تطور وازدهار 1385-1405
اقرأ في هذا القسم: |
أصبحت (دار الحنان) مدرسة تضم كافة الصفوف الدراسية، وانتقلت في عام 1385هـ من المباني المستأجرة إلى مبنى المدرسة في طريق الميناء والذي تبرع به الشيخ إبراهيم شاكر - يرحمه الله ـ وقد أُعيد بناؤه ليتسع للمدارس التحضيرية والابتدائية والمتوسطة والثانوية، بالإضافة إلى مبنى لطالبات دار الرعاية، وآخر لسكن المعلمات. وقد أدّى الإقبال الذي فاق كل التوقعات إلى إضافة مبانٍ جديدة لاحقاً لزيادة عدد الفصول الدراسية.
وقد شهد ذلك المبنى في عام 1385هـ تخرج أول دفعة من طالبات الثانوية العامة على مستوى المملكة العربية السعودية، وكان عدد الخريجات (7) من القسم العلمي وواحدة من الأدبي هن:
- ـ آمال صالح شبكشي
- ـ سميحة عبد الحفيظ عبد الجواد
- ـ سميرة محمود عباس قطان (أدبي)
- ـ فردوس أنيس جمجوم
- ـ فريدة عبد الرحمن عبد الله لنجاوي
- ـ ليلى حامد فطاني
- ـ ليلى محمد المرشد الزغبي
- ـ نوال محمد حسين غزالي
ومواكبة لذلك التوسع تم الافتتاح الرسمي للقسم الأدبي في المرحلة الثانوية عام 1386هـ.
عرض مجسم مبنى طريق الميناء 1967هـ
طالبات المرحلة الابتدائية 1386هـ
حصة لغة عربية
المرحلة الابتدائية 1389هـ
المرحلة التحضيرية 1399هـ
تطوير عناصر وبرامج العملية التعليمية والتربوية
(أ) المعلمات والإداريات
مع الانتقال للمبنى الجديد بدأت تكتمل خطة إرساء مفهوم جديد للمدرسة، وهي خطة تعتمد على نظام يستند بدوره على عناصر عديدة وأدوات، لعل أهمها (الكادر التعليمي) الذي كادت أن تتعثر أمامه خطوات التحديث، وعن تلك العقبة تقول السيدة سيسيل:
"المشكلة كانت في تأهيل المعلمات، حيث بدأت بتدريبهن على النظام الجديد وما يتضمنه من آليات تعليمية وتربوية.. فمنهن مَن تجاوبت، ومنهن مَن غادرت، وقد تسبب ذلك في عجز لم يثنني عن قراري، ولم يضعف حجتي؛ لأنني ببساطة أدرك بأن المعلمات هن في الأساس خريجات مدارس عربية اعتدن فيها على البرامج التعليمية المتطورة، ولم يكنْ من الممكن أن أقبل بتخاذلهنّ عن أداء مهمتهنّ في (دار الحنان) على أكمل وجه".
وما لبثت المشكلة أن تفاقمت في ضوء القلاقل والحروب التي ضربت المنطقة العربية منذ عام 1963م، فأدّت إلى صعوبات في استقدام المعلمات من الدول العربية. وعن كيفية تجاوز تلك الأزمة تقول السيدة سيسيل:
"كنا نسد العجز بأنفسنا. فمثلاً خريجة التجارة كانت تقوم بتدريس الرياضيات، وخريجة أي مدرسة أجنبية من أي تخصص تقوم بتدريس اللغات، وأنا شخصياً قمت بتدريس التاريخ واللغة الإنجليزية وعلم الاجتماع وعلم النفس. كما لجأنا إلى الجاليات العربية الموجودة في المملكة مثل زوجات الموظفين، أو الأجنبيات المتزوجات من سعوديين وغيرهنّ من المتعلمات، فكنا نوجّه لهن الدعوة للمشاركة بتدريس المناهج، واستمر ذلك حوالى 3 سنوات حتى تمكنّا من استقدام المعلمات مجدداً".
وعن آلية اختيار المعلمات تقول:
"كنت أسافر باستمرار لجميع الدول العربية بحثاً عن معلمات يشترط لتعيينهن خبرة سابقة لا تقل عن خمس سنوات، وتخصص دقيق، وفي ضوء ذلك كنا نجري المقابلات الشخصية لاختبار شخصية المعلمة بعد التحقق من مؤهلاتها.. وبعد التعيين كنا نضع المعلمات تحت المتابعة لفترة محددة".
خطة السعودة
في عام 1391-1392هـ بادرت (دار الحنان) بتنفيذ خطة توظيف السعوديات (السعودة) في نظام التدريس، مع التركيز على الوظائف الإدارية، وعن تلك الخطوة تقول السيدة سيسيل:
"بدأناها مبكراً قبل أن يفكر فيها أحد؛ لأننا لمسنا وجود عدد لا بأس به من الكوادر السعودية التي تحتاج إلى دعمها بالخبرة والتجربة. وقد قمنا بإطلاق برنامج تدريب المعلمات على رأس العمل لرفع مستوى أدائهن بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في القاهرة، وكان من بين تلك البرامج تدريب معلمات اللغة الإنجليزية على تدريس اللغة الإنجليزية كلغة ثانية، ودورات في تدريس الرياضيات الحديثة.. كما أنه بعد إدخال مادتي التعبير والرياضيات الحديثة إلى كافة فصول المرحلة الابتدائية تم إرسال معلمتين لدورة تدريبية في الجامعة الأمريكية في بيروت".
قريبة ليست ببعيدة عن مدرستها، كانت الأميرة عفت توجّه وتحرص على تتبع خطوات بناتها بعد تخرجهن، وتوضح ذلك السيدة سيسيل، بقولها:
"كان مفهوم عمل المرأة السعودية وتوظيفها جديداً على المجتمع، لكنه لم يكن بالتأكيد مستبعداً من أذهان طالبات تخرجن من (دار الحنان)، لذلك كنا نجد باستمرار أن عدداً كبيراً من الإداريات والمعلمات في المدرسة كن من خريجاتها أساساً، وقد كانت الأميرة عفت توجهني دائماً بمنح الأولوية لبناتنا اللواتي تخرجن من الجامعة، وتقدمن للعمل في المدرسة".
ولم تكتف (دار الحنان) بإعداد المعلمات السعوديات، بل بادرت كذلك بتدريب الكوادر الإدارية للرفع من مستوى أدائهنّ من خلال الدورات والاطلاع على تجارب الآخرين.
مخرجات خطة السعودة
(نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى ***** ما الحبُ إلاَّ للحبيب الأول)
بيت شعر يختصر علاقة الكثير من خريجات (دار الحنان) بمدرستهن التي غادرنها طالبات، وعدن إليها موظفات.
وأترك الاختصار جانباً لأستمع إلى تفاصيل قصة نموذجية للسيدة فائزة كيال عن بداية علاقتها الجديدة بدار الحنان، فتقول:
"بعد تخرجي من المدرسة التحقت بالجامعة، وكانت الدراسة الجامعية في قسم البنات ـ آنذاك ـ مسائية، فتمكنت من استثمار الفترة الصباحية بالعمل في الرئاسة لفترة قصيرة ظلت تراودني خلالها أطياف (دار الحنان) وما إن وجدت أن بعض زميلاتي قد سبقنني إلى تحقيق ذلك الحلم حتى تشجعت لأتقدم إلى مديرة المدرسة بطلب العمل في (دار الحنان) عام 1392هـ، وبالفعل التحقت بها كمراقبة".
التدرج الوظيفي للسيدة فائزة كيال استمر حتى أصبحت لاحقاً مديرة لمدارس (دار الحنان)، وعن انعكاس ذلك عليها تقول:
"القاسم المشترك في جميع المراحل التي عرفت (دار الحنان) خلالها كان الإحساس بالانتماء والحب الذي يصعب تفسيره. أمّا الذي تغيّر كإدارية فهو نظرتي واستيعابي وتقديري لحجم الدور الذي تقوم به الإدارة في المدرسة، وهذا ما كان يجعلني أخشى كلّما تقدمت خطوة في السلم الوظيفي؛ لأنني أدركت بأن المسؤولية كبيرة جداً".
وهي سيرة تشبه مسيرة الكثير من خريجات الدار اللواتي التحقن بها طالبات، ومن ثم اخترن التدرج على سلمها الوظيفي كمعلمات أو إداريات فأكملن فيها المشوار، أو تخرجن منها بشهادة خبرة وضعتهن على قمة الهرم الوظيفي في قطاعات عمل محلية مختلفة.
(ب) البرامج التعليمية والتربوية
"المدرسة معمل صغير لمجتمع كبير".
هكذا كانت تراها مديرتها التي تؤمن بأن التربية لا يمكن أن تنفصل عن التعليم. وبالرغم من أن مدارس (دار الحنان) ظلت تتبع مناهج وزارة المعارف، ومن ثم الرئاسة العامة لتعليم البنات، وأخيراً وزارة التربية والتعليم، إلاَّ أنها دأبت على تطوير الأساليب التعليمية وآليات تقديم المناهج، كما استحدثت برامج تعليمية جديدة بهدف تخريج نخبة من الفتيات المؤهلات لتحمل المسؤولية والنجاح في الحياة والعمل.
وتعلّق السيدة سيسيل على ذلك قائلة:
"استعنت بعدد كبير من الكتب والمراجع عن الإدارة المدرسية ومهارات التعليم؛ لأطبق الأنظمة الجديدة التي كان من بينها إدارة الحصص، والالتزام، وغير ذلك. بالإضافة إلى أن تخصصي في مجال علم الاجتماع قد خدمني لأتمكن من تطبيق كل ذلك في وقت قياسي بطريقة مناسبة تتكيف معها الطالبات والمعلمات والإداريات".. وتضيف:"عملي السابق في الرئاسة، واطلاعي على المناهج قد ساعداني على معرفة ثغراتها لنعمل على سدها من خلال برامج تعليمية وتربوية خاصة".
وقد شهد مبنى طريق الميناء منذ افتتاحه على تأسيس معامل ومختبرات الفيزياء والكيمياء والأحياء لمساندة المناهج العلمية، بالإضافة لغرف الاختصاص (التدبير، الرسم، الأشغال)، وأول صالة رياضية، كما احتضن أول مكتبة مدرسية، ومنه بدأ نشاط المرشدات (الكشافة) في نفس العام، بالإضافة لتأسيس الإذاعة المدرسية، وانطلاق أسبوع الكتاب، والجمعيات.*
في عام 1397-1398هـ بدأ تخطيط الأميرة عفت لإنشاء مبنى جديد بعد أن كسر مؤشر أعداد الطالبات في مدارس الحنان حاجز الألف، متجهاً في اتجاه تصاعدي بدعم من إقبال متزايد على المدرسة، ووجود محفزات تعليمية وتربوية.
كان المؤشر يعطي دلالات التضخم التي تفاعل معها المبنى سريعاً ليعلن أنه (آيل للسقوط).
مفاجأة لم تكن بالحسبان، وتروي القصة السيدة سيسيل رشدي قائلة :
"كان سكن المعلمات في الدور الثالث. وذات يوم بينما كانت إحدى المعلمات في السكن تتسلّى بالحياكة، سقطت منها بكرة الخياطة، وبحثت عنها فلم تجدها حتى أحضرتها لها زميلتها في الحجرة المجاورة، وأخبرتها أنها وجدها تتدحرج في حجرتها. في اليوم التالي حضرت المعلّمتان إلى مكتبي ترويان لي القصة ضاحكتين، فسألتهما كيف؟! كيف تتدحرج البكرة في حجرة فتصل إلى الحجرة الثانية؟!.. توقفتا عن الضحك لأن الإجابة تبدو واضحة، فببساطة إن الأرض، أو سقف الدور السفلي قد هبط، وأصبحت هناك فجوة بين الحائط والأرض تدحرجت من خلالها البكرة ووصلت إلى الحجرة الأخرى".. وتضيف:" ذهبت مباشرة إلى الحجرة التي وقعت فيها تلك الحادثة، واستدعيت لجنة من المهندسين الذين أفادوا بأن المبنى (آيل للسقوط)، ولابد من إخلاء هذا الطابق. كنا ـ آنذاك ـ في منتصف العام الدراسي مقبلات على الامتحانات النصفية، وعلينا أن نتخذ قراراً سريعاً".
أسعف تدخل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ مدارس (دار الحنان) بالحل السريع، حيث كان مطار جدة قد انتقل إلى المبنى الجديد في شمال جدة، وتم إخلاء المبنى القديم، فعرض الأمير سلطان على المدرسة أن تستخدم صالات المطار القديم. وفي عام 1401هـ انتقلت دار الحنان إلى مبنى المطار الواقع بشارع الستين.
قد يبدو تحويل صالات المطار إلى مدرسة أمراً في غاية الصعوبة لولا أنني كنت من الطالبات اللواتي عاصرن تلك النقلة، وللمفاجأة شعرنا منذ اليوم الأول لدخول مبنى المطار وكأنه كان منذ إنشائه مدرسة.
عندما أذكر تلك المرحلة أدرك بأن الأشخاص هم مَن يفرضون على المكان هويته وليس العكس. وتعلّق السيدة سيسيل على ذلك فتقول:
"لم يكن أمامنا خيار آخر، فقد كان عدد الطالبات حوالى 1100 طالبة نقلناهن في البداية بالكامل لمدة فصل دراسي إلى مبنى المطار حتى تم إصلاح وترميم الطابق الذي يحتوي على المعامل في مبنى المدرسة القديم، فأعدنا إليه طالبات الإعدادي والثانوي، وبقيت طالبات الابتدائي فما دون في مبنى المطار لمدة خمس سنوات تقريباً حتى انتهى المبنى الجديد الذي التم فيه شمل الطالبات من جديد".
كطالبات لم نكن ينبّهنا بأن ذلك المبنى الذي قضينا فيه سنوات هو مبنى للمطار سوى (سير حقائب المسافرين)، اختلف المكان غير أن كل شيء في الحياة المدرسية ظل كما هو بما فيه الأنشطة اللامنهجية، والمباريات الرياضية، حيث تم تركيب شبكة للكرة الطائرة في إحدى الساحات، وتعليق سلتين لكرة السلة في أخرى، مع استغلال الساحات الكبيرة لإقامة الفعاليات الكشفية وغيرها.
ولكن الأمر لم يكن بهذه السهولة بالنسبة للمعلمات، وعن تلك الصعوبات تقول السيدة سيسيل:
"المشكلة الأساسية التي واجهتنا هي أن أغلب المعلمات قد أُصيب بمشكلات في الأحبال الصوتية؛ لأنهن اضطررن إلى رفع أصواتهن في الصفوف حتى تصل للطالبات في تلك المساحات الشاسعة، كما كانت في كثير من الأحيان تتداخل أصوات المعلمات بين الفصول؛ لأن الحوائط لم تكن عازلة للصوت".
عرض فلكلوري لطالبات المرحلة الابتدائية في صالة المطار
اليوم المفتوح في أحد فصول المرحلة الابتدائية بمبنى مطار جدة القديم
عندما توجه مؤشر التعداد وخطر الهبوط بالمدرسة نحو المطار القديم سجلت (دار الحنان) في تلك الفترة أعلى نسبة من عدد الطالبات، حيث بلغ العدد في عام 1403م حوالى 1456 طالبة. أمّا القراءة التي سجلها المؤشر فكانت بداية اتجاه سكان مدينة جدة على إثر اتساع الرقعة العمرانية إلى الجزء الشمالي منها ـ الأقرب إلى المطار القديم من مبنى الميناء -، كما يعكس ارتفاع العدد في المرحلة التحضيرية والابتدائية والحضانة التي استمرت ـ آنذاك ـ في مبنى المطار أن الأهالي كان يحول بينهم وبين إرسال بناتهن في مراحل مبكرة إلى (دار الحنان) بُعد المسافة التي بمجرد اقترابها استقطبت الطالبات بكثافة، ولبّت رغبة أولياء الأمور في إلحاق بناتهم بحياة الدار التعليمية والتربوية.