حسن دردير و ذكريات الفن: مع الممثل السعودي مشقاص، الحلقة الثانية
تتواصل ذكريات الفنان السعودي حسن دردير "مشقاص" عن الفن وفي هذه الحلقة يحكي لنا بعد المواقف التي جمعته بفنان العرب محمد عبده، وصوت الأرض طلال مداح، والممثل المعروف لطفي زيني رحمهما الله.
أنا ومحمد عبده في قسم الشرطة
ذكرياتي مع أخي وصديقي الفنان محمد عبده بدأت من تعاوني الأول معه عندما أراد بابا طاهر الزمخشري رحمه الله أن يعمل نوعاً جديداً من فوازير رمضان في الإذاعة بجدة في الثمانينات الهجرية فاشتركت مع أخي محمد عبده في فوازير "السمسمية" أنا وإياه وعازف السمسمية الذي لا يحضرني اسمه.... وكنا نذهب أنا وأخي محمد بعد صلاة العصر للإذاعة لنسجل حلقة كل ليلة بليلتها، وكان يمر عليّ بسيارته المتواضعة وفي يوم خرجت معه كعادتي فوقف بطريقنا شخص يمازحنا بتوجيه سيارته نحونا وأنا عيبي أنني سريع الزعل(والحمق) خاصة إذا كنت مرتبط بإلتزامات لا أتقبل هذا النوع من المداعبة... فقلت له والزجاج مغلق ( يارجل استحي وخلي عندك أدب )، ومحمد يقول ( اتركه كأنك لا تراه ) ولم أجد إلا وأن ذلك المشاكس قد الصق سيارته بسيارة محمد ففتحت الزجاج وقلت له ( إن كنت رجلاً فتعال معنا إلى مركز الشرطة ) ولم يكذب خبر اتجه إلى المركز ومحمد يقول ( بلاش يا مشقاص ورانا إذاعة ) المهم أقنعته وذهبنا للشرطة وبدأنا نحكي للرقيب الموضوع وسألته عن ضابط المركز فدخل الرجل عندها وصحت نعم هذا هو الشخص الذي اعترضنا... ولم أجد إلا الجندي الموجود على الباب والرقيب يؤدون التحية لخصمنا ويقولون له ( أي خدمة ياسعادة الرائد ) فرد عليهما ( احجز هؤلاء الإثنين ولاتخرجهم إلا عندما أعود )... لم أفهم ما حدث ووبختهم لأنهم تركوه يخرج وقلت للرقيب سأبلغ رئيسك لكن الآن مع السلامة وسوف نعود لاحقاً لمتابعة بلاغنا.... وقبل أن أكمل كلامي كانت البندقية التي يحملها الجندي موجهة لنا والرقيب يقول ( لن تخرجا من هنا حتى يأمر الضابط بذلك وأعتقد أنكما سمعتوه) .... فالتفت إلي محمد عبده ببرود وشيء من اللوم يقول: "عجبك كده؟ ماقلت لك الله يهديك، دحين إيش فادك التهور؟".... قلت له: "يعني يصدمنا ونسكت؟".... قال بقليل من الحدة وهو يضحك: "يا أخي وإنت إشلك؟؟ سيارتي وأنا ماقلت شي... صحيح اللي قال أهل الميت صبروا والمعزيين كفروا"..... وبعد ساعة تقريباً رجع الضابط فجلس محمد يتفاهم معه بهدوء بينما أنا أغلي من الداخل إلى أن أعتذر لنا وقال: "حبيت أمزح معاك يا أبو المشاقيص ومع فناننا فخليك ثاني مرة حليم"... وذهبنا إلى الإذاعة وسجلنا الحلقة في اللحظات الأخيرة قبل إذاعتها.
طلال مداح والإتفاقية مع الدكتور محمد عبدالوهاب
أما أخي العزيز على نفسي طلال مداح رحمه الله كان لي موقف عندما ذهب إلى بيروت للتفاهم مع الدكتور الموسيقار محمد عبدالوهاب رحمه الله هو وأخي الغالي لطفي زيني رحمه الله وذهبت معهم فكانوا يتركوني في الشقة في بيروت ويذهبوا لإنهاء الإتفاقية والعقد بين طلال مداح ومحمد عبد الوهاب على تنفيذ مجموعة من الألحان وبالفعل اتفقوا وسجلوا أول أغنية وتركوا الأشرطة في استديو (شلهوب) ليعودوا بعد ذلك لعمل المونتاج بحضور الدكتور عبدالوهاب... وبالصدفة وأنا اقرأ العقد لاحظت عبارة معناها أنه يمكن للدكتور محمد عبدالوهاب أن يمنع طلال مداح من تسجيل أي أغنية لأي شركة أو مؤسسة أو لنفسه إلا بعد الإنتهاء من تسجيل ألحان الدكتورمحمد عبدالوهاب، وليس في العقد أي مدة للإنتهاء من هذه الألحان، وأعتقد أن طلال ولطفي من فرحتهم بتوقيع العقد لم يلاحظوا هذه الفقرة وتفاجئوا بها حيث قال طلال رحمه الله: "هذا ذنب عدم اصطحابنا لأبو المشاقيص"، فقد خافوا أن أقول أي كلمة بصراحتي وتلقائيتي المعهودة التي قد تغضب الدكتور و (تتفركش) العملية، المهم سألني طلال: مالعمل الآن؟ .
قلت له: شوف يا سيدي أنتوا ماعليكم إلا تسلموني الأشرطة وبعدين لكل حادث حديث.
وبالفعل ذهب لطفي وتمكن من إحضار الأشرطة وذهبت بها إلى المطار فوجدت شخص سعودي لا أعرفه ولا أعرف اسمه اتجه نحوي وقال: (هلا يا أبو المشاقيص، إنت مسافر معانا على السعودية والا مودع؟).
قلت له: عندي 4 أشرطة أبغاك تاخذها معاك وتسلمها لمحلي "دنانير مشقاص" وتقول للموظف يحتفظ بها في منزله أو يسلمها إلى شخص يدعى علوي العطاس وأنا سأعود من طائرة المساء ومعي أخي طلال مداح ولطفي زيني -رحمهم الله جميعاً-.
قال لي : تؤمر أمر.
في المساء حضر الدكتور محمد عبدالوهاب للأستديو وطلب إحضار الأشرطة لعمل المونتاج وسأل عن طلال فأخبروه أنه ولطفي حضرا بعد خروجهم و أخذا الأشرطة، غضب وحاول الإتصال على شقتنا فأخبروه أن طلال غير موجود، واستعنت في ذلك الوقت بضابط نقيب في بيروت ليتمكن طلال من السفر في طائرة المساء وبالفعل قطع له تذكرة باسم مستعار ومعه أخي لطفي ووصلوا بسلام للسعودية واستلموا الأشرطة ولحقت بهم في اليوم التالي.
رفيق العمر لم أتخلى عنه
أما صديقي العزيز لطفي زيني رحمه الله كان كل شيء عندي فهو الأخ والصديق ومدير أعمالي بل صاحب أعمالي بإعتباره هو أنا وأنا هو، وعندما فرقتنا الدنيا لطلب الرزق ذهب كلٌ منا في همه هو في تونس وأنا في أبها.
وسوف أذكر قصة لأول مرة أذكرها في عربيات مع أنها كانت بيني وبين الله ولقد سامحت أخي لطفي لوجه الله بالرغم من أن لي مبالغ كبيرة عنده ولا أقول هذا إلا ليعلم كل من اعتقد أنني لم أفعل شيء لأجله أن أكثر من نصف مليون تركتها معه ولم أذكر ذلك مفاخرة فالرجل انتقل للرفيق الأعلى وأنا سيأتي لي الدور لأن هذه هي سنة الحياة وليعلم أهله وناسه أنني لم أتأخر عن رفيق دربي في يوم من الأيام والله على ما أقول شهيد، رحم الله أبومحمد وهذا آخر ماحدث بيننا أشهد الله ثم أشهدكم بذلك.
الفن السعودي بين الأمس واليوم
كما يقولون لكل مقام مقال، ولكل جواد كبوة ، ولكل زمن رجال... فما قدمناه في الماضي يعتبر كما يقول المثل (ليمونة في بلد قرفانة)، فلم يكن لدينا هذا الجمهور العريض الذي يتابع الفن اليوم، ولكن كنا نعطي من قلوبنا ومالنا لنقدم أعمال جيدة في حدود المتاح من إمكانيات تقنية ومادية وأيضاً من جهة الحرية في الكتابة، أعطيكم مثال على ذلك كنا أثناء التسجيل لو اقترفنا خطأ أمام الكاميرا ونحن في نهاية التسجيل نضطر لإعادة العمل من الأول إلى الآخر وطبعاً الآن تطورت التقنيات ولم نعد بحاجة إلى هذا المجهود الكبير.
الكاتب أبو السعود الإبياري: أنتم عباقرة إذا كانت أعمالكم تصل للجمهور دون إشتراك العنصر النسائي
وأيضاً كان التمثيل (رجال في رجال) واتذكر أننا اتصلنا بالكاتب الكبير أبوالسعود الإبياري الذي كان يقوم بتأليف أفلام الفنان اسماعيل ياسين آنذاك وطلبنا منه تأليف مواضيع اجتماعية كوميدية لنا للتنويع والتجديد فيما نقدمه... لكن عندما علم بشرطنا المتمثل في عدم اشتراك العنصر النسائي قال بالكلمة الواحدة: " نتم عباقرة فلا أتخيل أن أعمال أبطالها من جنس واحد تصل إلى الجمهور وأنتم وصلتم بجدارة، وأنا أبارك نهجكم لكن أعتذر عن الكتابة"، بالطبع هذه الواقعه كانت منذ زمن بعيد في عام 1967م ، أما اليوم تغير كل شيء من التكنولوجيا والأجهزة التي تفعل المستحيل إلى إشتراك العنصر النسائي غير السعودي في مجال الدراما والحرية في الكتابة والنقد البناء.
أعتقد أن الفنانين اليوم في المملكة العربية السعودية لديهم فرصة ذهبية للإبداع فعندما يلقى الفنان التشجيع المعنوي والمادي من المسؤولين ليس له عذر بعد ذلك بتقديم أعمال دون المستوى.
ولا يفوتني أن أشيد بأعمال جميع أخواني منهم على سبيل المثال لا الحصر (محمد العلي)، (عبدالله السدحان)، (ناصر القصبي)، (خالد سامي)، (عبد الرحمن الخريجي)، (سعد خضر) والجميع بشكل عام فذاكرتي لا تسعفني بتذكر أسمائهم إلا أنهم حاضرين في مخيلتي وذلك لكبر السن "الله يكبرنا في طاعته"، وللحق أقول بأن انتاج وأعمال الزملاء فيها ثراء فهي أعمال متكاملة وممتعة ذاع صيتها بين الجماهير داخل وخارج المملكة بالرغم من منافسة الفضائيات، لكن أهمس للشباب منهم بأن لا ينساقوا وراء بريق الفضائيات ويستنسخون أعمالها الأجنبية فالجماهير العربية والسعودية على وجه الخصوص لاتستهويها مواضيع الخيانة والتهريب والإنحراف وتعاطي المخدرات وتتفاعل أكثر مع المواضيع الإجتماعية المفيدة لها والتي تتحدث عن واقعنا. ولا أريد تحديد مسميات أعمال أو تقييمها فاستغفر الله من أن أكون أنا من يقيم فنانين عمالقة.
الإنتاج العربي المشترك
مشاركة اخواننا الفنانين من مختلف الدول العربية أمر مطلوب وطيب ولا أخفيكم القول أنني كنت من أول المبادرين لمشاركة أخواني الفنانين العرب في مثل هذه الأعمال الدرامية منذ عام 1967م، وكانت البداية من لبنان في عمل مشترك سعودي لبناني سوري تونسي يتم تصويره في تونس وكنا حوالي 90 فناناً وفنانة من عدة دول ولكن الظروف لم تكن مواتية عند شروعنا بالإنتاج بسبب ارتباط كل مشارك في أعمال أخرى.
بعد ذلك بدأنا بمشاركة الزملاء من مصر الشقيقة في أعمال مشتركة جمعتني بعمالقة الفن أمثال: محمود المليجي ومحسن سرحان وفريد شوقي وسمير ولي الدين رحمهم الله جميعاً وأيضاً الفنانة أمينة رزق وسميحة أيوب وفاطمة مظهر وعفاف شعيب وتيسير فهمي. والجميل في هذه المشاركة أن كل ممثل كان يؤدي دوره بلهجته، بينما للأسف اليوم أكثر الزملاء يمثلون بلهجات مختلفة وهذا أعتبره نوع من عدم الوفاء ألاحظه حتى في الغناء ولا أعرف لماذا؟، فأنا والفنانة القديرة صفاء أبوالسعود اشتركنا معاً في أول فيلم (كرتون) عربي سعودي هو " مشقاص سواح" هي بلهجتها المصرية وأنا بلهجتي السعودية التي لن أتخلى عنها أبداً.