صافحني من فضلك
لم يكد وزير الإعلام الإندونيسي ينتهي من مصافحة السيدة "ميشال أوباما" زوجة الرئيس الأميركي عند زيارتهما لإندونيسيا، حتّى حاصرته كتلة من الزوابع، كونه معروفاً في الأوساط الثقافيّة بتشدده وانتمائه للمحافظين الإسلاميين.
الوزير سارع إلى تبرئة نفسه بالكتابة عبر الإنترنت "حاولتُ تجنّب السيدة أوباما، لكنها مدّت يدها نحوي طويلًا، فجاءت الملامسة سريعة". لكن شبكة الإنترنت التي تكشف الخبايا المتوارية، دحضت تبريراته بقيام معارضيه ببث اللقطات على "اليوتيوب" التي تُظهره وقد ارتسمت ملامح الحبور والغبطة على وجهه إلى درجة أنه قام بمصافحتها بيديه الاثنتين!
هذه ليست الواقعة الأولى، ولن تكون الأخيرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، يُحاول فيها مسؤول أو رجل دين متشدد، إيجاد مخرج آمن من أفعاله التي تتناقض عمّا يُصرّح به في المؤتمرات، وما يُردده طوال الوقت عبر وسائل الإعلام! ولا يُمكن لأحدنا أن ينسى "وصلة الردح البلدي" التي وقعت بين الشيخ "النجيمي" المعروف بكونه من أشد المعارضين لاختلاط النساء بالرجال، وبين إحدى المثقفات الكويتيات عند محاولته التملّص من مجالسته لمجموعة من المثقفات، أثناء مشاركته في مؤتمر يوم المرأة العالمي بالكويت، مبررا فعلته بأنهن كنَّ من القواعد من النساء، وأن القاعة كانت مكشوفة مشرّعة الأبواب!
تبرير الأفعال لم يعد مقتصرا على أشخاص بعينهم، بل انتقلت العدوى إلى حكومات غربية ومنظمات دولية، فقد أثار حفيظتي الخبر الذي قرأته مؤخراً عن حصول وطني السعودية على مقعد في مجلس إدارة الأمم المتحدة للنساء. وزاد من استهجاني أن الخبر تضمّن رفض الوكالة مطلب إيران الحصول على مقعد مماثل بعد اعتراض الولايات المتحدة الأميركية وجماعات حقوق الإنسان على معاملة النساء الإيرانيات داخل بلادهن.
سأكون فخورة بهذا الإنجاز الرائع الذي حققته بلادي، لو كانت النساء السعوديات بالفعل تتمتعن بحقوقهن المدنية داخل بلادهن! لكن للأسف المرأة السعودية ما زالت واقعة تحت وصاية جائرة تجعلها تابعة للرجل، وإن كانت تفوقه علما وثقافة وإدراكا! وما زالت النساء السعوديات تعانين من سطوة رجال دين متزمتين على شؤونها العامة والخاصة من ألفها إلى يائها، والتي كان آخرها الفضيحة المدويّة حول تحريم عملها "كاشيرة" في المحلات التجاريّة.
أتذكّر أنني كنتُ أتابع حواراً تلفزيونياً مع فنان مصري شاب، معروف في الأوساط الفنيّة "بكليباته" الراقصة مع فتيات من مختلف الجنسيات. سألته المحاورة: هل أنتَ من المؤيدين للبس المرأة "المايوه" على شاطئ البحر؟! أجاب بثقة: طبعاً لا، فديني لا يرضى به!
حتّى ديننا أصبح فيه خيار وفقّوس! فكما أن مجتمعاتنا العربية والإسلاميّة أصبحت تتعامل بمنطق الازدواجيّة في كافة سلوكيات حياتها، فما المانع أن تكون بارعة في الدفاع عن نفسها، ما دامت تُعلن بعلو حناجرها أنها صافية السريرة حين يتعلّق الأمر بخصوصياتها!
لا أعرف لماذا خطر على بالي فيلم الكرتون الشهير "توم وجيري"، "توم" القط الذي يعيش مدللًا في منزل جميل. و"جيري" الفأر الذي لا ينفكُّ عن استفزازه طوال الوقت، مما يجعل القط يحطم في كل مرة أثناء مطاردتهما اليوميّة الشهيرة أثاث البيت، لكن الفرق أننا في حياتنا الواقعيّة غدونا مشوشي الفكر، لم نعد نُفرّق "توم" من "جيري".
بالله عليكم كيف سيحترمنا العالم ويثق بأقوالنا ويحترم مطالبنا، وأغلبية مسؤولينا ورجال الدين لدينا، صاروا مثل الشعراء يقولون مالا يفعلون؟! بالله عليكم كيف سيُصبح حال أجيالنا الجديدة وهي تتربى منذ نعومة أظافرها على كيفية ارتداء الأقنعة المختلفة، لكل مناسبة ثوب ولون وعطر معين؟! مجرد تساؤلات علقت في خاطري تحاول إيجاد إجابات مقنعة!