ابن ماجد، الرحالة العمانى الذى يرجع له الفضل فى اكتشاف طريق الهند عبر المحيط الهندى
حتى العشرينات من القرن العشرين لم يكن ابن ماجد معروفا إلى أن كشف المستشرق الفرنسى "جبراييل فراند" النقاب عن مخطوط عربى قديم يرجع عهده إلى القرن الخامس عشر، ونشر لأول مرة عام 1921م.
هذا المخطوط يحوى تسعة عشر مؤلفا فى الملاحة الفلكية، وفنون البحر لربان عربى من عمان، يدعى شهاب الدين أحمد بن ماجد السعدى والمشهور "بأسد البحر".
اعتبر هذا المخطوط والذى أسماه أحمد بن ماجد "كتاب الفوائد فى أصول علم البحر و القواعد"، أهم وثيقة فى الجغرافيا الفلكية والملاحية وصلت إلينا من العصور الوسطى، وأهميته تعود إلى أنه أقدم الوثائق الجيدة التى نعرفها والتى دونت عن الملاحة وفنون الإبحار فى البحار الجنوبية بين الساحل الشرقى لإفريقيا وبلاد الصين، كما ذكر فيها لأول مرة اسم لعلم جديد هو علم البحر بمعناه الواسع والذى يعرف اليوم بعلم " الأقيانوجرافيا"
فى هذه المخطوطة بين أحمد بن ماجد مقدار ما بلغه العرب من تقدم فى فنون البحر والملاحة حتى القرن الخامس عشر، ومدى تأثر البرتغاليين بالفكر الملاحى العربى وبالتقاليد والتعاليم الملاحية العربية بشكل عام وفى المحيط الهندى بشكل خاص، حتى أن أحمد بن ماجد كان المرشد لسفينة "فاسكو دى جاما" الملاح البرتغالى الشهير فى رحلته البحرية من ثغر ماليندى على الساحل الشرقى لأفريقيا إلى كلكتا عام 1498م، وقد اعترفت حكومة البرتغال نفسها بذلك الأمر مؤخرا فأقامت نصبا تذكاريا فى ماليندى تخليدا لذكرى هذه المناسبة.
ويحوى كتاب الفوائد لابن ماجد على مقدمة، واثنى عشر فصلاً، فى المقدمة يعرف ابن ماجد علم البحر بقوله "أنه من العلوم المضبوطة العقلية التى تمكن الربان من الوصول إلى البلد المطلوب دون ميل أو انحراف، وفيها يؤكد ابن ماجد على أهمية التجربة واكتساب الخبرة ..
كما يذكر فى الفصل الأول تطور علوم البحر على أيدى ربابنة البحر المشهورين أمثال محمد بن شاذان وسهل بن أبان وليث بن كهلان، كما يضع نفسه بين هؤلاء الربابنة الأوائل ويقول متواضعا أنه رابع الثلاثة، لكنه أكثر علما وخبرة على اعتبار أن بداية المتأخر هى نهاية المتقدم.
ويقول بن ماجد أن كل فن من فنون البحر له أصل ثم يعدد هذه الفنون كالآتى: السفينة ثم المغناطيس أو بيت الأبرة ثم (وردة الرياح)، ويحذر بن ماجد من الاعتماد على الأنجم والأخنان فى المضايق الخطرة، كما يقدم فى الفصل الثانى ملخصا للمعلومات والارشادات التى يجب على الربان الاحاطة بها ومنها معرفة المسافات والاشارات وحلول الشمس والقمر والرياح ومواسمها ومواسم السفر وآلات السفينة وما يضرها.
كما يشتمل الكتاب عن ذكر كامل لمجموعة الأخنان (وهى النجوم ومجموعاتها)، وقد قسمها ابن ماجد حسب درجة لمعانها إلى ست مراتب، ووضع ارشادات ملاحية للسير حسب هذه النجوم ليلاً. وفى أحد الفصول يتطرق ابن ماجد إلى بيت الأبرة التى تسمى السمكة، وهى البوصلة، ثم عن الباشى (وهو ارتفاع النجم فوق الأفق فى حالات معينة)، ويصف ابن ماجد الطوفان والرياح ومواقع حدوثها والعلامات الطبيعية التى تظهر تحت الماء و العلامات المميزة للمنطقة البحرية، كما وصف كثير من المعالم البحرية على شواطىء الهند وسيلان.
ولم يكتف ابن ماجد بوصف ساحل المحيط الهندى، لكنه وصف أيضا البحر المتوسط الذى كان يعرف بالبحر الرومى، وكيفية الوصول إليه بالدوران حول سواحل إفريقيا، كما وصف ابن ماجد الكثير من الجزر الكبار وبدأها بجزيرة العرب التى قال عند وصفها "أنها كانت منفصلة عن الأرض والتحمت بعد طوفان نوح، ثم وصف جزيرة القمر أو جزيرة مدغشقر ثم جزيرة سومطرة وجاوه وزنجبار وسقطرة التى تقع على مشارق بر الصومال.
هذا ما قاله الملاح العربى الفذ بن ماجد والذى لا يقل بحال من الأحوال عن اسمين كبيرين فى عالم الملاحة والبخر وهما فاسكو دى جاما، وكريستوفر كولمبس، فهو أيضا وفى زمن قريب من زمنهما اكتشف الطريق البحرى إلى الهند وإلى الصين والمالايو وأندونسيا وإليه يرجع الفضل فى اختراع الإبرة المغناطيسية أو البوصلة البحرية، كما يعتبر كتابه "الفوائد "، الذى لم يكشف النقاب عنه إلا فى منتصف العشرينات من هذا القرن يعتبر كنزا علميا من كنوز التراث العربى.