جابر بن حيان، وضع أساس نظرية الإتحاد الكيميائي
"لم يكن جابر بن حيان كيميائيا فقط، بل كان كذلك فيلسوفاً يتصور الأمور كما يتصورها الفلاسفة من حيث محاولتهم أن يجمعوا أشتات الكون فى بنية واحدة يبحثون لها عن مبدأ أول ثم يفرعون منه الفروع".
- زكى نجيب محمود –
اختلف المؤرخون فى تحديد هويته، فقد قال بعضهم وهم الشيعة على وجه التحديد أنه كان من كبارهم وأنه كان صاحب جعفر الصادق ومنهم من قال أنه كان من البرامكة.
وقال بعض الفلاسفة أنه كان منهم وزعم صناع الذهب وهم الكيميائيين القدامى أن الرياسة انتهت إليه فى عصره وأن أمره كان مكتوماً كما وصل الأمر ببعض أهل العلم وأكابر الوراقين إلى انكار وجوده وأن لا حقيقة لرجل بهذا الإسم.
لكن دائرة المعارف البريطانية قالت عنه أنه من قبيلة أزد، القبيلة العربية التى قطنت جنوب الجزيرة العربية واستوطن بعضهم الكوفة بعد أن تهدم سد مأرب وذكرته الموسوعة الدولية بأنه كان كيميائياً شهيراً فى القرن الثامن للميلاد وكتبه ذات التأثير الواسع تعتبر من أول المؤلفات فى المعادن والتى نقلت إلى أوربا.
ولد جابر بن حيان فى مدينة طوس عام 721م، لأب كان يعمل بالصيدلة فى الكوفة وهاجر إلى طوس ليكون من دعاة العباسيين بها .
عاد جابر بن حيان إلى بغداد طفلا بعد قتل والده على أيدى الأمويين فى طوس ليتتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق فى العلوم الدينية ويقال أن جابر بن حيان قبل تأثره الثقافى بالإمام جعفر الصادق، كان تلميذا لخالد بن يزيد بن معاوية الذى عرف بأنه كان أول من تكلم فى الكيمياء من العرب واهتم بها ووقف عليها حياته بعدما ضاعت منه خلافة البيت الأموى.
عندما تغيرت الأحوال السياسية وانقلب هارون الرشيد على البرامكة وراح يبطش بهم فر جابر بن حيان من بغداد وظل متخفيا فى الكوفة يدرس ويواصل تجاربه العلمية فى الكيمياء ويصنف مؤلفاته حتى رحل عنها فى أخريات حياته إلى طوس "مسقط رأسه"، حيث وافاه الأجل هناك.
ترجع شهرة جابر بن حيان فى الكيمياء إلى أنه أول من غير الأوضاع والمفاهيم فيها فجعلها تقوم على "التجربة – الملاحظة – الاستنباط"، ودعا إلى استخدام العقل والاعتماد على الأدلة العقلية والتجارب العملية واستقصاء الحقيقة عن طريق المشاهدة، ووضع أصولا لذلك وردت فى كتابه "الإيضاح".
وفى كتابه "المائة والإثنا عشر" عارض جابر بن حيان ما كان يراه أرسطو من أن المادة تتكون من أربعة عناصر هى: الماء والهواء والنار والتربة، قائلا أن المعادن تتكون من عنصرين أحدهما دخان أرضى والآخر بخار مائى، اللذان باتحادهما يتكون الكبريت والزئبق ومنهما تتكون كل المعادن المختلفة.
كما وضع جابر بن حيان أساس نظرية الاتحاد الكيميائى الذى توصل إلى ما يشبهها العالم الانجليزى "دالتون" بعده بنحو ألف سنة.
ولو ذهبنا إلى ما وفق فيه جابر بن حيان من ابتكارات فى عالم الكيمياء والتى لم يسبقه أحد فيها سنجده أول من استحضر حامض الكبريتيك وأسماه زيت الزاج وعرف الصودا الكاوية وماء الذهب وفصل الذهب عن الفضة، ولم تزل طريقته هى المتبعة فى تقدير عيارات الذهب فى السبائك الذهبية حتى الآن. كما تنسب إليه عملية تحضير حامض الخليك بتقطير الخل. وقد كانت هذه العملية ذات أثر كبير فى تطور الكيمياء بوجه خاص حيث وضعت فى أيدى العلماء مفتاح سر من أسرار التحليل الكيميائى. وإلى جابر بن حيان يرجع الفضل فى اختراع الزجاج الأبيض وذلك باستخدام ثانى أكسيد المنجنيز، حيث كان فى عصره يصنع الزجاج مائلا إلى اللون الأزرق.
كذلك اكتشف جابر بن حيان طريقة لصباغة الجلود، كما حضر مادة مضيئة من كبريتيد النحاس تستخدم بدلا من الذهب فى كتابة المخطوطات الثمينة وهى التى تعرف اليوم بماء الذهب، واخترع مادة تقى الثياب من البلل وتمنع الصدأ، كما توصل إلى اختراع نوع من الورق غير قابل للاحتراق.
ومن أهم الكتب التى ألفها جابر بن حيان كتاب السموم ودفع مضارها حيث قسم فيه السموم إلى حيوانية مثل (مرارة الأفاعى – لسان الإبل – العقارب) وسموم نباتية مثل (قرون السنبل – الأفيون – الحنظل – الشوكران)، وأخيرا سموم حجرية مثل (الزئبق والزرنيخ – برادة الحديد)
ومن الكتب التى وضعها جابر بن حيان أيضا ووردت فى كتاب الفهرست لإبن النديم: كتاب الاستتمام، كتاب الاستيفاء، كتاب التكليس وترجمت جميعها إلى اللغة اللاتينية.
ومن كتبه أيضا: كتاب الخالص وكتاب الخواص، كما ذكر له بن خلدون كتابا اسمه كتاب السبعين وهو عبارة عن سبعين رسالة فى البحث الكيميائى.
هذا هو جابر بن حيان الذى أحدث أثرا كبيرا فى تقدم العلوم وخاصة الكيمياء مما جعله مستحقا لمكانته كواحد من نوابغ المسلمين بل من نوابغ الانسانية والذين كانوا لهم دور الريادة فيما وصلت إليه حضارة الإنسان اليوم من تقدم علمى باهر.