د. عبدالله الفوزان وخفافيش لم تلدها الإنترنت
الاعتراف بالمشكلة أولى خطوات البحث عن حل, وقد وضعنا مجددا الدكتور عبدالله محمد الفوزان بمقاله (خفافيش الإنترنت ورموزنا الوطنية) في مواجهة مشكلة يبلغ عمرها اليوم حوالي ست سنوات عشناها دون ان نتجاوز مرحلة الاعتراف والمكاشفة الى مرحلة البحث عن حل عملي يواكب هذا الكم من الاستياء والتضرر من أداة أهم مميزاتها أنها تمنحنا مساحة جديدة من الحرية وآفاق واسعة للحوار, غير أنها لا تتحمل خطيئة عدم إدراك المستخدم لقيمة الحرية التي تداخل مفهومها لدينامع الفوضى والفتنة والتطاول والتجريح حتى أصبحت معها الصراحة نوعا مزمنا من أنواع الوقاحة والنصيحة وجه آخر للفضيحة.
وان كنا نستاء من افتقاد الكثيرين من هذه الفئة للإحساس بمسؤوليتهم عن آرائهم ونشعر بخطورة تخفيهم وراء الاقنعة والأسماء الحركية فعلينا ان نعترف كذلك ان للمشكلة وجها آخر, فهناك رموز وأصحاب مدارس فكرية يستند إليها كُتاب الإنترنت قد تخلوا عن مسؤولياتهم نحو هؤلاء وغاب واختفى دورهم في تقويم الطرح..
هل كان هذا الاختفاء من قبيل التجاهل؟! أو الترفع؟! أو المباركة؟!... لا أدري!!.. إلا أن المؤكد هو أن تسمية (الخفافيش) وحدها تضعنا في مواجهة حقيقة أخرى هي أن الخفاش تحديدا كائن حي يتميز بأنه يطير ويلد ويولد.. فلاهو يبيض ليوقعنا في حيرة البيضة أولاً أم الدجاجة، ولا هو نبتة شيطانية غريبة أطلت علينا من حيث لا نعلم.. وبهذه التسمية التي شاع اطلاقها على رواد منتديات الإنترنت نقر أنهم قد ولدوا من رحم (ما) ولم تصنعهم الإنترنت التي كانت مجرد ضوء حاد تسلط عليهم ليجعلنا نراهم ونراقب بعضهم وهو يحمل معه اجنحته السوداء ليحجب عن حياتنا ضوءاً عجزت رؤيته عن احتماله, بينما البعض الآخر ابصر وحلق، وهذا وذاك بفشلهم أو نجاحهم في الفضاء الجديد يعكسون رغبة جامحة بالتحليق مؤكدين معها بين السطور انهم قد اكتسبوا القدرة على رفرفة الأجنحة أو مص الدماء من مدرسة (ما)... وإن اخترنا أن نطفئ النور الذي ابصرناهم من خلاله فلن يكون بوسعنا ان ننكر حقيقة وجودهم وحقهم بالوجود وبوجود من يرتقي بهم.
ومن إدراكنا لهذه الحقيقة يتوجب علينا أن نواجه كل من أنجب لنا (خفاشاً) بمولوده ليضطلع بدوره ومسؤوليته عن تقويم فكر وممارسة افرزتها مدرسته.. كما يتطلب الحل من الرموز مراجعة مواقفهم والسعي لنبذ خلافات أزلية اثبتت ان انعكاساتها خطيرة على العامة وتحديدا على شباب في طور تكوين توجهاتهم الفكرية تتملكهم الحماسة للمشاركة بالرأي وثمة فارق بين الخلافات والاختلافات فالأولى تسوقنا الى حلقة من صراع لا نهاية له يرفض اطرافه الهدنة أو الاعتراف بوجود نقطة التقاء للتعايش مع الآخر.. والثانية ظاهرة صحية تعكس ثراء المجتمع, واحترامها يعني احترام حكمة إلهية للخالق الذي شاء أن يجعل كلا منا مختلفاً بشكل أو آخر ولم يستثن سبحانه وتعالى من ذلك الاختلاف ولا حتى التوائم.
لن اكرر النداء بضرورة وجود منبر إعلامي يستقطب رواد الإنترنت من ابنائنا وبناتنا الذين اكتسحوا منتديات الحوار السعودية وغير السعودية على الشبكة العنكبوتية التي وقعنا فيها بين خيوط قد تحتجزنا وتحول بيننا وبين الحراك وقد ننسج بها صورا مشرفة نفتخر بها, ولكني ادرك ومن خلال هذه المساحة ان الأحلام في وطني مباحة وقابلة للتحقيق وكما تحقق حلم الحوار الوطني قد يتحقق حلم انطلاق حملة وطنية للارتقاء بالحوار على شبكة الانترنت تشهد نزول رموزنا الافاضل الى تلك الساحة بأهداف مشتركة ووعي عميق بحجم المشكلة القائمة يساعد على تقليص الاخطاء.
وقد لا تحقق تلك الخطوة المعجزات في جولاتها الأولى ولكنها على أقل تقدير ستجعل هذه الفئة تشعر بقيمة وجودها وتستمد من هذا الاهتمام الإحساس بالمسؤولية, وستتيح التجربة فرصة ذهبية لاستثمار هذه الأداة في نشر ثقافة الحوار وآدابه وأُسسه على نطاق واسع, كما انها ستسهم في تشجيع من يحسن بأسلوب طرحه وعرضه ونقده حتى يحذو الآخرون حذوه.. على أمل أن تتلاشى تدريجيا ظاهرة الخفافيش الالكترونية بإطلاق اسراب من الطيور المحلقة التي لاتقتات على الدماء.
*رئيسة تحرير مجلة عربيات الالكترونية
[email protected]
المصدر : صحيفة عكاظ