عندما شاهدناه في المرة الأولى يعتلي منبره في ( زاوية الخطباء ) بلندن جذبتنا طريقة حواره ومناظرته لغير المسلمين ... ( عبدالرزاق البيزي) شاب ليبي ملتحي يجيد اللغة الإنجليزية ويدعو إلى الدين الإسلامي بسماحة وأدلة منطقية باعتماده على توجيه الأسئلة للجماهير الغفيرة التي تجتمع حوله مع التركيز على غير المسلمين ليجعلهم من خلال إجاباتهم على اسئلته يستنبطون تلقائياً ما يريد هو أن يقوله عن الإسلام والرسالة المحمدية الخالدة ...
وعندما أردنا أن نطرح موضوع ( زاوية الخطباء ) المعروفة في لندن لم نجد خيراً منه ليحدثنا عن تجربته في هذا المكان وعن إسلام عدد كبير من النساء والرجال على يده ...
منذ متى وأنت تقيم في بريطانيا وتمارس الدعوة إلى الإسلام؟
منذ 19 سنة ... وقبلها كنت في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن تم طردي منها لهذا السبب ومنعي من دخولها مرة أخرى.
طوال هذه الفترة هل تشعر بالرضا عن ما تقدمه؟
الانسان المجاهد لا يشعر بما يقدمه من جهد لأن غاية طموحه هو الشهادة و كل ما نتمناه هو القبول من عند رب العالمين نحن في الغربة علينا مسؤولية كبيرة سواءًا تجاه الدين الإسلامي أو ثقافتنا وأفكارنا ... ولو قدر لي بأن أدعو إلى الإسلام ليل نهار لما توانيت لحظة ، فهذا الجهد لا يساوي أي شيء مقارنة باحساسك عندما توفق بهداية كافر او هداية مسلم ضل طريقه.
في الأسبوع الماضي شاهدنا ( في زاوية الخطباء ) امرأة انجليزية تنطق الشهادة بين أيديكم ، فهل هذا المشهد العظيم يتكرر دائماً أثناء دعوتك لهم؟ وكيف تصف شعورك في هذه اللحظة؟
لقد سئلت مثل هذا السؤال مرارا والعجيب أن أحداً لم يسألني عن عدد الذين وفقت في هدايتهم من المسلمين أنفسهم !!! .... عموما هذه الأمورلا يعلمها إلا الله وقد يدخل البعض منهم مباشرة في الإسلام أثناء المناظرة .... ومنهم من يذهب إلى بيته أو وطنه وتبقى الفكرة بداخله إلى أن يسلم ... لذلك لا أستطيع تحديد العدد ولا أشغل بالي بهذا الأمر كثيراً فالمهم هو أن أعمل ما بوسعي والتوفيق من الله يهدي من يشاء بغير حساب .... أما شعوري عندما يهتدي شخص إلى الإسلام فتقوم دموعي بترجمته من فرط سعادتي وأيضاً حزني عندما أتذكر عظمة هذا الدين التي تجعل أشخاص لا يعرفونه يقبلون عليه بينما أبناء الإسلام يخرجون عنه أو يقتلون ويذبحون وتتناقص أعدادهم في بقاع الأرض.
أرفض الإنضمام لأي منظمات ... لا أريد دعم من أحد... ولست مع التكفير والإرهاب |
هل تتلقى دعم من جهات خيرية أو منظمات اسلامية؟
على مدى سنوات دعوتي لم أتلقَ أي دعم ... ولا أريد ... لأنني لست بحاجة لذلك فما أحتاجه هو الصحة والعافية لكي أتمكن من نشر ديني وهذا لن تمنحه لي جهة خيرية أو منظمة ... أنا أعمل بمفردي ورُبّ فرد يؤدي عمل جماعة ورُبّ جماعة تعجز عن القيام بعمل فرد واحد ... أستغرب من هذا السؤال وأوجهه لكم فكيف يسأل داعية إن كان يعمل مأجوراً لجماعة يتلقى العون منها ؟ هل من المنطق أن نتاجر في واجباتنا نحو الدين؟... هذا تصرف مستنكر و لا أخفيكم بأنني تلقيت دعوات كثيرة من منظمات حاولوا إغرائي للإنضمام لها، ولم يعرفوا في الحقيقة أن المال لا يغريني .... فلقد مرت علي لحظات كنت أجمع فيها التبرعات لأخوة من المسلمين المحتاجين ولو سألتني عن ما كنت أملكه في تلك اللحظة فصدقني لم أكن أملك جنيه استرليني واحد ولكن سعادتي لا توصف عندما أشعر أن الله يمنحني شرف التفريج عن كرب إنسان بغض النظر عن دينه ومذهبه.
ولكن ألا تعتقد أنك بحاجة إلى دعم مناسب ولو من أفراد لتتمكن من مواصلة الدعوة والحياة الكريمة؟
نعم أحتاج ، وما أحتاجه هو الدعاء لكي يعينيي الله على الاستمرار بعملي هذا....أما حياتي فهي كريمة ولله الحمد ، ولدي ابن يبلغ من العمر 12 سنة يعيش معي في لندن ونحصل على قوتنا من عملي الخاص في مكتبي المتواضع.
ما هو مفهوم الحرية المعمول به في ساحة الخطباء ( بهايدبارك ) لندن؟
مفهوم الحرية كما أراه هوحرية التعبير والرأي ... بشرط أن لا يخالف مبادئ الشريعة ولا يخرج عن نطاقها.... أما حرية الحديقة فمفهومها يختلف اختلافا كلياً لأنهم هنا يحق لهم أن يسيئوا للآداب العامة ولا أحد يمنعهم عن الإعتداء على الآخرين بالحديث أو التطاول على الرسل والأديان ... وأنا أعترض على هذه الحرية المطلقة في الحوار ولكن ماذا يفعل من هم على شاكلتي لتغيير هذا المفهوم في ( زاوية الخطباء) ... أعتقد أن الإنسان لا يعرف التوازن فليس لدينا سوى خيار الإرهاب الفكري ... و خيار الحرية المطلقة التي لا تعترف بالأخلاقيات هنا.... وهذا ما يزيد عملي صعوبة وسط مجتمع مفتوح لقول وعمل كل شيء بلا حدود.
اذن اخترت لنفسك الطريق الصعب فهل لك ان تحدثنا عن الايجابيات والسلبيات فيه؟
على العكس تماما فهو طريق الهداية وطريق الصلاح والرشد... فلقد عادت علىّ الدعوة بالنفع الكثير لإصلاح نفسي وترويضها وحب الناس واحترامهم ... من الصعب أن أحدثك عن جميع الأيجابيات فهي أعظم من أن توصف لأنك تشعر بها وتعجز عن وصفها ... أما السلبيات والمصاعب فكلها تهون في سبيل نصرة الدين.
هل تواجه مشاكل معينة أثناء الدعوة في بريطانيا؟
أنا مقيم في لندن منذ ما يقارب 20 سنة بلا إقامة معترف بها من قبل الحكومة البريطانية ... وأتعرض دائماً للإعتقال والإتهام بالإرهاب وأعتقد أنني تحت المراقبة بشكل دائم ... ولكن هذا لا يمنعني من مواصلة مشواري لأنني أعلم أن جميع التهم لا أساس لها من الصحة ولا تزعجني المراقبة لأن كل ما أقوم به هو الدعوة في النور بشكل واضح وليس لي نشاطات أخرى ولا أدعوا للإرهاب أو العنف .... نحن العرب لدينا دائما عقدة المؤامرة ولكن صدقني انها ليست هواجس بل حقيقة فأعداء الدين يتربصون لكل من يحاول نشره ولو لم أتعرض لمحاولات قتل لما صدقت أن مجرد الحديث بصوت مرتفع عن الإسلام يثير بداخلهم كل هذه المخاوف ويجعلهم يرغبون بعمل أي شيء لمنع انتشاره...
أنا مستهدف من الكنيسة والمنظمات اليهودية .... وللأسف أيضاً مستهدف من الجماعات الإسلامية في بريطانيا!!! |
ما هي طبيعة هذه الضغوط التي تمارس عليك؟ولماذا؟
هناك نوعان من الضغوط: أولاً غير المسلمين ( الإنجليز ) : متمثلة في الحكومة و حاولوا معي كثيراً لإثنائي عن هذا العمل إلى درجة أنني تعرضت لعملية تسمم قبل 5 سنوات ... كما أنهم طلبوا من عدة دول استقبالي ولكن أنا رفضت ... ولذلك بقيت بلا هوية أو إثبات.
ثانياً : أتعرض لضغوط من قبل الكنيسة ورهبانها وكذلك من بعض المنظمات اليهودية التي تحاول صد المد الإسلامي.
أما الجهة الثانية وقد تستغرب منها هي ( المسلمين ) أنفسهم أو بمعنى أدق الجماعات الإسلامية الموجودة هنا وذلك لأنني لا أنتمي إلى أي جماعة منها بالرغم من أنني لا أختلف معهم جميعاً ولا أحمل أفكارا مغايرة لأفكارهم لكن ما أراه هو أن لهم مزايا ولهم عيوب ... وأنا أحاول أن أتبع المنهج الصحيح ولا أحب أن القي التهم جزافاً أو ان أتعامل بعداء مع كل من يخالف وجهة نظري....بينما الجماعات الإسلامية للأسف أغلبها لا تعترف اِلا بوجود ما تعتقده وأي مناقشة لتوجهاتها مرفوضة...
على الجانب الآخر من كل هذه الضغوط لا أستطيع أن أنكر المساندة المعنوية من بعض أخوة الإسلام .... وتصلني من وقت لآخر رسائل من شخصيات كثيرة ومن زعماء بعض الدول العربية على رأسهم ( الشيخ زايد ) حفظه الله ولا زلت أحتفظ بتلك الرسائل...
نظمت أكبر مظاهرة في لندن من أجل القدس وتم سجني بعدها
هل حاولتم إلقاء الضوء على قضية القدس لتوضيح حقيقتها للزائر الغربي في هذا المكان؟
نعم ، أتحدث عنها دائماً وربما في كل مرة وأحاول أن أقحمها في حديثي بشكل غير مباشر لأشد عقل المستمع دون أن يشعر أنني هنا لمهاجمة دين آخر فيكون أكثر قدرة على تقبل ما أقول... من جهة أخرى وبالرغم من أنني قد وقعت على تعهد للحكومة البريطانية بعدم القيام بأي أعمال شغب أو تظاهرات لكن نظمت أكبر مظاهر في لندن قبل شهر تقريباً من أجل القدس وفلسطين ... و أغلقت مظاهرتنا أكبر شارع في لندن و قاموا بسجني بعدها ثم اطلقو سراحي بعد ان كتبت تعهداً أخر...
كيف تواجهون عمليات التنصير الموجهة للمسلمين في الغرب؟
من فترة بسيطة كانت هناك منظمات تدعو السواح العرب للنصرانية و تتواجد في الأماكن التي يزدحم فيها العرب ... فبدأت بتنظيم تجمعات مشابهة في نفس أماكن تواجدهم لتوزيع منشورات وكتب إسلامية ... (يستطرد ضاحكاً )الطريف أنه حان وقت صلاة المغرب في ذلك اليوم فقمت بالآذان وصليت ومن معي صلاة المغرب وانضم لنا فيها العديد من الأخوة العرب... تفاجأت بعدها بالقبض عليّ واقتيادي إلى السجن بحجة الإخلال بالأمن و أخذوا عينات من (DNA) بحجة أنني قد أقوم بإغتصاب نساء خلال هذه التجمعات للصلاة في الساحات العامة.
كيف ترى إقبال الشباب الغربي على تقبل الفكر الإسلامي من خلال تواجدك لتسع سنوات في ( زاوية الخطباء )؟
على مدى تسع سنوات في ( الهايد بارك ) اتسائل من أين اقتبس هؤلاء في الغرب آداب الحديث التي أمرنا بها ديننا الحنيف كما هوالحال بالنسبة لآداب الإنصات و المناقشة المبنية على العقل والمنطق ، بينما تركنا نحن كل ذلك ؟؟ فالكثير منهم عندما تستخدم معه الحوار العقلي يتقبل ماتقوله .... بينما للأسف الشباب العربي والمسلم يفتقد إلى ذلك ويأتي للتشويش والتهريج في المكان دون أي رغبة بالإستفادة من شيء....
هل تعتقد أنك حققت ماتصبو إليه من خلال دعوتك في ( زاوية الخطباء )؟
لم أحقق كل ما أتمناه ... فأنا أتمنى أن يعتنق الإسلام جميع سكان الأرض ... ولكن أحمد الله الذي وفقني لمساعدة البعض على الهداية أو الرغبة بالبحث ومعرفة المزيد عن الإسلام والقرآن.... وقد أوفق في بعض الأحيان عند محاورتي مع غير المسلمين إلى تحسين علاقاتهم الخاصة بين الأب والأم والأبناء فيتبعون نصائح الإسلام دون أن يشعروا بذلك وتستوي حياتهم ثم اتفاجأ بقدومهم لإعلان إسلامهم بعد هذا التغيير الإيجابي الذي طرأ عليهم وعلى أسرهم.
هل كل ماتقوم به هو إلقاء الخطب في ( زاوية الخطباء)؟
لا بل أقدم بعض الدروس الدينية على مدار الأسبوع ... إلى جانب خطبة الجمعة ... وأحتفظ دائماً بأشرطة تسجيلية لكل ذلك حتى تكون في متناول من يرغب سماعها.
أقتبس أسلوب الحوار والمناظرة من الإسلام ولا أغصب من الهجوم الشخصي |
لفت انتباهي طريقتك الودية والسلمية في محاضراتك حتى أنك تتقبل كل ما يواجهك من هجوم بروح رياضية وتواصل الحوار دون غضب، فهل هذه طبيعتك دائماً أم أنها ضرورة للحوار في هذا المكان؟
يا عزيزي إنها روح الاسلام التي يجب أن تغلف حوار كل مسلم ، فالإسلام علمنا ضبط النفس ( وليس الشديد بالصرعة ) ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ... أنا لا أغضب إلا عندما أجد من يتهجم على الدين أو الذات الإلاهية ... بينما الأمور الأخرى لا تستحق الغضب وأنا وطنت نفسي على ذلك فلقد فقدت والدي وعمري سنة ، وتغربت عن وطني وأهلي أكثر من 22 سنة لم أرى خلالها والدتي .... ولا يشغلني سوى حال المسلمين اليوم ولا أحزن إلا لتشريدهم وضعفهم ودمار بلادهم ، أما الهجوم الشخصي فلا يعنيني.
لاحظنا عدم تطرقك للأمور لسياسية بينما الغالبية في الساحة يركزون عليها ، فما هو السبب؟
أحيانا أتطرق لبعض النقاط فمثلاً منذ فترة سمعت عن بلد عربي انتشرت فيه جمعيات تنصيرية وتحدثت عن الموضوع ... ان كانت هذه هي السياسة فأنا في هذا المثال أعتبرها دين لأنها تمسه بشكل واضح ... كما أنني أعارض حكومتي في ليبيا ولكن لا أؤمن بالمعارضة العنيفة أو الدموية فالإسلام دين سلام ولا يجب أن ينصب اهتمامنا على بث روح العداء والفرقة فيما بيننا.
عندما نستمع لبعض الخطباء في هذه الزاوية نشعر و كأننا نعود إلى عصر الجاهلية المظلم من جديد فهناك من يدعو إلى الشذوذ والإنحراف وأيضاً أشخاص يزعمون بأنهم آلهة وأنبياء ويدعون لأديان ما أنزل الله بها من سلطان ، مارأيك في هذه الحالات؟
هذا ليس جديد علينا ، فمنذ الأزل كان الناس يعبدون الأوثان والحيوانات وغيرها من مظاهر الشرك بالله زمن وهذا يعود للفراغ الفكري أو لمجموعة من الأمراض النفسية التي بدأت تتفشى بكثرة في الغرب ... ولا عجب في ذلك ، بل العجب في أن تتفشى مثل هذه الحالات في بلاد المسلمين والعياذ بالله.
أخيراً هل من أمنية خاصة لك و كلمة توجهها لقراء عربيات
أتوجه بالشكر الجزيل لكم لإتاحة هذه الفرصة لي لكي أتعرف على زواركم الكرام و اسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقكم ويوفق للجميع لما يحبه ويرضاه ....أما أمنيتي فهي أن أرى المسلمين قد اجتمع شملهم واتفقوا وسعوا لإعلاء كلمة الحق يداً واحدة تقف في وجه أعداء هذا الدين... وأتمنى أيضاً أن أكون شاهداً على عودة أرض الإسراء والمعراج وهي محررة من دنس اليهود.
على هامش اللقاء
على هامش اللقاء: بينما كنّا نجري الحوار تلقى الأخ ( عبدالرزاق ) اتصال هاتفي من امرآة تطلب مساعدته في تقويم ابنها ، وبعد اِنتهاء الاتصال، قال : هل تعلم من تكون؟
قلت وما أدراني!!
قال: اِنها امرآة كانت تدعو اِلى النصرانية في افريقيا ولفترة تسع سنوات تنصر على يدها عدد كبير من الأشخاص هناك ومشيئة الله أرادت لها أن تسلم وهي الآن تطلب مساعدة رجل دين مسلم.