البروفيسور السعودية ثريا التركي
ذهبت إليها حاملاً في حقيبتي اسئلتي و في مخيلتي صور كثيرة لهذه المرأة الفريدة التي بلغت أعلى الدرجات العلمية ولها العديد من الأبحاث والمؤلفات التي تثري المكتبات العربية والعالمية ... و لم أجدها حسب الموعد المحدد حيث علمت أنها في المظاهرات التي احتشدت أمام الجامعة فذهبت أشق الصفوف باحثا عنها لأراها تحمل بداخلها أوجاع الوطن وترفع علم فلسطين وتندد بكل حرقة بالممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل والتهديد الأمريكي للعراق وسط حصار عنيد من القوات الأمنية فشاركت طلابها حتى انتهت المظاهرة وعدنا إلى مكتبها.
البروفيسور السعودية " ثريا التركي " الأستاذة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والتي وجدتها مهمومة بوطنها الأكبر العالم العربي وبوطنها الأصغر المملكة العربية السعودية فهي الحاصلة على بكالوريوس الأدب العربي من ( الجامعة الأمريكية في القاهرة ) والماجستير في " الانثروبيولوجي " من نفس الجامعة ، ثم الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في( بركلي ) ، وعملت في التدريس بجامعة ( هارفارد ) الأمريكية ، ثم أستاذة في جامعة ( لوس أنجلوس ) في كاليفورنيا ثم أستاذة في جامعة ( جورج واشنطن ) في بنسلفانيا ، كما عملت كأستاذة في جامعة ( الملك عبد العزيز بجدة ) وأيضا في جامعة ( الملك سعود بالرياض ) ، ثم أستاذة جامعية في ( جامعة لبنان ) ، وأخيرا تعمل أستاذة في ( الجامعة الأمريكية ) في القاهرة ... ومتزوجة من أستاذ في العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. و كان لنا معها هذا الحوار .
بداية ما سبب اختيارك لمجال دراستك ؟
لقد درست الأدب العربي وكنت أتمنى أن أعمل شيء مفيد لي ولوطني " المملكة العربية السعودية " شيء جديد ومختلف خاص بالإنسان وسلوكياته ولكن الصدفة لعبت دور كبير في حياتي فقد غيرت اتجاهي تماما بدون تخطيط مسبق حيث وجدت نفسي مستمرة في دراستي وسافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأتابع دراستي . وما المصاعب التي واجهتها في مشوارك على المستوى العلمي والاجتماعي ومدى الدعم الأسري منذ بداية دراستك حتى اليوم لتستمر مسيرتك ؟بكل صراحة لم أجد الأمر سهل فقد استمر النقاش في الأسرة بصورة كبيرة فلم يكن سهلا أن أقنع الأسرة بالسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بمفردي فكنت متخرجة جديد من الجامعة وشيء صعب جداً بل مستحيل ليسمحوا لي بالسفر لوحدي وبعد نقاش طويل اقتنعت الأسرة في النهاية وسافرت بمفردي إلى العالم الغريب علي حيث كاليفورنيا... وقد ساعدني تفوقي في دراستي على قبول والدي استمراري في التعليم فقد كنت من الأوائل في الجامعة وهو ما زاد من قناعته بضرورة مساندتي لاستكمال دراستي كما كان لتفوقي الدراسي في الغربة عامل كبير في استمرار دعم الأسرة لي وتقبلهم لاستمرار سفري. ماهي المحطات الرئيسية في حياة البروفيسور ثريا التركي على المستوى الشخصي والعلمي ؟على المستوى الشخصي وفاة والدي فقد أثر بي كثيرا خاصة وأن وفاته تزامنت مع العديد من المتغيرات في المجتمع .... وعلى المستوى العلمي سفري إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتجربتي في التدريس في مدينة عنيزه فكان لها العديد من الإيجابيات على المستوى الإنساني والعلمي . ما هي المجالات التي يمكن للمرأة السعودية أن تساهم فيها لكي تؤدي دورها في المجتمع اليوم ؟المرأة السعودية تساهم في كل المجالات دون تحديد مجال معين تؤدي دورها فيه طالما تملك من الكفاءة ما يمكنها أن تحافظ على التوازن بين اختياراتها وحاليا يجب أن تعمل في المجال المفتوح أمامها والمتوفر لها ... وهي على درجة عالية من الكفاءة ... واليوم لم يعد عمل المرأة مجرد مساهمة أو ترفيه أو كسر أوقات الفراغ بل أصبح حاجه ملحة لكي تستمر الحياة فمرتب الرجل لم يعد يكفي لسد احتياجات الأسرة حيث تعتمد أسر كثيرة على مرتب الرجل والمرأة معاً .... وأنا لدي قناعة بأن المرأة السعودية تحب عملها جداً ويمكنها حتى ان تتفوق على الرجل وتحتاج فقط للفرصة التي تثبت فيها قدراتها.
أفهم من ذلك أنك متحيزة للمرأة ؟
أنا أنظر للأمر بموضوعية فالآن الرجل يعمل في أكثر من عمل ليتمكن من توفير التزامات الأسرة مما يؤثر عليه في أداء عمله لكن المرأة لها القدرة على تحقيق المعادلة الصعبة من خلال بعض المجالات المتوفرة والتي تقوم بها العمالة الأجنبية ويمكن للمرأة السعودية أن تحقق ذاتها فيها وهن كثيرات خاصة من الطبقة المتوسطة لتتمكن من المواءمة مع المتغيرات الحالية في المنطقة العربية بأكملها وليس في المملكة العربية السعودية فحسب. وكيف يمكن من وجهة نظرك توفير فرص عمل للمرأة السعودية ؟الأمر يحتاج ابتكار في مجالات العمل بحيث نوفر لهن عمل دون المساس بالخط العام بالمجتمع فمثلا يوجد مجال الإدارة أعتقد أنه يناسب المرأة تماما والكمبيوتر وهذا الأمر يجب على القطاع الخاص المساندة فيه بصورة كبيرة وأيضا يجب على النظام أن يقدم مزيد من الدعم لخلق فرص عمل جديدة للمرأة السعودية بحيث يعطيها فرصتها قبل غيرها ... كما أن القطاع الخاص والعام سيكسب ويحقق أرباح إذا تم الاستعانة بالمرأة السعودية فمعظم مؤسسات القطاع الخاص ملتزمة وسيناسبها حماس والتزام المرأة السعودية بما يعود عليه بالربح الوفير. تكرر دائما اتهام المرأة العاملة بالتقصير في واجباتها نحو المنزل والأسرة فما مدى صحة هذا الاتهام من خلال تجربتك الشخصية ؟أعتقد أن العمل مقابل أجر يجب ألا يتداخل مع العمل بدون أجر"العمل المنزلي" ... الاتهام موجه للمرأة في الطبقات الغنية التي تعيش عيشة مترفه فبرغم توفير العمالة المساندة لها في المنزل مثل الخدم والحشم حتى واجبها تجاه أطفالها كأم تجد من يقوم به حيث توجد مربية تشرف على تربية الأطفال والأم متهمة بالتقصير تجاه واجباتها العائلية والتزاور وغيرها ... بينما هناك نماذج أخرى تسعدني جداً حيث يوجد زمالة وألفة بين الزوجين ومشاركة ... ويجب أن نساند هذه العلاقة وننميها أكثر فهناك رجال يشاركون ويقاسمون الزوجة في تربية الأطفال حتى لا يتحولوا إلى مجرد " بنك " في أسرتهم يصبح كل منهم مسئول مسئولية كاملة عن أسرته ولا يهمش دور زوجته سواء في العمل أو المنزل وأعتقد أن الشباب يتفهم هذا الأمر جيدا هذه الأيام ... وبالنسبة لي فأنا عملي متعب للغاية فالعمل الأكاديمي لا يتوقف حتى في المنزل بعكس الموظفة التي تعمل لفترة محددة وينتهي عملها بانتهاء دوامها لكن عملي يصب إيجابيا في منزلي ويزيد من أفكاري حيث أعود إلى منزلي بتجربتي اليومية مما يصقل من موهبتي ويجعلني أتعامل مع مشاكلي الشخصية بنضج كبير كما أن العمل المنزلي جزء من حياتنا وأنا من حسن حظي أجد من يساعدني كما أنني عدلت بطبيعة الحال من الخريطة اليومية بما يكفي لتطوير الظروف وببساطة شديدة أستطيع أن أقوم بواجبي تجاه عملي بأجر " الجامعة " وعملي بدون أجر " المنزل " مثل أمهاتنا ولنا فيهن مثل كبير . ما رأيك في النشاطات الثقافية والأدبية القائمة في المملكة خاصة الملتقيات الثقافية المتخصصة والتي شاركتي فيها بعدد من المحاضرات والندوات ؟لقد سعدت كل السعادة بما لقيته في جده والرياض فكان هناك العديد من الندوات والنشاطات الاجتماعية التي كان لي الحظ بالمساهمة في بعضها وأعتقد أن هذه الأنشطة تنمو بصورة كبيرة وتلقى ترحاب على كافة المستويات .... ولمست مجهود كبير من المشرفات عليها وهو مجهود صادق ويتميز بالابتكار المستمر ولكن مازال أمامنا مشوار طويل لابد ان يكون للجمعيات الأهلية دور فيه لمساندة هذه الأنشطة وتنمية الأجواء والمناخ الأدبي والثقافي بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بالمرأة وتبني مشاكلها .
وكيف يمكن التوسع في هذا المجال ؟
لا أحد ينكر أن الجمعيات الأهلية لها دور كبير في تنمية المجتمع السعودي فهناك نشاطات كثيرة أسعدتني وللقائمات عليها كل الشكر على عملهن التطوعي ولكن يمكن زيادة هذا النشاط من خلال اهتمام الجمعيات خاصة النسائية بمشاكل المرأة بمعنى أن لا يقتصر عمل الجمعيات الخيرية على عمل سوق خيري وغيرها من هذه النشاطات المثمرة و لكن يهتموا أكثر بقضايا المرأة السعودية لتنمية مواهبها وفتح العديد من المجالات أمامها وزيادة اللقاءات الأدبية وكافة الخدمات التي تقدم للمرأة بما يكفي لإعطائها منبر للتعبير عن نفسها ومناقشة مشاكلها وتنمية مواهبها .... تتعرض المرأة العربية والمسلمة بصفة عامة والمرأة الخليجية بصفة خاصة لحملات مكثفة من الإعلام الغربي تحتوي على نوع من الإساءة والتهميش لدورها الحقيقي مع الاهتمام بالأمور الهامشية وتضخيما بما يسيء للمرأة العربية . فما هي الخطوات التي ينبغي على المرأة والمجتمع المسلم للقيام بها للرد على هذا التشويه وهل نملك الأدوات الكفيلة ليصل صوتنا إلى العالم الغربي ؟المرأة في بلادنا محل نقد من قديم الأزل لأنها رمز للأمة وتهذيبها والسيطرة عليها هي السيطرة على الأمة بأكملها ... وبالنسبة لمواجهة الإعلام الغربي أنا في رأيي أنه يجب تركيز أي مجهود في الداخل بدلا من الخارج وليس معنى ذلك أن ننغلق على أنفسنا ولكن أن نعيد ترتيب الأولويات والاهتمامات وننقاش مشاكلنا ونطور من أنفسنا دون أن ننسى ثوابتنا الإجتماعية والدينية .... فأنا عندما أرد على النقد الذي يوجه لي سأدخل في جدل لا يفيد وسيبدد كل طاقتي وبدلا من ذلك عليّ أن أكرس مجهودي لحل القضايا الداخلية وهناك آخرين عملهم خاص بالعلاقات الخارجية ولهم الأدوات الكفيلة بالرد على أي إساءة أو نقد ويعلمون تماما أنسب الأدوات التي يجب استخدامها في مثل هذه الحالات . الإنترنت اليوم فتح أفاق عديدة للمرأة العربية لزيادة ثقافتها واستثمار وقتها وكذلك البحث والعمل فما دوره في حياة البروفيسور ثريا الترك وعلاقتك بالكمبيوتر والإنترنت ؟بصراحة أنا في الكمبيوتر والإنترنت تلميذه مبتدئة حيث أنشأت الجامعة الأمريكية حاليا مشروع خاص بتعليم الكمبيوتر والإنترنت وأنا بدأت أتعلم ، لأن استخدام التقنيات الحديثة أصبح أمر ملح جداً لتوفير العديد من الإمكانيات الجديدة والمتطورة ولابد أن نتقنها و الشباب العربي اليوم مفخرة لنا في هذا المجال واتقان لغة العصر . لو أردنا نقدم خلاصة تجربتك الثرية للفتيات المقبلات على الحياة فما هو النجاح من خلال رؤيتك الخاصة في كل من " التدريس –إصدار الكتب والمؤلفات " ؟التدريس مشاركة بيني وبين الطلبة بتعلم منهم وبعلمهم ، ولا يقتصر دوري على أني مصدر المعلومات وملقن لها فالمعلومات متوفرة في العديد من المراجع والكتب لكن لابد أن نفكر معا لابتكار وسائل عديدة لإيصال المعلومة والاهتمام أكثر بالتحليل وليس بالمعلومة ودائما أقول لطلابي تعالوا نستفيد معا نحلل المعلومة ونصل لنتائج .... المؤلفات والكتب أنا من حظي أنه تم نشر العديد من الدراسات التي أجريتها وغالبيتها كتب أكاديمية وليست تجارية وخطي هو النشر الأكاديمي وكانت لي تجارب عديدة تعلمت منها الكثير فمثلا أول تجربة لي كانت بعنوان " المرأة في السعودية " ولم أعرف وقتها حقوق النشر والطبع والتوزيع وخلافه حيث كانت حقوق النشر مع الجامعة في الولايات المتحدة وليست معي وكتبت هذا الكتاب باللغة الإنجليزية وكنت سعيدة به جداًُ وعندما أشاروا إلى رغبتهم بترجمته وافقت مباشرة دون تدقيق في الأمر لكن عندما نشر باللغة العربية ترجم بصورة سيئة جداً بما يكفي لتشويهه فحاولت أن أوقف نشره ولكنني فشلت لأنني أعطيت لهم حق النشر ولا املك وقف نشره ... ومن يومها تعلمت ان لا أعطى حق النشر لأحد حتى أضمن عدم تشويه أي كتاب ونصيحتي لكل من يريد نشر مؤلفاته أن يتجه للجامعة لأنها تفتح مجال النشر بصورة كبيرة لكل من يعمل بها ولو ان الكتاب يستحق النشر سيتم فورا نشره لكن من المهم أن نتابع عمليات الترجمة ونعرف من سيقوم عليها وماهي خلفيته الثقافية والدينية التي تؤهلة لاستيعاب المحتوى ونقله بلغة أخرى. نعيش اليوم واقعاً أليماً وتتوالى الأحداث على الأمة العربية فما رأيك في الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني العزل والتهديد الأمريكي للعراق ؟
أنا متشائمة جداً من الأوضاع الحالية وحزينة لما وصلت إليه أحوالنا حتى أصبحنا من الضعف بحال لايمكننا من الرد ... والشعوب العربية بمثقفيها وبسطائها تشعر بالمشكلة وتبحث عن وسائل للتعبير عن رفضها وسخطها ويحضرني موقف بسيط يدل على مدى تفهم الناس للمشكلة الحالية واستعدادهم للمشاركة بأي صورة للتعبير عن غضبهم ، كنت أٌقوم بتغيير بعض الديكورات بالمنزل واستدعيت العامل المختص لطلاء حوائط المنزل وعندما أحضرت له مشروب " بيبسي " قال لي ( أنا مقاطع المشروبات الأمريكية أنا وأولادي وأضطر لإحضار عصائر لهم كبديل للبيبسي حتى أستمر في المقاطعة ) هذا نموذج من الطبقة الكادحة ، وفاجئني بقائمة المقاطعة يعطيني إياها .... فابتسمت وكلي سعادة لأنها انتشرت مثل الهواء داخل الجامعة والبيوت كدليل أن الناس تتمنى عمل شيء ولكن تحتاج مزيد من التوجيه للتعبير الإيجابي عن غضبها .