سورية: مظاهرات متصاعدة تحصد المزيد من الأرواح، ورواية رسمية تنكر الواقع
"مندس، مخرب، جماعات مأجورة، قتلة"، قابلتها كلمات "متظاهر، مُطالب، شهيد"، في النهاية هو مواطن، هي حرب اتهامات توالت في الأيام الأخيرة بين النظام السوري وبين المتظاهرين المطالبين بالحرية والإصلاح ومحاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين خلال المظاهرات التي اشتعلت منذ أواسط الشهر الفائت في سورية.
الشرارة الأولى للأحداث كانت من مدينة درعا الحدودية جنوبي سورية، حيث سقط المئات في هذه المدينة الصغيرة حتى الآن بين شهيد وجريح بنيران قوات الأمن السورية التي تواصل تكذيب الرواية وتقول أن عناصر "مخربة" تقوم بإطلاق النار على المتظاهرين وقوات الأمن لتشعل الفتنة بينهم.
وكان التلفزيون السوري عرض يوم الجمعة مقاطع تم تصويرها في درعا، قال إنها للعناصر "المخربة" التي كانت تطلق النيران على المواطنين ورجال الأمن، بينما اتهم المواطنون والمعارضون السوريون الدولة بفبركة هذا النوع من المقاطع المصورة لنفي تهمة القتل عن عناصرها.
رقعة الاحتجاجات في سورية لم تقتصر على درعا بل امتدت إلى بقية المحافظات السورية، فمن دمشق العاصمة التي شهدت العديد من مناطقها اشتعال للاحتجاجات راح ضحيتها العشرات من الشهداء والجرحى خاصة في منطقة دوما التابعة لريف دمشق، إلى اللاذقية وطرطوس وبانياس وجبلة على الساحل السوري، وحماه وحمص وسط سورية التي سقط فيها شهيدان يوم الجمعة حسب مصادر إعلامية، بينما يقول أهل المدينة أن عدد الشهداء وصل إلى عشرة أو أكثر.
الاحتجاجات امتدت إلى شرق سورية وشمالها الشرقي، حيث شهدث مدينة دير الزور وقراها مظاهرات مطالبة بالحرية والاصلاح والقصاص من القتلة لتشهد حملة اعتقالات، كما خرجت مظاهرات مطالبة بالحرية في مدينتي الحسكة والقامشلي ذات الغالبية الكردية، والتي توقع الغالبية العظمى من السوريين أن تكون هادئة خاصة بعد منح الجنسية السورية للأكراد الذين حرموا منها في إحصاء عام 1962.
منح الجنسية لم تكن الخطوة الوحيدة التي اتخذتها الحكومة ضمن سلسلة إصلاحات سريعة أعلنت عنها للتخفيف من حده الشارع، حيث أقال الرئيس بشار الأسد حكومة رئيس الوزراء ناجي عطري وكلف وزير الزراعة في الحكومة المقالة عادل سفر بتشكل حكومة جديدة.
الإصلاحات في سورية شملت رفع الرواتب للعاملين في الدولة والمتقاعدين، كما عمل الرئيس الأسد على إقالة محافظي درعا وحمص، وتمت إحالة محافظ درعا فيصل كلثوم ورئيس فرع الأمن السياسي في درعا إلى القضاء لمحاسبتهما على ما نسب إليهما من مسؤولية عن الأحداث الأخيرة في درعا ودورهم في سقوط العشرات من أهل المدينة بين شهيد وجريح.
وكانت الحكومة السورية شكلت لجنة قضائية للبحث بأحداث درعا واللاذقية والتي شهدت سقوط العديد من الشهداء والجرحى، وذلك لمعرفة المسؤولين واتخاذ الإجراءات القانونية لمحاسبتهم مهما علت مناصبهم، بحسب مصدر مسؤول.
ونقلت هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) عن مصادر أن آلاف السوريين خرجوا اليوم الأول من أمس في مظاهرة بمدينة بانياس في شمال غرب سورية مطالبين بإسقاط النظام، مضيفة أن شهود عيان أكدوا تحرك ست دبابات في شمال المدينة، إلا أن الاتصالات قطعت بعد ذلك.
كما ذكرت وكالات الأنباء أن قوات الأمن السورية أطلقت السبت النار على المشيعين بالقرب من الجامع العمري في مدينة درعا، في أعقاب جنازة ضخمة للقتلى من المحتجين، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن قوات الأمن استخدمت الذخيرة الحية لتفريق متظاهرين في مدينة اللاذقية.
وفي اتصال هاتفي مع بي بي سي حمّل عضو مجلس الشعب السوري عن محافظة درعا ناصر الحريري أجهزة الأمن السورية مسؤولية قتل المحتجين في المحافظة، مطالبا الرئيس بشار الأسد، بالتدخل لوقف "حمام الدم".
كما أعلن وزير الخارجية وليد المعلم السبت أن الحوادث التي قام بها "المخربون في درعا أمر لم يعد من الممكن السكوت عنه ويتطلب اتخاذ الاجراءات الكفيلة بحفظ الامن".
وأكد وزير الخارجية على مشروعية المطالب الشعبية، وعلى ما سبق أن أعلنته سورية من أنها تعمل للاستجابة لها وفق برنامج إصلاحي يشمل الإصلاحات الاقتصادية والسياسية وإصلاح القضاء ومحاربة الفساد.
ارتفاع متزايد في عدد القتلى والمنظمات الحقوقية تطالب بوقف قمع المتظاهرين
أعلن رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الانسان عمار قربي أن 37 شخصا لقوا حتفهم الجمعة في سورية خلال تظاهرات احتجاجية منهم 30 قتيلا في درعا وثلاثة قتلى في حمص.
وبينت المنظمات الحقوقية في بيان لها قيام السلطات السورية أمس بتفريق تجمعات سلمية في عدد من المحافظات السورية، وذلك "باستخدام العنف المفرط وغير المبرر، ومنه إطلاق الرصاص، مما أدى الى وقوع عدد من الضحايا".
وأوردت المنظمات لائحة بأسماء 26 قتيلا في درعا وقتيلين في حمص سقطوا يوم الجمعة، بينما لم ترد حصيلة من مصدر رسمي عن تظاهرات السبت، لكن وكالة الأنباء السورية سانا أعلنت مساء الجمعة مقتل 19 عنصرا من الشرطة والأمن وجرح 75 آخرين في درعا في ذلك اليوم في إطلاق "مجموعات مسلحة" النار في المدينة.
وفي حمص قالت الوكالة إن 20 من قوات الشرطة والأمن إضافة إلى عدد من المواطنين أصيبوا بجروح جراء قيام "ملثمين" بإطلاق النار على المواطنين.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش أشارت في وقت سابق إلى أن عدد القتلى في سورية منذ بدء الاحتجاجات وحتى يوم الخميس الفائت وصل إلى 171، أغلبهم في محافظة درعا.
دعوات دولية لوقف إطلاق النار وإجراء إصلاحات
الموقف الدولي بدأ يفصح عن رأيه تجاه الوضع الداخلي في سورية حيث انضم الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة ووجه دعوة دمشق لوقف أعمال العنف ضد المتظاهرين والبدء فوراً بعملية الإصلاح السياسي.
وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون في بيان لها يوم السبت إنها "تدين بشدة العنف وسقوط القتلى في سورية خلال مظاهرات مطالبة بالحرية والديمقراطية" داعية السلطات السورية "بحزم الى وضع حد للعنف فورا" مشيرة إلى "مسؤولية الدولة في حماية جميع مواطنيها واحترام المظاهرات السلمية وحرية التعبير".
من جانبه أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن قلقه الشديد تجاه الأنباء عن سقوط ضحايا في درعا، وقال بان كي مون في اتصال هاتفي يوم السبت مع الرئيس الأسد إن "وفاة متظاهرين مسالمين أمر غير مقبول، ويجب أن يكون موضع تحقيق"، مطالباً الإسراع بالافراج عن المعتقلين، وضرورة إجراء حوار فوري وشامل حول اصلاحات شاملة في سورية.