الدكتورة زينب عبد العزيز: أخطاء المسشرقين حفزتني على التصدي لمهمة ترجمة معاني القرآن للفرنسية
بعد محاولات جادة للكشف عن الأخطاء المسيئة للإسلام في ترجمة معاني القرآن الكريم للغة الفرنسية، اتجهت أستاذ الحضارة الفرنسية بجامعة الأزهر الدكتورة زينب عبدالعزيز إلى إصدار أحدث ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة الفرنسية، لتكون بذلك أول امرأة مصرية تتصدى لهذه المهمة، وتقدم إنجازاً يضاف للمكتبة الإسلامية. الدكتورة زينب عبد العزيز تكشف لـ"عربيات" في هذا اللقاء عن أهم المحفزات والصعوبات التي واجهتها أثناء الترجمة، مشيرة إلى انعكاساتها الإيجابية، وتطلعاتها لدعم هذا النوع من المشاريع.
كيف تعاملت مع فكرة ترجمة معانى القرأن الكريم الى اللغة الفرنسية؟
راودني إحساس بالرهبة والتردد عند اتخاذ قرار ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، خاصة وأننى لست خريجة "أزهرية"، وإنما أعمل رئيس قسم اللغة الفرنسية بكلية البنات في جامعة الازهر، لذا فكرت كثيراً قبل الإقبال على هذه المهمة الشاقة، وبفضل الله تعالى ثم لغيرتى على ديني وعلى القرآن الكريم أقدمت على هذه الخطوة دون تراجع، حيث ألغيت كافة التزاماتي وتفرغت للترجمة، وكنت أصلى يومياً صلاة التهجد 15 ركعة وأدعو الله أن يوفقنى. استغرقت الترجمة 10 سنوات، و15 ساعة عمل يومياً، وكانت التحدى بالنسبة لي هو التصدى لأخطاء المستشرقين، ومحاولات التطاول على الإسلام والتعرض للقرآن الكريم.
ذكرت في أحد تصريحاتك أن ترجمة المستشرق الفرنسى "جاك بيرك" للقرآن استفزتك كثيراً وكانت وراء إصدار هذه الترجمة للرد عليه، فما هذه الأخطاء التى قمت برصدها؟
هذا صحيح، انزعجت كثيراً من ترجمة المستشرق الفرنسى جاك بيرك وصدمتنى للغاية لأنها تضمنت أخطاء معيبة، ومغالطات وتجاوزات وتطاول على القرآن الكريم و الإسلام. كما استفزنى التحريف المغرض والمقصود لتشويه صورة القرآن والإسلام. فعلى سبيل المثال وليس الحصر رصدت أخطاء كثيرة منها إهانة الذات الإلهية باسفاف، فهناك آية "يتوب الله" التي نفهمها بأن الله يتوب على عباده من الذنوب، فى حين قام بيرك بترجمها معتبراً أن الله – عز وجل - يخطىء ويتوب - والعياذ بالله -، ومن ثم فهو غير أمين على ترجمة القرآن، بالإضافة إلى أنه كتب مقدمة من 82 صفحة تأتى بعد الترجمة كنوع من الإحترام للقرآن على - حد قوله – بينما كان في واقع الأمر ينتقده، ويقول أن القرآن والإسلام غير صالحان لكل زمان ومكان، وأن لكل أجل كتاب، ولابد أن ينتهى القرآن فى يوم ما، وأن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام نقل سور وآيات نادرة مثل سورة الاخلاص من الشاعر "فارمنتيس"، وأن سيدنا ابو بكر هو من قال ذلك. وبالتالى يقصد جاك ضرب الإسلام بواسطة تلك الترجمة، بالرغم من كونه أستاذاً فى جامعة فرنسية شهيرة، وعضو بمجمع اللغة العربية، أي أنه متمرس فى اللغتين الفرنسية والعربية معاً.
أهم الصعوبات تكمن في اختلاف الوعاء اللغوي بين العربية والفرنسية
ماذا عن الصعوبات التى واجهتك أثناء الترجمة؟ وهل هناك فقهاء أو علماء شاركوا معك في الترجمة؟
إطلاقاً، لم يساعدنى أحد في الترجمة لأنني على يقين بأن كل كل شخص قد يحاول أن يفرض وجهة نظره، وقد يربكنى ذلك ويشتت تركيزى ويعيق الترجمة، لذا اعتمدت فقط على الاستعانة بأحد أساتذة أصول الفقه والشرع بالأزهر، خاصة عندما أختار بين عدة كلمات لمعنى من معاني القرآن الكريم، فقد تظهر لي على سبيل المثال 5 احتمالات وينصحني الفقيه بالكلمة الأقرب للعربية. وأدين بالشكر لرئيس قسم اللغويات بجنيف، الذى واتتنى الفرصة لمقابلته أثناء مناقشة رسالة الدكتوراه، وعرضت عليه فكرة الترجمة والخطوات التى نفذتها، فشجعنى ونصحني بالاستمرار دون أن أتوقع تهنئة أو تكريم من الأكاديمية الفرنسية على اشتقاق كلمات جديدة بالفرنسية من خلال هذه الترجمة كوني مصرية ومسلمة. وبالنسبة للصعوبات التى واجهتنى أثناء الترجمة، فهى ذات الصعوبات الأساسية التى تواجه جميع المترجمين، وهى الاختلاف الكبير بين الوعاء اللغوي في اللغة الفرنسية واللغة العربية، خاصة وأن الأخيرة شديدة الاتساع، والجذر فيها يعطى 80 تصريفة، على عكس الفرنسية التى تفتقد صيغ فعلية كثيرة، وقد تغلبت على ذلك بالرجوع للقواميس والبحث عن الكلمة والمقابل لها، مع استشارة أستاذ أصول الفقه إذا لزم الأمر حتى أستقر على الكلمة المناسبة فى الترجمة.
ما هو المنهج الذى اعتمدت عليه فى ترجمة معانى القرأن الكريم؟
لم أعتمد على إضافات أو شروحات أو هوامش كثيرة فى الترجمة مثل غيري، فهناك ترجمات طويلة للغاية والآية بها مترجمة في عدد كبير من الأسطر التي قد تشعر القارىء بالملل والتخبط فى المعنى، كما تعطي إنطباع بأن المترجم يحاول أن يفرض مفهومه على القارىء، لذا اعتمدت على الاسلوب المبسط السلس، الذي يوضح الفكرة والعبارة والكلمة دون ضياع المعنى، وحرصت على أن تكون الهوامش بالترجمة فقط لاظهار قيمتها وإبراز الإعجاز العلمي للآيات، وتوضيح هذا للغرب بكلمات مبسطة، خاصة لأولئك الذين لا يؤمنون بالغيب، أو بحاجة لأدلة وبراهين للإقتناع.
700 شخص أشهروا إسلامهم فى افريقيا بالاستعانة بالترجمة
يقال أنه يشترط مرور 3 سنوات على إصدار الترجمة لاعتمادها والإعتراف بها من قبل الازهر، فهل هذا صحيح؟
لا أعتقد ذلك، لكن المتعارف عليه أنه عند الانتهاء من أى كتاب يتعلق بالإسلام تتم مراجعته من قبل الازهر، وأنا شخصياً قدمت ترجمتي إلى الشيخ أحمد الطيب وكان المفتى وقتها فأشاد بالترجمة وصرح إعلامياً بأنها تعد من أفضل الترجمات التى مرت عليه، وأشاد بما بذلته من جهد لإنجازها معتبراً أنه عمل قد لا تتمكن منه مؤسسة مكونة من عشرات الرجال ده مثبت بالتواريخ. غير أن الموقف السلبي كان من دور النشر التي لم تتبنى حتى الآن طباعة وتوزيع وتسويق هذه الترجمة. وللأسف مؤسسة الأزهر لا تطبع ترجمات المصاحف غيرالعربية، علماً أنني لم أفكر في الأمر بشكل تجاري بقدر ماكان توجهي لتحويله إلى صدقة جارية للجمعيات الخيرية غير الربحية. أما على صعيد تحقيق الترجمة لأهدافها فقد أبلغنى رئيس جمعية تبليغ الدعوة بالإسكندرية بأن 700 شخص فى إفريقيا أشهروا إسلامهم بعد إطلاعهم على الترجمة، بالإضافة إلى أن جمعية الدعوة الإسلامية العالمية في ليبيا تبنت طباعة الترجمة وأعلنت ذلك فى توصيات مؤتمر أقيم مؤخراً بهدف إيصال هذه الترجمة للشعوب "الفرنكفونية"، كما أن دولة المغرب تطبع طبعة ثانية من الترجمة، وسوف تخصص جزء للتوزيع مجاناً وجزء للبيع.
ماذا عن موقع الفن التشكيلي من حياتك الآن؟
الفن التشكيلى هواية أعشقها ولا أستطيع أن أتوقف عنها، فقد قدمت 50 معرضاً منذ عام 1955 وحتى 2005، وحالياً أعد مقالة نقدية بعنوان "موقف الغرب من الإسلام" وسوف أقوم بترجمتها للفرنسية، ولكننى لن أتوقف عن الكتابة أو الرسم أبداً ولن أعتزلهما فى حياتي.