عربيات في لقاء خاص مع رجل الأعمال السعودي الشيخ عبدالمحسن الحكير
عربيات - خاص: نظر إلى المملكة ورآها قارة كبيرة لكل مدينة من مدنها مقومات خاصة للجذب السياحي، فرسم على خارطتها استراتيجية يهدف من خلالها إلى تفعيل حركة السياحة الداخلية... وأدرك بأن السياحة أحد أهم روافد الاقتصاد فأراد أن يعكس مسارها لتتحول المملكة من تصديرها إلى استيرادها... وقد كان شعاراً يرافق مشاريع مجموعة الحكير وراء سعينا إلى إجراء لقاء مع رجلها الأول الشيخ عبدالمحسن الحكير... ذلك الشعار هو (دعم السياحة الوطنية)، وهو الشعار الذي ندرك أن تطبيقه يعني الكثير في مرحلة تتطلب أن يضطلع القطاع الخاص بدور أكبر في دعم الاقتصاد الوطني وفي تبني برامج تهدف إلى خدمة المجتمع... وهو كذلك شعار ظل يحمله ضيفنا على عاتقه خلال فترات رئاسته لعدد من اللجان الوطنية والخليجية والعربية... في هذا الحوار تصحبكم عربيات في رحلة سياحية لأعماق رجل السياحة الشيخ عبدالمحسن الحكير لنتعرف على معالم رؤيته لقطاع السياحة، ومفهوم الترفيه العائلي، وقراءته الخاصة لعدد من التحولات الاجتماعية والاقتصادية بانعكاساتها المختلفة على حاضرنا ومستقبلنا .
الشيخ عبد المحسن الحكير، تعد من مؤسسي صناعة السياحة بالمملكة، فكيف كانت البداية؟ ولماذا وقع اختياركم على الاستثمار في هذا المجال؟
في الواقع نحن بالأساس تجار، إلا أننا اتجهنا إلى إنشاء أول مدينة ترفيهية في لبنان، ووجدنا بعد حوالي خمس سنوات من نجاح تلك التجربة أن الإقبال كبير جداً على المدينة الترفيهية من جانب السياح الخليجيين بشكل عام والسعوديين بشكل خاص... فكان هذا الإقبال مؤشراً على حاجة أبناء الوطن لمشروع مماثل، مما دفعنا إلى محاولة استصدار تراخيص لافتتاح مدينة ترفيهية بالرياض... ولكن بالطبع لم يكن من السهل الحصول على هذا النوع من التراخيص آنذاك ووجدنا أن غيرنا كذلك قد تقدموا بطلبات مماثلة إلا أنها ظلت قيد الدراسة... فرأى والدي يرحمه الله أننا نملك عناصر تدعم مطلبنا وتؤهلنا إلى أخذ زمام المبادرة... أولها، خبرتنا السابقة في إنشاء وإدارة هذا النوع من المشاريع... ثانيها، أننا لمسنا بالفعل حاجة المجتمع لها... وثالثها، أننا ندرك أن المملكة كانت تخطو خطوات جادة نحو التنمية والتأسيس لمشاريع جديدة ووضع اللوائح والأطر المناسبة لها، ومن هنا رأى الوالد يرحمه الله أنه لدعم هذه المجهودات والتعجيل بأن تتحول إلى واقع ملموس لابد من المبادرة بإقامة المشاريع والعمل على أن تكتسب ثقة المسؤولين... فسافرت مباشرة لشراء المعدات وأدخلناها بجمارك رسمية وقمنا بتركيبها وتشغيلها... إلى أن صادف أحد الأيام مرور الملك فيصل رحمه الله بأحد المواقع التي أقمنا عليها مشروع المدينة الترفيهية في الرياض فقام باستدعائنا وذهبت أنا ووالدي يرحمه الله إليه... وسألنا: ( من سمح لكم بإقامة هذا المشروع؟ )... أجاب والدي بأن أحداً لم يسمح لنا بذلك كما أن أحداً لم يمنعنا، وبدأ يوضح للملك وجهة نظره حتى قال لنا الملك فيصل طيب الله ثراه: ( هذه هي إرادة وعزيمة رجل الأعمال الحقيقي التي لايغلبها أحد... وقد حصلتم على ترخيصكم بعملكم، اذهبوا وبارك الله لكم في مشروعكم )... ومنذ ذلك الحين أسهمنا بوضع اللوائح المطلوبة لهذا النشاط الجديد وتوسعنا بإنشاء المدن الترفيهية والمشاريع السياحية في مختلف مناطق المملكة .
ضمن إطار خططكم التوسعية من الملاحظ أن مشاريع المجموعة السياحية والترفيهية لم تقتصر على المدن الرئيسية للمملكة، فهل هي محاولة لخلق مقومات سياحية في مختلف مدن المملكة لاستقطاب السياح، أو أن مشاريعكم تستهدف سكان المنطقة فقط؟
بالفعل نسعى إلى أن تغطي مشاريعنا السياحية والترفيهية جميع مناطق ومدن المملكة وهذا لأننا وجدنا في كل منها عناصر جذب سياحي ومميزات لم تستثمر بعد لاستقطاب الزوار من داخل أو خارج المملكة... ومن جهة أخرى نحن نستهدف بالتأكيد أهل المنطقة ونحرص على أن تتوفر خدماتنا لهم .
في أحد تصريحاتكم تحدثتم عن إمكانية توظيف السياحة لدمج شرائح المجتمع، فهل المقصود توحيد الفعاليات والبرامج الترفيهية والسياحية؟
لا، في الواقع لدي رؤية مختلفة، فأنا أرى المملكة قارة كبيرة... كل منطقة على خارطتها لها خصائصها ولها مايميزها عن المنطقة الأخرى، وكذلك في نفس المنطقة قد نجد مميزات مختلفة لكل من مدنها، بل أن المدينة الواحدة قد يختلف شمالها عن جنوبها وغربها عن شرقها... ومن هنا لابد من المحافظة على طابع كل منطقة، والتعامل مع هذا الطابع كعنصر جذب ترتكز عليه الفعاليات و المهرجانات والمشاريع الثقافية والسياحية والترفيهية... أما الهدف من ذلك فهو تفعيل لحركة السياحة الداخلية وتوسعة لنطاقها، بآلية ترى التنوع عنصر ثراء للمجتمع وتوظفه لتحقيق الاستفادة والاحتكاك والتعرف على التقاليد الأصيلة والحضارة العريقة والمنجزات المعاصرة لكل منطقة... وباستمرارية تكفل انتعاش السياحة الداخلية على مدار العام.
هل هذا يعني أن رؤيتكم ترمي إلى توظيف السياحة والبرامج الترفيهية لخلق نوع من الوحدة والتعايش الصحي بين فئات المجتمع؟ أو لعلها تكون على سبيل المثال الوجه الآخر لتجارب ناجحة في هذا الإطار مثل الحوار الوطني؟
في الواقع الوحدة قد حققها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه عندما وحد هذه المملكة المترامية الأطراف... والتعايش قد عرفناه طوال السنوات الماضية بين أبناء وطن واحد مترابط يختلف أفراده اختلاف صحي وطبيعي إلا أنهم يدينون بالولاء والحب والانتماء لهذا البلد... فنحن إذن لا نوحد، ولا نخلق التعايش من العدم... ولكننا نشعر أننا رجال الملك عبدالعزيز ومن هذا المنطلق نسعى إلى الحفاظ على رؤيته الوحدوية ونعمل على تحويلها إلى رسالة تنموية هي امتداد للماضي وأمان للحاضر وأساس لبناء المستقبل .
ماهو المطلوب أو المفقود لتحقيق هذه الرؤية؟
في صناعة السياحة تحديداً نحتاج إلى نقلة نوعية، وللتوطين لهذه النقلة نحتاج إلى دعم أمانات المدن والهيئة العليا للسياحة وكذلك وزارة الثقافة والإعلام... لأن تضافر الجهود بين هذه الجهات وتنسيقها مع المستثمر كفيل بأن يجعلنا نقدم مشاريع سياحية ناجحة لها أبعاد اجتماعية وثقافية هادفة .
لعل هذا ينقلنا إلى مفهوم التعليم من خلال الترفيه وهو من أحدث المفاهيم التعليمية والتربوية، فكيف وظفت مجموعة الحكير هذا المفهوم ضمن مشاريعها؟
افتتحنا سلسلة من المراكز العلمية الترفيهية، منها مركز ( عبقرينو ) الذي نقدم من خلاله فرص للاستكشاف البيئي والعلمي والمهني واكتساب المهارات في فنون الطهي والهندسة وعلوم الفلك والنجوم وغير ذلك، كما نقدم من خلاله العروض ثلاثية الأبعاد التي تصحب المشاهد في رحلة مثيرة بأعماق البحار أو فوق قمم الجبال... أما مركز( هابي فارم ) فينفرد بتقديم ألعاب مستمدة من البيئة الزراعية ليتعرف الزائر على منتجات وأدوات الزراعة والعناصر الجمالية في هذه البيئة، وعملياً يخرج بحصيلة من المعلومات مرفقة برسالة توعوية للحفاظ على البيئة التي استمتع بجمالها.
كذلك ضمن المبادرات الرائدة لمجموعتكم طرحتم مؤخراً برنامج لتنمية الإبداع ورعاية الموهوبين، فماهي الآلية التي يعتمد عليها هذا البرنامج؟
ثروتنا الحقيقية في هذا الوطن هي فئة الشباب التي تقدر بحوالي 60% من إجمالي سكان المملكة، ومن هنا اتجهت المجموعة إلى طرح عدد من برامج التدريب والتأهيل وافتتاح المراكز المتخصصة لها.... ثم أردنا من خلال هذا البرنامج أن تواكب المجموعة ومشاريعها المستقبل الذي تمثله هذه الفئة.... فقمنا بطرح دعوة مفتوحة للشباب تحت سن الثلاثين للانضمام لبرنامج يهدف إلى الكشف عن الطاقات الإبداعية ورعاية الموهوبين وتبني الأفكار المبتكرة وتطبيقها في مختلف المجالات.... كما أن نفس البرنامج يستهدف الاستفادة من ذوي الخبرة من المتقاعدين، لنستلهم الأفكار الخلاقة والجديدة من الشباب وندعمها بخبرة الكبار حتى تجد طريقها إلى أرض الواقع... فمشكلتنا الأساسية اليوم هي أننا لسنا كمن ابتكر مثل ألمانيا أو اليابان، ولسنا كمن طور مثل الدول الآسيوية... لذلك نحن بحاجة إلى أن نخرج بصيغة خاصة ومتوازنة تتوفر لها مقومات النجاح وتتميز بطابعها الوطني .
من خلال تجربتكم هل وجدتم أن استيعاب مفهوم السياحة والترفيه يتفاوت من مكان لآخر؟ أو أن بعض الآليات مقبولة في منطقة ومرفوضة في أخرى؟
الملاحظة البارزة والمخالفة للتوقعات هي أن المدن الصغيرة أو التي لم تعتد على هذا النوع من المشاريع كنا نجد لدى أبناءها تقبلاً أسرع وإقبالاً أكبر من المدن الرئيسية في المملكة، ربما لأن لدى الأهالي رغبة كبيرة وتعطش لوجود هذا النوع من المشاريع، كما نجدهم في الكثير من الأحيان يسعون معنا لتذليل أي عقبات تواجهنا لشدة حرصهم على استمرار المشروع .
5% فقط من المجتمع ترفض مفهوم الترفيه العائلي... ولكن!
بما أنكم قد تطرقتم للقبول الاجتماعي فالملاحظ أنه في السنوات الأخيرة قد ازدادت موجه الرفض والانتقادات لمفهوم (الترفيه العائلي) الذي تتبناه مجموعتكم، فماهو تفسيركم لذلك؟
علينا أن ندرك أن المجتمعات في كل حقبة تشهد تحولات في مختلف مناحي الحياة ونحن اليوم نعيش نموذجاً لهذه التحولات... فبالنسبة للانتقادات على تخصيص مشاريعنا السياحية والترفيهية للعائلة، أرى بالفعل أنها موجه قد ازدادت حدتها في الثلاث عقود الأخيرة... وهذا يكشف - مع الأسف - عن أننا قد ارتقينا مادياً وتراجعنا اجتماعياً، حيث بتنا نفتقد إلى الشيء الكثير من الوعي الاجتماعي الكفيل باستيعابنا لواقعنا وطبيعتنا ومتطلباتنا المعاصرة، بل ونفتقد في الكثير من الأحيان إلى موضوعيتنا في القياس والحكم على الأمور... فالترفيه والمناسبات والفعاليات والمهرجانات لو نظرنا إليها نظرة تاريخية سنجد أنها في واقع الأمر كانت موجودة على مر التاريخ كجزء لايتجزأ من عاداتنا وتقاليدنا وحياتنا في مختلف مناطق المملكة، وكان يشترك فيها الرجال والنساء والصغار والكبار على حد سواء لإدخال البهجة إلى نفوس الجميع... وأدلل على ذلك بمناسبة قطف الثمار في نجد وهي أعظم من المهرجانات التي نراها اليوم لأن الجميع كان يحتشد لاحياها من النساء والرجال، كذلك كان مهرجان أيام الحصاد في الجنوب وغيرها من الاحتفاليات الكبيرة التي كان المجتمع أكثر انفتاحاً وإقبالا عليها... وعلينا أن نتسائل لماذا توقفت؟ ولماذا تغيرنا؟.
دعني أوجه لكم نفس السؤال، لماذا توقفت؟ ولماذا تغيرنا؟
في الحقيقة لا أدري، ولكن يبدو أن عنصر الخوف بات يحكمنا وسوء الظن يغلبنا في الكثير من الأحيان حتى أصبح هناك من يخشى من أن تتقاسم الأسرة بجميع أفرادها لحظات الفرح والسعادة والاستفادة في مكان واحد... أنا شخصياً مشاريعي تستهدف الأسرة ولايمكنني أن أقدم مشروع ترفيهي وأحرم الأسرة التي تتكون من رجل وامرأة وأطفال من حق أن يشتركوا معاً في الاستمتاع به والاستفادة منه، خاصة وأنه لايوجد مايخالف الشرع ولامايخالف عاداتنا وتقاليدنا التي تقر ذلك... وكما أسلفت يحفل ماضينا بفعاليات من هذا النوع كان كل من أطرافها يمارس حقه خلالها محترماً حق وخصوصية الآخرين، فإذا ظهرت اليوم ممارسات دخيلة يرتكبها البعض في هذه البيئة الصحية، لابد أن ننتقد من يرتكبها ونعمل على تقويمه لا أن نبحث عن حرمان الأسوياء من مشاريع أنشئت لخدمتهم .
كيف واجهتم هذه الموجة من الانتقادات والمطالب بفصل الرجال عن النساء في منشئاتكم الترفيهية والسياحية؟
واجهناها بشكل عملي فعندما بدأنا نلاحظ وجود بعض الاعتراضات والانتقادات التي تصل إلينا أو إلى المسؤولين شعرنا بشيء من المفاجأة وتسائلنا: إذا كان المجتمع رافضاً لمشاريعنا الترفيهية والسياحية فمن هو الجمهور العريض الذي يرتادها طوال هذه السنوات؟.... لم نتجاهل الشكاوى ولم نستجب للمطالب دون تفكير بل اتجهنا إلى استطلاع الآراء وخرجنا بنتيجة مفادها أن السواد الأعظم من مجتمعنا يشعر بالرضا عن الخدمات التي نقدمها وعن آلية تقديمها، بينما 5% فقط ترفض الآلية أو فكرة تخصيصها للعوائل.... إلا أنه ثمة فارق هام بين الفئتين، فالفئة الأولى لاتبادر بالتعبير عن رضاءها ولاتعرب على شكرها أو تقديرها أو تسعى إلى إيصال رؤيتها، بل تكتفي بالاستمتاع والاستفادة وتنتظر أن تسألها لتعطيك رأيها... أما الفئة الثانية التي تنتقد فتحرص على تسجيل رأيها ونشره بين أفراد المجتمع وإيصاله للمسؤولين... واكتشفنا كذلك أن هذه النسبة الضئيلة من المنتقدين لديهم إصرار على الانتصار لمطالبهم، وإن كلف الأمر أن يقوم الشخص الواحد منهم بكتابة ألف رسالة اعتراض بألف اسم مختلق لأشخاص لاوجود لهم... ونتيجة هذه الدراسة المسحية التي أجريناها لاتستفيد منها مجموعة الحكير فقط، فهي قد كشفت عن عادة أو ثقافة جميلة كنا نتحلى بها ويبدو أننا فقدناها وهي ( ثقافة التقدير )، كما كشفت عن مشكلة نعيشها ويجب أن نتداركها حتى لا نخطئ في عملية قياس الرأي التي نبني عليها قراراتنا.... فلابد من أن نعمل على معرفة مختلف الآراء بشتى الوسائل المتاحة وأن يعلم كل فرد أنه من واجبه أن يسجل شكره وتقديره كما يمارس حقه بالنقد والاعتراض .
هل فكرتم بخوض تجربة تخصيص ( بعض ) منشئاتكم فقط للنساء والأطفال استجابة لهذه المطالب ؟
لا، لأن لكل مستثمر شريحة مستهدفة وأنا أستهدف الأسرة في مشاريعي ولا أجبر من لايناسبه ذلك على الاستفادة منها... لابأس من أن تكون الخيارات متعددة، فأنا أوفر مشاريع سياحية وترفيهية للعوائل وآخر يوفرها للرجال فقط وغيرنا يوفرها للنساء فقط ولنترك الحرية للمستثمر وللزائر دون أن نفرض خيار واحد فقط على الجميع .
قريباً،، نصف وظائف الحكير للنساء
بما أن المرأة أحد عناصر شريحتكم المستهدفة فكيف يثمن الشيخ عبدالمحسن دورها في الأسرة والمجتمع والعمل اليوم؟
أؤمن بأن المرأة هي التي تقود الأسرة والمجتمع لأنها بمشاركتها الفاعلة تدعم الرجل وتقوم على تربية الأبناء... وقد حققت المرأة السعودية انجازات عديدة استحقت على ضوءها أن تنال الثقة في كافة المجالات... لذلك تعمل المجموعة ضمن مشاريعها على تخصيص مساحة أكبر للمرأة كعنصر عامل أو مستفيد من خدماتنا .
المرأة السعودية كعنصر عامل في مشاريع الحكير لاتبدو أمنية، حيث يلاحظ الزائر لمنشئاتكم أن عدد من الوظائف تشغلها النساء فماهو تقييمكم لهذه التجربة؟
أعتقد أن تجربة توظيف المرأة في مشاريعنا الترفيهية والسياحية ناجحة بكل المقاييس خاصة وأننا قد قمنا بتطبيقها بشكل مدروس وفقاً لمتطلبات العمل وكفاءة المرأة في إدارة كل مايتعلق بالطفل، لذلك أسعى الآن إلى افتتاح ثلاث معاهد تدريبية للنساء... ونهدف كذلك من ضمن خططنا المستقبلية إلى أن يكون نصف الموظفين في مشاريعنا من النساء .
هل من شروط معينة تضعونها لتوظيف النساء؟
لاشيء يختلف عن الشروط التي نفرضها على الرجل سوى الالتزام شكلاً ومضموناً، والمواظبة... فلم نواجه أي مشاكل مع مسألة التزام المرأة السعودية العاملة لأنها بطبيعتها ملتزمة، أما المواظبة فلابد أن أشيد بتجربتنا مع الموظفات في الأحساء وجازان حيث حققن أعلى درجات في المواظبة والجدية في العمل وكن ولازلن نموذجاً يحتذى به ومحفزاً لنا للمضي قدماً في توظيف النساء .
أشرتم في معرض حديثكم إلى المهرجانات الشعبية القديمة، فما هو تقيمكم للمهرجانات المعاصرة التي تقام في عدد من مدن المملكة؟
إقامة المهرجانات تعد خطوة بحد ذاتها جيدة وضرورية، ولكني أراها إلى الآن اجتهاد متواضع لا يوازي حجم المملكة... خاصة وأننا لدينا مناسبات عديدة يجب أن يستفاد منها بتحويلها لمهرجانات للجذب السياحي والثقافي والمعنوي.
هل من أمثلة على هذه المناسبات؟
نعم، في الطائف على سبيل المثال بوسعنا إقامة مهرجان سنوي للزهور مدته أسبوعين فقط من كل عام يرى خلالها الزائر صورة خلابة من أجمل إبداعات الخالق ولايضاهيها مثيل في جميع دول العالم... وفي المناطق الزراعية مثل القصيم والأحساء بوسعنا إقامة مهرجانات تحتفل بمواسم الحصاد وتتضمن جانب ترفيهي يمتزج ببرنامج ثقافي وتسويقي للمنتجات الزراعية التي تعتبر في غاية الأهمية للمملكة... أضف إلى ذلك العديد من المقومات السياحية الطبيعية التي لم تستثمر، فبلادنا فيها الحر والبرد والجبال والوديان والبر والبحر... ولنا أن نتصور بأننا نملك على البحر الأحمر مساحة 1700 كيلومتر لاتوجد عليها فنادق ولامنتجعات وهي ثروة معطلة الاستثمار... يقابلها استثمار على الجهة الأخرى في الأردن حيث نجد خليج العقبة 17 كيلومتر فقط يزوره 3 مليون زائر، و في إيلات 7 كيلومتر يزورها أربعة ملايين سائح، وفي مصر 600 كيلو يزورها 8 مليون سائح.
ماهي المعوقات التي تحول دون استثمارها؟
ليست هناك معوقات، وليست هناك تسهيلات .
كيف؟!
لايوجد مايمنعك عن الاستثمار في قطاع السياحة ولكن لاتوجد تسهيلات تدعم استثمارك .
وماهي التسهيلات المطلوب توافرها؟
أولاً: على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي يجب أن ندرك أن السياحة تمثل أحد أهم روافد اقتصادنا الوطني، ويجب أن نحذف من قاموسنا بعض المفاهيم الخاطئة عنها... فالبعض ترتبط كلمة السياحة في ذهنه بالترفيه أو الرفاهية وبالتالي يراها من الكماليات... والبعض الآخر يفسر السياحة بأنها مرادفة من وجهة نظره للـ( صياعة ) وإهدار الوقت فيما لاينفع... وفي الواقع حتى تنهض صناعة السياحة لابد من أن تكون مصحوبة بوعي وتقدير اجتماعي لدورها الهام بالنسبة للمجتمع... علماً بأنها من جهة تمثل امتداداً للضيافة التي تعد جزء من عاداتنا وتقاليدها العربية الأصيلة، ومن جهة أخرى تعد من أساسيات التوظيف وخلق فرص عمل مضاعفة وكفيلة بالإسهام في القضاء على البطالة ذلك أن كل مهمة تتطلب إلى وجود شخصين في الصناعة يقابلها في السياحة مهمة تتطلب إلى 20 موظف .
ثانياً: نحتاج إلى تسهيلات في منح فيزا الزيارة واحتفاء في المطارات، بل وفي الواقع نحتاج إلى مطارات جديدة تخدم المناطق السياحية .
ثالثاً: نحتاج إلى توفير الخدمات الأساسية في هذه المناطق من طرق معبدة ووسائل نقل وغير ذلك .
رابعاً: نحتاج إلى التسهيلات المصرفية التي تساعد على تمويل قطاع السياحة أسوة بالتسهيلات التي تقدم لقطاع الصناعة .
خامساً: نحتاج إلى سرعة اتخاذ القرارات بشأن التوصيات الصادرة عن اللجان الوطنية فيما يتعلق بقطاع السياحة .
على ذكر اللجان الوطنية ترأستم لجنة السياحة الوطنية بمجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية، ماهي الاستفادة التي تحققت لقطاع السياحة من هذه اللجنة؟
اللجنة أجرت خلال 15 عاماً دراسات عديدة وجابت جميع مناطق المملكة، وخرجت بتوصيات ومقترحات وأنظمة وتشريعات هامة لمستقبل السياحة السعودية .
وماذا بعد؟ هل تم تطبيق كل ذلك؟
نعم، وهنا تكمن المشكلة حيث أنه قد تم تطبيق واعتماد العديد من الخطط والتوصيات الصادرة عن لجنة السياحة الوطنية .
أين المشكلة إذن؟
المشكلة في أنها قد طبقت في دول خليجية وعربية بينما لم يستفاد منها محلياً!!... وهذا يعيدنا إلى أهمية سرعة اتخاذ القرار، خاصة وأن هذه اللجان والدراسات تكلف الدولة أموال طائلة، إذا وضعناها إلى جانب الفرص الاستثمارية المهدرة سندرك حجم الخسارة التي نتكبدها... ولنا أن نقيس على نفس التجربة ماقامت به لجنة السياحة والتسوق بدول مجلس التعاون الخليجي حيث شرفت كذلك برئاستها، غير أن ماتوصلنا إليه قد وجد طريقه إلى التطبيق في دبي وقطر والكويت وغيرها من دول الخليج بينما لايزال متعثراً عند مرحلة التفكير والدراسة لدينا .
لعل ذلك يعيدني إلى ما أشرتم إليه في بداية هذا اللقاء عن عنصر الخوف المتأصل في مجتمعنا، فهل له دور هنا في تأخير اتخاذ القرارات؟
بلا شك له دور، فنحن نخشى من أن نقع في الخطأ بالرغم من أن الخطأ هو عنوان الصواب... ولكن على حال قد يكون غيرنا اليوم أفضل منا إلا أننا لازلنا أفضل من غيرنا وتدارك الأخطاء كفيل بأن يجعلنا نلحق بمن سبقنا.
ماذا عن السياحة الدينية، ألا تبدو أكثر أنماط السياحة نجاحاً في المملكة لوجود الحرمين الشريفين؟
الحرمين الشريفين هما أعز مانملك، والثروة التي لاتنضب، ومجدداً الخير الذي لم يستثمر كما ينبغي .
كيف لم يستثمر وهما يستقبلان سنويا ملايين الزوار من مختلف أنحاء العالم؟
هذا أمر مفروغ منه... ولكن دعيني أخبرك بأن جميع دول العالم تنفق 10% سنوياً من إيرادات السياحة على حملات التعريف بالبلد والاحتفاء بالزوار بينما نحن البلد الوحيد الذي لايحتاج إلى ذلك .
لماذا؟
لأننا بلد الحرمين الشريفين، وِجهة ومقصد أكثر من مليار مسلم حول العالم فلا نحتاج إلى حملات دعائية لتعريفهم بأن السياحة الدينية متوفرة لدينا، كما أننا لو استقطبنا 5% منهم فقط سنوياً سنصبح أكبر دولة في العالم تستقطب السياح .
وماذا نحتاج لاستقطابهم؟
لاشيء سوى تسهيل الزيارة، وكلمة أهلاً وسهلاً... وعروض خاصة تتضمن برنامج متكامل للسياحة الدينية، والترفيهية، والثقافية، والاجتماعية، وسياحة التسوق، حتى يتمكن الحاج والمعتمر من تمديد فترة زيارته لتشمل ما يشاء اختياره من ضمن هذا البرنامج في أي منطقة من مناطق المملكة ونودعه في طريق عودته إلى موطنه بتجربة سياحية فريدة ومعلومات شاملة عن المملكة .
ولكن ألا تتفق معي بأن للحج والعمرة مواسم محددة وقصيرة ينحصر خلالها تدفق الزوار وقد يصعب التنسيق لبرامج من هذا النوع لهذا العدد الكبير؟
أختلف معك في ذلك، لأن ما لم نتنبه إليه حتى الآن هو أن السياحة الدينية لها مواسم على مدار العام غير التي نعرفها ونعترف بها... ففي دراسة قامت بها إحدى الشركات وجدت أن أعياد رأس السنة الميلادية تشهد تدفق أعداد كبيرة من المسلمين على الحرمين الشريفين لأنها توافق إجازات رسمية يحصلون عليها من دولهم التي تعترف بهذه الأعياد وبالتالي يختارون الاستفادة من هذه الإجازات بزيارة الحرمين الشريفين، وهانحن قد حصلنا تلقائياً على موسم سياحي دون أن نخطط له أو نعترف به... كما أن هناك تدفق مماثل في أشهر ربيع أول ورجب وشعبان وغيرها بحسب معتقدات واختيار كل زائر... هذه مواسم قد فرضت نفسها علينا ولم نستثمرها بشكل مدروس .
أشعر بأنك قد وضعتني في مواجهة تفسير واحد، فالدولة بالتأكيد تود أن تستثمر هذه الفرص التي بوسعها أن تدعم الاقتصاد بشكل كبير ولكن قد يكون العائق هنا في الوعي الاجتماعي وبعض المفاهيم الخاطئة التي تحول دون تقبل المجتمع لخطط السياحة؟
بكل تأكيد هذا غير صحيح، وإن وجد شيء من هذا القبيل في أذهان البعض فهو يرجع مجدداً إلى الخوف غير المبرر من برامج لم ولن نطالب بأن تضمن أكثر من العبادة والتسوق والمتعة البريئة لأفراد الأسرة في المدن الترفيهية والتعرف على الثراء الثقافي والاجتماعي الذي تتميز به المملكة... أما من يعتقد بأن مجتمعنا غير مهيأ بطبيعته للاحتكاك بالسياح أو تقبل اختلافهم عنا فاعتقاده مردود عليه، لأننا ببساطة نصدر سنوياً للخارج ملايين السياح السعوديين الذين يجوبون أقطاب العالم وينفقون في سبيل ذلك المليارات، هل بوسعنا أن ننكر ذلك؟
لا!!
إذن بما أننا نصدر السياحة فهذا يعني أننا بوسعنا أن نستوردها... والمواطن السعودي المضياف حتماً سيعامل الآخرين في بلده بمثل ما يحب أن يعاملونه به في بلدانهم .
إلى أي حد تأثرت السياحة السعودية بأحداث الحادي عشر من سبتمبر أو بعض الأحداث الإرهابية التي وقعت في المملكة؟
من الطبيعي أن يكون للأحداث السياسية أثرها على الاقتصاد بشكل عام والسياحة جزء من اقتصاد هذا البلد ينالها مايناله من ضرر أو انتفاع... إلا أن الاهتمام بالسياحة تحديدا بعد هذه الأحداث يعد في غاية الأهمية، وأعتقد بأنه سيكون الرد المناسب على المغرضين الذين يحاولون الإساءة لنا أو تشويه صورة مجتمعنا المعتدل والمحب للسلام... فمتى ما نجحنا باستقطاب السياح للتعرف على الواقع سيعود كل سائح إلى وطنه مدافعاً عن المملكة وحاملاً لصورة تتحدث عن نفسها لمجتمع متماسك، متدين، متحضر، نجح في أن يأخذ بأسباب الحضارة المعاصرة دون أن يفرط في ثقافته أو هويته... هذه الرسالة من وجهة نظري أكثر بلاغة وأصدق تعبير من إقامة المحاضرات والمؤتمرات أو إرسال الوفود للخارج .
سوق الأسهم السعودية والشركات المساهمة أصبحت الشغل الشاغل للمواطن السعودي الذي يعلق عليها آمال كبيرة، فكيف ترى مستقبل هذا القطاع؟
فيما يتعلق بسوق الأسهم أعتقد أن تأسيس هيئة السوق المالية كان خطوة موفقة أسهمت في تنظيم السوق... وألمس كذلك من خلال عضويتي لمجلس إدارة أكثر من 26 شركة مساهمة أن الهيئة سينعكس دورها إيجاباً على الصناعة والسياحة وكافة اقتصاديات الوطن... ولكن هذه الجهود لابد أن يدعمها القطاع الخاص مدركاً أننا بعد الإنضمام لمنظمة التجارة العالمية نحتاج إلى إعادة النظر في آلية إدارة الشركات لتواكب هذه النقلة... ولهذا السبب اشتركت ومجموعة من رجال الأعمال في إنشاء مركز الشركات العائلية .
ماهي أهداف هذا المركز؟
نهدف من خلال هذا المركز إلى تثقيف بيوت التجارة العائلية العريقة في المملكة والتي تشكل في واقع الأمر حوالي 90% تقريباً من الشركات السعودية، إلا أنها تعمل منفردة وهذا التوجه لم يعد مناسباً في المرحلة الحالية... لذلك نسعى إلى دعوة هذه البيوت لتحويل شركاتها إلى شركات مساهمة تحفظ كيانها وتكفل استمراريتها في ظل المتغيرات التي نشهدها اليوم والتي تتطلب فصل الإدارة عن الملكية .
أخيراً كيف ترى مستقبل الاقتصاد السعودي بشكل عام؟
الاقتصاد السعودي توافرت له بفضل الله ثم بفضل قيادتنا الحكيمة دعائم عديدة.... فنحن اليوم نملك البترول المؤسس لاقتصادنا ونملك غيره من الثروات الطبيعية، كما نملك الثروة البشرية... والأهم من كل ذلك هو أن اقتصادنا يحظى بدعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله الذي منحنا ثقة كبيرة في مستقبل الاقتصاد الوطني، وستسهم خطواته الرائدة في فسح المجال لفرص استثمارية جديدة وكبيرة... فإذا نظرنا إلى كل المعطيات التي تتوفر للمملكة اليوم سنجد أننا مهيئين لانطلاقة كبرى سيجني الجميع ثمارها من مستثمرين أو مواطنين .