كي لا يدخل التلميذ المدرسة طالباً ويتخرج مطلوباً
اليوم الأول من أيام الدراسة يعتبر الأكثر أهمية لبناء علاقة فعالة بين المدرسة والطلاب, وعندما أعود بذاكرتي لاسترجاع أحداث ذلك اليوم المثير أجد أبرز ذكرياته اللقاء من جديد من زميلات الدراسة وتبادل أطراف الحديث عن الإجازة الصيفية مع ترقب بقلق شديد للتغيير الذي قد يطرأ على توزيعنا بين الصفوف فقد كان أسوأ ما يمكن أن نواجهه في ذلك اليوم هو الإعلان عن تفريق (مجموعة المشاغبات) في صفوف مختلفة، ويأتي الإعلان دائماً مخالفاً لرغباتنا فنفقد بسببه حضور الحصة الأولى من اليوم الأول ونقضيها بتقديم الالتماسات في جولة بين مكاتب الإدارة مستندين إلى واسطة قوية هي معدلاتنا المرتفعة دون جدوى.
ماذا كان يحدث في الحصة الأولى؟ أتوقع أنه لم يكن يختلف كثيراً عما كان يحدث في الحصة الثانية وما يليها من ذلك اليوم بتعريف كل معلمة بنفسها وبالمادة التي ستقوم بتدريسها ومتطلباتها من دفاتر ومستلزمات ثم تطلب من كل طالبة أن تعرف باسمها ولا أدري إن كان الاسم كافياً لعملية التعارف والعلاقة الوليدة التي يفترض أن تنشأ في ذلك اليوم بين الطالب والمدرسة.
مع تطور التعليم يتطور استيعابنا لأهمية اليوم الأول فهو في الواقع اليوم الذي لابد فيه من إتاحة مجال واسع للحوار بهدف الخروج بإحصائيات هامة تساعد المدرسة على رصد اهتمامات ومشاكل الطلاب، وقد توضع في عين الاعتبار عند توزيعهم على الفصول... من بين تلك الأسئلة التي لابد أن يتضمنها الحوار:
(ما هي الكتب والصحف والمجلات التي تقرأها؟), (وإذا لم تكن القراءة جزءاً من روتين حياتك فالسؤال التالي بالتأكيد لماذا؟ وكيف تمضي أوقات فراغك؟), (ما هي هواياتك وتطلعاتك لمستقبلك ولوطنك؟), (ماهي المواد التي تستهويك في المدرسة؟). (كيف تصف علاقتك بأفراد أسرتك واهتمامك بأدائك الدراسي?؟), (من هو/ هي قدوتك ولماذا؟), (ما هي المواضيع التي تناقشها مع أصدقائك؟). (ما هي أهدافك وآلياتك لتحقيقها؟).
تلك بعض الأسئلة التي تعتمد عليها العديد من المدارس في الغرب لتسجيل المعلومات عن طلابها لا لتبقى سجينة في ذهن المعلم فحسب ولكن لتحال إلى فريق من المختصين والمشرفين التربويين حتى تخرج كإحصائيات تساعد على تشكيل العلاقة بين الطالب والمدرسة وعلى صياغة خاصة للحصص والأنشطة اللامنهجية الكفيلة بتطوير مهارات الطالب وتجاوز الخلل إن وجد.
اليوم نحن في أمس الحاجة إلى ذلك ونحن نواجه اتهامات بأن الطالب يدخل إلى المدرسة (طالباً) ويتخرج منها (مطلوباً).. وإن كنت أشكك في صحة هذه الاتهامات كوني وكل من أعرف -على الأقل- لم نتخرج من المدارس بأفكار تمت للتطرف بصلة، إلا أن النظر في تبني هذه الآلية بشكل جاد سيسهم من جهة في الرد على هذه الاتهامات, ومن جهة أخرى يعد مطلباً هاماً لأن عوامل التأثير المحيطة بالطالب قد ازدادت وتنوعت كما لم تكن من قبل فأصبح على سبيل المثال للانترنت والفضائيات دور ومساحة أكبر في تلقين وصياغة الأفكار وصناعة الأبطال أو القدوات للطالب، وإن لم يكن المنزل مؤهلاً للقيام بعملية الفلترة المطلوبة فلا مفر أمامنا من أن تقوم المدرسة بهذا الدور على أكمل وجه.
كل التجارب تؤكد أن أساليب التعليم التي كانت مناسبة للطالب بالأمس ليس بالضرورة أن تكون مناسبة للطالب اليوم ولا يمكن القياس على مخرجاتها فكما تغيرت الظروف وتطورت العلوم وتسارعت الأحداث لابد أن تواكب المدرسة ذلك لتمارس دورها في صناعة فكر الطالب وتوجد مساحة أكبر ضمن برامجها للحوار مع تفعيل دور المشرفين الاجتماعيين في المدارس وتصحيح المفهوم السائد بأن تدخلهم يبدأ بعدما تقع مشكلة ما من الطالب, فالواقع أن دور المشرفين الأهم هو الحيلولة دون وقوع الخطأ أو تفاقم الخلل وهذه المهمة تبدأ من اليوم الأول بجمع وتحليل المعلومات والملاحظات عن كل طالب.. ويتواصل هذا الدور بفتح مساحات للحوار حول مستجدات الحياة مع الطلاب من وقت لآخر للإسهام في تكوين رأي متزن لديهم فيما يدور حولهم من أحداث, وحتماً إذا لم يكن مصدر ذلك التوازن الفكري المدرسة أو البيت فسيقع الطالب فريسة لمصادر الخطر التي تتسلل من المساحات الفارغة في العقول.
* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ