إعلاميات جميلات!
في ندوة نظمتها مؤخراً كلية الإعلام بجامعة القاهرة، قام الإعلامي المصري "تامر أمين" بتفجير قضية بالغة الأهمية، حيث أتهم التلفاز المصري بأنه السبب في عدم إخراج مذيعة جيدة على مدى السنوات العشر الأخيرة، مُعللاً هذا الأمر من وجهة نظره بسبب تركيز التلفاز المصري، عند قرار تعيين المذيعة، على مستوى جمالها، وعلى قوة "كرت" الواسطة الذي تحمله في حقيبتها!
حديث تامر أمين تكمن أهميته في أنه سلّط الضوء على قضية بالغة الأهمية في إعلامنا العربي، وليست فقط محصورة في الإعلام المصري. فسطوة الجمال على مدى التاريخ كانت أداة قويّة لفتح كافة الأبواب المستعصية أمام المرأة، وفي تمهيد الطريق أمامها لفرض وجودها في الإعلام المرئي تحديداً. وما نلاحظه من تدنّي البرامج الحواريّة في القنوات الفضائية والأرضية العربية، ما هو إلا نتيجة طبيعيّة للتركيز على هذا الجانب، وعدم حرص الإدارة على إخضاع المذيعة لسلسلة من الاختبارات للتيقّن من اتساع ثقافتها وقدرتها على إثبات حضورها أمام الضيف.
تمّت استضافتي في برامج حواريّة كثيرة، فكنتُ أخرج من بعضها وقد ملأني الانبهار بشخصية المحاور أو المحاورة التي أجرت معي الحوار. وهناك من تمنيتُ لو استطعت قطع برنامجها والانسحاب من منتصفه، بعد أن أصابتني سطحية تفكيرها بالخيبة والضيق، وتسببت في رفع ضغط دمي، لعدم درايتها بشيء من نتاجي الأدبي، معتمدة اعتماداً كاملا في محاورتي على مجموعة الأسئلة التي أعدّها لها معد البرنامج.
من جملة مقابلاتي التي لن أنساها، والتي كانت ناجحة بكافة المقاييس، لقائي مع الشاعر المثقف "زاهي وهبي" في برنامجه الشهير "خليك بالبيت". لم يترك شاردة صغيرة أو كبيرة إلا وسألني فيها بأدب جم. وعند انتهاء البرنامج سألته مندهشة كيف استطعت الإلمام بكل هذا عني! أجابني بأنه تعوّد النبش عن أدق التفاصيل الخاصة بتاريخ الضيف، ونشاطاته الثقافية وأعماله التي رأت النور.
وأتذكّر على الجانب الآخر حادثة سلبية. فمنذ عدة سنوات مع صدور روايتي "لم أعد أبكي" أن حللتُ ضيفة على برنامج "كلام نواعم". فوجئت بأن المذيعات الأربع لم يقرأن روايتي، معتمدات في نقاشهن لي على الأسئلة المعدة، وهو ما جعلني أشعر بالاستياء الذي حاولت وقتها جاهدة إخفاءه حتى لا يزيد الأمر الطين بلة وتفشل مقابلتي! وعندما اتصلوا بي ثانية بعدها بفارق سنوات قليلة لتكرار استضافتي مع صدور روايتي "سيقان ملتوية" اعتذرت عن الحضور متعللة بأعذار واهية حتّى لا أكرر هذه التجربة الفاشلة من وجهة نظري.
يُلاحظ المشاهد العربي المتابع للقنوات التليفزيونية الأوروبية والأميركية، أن البرامج الحواريّة الثقافية لا يُقدمها إلا مذيعون في منتصف العمر، لديهم خلفية ثقافية واسعة، للتمكن من إخراج ما في جعبة الضيف بمهارة عالية. هذا لا يعني بأن المذيعات والمذيعين العرب الذين ما زالوا في مقتبل عمرهم جميعهم فشلوا في البرامج الحواريّة، لكن قلة منهم من أثبتوا وجودهم، واستطاعوا استقطاب شريحة كبيرة من المشاهدين.
أتمنى على القنوات الفضائية وعلى التليفزيونات الرسمية العربية، أن تُدرك بأن الإعلام هو الواجهة الحضارية لأي مجتمع، وأن التعامل مع كرت الواسطة وتقاسيم الجمال كشرط مضمون للنجاح، قد ينفع صاحبته إلى زمن محدد، لكنه لن يخلق إعلاميّة ناجحة، كون الذي يبقى بين الناس هو الموهبة الحقيقية طال الزمن عليها أم قصر.
الإتحاد الإماراتية/ وجهات نظر