أوطاننا تستحق الستر!
أجد متعة كبيرة في مشاهدة الأفلام التاريخيّة الهوليووديّة. لديَّ فضول كبير للمتابعة بالصوت والصورة لما كانت عليه أوروبا في العصور الوسطى من تخلّف كبير، وسيطرة رجال الكنيسة وقتها على مقدرات الناس، وشيوع ظاهرة اتهام العشرات بالهرطقة والسحر ورميهم في المحارق، إلى ما وصلت إليه اليوم بعد مراحل شاقة ومحاولات مُضنية من تحضّر ومدنية.
لما زرتُ بلدان أوروبيّة ورأيتُ طريقة تعامل أهلها الحضاري، والتقدم العلمي والاجتماعي الذي وصلت إليه، أُخرج زفرة طويلة وأتساءل بحرقة.. ما الذي يجعل مجتمعاتنا العربية تزداد تخلفاً وعدوانية؟! ما الذي دفع منظومة القيم الأخلاقية في بلداننا إلى الانحسار، وأن تعمّ فيها مظاهر الكذب والنفاق والفساد بأنواعه؟! ما الذي جعل الأغلبية متعصبة لمعتقداتها، تغرس أظافرها في وجه كل من يُخالفها في العقيدة أو المذهب؟! ما الذي أوصل مجتمعاتنا العربية إلى هذا الدرك الخطير من التزمّت الفكري؟!
أؤمن بأن الطريق الصحيح لإقامة مجتمعات متنوّرة، تتم بإشاعة روح التسامح بين الناس، وتقبّل فكرة الاختلاف في الرأي. ولا يمكن أن تستقر مجتمعات وتتقدم نحو الأمام طالما ظلت متمسكة بورقة المذهب الواحد والطائفة الواحدة والدين الواحد. كون المجتمعات الحقيقيّة تقوم على مبدأ التسامح والاختلاف.
الملاحظ في الآونة الأخيرة مساهمة بعض المنتديات على الإنترنت ممن يحمل أصحابها فكراً متطرفاً، في تأجيج الفتنة الطائفية من خلال التشكيك في ولاء المواطنين الشيعة لأوطانهم! وهذا خطأ كبير خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي تشهدها كافة أوطاننا العربية، والتي نحتاج فيها إلى غرس مفهوم التلاحم.
المصيبة الكبرى أن عدداً من رجال الدين ساهموا أيضاً في إشعال نار الفتنة الطائفية من خلال تأليب السُنة على إخوانهم الشيعة والتشكيك في نزاهة مواقفهم! ولا أدري لماذا يُصر البعض على ربط المواطنة بالمذهب أو الطائفة أو القبيلة التي ينتمي إليها المرء!
أتذكّر منذ عدة سنوات أثناء زيارتي لمدينة القطيف بدعوة من ملتقى وعد، أن تمَّ تنظيم لقاء لي مع الشيخ حسن الصفَّار. كان لقاء جميلًا تخللته الكثير من المواضيع المتعلقة بالشيعة والسُنة. سألته يومها.. شيعة السعودية متهمون بولائهم لإيران. ما ردّك على هذا القول الشائع؟! أجابني.. أنتِ من منطقة الحجاز. ومعروف أن أهلها تعود أصول أغلبيتها إلى دول عربية وإسلامية. فهل هذا يعني أن هذه الأسر ولاءها لأوطانها الأصلية أم للهوية السعودية التي تحملها وللأرض التي نشأت عليها؟! أجبت ببساطة.. بالتأكيد ولاؤها للأرض التي ترعرعت فيها وتعلمت ورسمت لوحة ذكرياتها في قلبها. ردَّ قائلاً.. إذن لماذا تُشككين في ولائي لوطني؟!
لو رجعنا إلى تاريخنا الإسلامي لوجدنا أن أزهى العصور الإسلامية كانت تلك التي فتحت أذرعها لمفكريها ومثقفيها العظام وكافأتهم على إنجازاتهم الفكرية ومنحتهم امتيازات عالية من دون النظر لمعتقدهم الديني، وهذا يُظهر مقدار التسامح الفكري الذي كان متوافراً في تلك الحقب المشرفة.
لا أدري حقيقة لمصلحة من هذا الذي يجري حالياً داخل أوطاننا! كأننا نسير في نفق مظلم زاخر بالمخاطر الجسيمة! نمشي غير مدركين لحجم الأضرار التي ستحدث مستقبلاً من تأجيج الفتنة الطائفية بين أفراد الوطن الواحد في هذا الوقت العصيب الذي تمر به أمتنا!
أشعر بالاستياء من صمت أغلبية مثقفينا حيال هذا الأمر! للأسف أراهم مغيبين عمداً عمّا يجري من حولهم، كأن مسك العصا من جانب واحد، واستخدام لغة الصمت هو الحل الأسلم! متناسين بأن واجبهم يُحتّم عليهم الدعوة إلى التلاحم الوطني والسعي بجديّة إلى فتح باب الحوار العقلاني حتّى نقود أوطاننا لشاطئ الأمان