات.... ويكتفي 9% بالاستفادة من تكوين الصداقات... وقلة نسبتها 7% فقط نجحت المنتديات بتطوير أسلوبها اللغوي في الكتابة.
اتفق 73% من المشاركين والمتابعين لمنتديات الحوار على أن التعصب يعد من أبرز عيوب المنتديات.... فيما يرى 33% أن التخفي وراء أسماء مستعارة هو الأسوأ.... وأبدى 31% استيائهم من عدم مصداقية الأخبار المتداولة في المنتديات.... و23% اعتبروا انتشار ظاهرة الشللية من سلبيات المنتديات.... و20% اتهموا المنتديات بعدم الجدية في الطرح.
المنتديات بعيون روادها
ومن الأرقام إلى بعض التجارب والملاحظات والمقترحات التي تم تلقيها من المشاركين في الاستطلاع.... معين بن محمد - مشرف على أحد المنتديات وتمتد تجربته مع منتديات الإنترنت إلى أكثر من خمس سنوات - يقول : "أشارك في أكثر من منتدى إلا أن المنتدى الذي أشرف عليه كان من أوائل المنتديات التي تعاملت معها وأصبحت لي علاقة شخصية مع الكثير من رواده، واعتبر من أهم مميزاته اتساع هامش الحرية ومراعاة الآداب العامة"... وعن الآليات المقترحة لتجاوز العيوب الشائعة في الحوار الإلكتروني يقول :" أنصح بتجاهل المواضيع التي تبث الفتنة والشحناء بين الأعضاء، وفي حال تعرض المنتدى لموجة شديدة من هذه المواضيع السيئة يجب مواجهتها بضخ أكبر قدر ممكن من المواضيع الهادفة".
أما هدى صالح من الكويت فترى أن الحوار الإلكتروني والتفاعل في منتديات الإنترنت قد أسهم بإنضاجها وأنها قد استفادت من احتكاكها مع الآخرين ولمست تطوراً في أسلوبها... وعن تجاوز سلبيات الحوار الإلكتروني تقول : " نحن على الإنترنت كما نحن في الواقع، فهل يمكن أن نناقش تطوير لغة الحوار على الإلكتروني بدون أن نضع واقعنا بعين الاعتبار؟ ".
ماجد الأكرمي رفض تعليق مشاكل الحوار الإلكتروني على جزئية الأسماء المستعارة وافتقاد هذا الحوار للصور والصورة بقوله:" الأسماء المستعارة وعدم سماع الصوت أو رؤية ملامح الوجه أثناء الحوار لا أعتقد أنه مشكلة لأننا نقرأ الصحف والمجلات قبل أن نتعرف على الإنترنت وأدوات التواصل من خلالها، وكنا نفهم غالبا ما يرمي إليه الكاتب في صحيفة أو مجلة ولا نشعر بأننا نحتاج إلى مشاهدة صورته أو سماع صوته ليكتمل استيعابنا لرسالته.... من هنا أعتقد أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن غالبية من يكتبون في منتديات لا يجيدوا صياغة الفكرة ولايبذلوا الجهد في مراجعة النص أو إتقان كتابته، ومن يتعامل مع موضوعه بهذا الإهمال من الطبيعي أن لا يصل إلى خلق الحوار المأمول....ولا أقصد أنه يجب على كل من يود أن يكتب في منتدى أن يكون ضليعاً في اللغة ولكن يبذل بعض المجهود ويحرص على تطوير أسلوبه تدريجياً... فلو راجعنا كافة المنتديات العربية سنجد الكثير من الغموض لدى الكاتب الذي يهتم بتنسيق الموضوع وتلوينه واستخدام الصور أكثر مما يهتم باللغة وترتيب الأفكار وبالتالي لانفهم مايقصده أو تكون المداخلات مجرد مجاملة".
وعن نفس المشكلة يقول أشرف عبد الرزاق :" أتصفح أغلب المنتديات ولا أفهم مفردات كثيرة بسبب كتابة أعضاءها بلهجاتهم المحلية لذلك أجد صعوبة في المشاركة ولا أدري لماذا لانكتب باللغة الفصحى التي تجمعنا ونحرص على أن تكون قاسم مشترك يقرب فيما بيننا ويزيل أول عقبة من طريق النقاش.... هذه المشكلة هي السبب في أن كل منتدى تقريباً يغلب التواجد فيه على أعضاء من دولة معينة وبذلك نفقد ماقدمته لنا الإنترنت من فرصة لكي نتحاور مع أخوة لنا من دول عربية مختلفة".
مها الشمري تتحدث عن تجربتها مع ظاهرة الشللية فتقول :" تعرفت على منتديات الحوار في عام 2001 حيث كانت بدايتي في أحد أشهر المنتديات وأكثرها إقبالاً على مستوى العالم العربي وأعتبر مشاركتي في البداية مثيرة ساعدتني على تخطي حاجز الخجل وبدأت بالتواصل مع الآخرين وكنت أتلهف عند أطرح موضوع على معرفة ردود الفعل ثم بدأت أشارك في أكثر من منتدى إلى أن انقطعت تماماً عن المشاركة واكتفيت بالمتابعة محتفظة بنتائج تجربتي حيث وجدت أنه بالرغم من كل الإيجابيات مازالت تتغلب العاطفة على المداخلات وتبرز ظاهرة الشللية التي تجعل عملية المشاركة وكأنها مقايضة تجبرك على أن تشارك في مواضيع الآخرين حتى يشاركوا في موضوعك وتصبح لك شعبية في المنتدى لذلك نجد الأبرز في ساحات الحوار هم الأكثر تواجداً وتفرغاً لها وان لم يكن في جعبتهم سوى النقل والشكر واثبات الحضور وهؤلاء عندما يصبح عددهم كبير وتتعمق العلاقة فيما بينهم يصبح للمكان صبغة خاصة تعكس فقط ما يتفقون عليه وان لم تكن لهم إمكانيات إدارية مباشرة ويضيع بينهم من لايفكر بنفس الطريقة أو يود فقط أن يشارك... وعن تجربة أعتقد أن هذه سمة من سمات ساحات الحوار لن تتغير فالصوت الغالب فيها هو الصوت الأكثر حضوراً وشعبية لابقيمة مايطرح المشترك وان كان مقلاً أو قليل التواجد".
وعن التعصب الذي اعتبره موفق كريم أسوأ ما في الحوار الإلكتروني يقول :" القاعدة في مناقشة المواضيع الاجتماعية والسياسية والدينية في منتديات الحوار هي ( إن لم تكن معي فأنت ضدي ) دون استعداد لتقبل الرأي الآخر أو على الأقل قدرة على احترام الاختلاف في الآراء ".
وبنظرة متفائلة تكشف بسمة شاهين عن إيجابيات الحوار الإلكتروني بقولها: " جميع السلبيات أعتبرها إيجابيات لأنها تجعلنا نكتسب تجربة وخبرة من الصعب أن نحصل عليها في حياتنا اليومية بسهولة فنحن لانعرف في محيطنا إلا عدد محدود من الأقارب والأصدقاء أما في المنتديات فنلتقي بأفراد من مختلف أنحاء العالم ونتعرف عليهم وعلى آرائهم وحياتهم وهمومهم وكطالبة في علم الاجتماع أجد فرصة رائعة للاستفادة من هذا التجمع في مجال دراستي"... وعن الآليات المقترحة لتلافي سلبيات الحوار الإلكتروني تقول: " المشكلة الوحيدة تظهر إذا انقلب الآية وأصبح الأمر رأيي خطأ وأصر على أنه صواب ورأي غيري صواب وأصر على أنه خطأ ولو عاد كل من يشارك في المنتديات إلى المعادلة الصحيحة سيجد الفائدة في أن يتحاور مع الآخرين بمختلف ثقافاتهم و أجناسهم ومعتقداتهم مستمتعاً بالاختلاف والتنوع".
فالح زايد بدأت علاقته بمنتديات الإنترنت منذ عامين، يقول :" تجربتي في منتدى شعري أعتبره جامعة أثرت ساحة الشعر الشعبي ولكني أتمنى أن تفتح المنتديات المجال للنقد البناء وإبراز جماليات النص الأدبي بعيداً عن التجريح فهذا ما نفتقده".
مناقشة الاختلافات المذهبية والطائفية تتطلب مشاركة النخب لتغليب المصلحة العليا للأمة والوطن
توصيات
أثبتت مناقشة المواضيع المذهبية والطائفية في منتديات الإنترنت أنها الأكثر إثارة للجدل والخلافات التي تشتعل وتفرز صراعات واتهامات متبادلة بين أطراف الحوار... وقد توجهت عربيات بهذه المشكلة إلى الأستاذ عبدالعزيز القاسم مدير التحرير بصحيفة المدينة ومشرف ملحق الرسالة الذي قال:" ربما أتحفظ على تفاؤلكم في مسألة الحوارات الالكترونية بالرغم من مزايا عديدة تتمتع بها كحرية التعبير التي لاتتوافر في أجهزة الإعلام الأخرى, بيد أنني لا أعول كثيرا على حوار هذه الساحات في بلورة مناخ ثقافي صحي أو تكوين أرضية حوار تتسع للأطياف الفكرية أو المذهبية أو الطائفية, فالأخوة والأخوات ( الأشباح ) الذين يتمرسون خلف أسماء وهمية تدفعهم وتشجعهم على إظهار أسوأ ما لديهم في كثير من الأحيان يجعل الاستمرار في هكذا حوارات أمرا مستحيلا وان استطال فإلى نفق مسدود بلا نتيجة وعذرا لهذا الرأي الشاحب. ويعضد هذا الرأي أن معظم المتحاورين هم من الطلبة أو المريدين ممن لا تأثير أبدا لديهم في طائفتهم... و بنفس القدر لا أعول كثيرا على الحوارات التي تجري تحت مظلة الرسمي, فإنها تفضي في النهاية إلى ما يريده الرسمي, ويمكن أن تساعد أو تمهد كثيرا الطريق, ولكن برأيي لا توصلنا إلى نهايته.... فالحوار الفكري الخلاق في رأيي هو ذلك الذي يجري وجها لوجه وبأسماء صريحة عبر الصالونات الثقافية, أو بمبادرات فردية بين النخب والرؤوس للمذهب أو الطائفة ولأولئك الذين لهم كاريزما لدى أتباعهم الذين سينساقون فورا إلى رأي شيخهم أو مرجعيتهم الفكرية أو الطائفية.... وهؤلاء ولا شك فضلا على أن تجارب السنين أنضجتهم فإنهم يتمتعون ببعد النظر وتغليب المصلحة العليا للأمة والوطن على اختلافات طائفية مهما تشعبت... ويمكن للانترنت أن تمهد لهذا الحوار شريطة أن تستقطب رموز فكرية وطائفية تتساجل وتتحاور بأسمائها الحقيقية, أما غير ذلك فأكثره ترف لا يؤدي إلى نتيجة" .
وعن نصيحته للقائمين على منتديات الحوار وإذا ماكان يرى ضرورة حظر هذا النوع من الحوارات يقول:" أنا مع فسح المجال للحوار وإعطاء الشباب فرصة للتحاور شريطة أن يلتزم المتحاورون بآداب الحوار, فهو تمهيد جيد ونوع من التدريب الحقيقي وغرس فضيلة الحوار والنقاش والاستماع للرأي الآخر. صحيح أنه لا يؤدي كما أسلفت إلى نتائج ملموسة وحاسمة في مواقف الشباب بقدر ما إذا كان الحوار بين نخب ومرجعيات حقيقية تتمتع بالكاريزما لدى المريدين ويكون صوتها مسموعا ومطاعا, إلا أن إعطاء الفرصة للشباب هو مجرد تمهيد لخلق مناخ صحي للحوار بين الأطراف وصقل لنفوسهم وتدريب لملكاتهم".
ويضيف :" سيكون الحوار أكثر جدوى قليلا لهؤلاء الشباب بوجود ضيف له وزنه يتحاورون معه, وتدور هذه الاستضافة بين مختلف المذاهب والتيارات لإعطاء نوع من التوازن والعدل والموضوعية المهنية لكل الأطياف والمذاهب.... والخلاصة أنني أدعو بقوة لفتح باب الحوار بين الشباب شريطة وجود ضوابط تأخذ بالحوار إلى آدابه وشروطه كي يؤدي إلى نتيجة".
التعصب للرأي يهدر فرص الاستفادة من الحوار
الأستاذة الدكتورة أمل المخزومي أخصائية الطب النفسي اعتبرت أن تجربة الحوار الالكتروني جديدة على الساحة ومثيرة لحب الاستطلاع لدى الجمهور، تقول: "هناك من هو مهيأ لخوض هذه التجربة وآخرون يسيطر عليهم التعصب والاندفاع ونبذ أفكار وآراء الغير".
وتضيف: "للتواصل الالكتروني ايجابياته وسلبياته ومن هذه الايجابيات أنه:
1- يساهم في تطوير الأفراد وذلك باطلاعهم على المستجدات العالمية من جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والعلمية والفكرية والأدبية والدينية والاجتماعية والأسرية ...الخ .
2 - يساعد على تكوين صداقات مع مختلف الشعوب .
3 - يختصر مسافات الاتصال مع مختلف أنحاء العالم .
4 - يساعد على اكتساب مواهب جديدة وذلك عن طريق الدورات والدروس المجانية التي تقام في المنتديات أحيانا .
أما سلبياته فمنها :
1 - استخدام الأسماء المستعارة التي تساعد على تخفي الشخص ومن هذا المنطلق تسهل له ما يشاء من الإساءة للآخرين - إذا كان مستعدا لذلك - وهناك مئات لا بل الآلاف من التجاوزات التي تقع بسبب ذلك التخفي.
2 - يشوب الحوارات التعصب للرأي مما يضيع فرصة الاستفادة منها خاصة في المجالات السياسية والدين.
3 - الابتعاد عن الجدية، فهناك بعض الأفراد يلجئون للمنتديات بغرض السخرية والاستهزاء ويمارسون سلوكيات غير لائقة.
وعن الشروط التي تساهم في السيطرة على السلبيات تقول:" ينبغي أن يبنى الحوار على أسس من الاطمئنان والثقة بين الطرفين وإلا ضاع الاثنان في تلاعب الواحد بمقدرات الآخر كما هناك من الشباب والشابات وحتى الكبار من تحلو لهم تلك اللعبة لأسباب عديدة منها الفراغ ومنها الانتقام أو التلذذ بعذاب الآخرين الذي نعتبره نوع من السلوك الانتقامي العدواني. وتلافيا لذلك على الإنسان أن يكون حريصا على فهم واستيعاب شخصية من يواجههم في ساحات الحوار".
وعن آلية الطرح للمواضيع الشائكة تقول: " ينبغي أن يكون طرح الموضوع واضحا من حيث الهدف مثل أي موضوع آخر نتناوله في حياتنا اليومية، و إذا حدث التباس لابد على الكاتب أن يوضح فكرته دون انفعال ليعطي فرصة أخرى للحوار ويساعد الآخرين على التفكير في ما يرمي إليه... وعلى القارئ كذلك أن يدرك أنه يناقش الفكرة لا الشخص حتى لايندفع في طريق الخلاف الشخصي بعيداً عن مناقشة فكرة ما بموضوعية".
وتضيف الدكتورة أمل المخزومي عن الدور الإداري المطلوب في المنتديات لإدارة الحوار بالشكل المطلوب قائلة:" في الواقع لايوجد برنامج يحقق نتائج سحرية وذلك لأن الحالات التي يواجهها الفريق الإداري للمنتديات تختلف وتتنوع باختلاف المشتركين.... والمهم هنا أن تضع الإدارة في اعتبارها أنها تتعامل مع أناس مختلفي الأذواق والأغراض وقد يقع نوع من اللبس والاختلاف وعليه أدرج بعض النصائح في ذلك :
1 ) مواجهة الاختلاف في الرأي برحابة صدر .
2 ) المحافظة على الاحترام بين الأعضاء وعدم ترك المجال لاستخدام ألفاظ غير مناسبة.
3 ) التدخل لمنع الإساءة وإيقافها في الحال .
4 ) التأكيد على الجوانب الأساسية في الحوار والاستفادة منها .
5 ) الاستفادة من الأفكار المهمة والجديدة والمبدعة وذلك بتشجيعها وتفعيلها كي يتم التطوير والتوسع في مجالات الطرح.
6 ) العمل على أن تكون الأهداف من الحوار عامة وليست شخصية .
7 ) الحرص على أن تتناسب المواضيع المطروحة مع الأذواق ومشارب الناس كي تكون مؤثرة وفعالة .
حرية التعبير وواجب الإصغاء
الوجه الآخر لحرية الحديث هو وجوب الإصغاء، فإذا منحت لنفسك تلك الحرية التزم بواجبك حيالها.... مقولة جميلة قرأتها لأحد علماء الاجتماع وبدأت بها حواري مع الدكتور عبدالله السعداوي أخصائي علم الاجتماع الذي يؤكد أنها قاعدة هامة ينطلق منها الحوار الصحي ويقول: "الإلمام بثقافة الحوار أهم من فتح القنوات له عشوائياً وبعد متابعتي لنماذج من المشاكل الدارجة في منتديات الحوار الإلكتروني أستطيع أن أقول أنه لاتوجد مشكلة في هذا الحوار بحد ذاته سوى أنها مشكلة نعانيها مع أنفسنا في كل حوار وإن اختلفت الأدوات... فنحن نبحث عن مساحة حرة للتعبير وفي نفس الوقت نريدها مساحة لرأينا فقط ولحريتنا فلانتقبل رأي آخر ولاصورة أخرى من الحرية التي ينشدها غيرنا بشكل مختلف... كما أننا نود أن ننتقد ولكن لم ننجح مع أنفسنا في تدريبها على تقبل الانتقاد ولم نعتد على الوضوح... فأكثر لحظات حدة الحوار حرجاً على نفسك بوسعك أن تتجاوزها بموقف بسيط تخبر به الطرف الآخر عن ما تشعر به إزاء أسلوبه ليعود الحوار إلى مساره الطبيعي بدلاً من أن يتحول إلى خلاف شخصي بسبب المشاعر السلبية".
وعن مقومات الحوار الصحي التي يجب على المتحوارين مراعاتها يقدم الدكتور السعداوي نصائحه لأطراف الحوار، يقول:
ـ استمع جيداً إلى مايود أن يقوله الآخر ولاتتعجل بالرد أو إسداء النصح أو النقد قبل أن تتأكد من أنك قد نجحت فعلاً بإستيعاب فكرته... فإن لم تنجح بذلك بإمكانك أن تستفسر وتطلب الإيضاح.
ـ وفقاً لاستيعابك لما ذكر تصور أنك تعرفه وأنه يجلس أمامك ويراك وحدد أهدافك من مخاطبته... هل تود أن تقنعه بوجهة نظر أخرى لتصل إلى نتيجة إيجابية معه؟ هل تود إهانته فقط؟ هل تود ذكر وجهة نظرك فقط وتعتقد أن القضية محسومة بالنسبة لك ولاتجد بداخلك مساحة لنقاشها أو التغيير من موقفك؟
لكل إجابة من الإجابات السابقة نتيجة مختلفة تنعكس على مسار الحوار وإذا كانت إجابتك الأولى فقط بنعم يمكنك أن تبدأ أو تواصل حوارك مع الآخر... أما إذا أجبت بنعم على السؤال الثاني أو الثالث فعليك مواجهة نفسك بحقيقة أنك لاتبحث عن الحوار أو الإقناع أو الاقتناع وبالتالي ليس من المناسب أن تضع مداخلة في هذا الموضوع.
ـ إذا شعرت بأنك قد أخطأت فمن الشجاعة أن تعترف، فكلما أسرعت بالتعامل مع تصرفاتك السلبية ستجد نفسك تتجه نحو الإيجابية وتعود بالحوار للمسار الصحيح .... وتأكد أنه بإمكانك دائماً أن تجد أسلوب مختلف لتواصلك مع الآخر وليس من العيب أن تغير أسلوبك لتنجح في الحوار حتى مع أكثر الأشخاص اختلافاً معك.
ـ تكون المشاعر والعواطف في أحيان كثيرة أقوى من قدرتك على التحكم فيها لتتمكن من صياغة أفكارك، في هذه الحالة عليك أن تنتظر إلى أن تهدأ هذه العواطف لتستعيد قدرتك على الرد متحرراً من سيطرتها عليك أو تحاول كما أسلفت أن تخبر الطرف الآخر بما تشعر به ليضعه بعين الاعتبار.
ـ لاتحاكم نفسك بنواياك وتحاكم الآخرين على تصرفاتهم أو تفعل العكس، فلتحكم على الآخرين دائماً كما تحكم على نفسك وبنفس المقاييس مع مراعاة الظروف التي يفرضها عليكما المكان.... ففي الحوار الإلكتروني أنت تعرف نفسك لكن الطرف الآخر لايعرفك ولايعرف نواياك وإن كانت صادقة لذلك لا تعتبر حسن النية المبيت لديك كافياً مالم ترفقه بتصرفات تعززه لدى الآخر عنك.
ـ التسامح هو العامل الأهم لخلق علاقات صحية... فمها حصل بينك وبين الآخرين بإمكانك دائماً أن تختار ردة فعلك.... فالعلاقات الصحية هي نتاج مجهود تبذله واختيارات وردود أفعال متعقلة.
ـ لا أحد منا بوسعه أن يدعي الكمال... وعليك أن تصارح نفسك مجدداً وتوجه السؤال لها هل الأفضل أن أكون على حق أو الأفضل أن أخرج منتصراً؟، الإجابة يلمسها الآخرون من ردة فعلك فإن كنت باحثاً عن الحق ستبحث عن الحقيقة لدى الآخر أولاً... وان أردت أن تنتصر لرأيك فقط فستبدأ بالتعصب لذلك الرأي والتأكيد على أنه صواب لايحتمل الخطأ.... الحوار يعني قناعة لن تصل إليها إلا في الخاتمة، فلا تبدأ وتحسمه بقناعة تحملها بداخلك... امنح لنفسك الفرصة لتختبر صحة وثبات قناعتك في مواجهة قناعة أخرى.
ـ الطريقة الأمثل للارتقاء بالآخر هي تحفيزه على ذلك بأسلوبك ليتبع خطاك... أما إذا كنت تنتظر من الآخر أن يتغير لتصل معه إلى حوار متزن فهذا يعني أنك شخصية اتكالية... احذر من أن تقع فريسة لوهم يسكنك ويقول: " ليس بوسعي عمل شيء إلى أن تتغير أنت وتطور أسلوبك" فهذه الجملة تقودك نحو السلبية وتنعكس منك على الآخر بردة فعل تجعله يقاوم التغيير الذي تنشده".