ولد ابن خلدون فى تونس عام 1332م، وتوفى بمصر عام 1406م عن ما يناهز الرابعة والسبعين.
يعود بأصله إلى وائل بن حجر من عرب اليمن، هاجرت أسرته من الجزيرة العربية لتستوطن فى الأندلس ثم هاجرت عنها واستقرت فى تونس.
فى تونس نشأ ابن خلدون فى مناخ العلم، وفى بيت كان يجتمع فيه علماء تونس وأدبائها، فقد كان والده تلميذا للفقيه الذائع الصيت الإمام الزبيدى.
فى منتصف القرن الرابع عشر الميلادى، اجتاح العالم وباء الطاعون الجارف فحصد الآلاف بمن فيهم الأب ومعظم العلماء الذين تلقى ابن خلدون على يديهم العلم فهاجر من أفلت من الوباء منهم إلى المغرب.
اضطر ابن خلدون تحت ضغط الظروف وكان فى الثامنة عشر إلى العمل فى الوظائف العامة، ولنبوغه فى ميدان الأدب والكتابة تولى الوظائف الهامة فى بلاط الحكماء وتدرج فى المناصب العليا وفى أثناء ذلك كان أيضا يتردد على مكتبات فارس فارتقت معارفه.
حدث أثناء وجود ابن خلدون فى بلاط السلطان فى فاس أن نجح فى إقامة علاقة صداقة مع سلطان غرناطة محمد الخامس انتقل على هديها إليه ليعمل فى خدمته لكن الوشاية أفسدت بينه وبين السلطان فترك الأندلس ورحل إلى المغرب، ثم رحل منها إلى تلمسان، لكنه لم يستطع القراءة و التأليف، فغادرها أخيرا إلى قلعة ابن سلامة فى الجزائر، وهناك أمضى هو وأسرته أربعة سنوات، نعم فيها بالاستقرار و الهدوء، وفى تلك القلعة بدأ فى كتابة كتابه العظيم فى التاريخ والذى أسماه: "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر فى أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر".
كما قدم ابن خلدون لهذا الكتاب ببحث عام فى الاجتماع الانسانى، وهو البحث الذى اشتهر فيما بعد باسم "مقدمة ابن خلدون"، وكان عمره حينئذ خمسة وأربعون عام .
كان ينقص ابن خلدون أثناء كتابته لهذا الكتاب المصادر الموسعة والكتب التى لم تكن متاحة له فى قلعة ابن سلامة لذلك رحل هو وأسرته إلى تونس، وظل فى تونس أربعة سنوات عاكفا على البحث و التأليف معتمدا على مكتباتها الغنية بكل ما يحتاج إليه من مراجع.
فى تونس أراد السلطان الاستعانة باين خلدون لكن ابن خلدون الذى عانى كثيرا تقلبات السياسة خاف أن ينقلب عليه السلطان مرة أخرى فآثر المغادرة وراح يقنع السلطان بفكرة الحج، وحين وافق الأخير ترك ابن خلدون أهله فى تونس، وأبحر إلى الإسكندرية التى وصل إليها فى أول أيام عيد الفطر ومنها ذهب إلى القاهرة.
فى القاهرة لقى ابن خلدون من علمائها وأهلها أحسن استقبال والتف حوله عدد كبير من طالبى العلم وهو يلقى محاضراته فى الجامع الأزهر وفى تلك الأثناء لم يتوقف ابن خلدون عن مراجعة كتابه "العبر" و المقدمة الخاصة به.
هروب ابن خلدون من أسر التتار
عندما غزت جحافل التتار شرق الدولة الإسلامية واكتسحت العراق و بلاد الشام توقفت عند أسوار دمشق وفى تلك الآونة خرج السلطان برقوق سلطان المماليك فى مصر على رأس جيش كبير ليصد زحف التتار، وكان أن اصطحب معه عدد كبير من العلماء و الشيوخ ومن بينهم ابن خلدون الذى كان يعجب به وبعلمه الواسع.
وفى دمشق وقع ابن خلدون فى الأسر حين كان يحاول الهرب ومن معه من حصار التتار لأسوار دمشق، وحدث أن عرض ابن خلدون على قائد جيوش التتار "تيمورلنك" الذى أعجب به كثيرا لفصاحة لسانه ووقار هيئته، فعرض عليه البقاء معه ليعمل فى خدمته، وافق ابن خلدون لكنه طلب منه أن يذهب أولا للقاهرة حتى يأتى بكتبه التى لا يستطيع أن يحيا بدونها، فتركه تيمورلنك ليرحل هو ومن معه بعد أن صدق أنه سيعود، وهكذا أفلت ابن خلدون من هلاكه المحتوم.
ونعود لمقدمة ابن خلدون التى كانت فتحا جديدا فى العلوم الإنسانية أسس بها هذا النابغة علما جديدا أسماه "علم العمران" أو ما يعرف الآن بعلم الاجتماع.
وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الغربيين تأثروا بأفكار ابن خلدون منهم على سبيل المثال "ميكيافيللى" الإيطالى و"مونتسيكو" الفرنسى، وآخرهم "أوجست كونت" الفرنسى والذى ينتهى إلى القرن 19. وأحد أعلام علم الاجتماع الحديث.
لقد قال " أرنولد توينبى " أشهر المؤرخين فى العصر الحديث :
" أن ابن خلدون أدرك وتصور .. وأنشأ فلسفة التاريخ ، ومقدمته بلا شك .. أعظم عمل من نوعه خلقه أى عقل فى أى زمان وأى مكان "