منارة حضارية 1405-1425
اقرأ في هذا القسم: |
في عام 1405-1406هـ انتقلت كافة المراحل التعليمية بمدارس (دار الحنان) إلى المبنى الجديد بجوار قصر خزام، الذي تقدر مساحة الأرض المقام عليها بحوالى 89000 متر مربع، وقد بلغت تكاليف الإنشاء حوالى 220 مليون ريال برعاية حرم الملك فيصل بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ وبإعانة من وزارة المالية والاقتصاد الوطني. ولم تكن المساحة الضخمة، والتكاليف الإنشائية المرتفعة بهدف أن تستوعب المباني عددًا أكبر من الطالبات فحسب، ولكن لتتوافق مع البرامج التعليمية والتربوية الحديثة بأساسياتها وكمالياتها مع نظرة مستقبلية لاستيعاب افتتاح كلية للبنات.
كانت الأميرة عفت - رحمها الله - ترى ذلك المبنى بمثابة المختبر التربوي والتعليمي والاجتماعي للفتاة السعودية.. تجري فيه التجارب الحديثة في التربية، وتتدرب فيه الطالبات على القيام بكافة الأدوار المطلوبة منهن في الحياة.
بينما كنا نراه ـ نحن الطالبات ـ (مدينة دار الحنان)، نسافر إليها كل يوم لنعيش فيها حياة متكاملة بكل صورتها التي ينشدها الإنسان من تعليم، وثقافة، وعمل، وتعارف، وتواصل اجتماعي، وتجارب جديدة، واكتشافات، ومساحات شاسعة، ومناظر طبيعية خلابة، ومرافق، وترفيه.
ساحة تفصل بين مبنى القسم المتوسط والثانوي (إلى اليسار) والمطعم (إلى اليمين) وتظهر مظلات تغطي منطقة الطوابير
الأمير عبدالله الفيصل - يرحمه الله - والأمير تركي الفيصل في افتتاح مبنى دار الحنان
الأمير عبدالله الفيصل - يرحمه الله - والأمير محمد الفيصل أمام مجسم المدرسة
المسجد من الداخل
مدينة مصغرة تابعة لمبنى المرحلة التحضيرية وكان يجري تغيير المجسمات لأغراض تعليمية
مساحات خضراء تتوسطها أحواض زراعة وأقفاص لتربية الحيوانات والطيور التي تقوم بالإشراف عليها جمعيات المرحلة المتوسطة والثانوية، ويظهر إلى اليمين مبنى القسم المتوسط والثانوي، وغلى اليسار مبنى القسم الابتدائي
صورة داخلية للمطعم
تطلب الانتقال إلى المدينة التعليمية الجديدة إيجاد نقلة إدارية، والعديد من الخطوات التطويرية، فصدرت (اللائحة التنظيمية) التي تنظّم العمل الإداري في المدارس بدءًا من مجلس الإدارة، ومروراً بالإدارة العامة، ومديرات الأقسام ومَن يتبعهن ليسير العمل في الدار بانسيابية.
ومن العناصر التي لعبت دورًا هامًا في النسيج الإداري الجديد كانت السيدة فائزة كيال التي تقلّدت منصب (وكيلة الشؤون التعليمية) آنذاك، وعنه تقول:
"عندما وضعت السيدة سيسيل التنظيم الإداري الجديد اختارتني لذلك المنصب، والذي تتبع له جميع المدارس التحضيرية والابتدائية والثانوية والمتوسطة، بينما تستقل كل من المدارس بإدارة خاصة تضم المديرة والوكيلة والمشرفات والإداريات".
ذلك الاختيار كان بحد ذاته يعكس التوجّه الإداري لتوزيع العمل على فريق كبير بوسعه إدارة المدرسة، بالإضافة إلى مراعاة خلق التوازن. فالسيدة سيسيل رشدي التي ظلت على قمة هرم الإدارة كانت تدرك أن طالبات الأمس قد أصبحن اليوم إداريات ومعلمات في (دار الحنان)، يلازمهن نفس إحساس الرهبة تجاهها، ولعلها لذلك السبب اختارت من بينهن شخصية تميزت إلى جانب كفاءتها الإدارية بلين الجانب، وقربها من الجميع؛ ممّا ساعدها على القيام بدور الوسيط، وحلقة الوصل بين الإدارة العليا والإدارات الفرعية. كما ساهم التنظيم الإداري الجديد في تفادي المركزية، وتوضّح السيدة فائزة ذلك فتقول:
"توزيع الأدوار بالشكل الصحيح كان من أهم أسباب نجاح الإدارة، وقناعتي دائماً كانت أن الإدارة يجب أن تبقى قريبة من متابعة جميع تفاصيل العمل، شريطة أن تلعب دور (الجندي المجهول)، فتوكل المسؤولية للمعلمة أو الإدارية، وتمنحها معها الثقة لتتفانى في العمل، ومن ثم تشعر أنها صاحبة الإنجاز أو شريكة في النجاح".
الطالبة كذلك أصبحت أكثر قرباً من الإدارة في ظل التنظيم الإداري الجديد، فتضاءل حاجز الرهبة من مبنى الإدارة، بينما ظلّت مظلة الاحترام مرتفعة، وكان بوسعنا كطالبات أن ندخل إلى مبنى الإدارة مخيّرات غير مجبرات، وتبرر تلك العلاقة السيدة فائزة بقولها:
"كنت أدرك أن طالبة (دار الحنان) لن تتخطى المعلمة والمشرفة ومديرة القسم، وتقوم بتصعيد شكواها للإدارة العامة إلاَّ إذا اضطرت إلى ذلك بالفعل، لذلك كنت أستقبلها، وأستمع إليها لتوجيهها، أو للتحقيق في شكواها إذا لزم الأمر".
تقدير الإدارية والمعلمة والطالبة، ومنح كل منهن المسؤولية والثقة والصلاحية في التصّرف على القدر المسموح به كان جزءاً من السياسة الإدارية بمدارس (دار الحنان).
أمّا (مطبخ القرارات الإدارية)، أو (مقر صناعة القرارات) فكان حجرة الاجتماعات التي تصف مكوناتها السيدة فائزة بقولها:
"الاجتماعات التي كانت تُعقد على مستوى الإدارة، أو بين الإدارة والمعلمات كانت من أهم أسباب نجاح المدرسة وبرامجها التعليمية والتربوية، فخلالها كانت السيدة سيسيل تناقش مع فريق العمل كل التفاصيل والوسائل المطلوب اتباعها لتحقيق الهدف، واحتمالات الفشل والنجاح للتجارب الجديدة، والتخطيط لها، وبعدها نصل إلى توزيع العمل، ومتابعته، وتقييمه بشكل متواصل".
وبهدف التنسيق الدائم بين المدرسة والمنزل، وليتحقق تكامل الأدوار، كانت تُعقد مجالس الأمهات دورياً على مستوى الفصل الواحد مع معلماتهن للوقوف على مشكلاتهن دراسيًّا وسلوكيًّا، كما كانت تُعقد اجتماعات دورية لكل مرحلة دراسية (تحضيري، ابتدائي، إعدادي، ثانوي).
يتوقف قبول الطالبة في القسم الخارجي للمدرسة على مستواها الذهني، وتناسب عمرها مع الصف الذي ستنتمي إليه، وتدفع الطالبة رسومًا رمزية تعادل نصف ما تنفقه المدرسة عليها .
وعن شروط القبول تقول السيدة سيسيل:
"كنا نجري اختبارًا في اللغة العربية والرياضيات للطالبات المتقدمات للالتحاق بالمرحلة الابتدائية؛ لأننا شعرنا بأن أحداً لم يكن يهتم بتك المرحلة التأسيسية في بدايات التعليم ".
وعن وجود استثناءات للقبول والتسجيل تقول:
"توجد ظروف طارئة في بعض الأحيان تفرض على المدرسة أن تسد حاجات الوطن، وتراعي حالات خاصة.. فعلى سبيل المثال عندما تم منع السعوديات من الدراسة في المدارس الأجنبية بالمملكة، واتّجه عدد منهن إلى (دار الحنان) أسقطنا شرط اجتياز اختبار اللغة العربية، واستبدلنا به افتتاح صفوف خاصة إضافية لهن؛ لتقوية اللغة العربية وإجادتها خلال شهر حتى يلحقن بزميلاتهن".
وعن معدلات القبول تقول:
"لم نكن نقبل بمعدلات أقل من 80%، وبالنسبة للطالبات في (دار الحنان) فمَن ترسب عامين متتاليين كان يتم إشعارها بمغادرة المدرسة".
أمّا القسم الداخلي فيتوقف قبول الطالبة فيه على أوضاع أسرتها الاجتماعية والمادية، فإذا كانت ممّن فقدن أحد والديها، أو كانت حالة والدتها المادية تحول دون الإنفاق علي تعليمها يتم قبولها وإعفاؤها من جميع الرسوم التي يجري تقاضيها من فتيات القسم الخارجي، وهنالك عدد آخر من طالبات القسم الخارجي معفيات أيضًا من الرسوم في بعض الحالات التي تقتنع بها الإدارة، أمّا فيما يتعلّق بالحالة الاجتماعية، فقد كان من ضمن الشروط أن لا تكون الطالبة متزوجة، أو سبق لها الزواج.
شهدت تلك المرحلة تحقيق المعادلة الصعبة بين الكم والكيف، فسار مؤشر تعداد الطالبات في خط متوازٍ مع جودة البرامج التعليمية والتربوية التي وصلت ذروتها ـ آنذاك ـ حيث تمكّنت المدرسة من تقديم المناهج الرسمية بواسطة معلمات أغلبهن من السعوديات اللواتي يتميّزن بدرجة عالية من الكفاءة، ممّا يشير إلى ارتفاع مستوى مخرجات التعليم المحلي في مختلف التخصصات التي وفرتها الجامعات.. كما يعكس إقبال السعوديات على العمل، وتقبل المجتمع لفكرة عمل المرأة بعد أن تقبل تعليمها.. وبمساندة البرامج اللامنهجية والوسائل التربوية بدأت تبرز مواهب جديدة بين الطالبات في مجالات لم تكن قد استحدثت لها تخصصات في الجامعات، ولعلها كانت مؤشراً جديداً على أن المرأة السعودية أصبحت في طريقها إلى طرق أبواب جديدة.