روز سافيدج، أول امرأة تقطع 3 محيطات وحدها: الشجاعة نكتسبها بالممارسة
تحاور عربيات السيدة روز سافيدج وهي من ألمع وأشهر الأسماء في عالم الرياضة وتحديداً ضمن رياضة التجديف عبر المحيطات، كما أنها مناضلة شرسة في مجال الدفاع عن البيئة، وكاتبة ومحاضرة، حاصلة على أربعة أرقام قياسية في مجال التجديف عبر المحيطات، فضلا عن كونها أول امرأة تقطع وحدها المحيط الأطلسي والهادي والهندي، حيث قطعت 15 ألف ميل أو ما يعادل 5 ملايين تجديفه، وأمضت حوالي 500 يوم من حياتها في عرض البحر على متن قارب طوله 23 قدما. نشرت روز سافيدج كتابا حول مغامرتها الاستثنائية عام 2009 بعنوان "التجديف في المحيط الأطلسي: دروس وعبر من المحيطات المفتوحة"، وسيصدر كتاب ثان لها بعنوان "أوقفوا الإنحراف، إبدأوا التجديف: امرأة واحدة تبحث عن السعادة في المحيط الهادئ" وذلك في 15 أكتوبر من هذا العام 2013. تصنف السيدة روز سافيدج كبطلة للأمم المتحدة في الدفاع عن البيئة، وهي عضو في الجمعية الجغرافية الملكية، كما أنها عضو في نادي المستكشفين بنيويورك، و قد أدرجت ضمن أفضل عشرين مغامراً بريطانيا في صحيفة الدايلي تلغراف، وفي عام 2010 نالت لقب مغامرة العام من طرف ناشيونال جيوغرافيك، وفي الحوار التالي نتعرف عن قرب على هذه المرأة.
في أعقاب النجاح الذي حققتيه في مجال المغامرة عبر البحار والمحيطات، هل تعتقدين بأنك أعطيت درسا كافياً لأعداء الطبيعة، باعتبارك من أبرز المناضلات في هذا الشأن؟
في الحقيقة أنا حتى الآن نسبيا لم أبدأ بعد، إذ على مدى الثمان سنوات الماضية استخدمت مغامراتي لرفع مستوى الوعي وطرح إجراءات عملية بشأن القضايا البيئية، وذلك عن طريق مدوناتي وحساباتي في فضاءات التواصل الاجتماعي على غرار الفيس بوك والتويتر، وأتصور بأنه كان لذلك أبلغ الأثر، ولاسيما في الوصول إلى الناس الذين لا يعتبرون بطبيعتهم من أنصار البيئة. ولكن من الواضح أنه لا يزال أمامنا طريق طويل جداً، فنحن نواصل تلويث كوكبنا الوحيد، رغم أننا نعيش على أرض ذات معالم محدودة ، خاصة وأنا تعدادنا الديموغرافي وصل الآن إلى 7.1 مليار نسمة مما يزعزع منظومة التوازن البيئي، وهذا لن ينتهي بشكل جيد بالنسبة لنا مع الأسف، يبدو أننا فقدنا أغلب قدراتنا أو إرادتنا في النظر نحو المستقبل لمعرفة اتجاهنا، مع أن الثقافات القديمة والشعبية أدركت ذلك جيداً. وفي اعتقادي نحن بحاجة إلى إنشاء مقياس جديدة لتعريف النجاح، ولا سيما وأننا لا نزال نتصور دائما بأن "المجد" يكمن في امتلاك منزل فاخر ودخل مرتفع ومسايرة أحدث الصيحات، مع أنه لاشيء قابل للدوام فقد أثبت علماء النفس في المقابل على أن هذا التباهي بالاستهلاك غير مجد لإسعادنا، مقارنة بالعوامل الكبرى التي تترك في النفس سعادة غامرة، وهي المساهمة في تطوير مجتمعنا، وتوثيق روابط علاقاتنا وصداقاتنا بالآخرين، وممارسة الحياة بوجدان حي ومتفاعل. في عالم مثالي سيكون لدينا المزيد من السعادة البشرية، المستمدة من عوامل حقيقية ومستدامة وفي نفس الوقت يتقلص فيه تأثيرنا البيئي السلبي، وذلك من خلال الفهم بأنه سيتم استيفاء الاحتياجات الأساسية مرة واحدة وربما أقل بعيداً عن الإنسياق الأعمى.
نسلب مستقبل الأجيال القادمة بإهمالنا للبيئة
هل فكرت في الدفاع عن حقوق الأطفال وغيرها من القضايا الإجتماعية والإنسانية؟
لا، لم أقم بأنشطة تتعلق بالأطفال واستغلالهم في مختلف الأعمال المرهقة، لكن باعتباري ملتزمة على المستوى الأخلاقي، فإنني أجتهد في تحديد أهدافي بشكل مستنير، فحين أقوم بحملة لحماية بيئتنا فإنني لا أفعل ذلك من أجل أطفالنا الذين يعيشون بيننا الآن، ولكن من أجل الأطفال الذين لم يولدوا بعد، وفي هذا السياق أذكرك بأنني أهوى الغطس وعليه فأنا أعمل على زرع محبة هذه البيئة، ومن ثم مد يد العون للمحافظة على الشعاب المرجانية والإبقاء على الحياة البحرية في صحة وتنوع. إنني أحب مشاهدة الحيوانات وسط بيئتها الطبيعية، وآمل من أطفال المستقبل أن يكونوا محظوظين بسماع زقزقة العصافير، والتجوال في الغابات البرية الكثيفة. أحب أن نكون بصحة جيدة، وآمل أن لا نساهم في مزيد من التلوث لبيئتنا كي لا نتسبب في التأثير على صحة الأجيال المقبلة ونقلل من حيويتها. والحق أننا الآن نقوم بسرقة المستقبل، فحياتنا الراهنة سوف تحد من مستوى المعيشة لدى الأجيال القادمة، وهذا يشعرني بأنني مذنبة، مع أننا جميعاً نملك العلم والمعرفة من أجل اختيار مسار مختلف. أريد من أطفال المستقبل عندما يتلفتون خلفهم أن ينظروا بعين الرضا إلى جيلنا ويشكروننا، أفضل من أن يشعروا بالغضب حيال ممارساتنا التي تسلب الأرض جمالها، أنتظر منهم أن يكونوا ممتنين لنا، لأننا كنا أكثر حكمة على الرغم من صعوبة اتخاذ الكثير من القرارات الحاسمة للحفاظ على هذا الكوكب الجميل.
ما يزال هناك تمييز عنصري بين الرجل والمرأة، وأتصور بأن خوض المغامرات يعد رسالة واضحة بأن المرأة في مقدورها اجتراح الخوارق، فمن أين حصلت على هذه الشجاعة للإقدام على مغامراتك؟
الواقع أنه على مر التاريخ لم تكن المرأة أقل شجاعة من الرجل، وفي اعتقادي أن الشجاعة ليست حكراً على جنس واحد، أما فيما يخص مصدر شجاعتي فأنا على يقين تام بأن الشجاعة يمكن أن نكتسبها بالتعلم، فهي ليست شيئا يولد معنا، وليس من عادتي أيضا أن أكون شجاعة، إذ على نقيض ذلك فمن عادتي الخوف من عدة أشياء، كنت أخاف من الظلام ومن أن أكون مختلفة، وأخاف من نفسي ومن المحيطات ذاتها ولا أزال كذلك، فخلال الأسابيع الأولى لي بالمحيط الأطلسي كنت أشعر بالذعر خاصة في فترة الليل، لكن بعد مدة من الزمن تشعر بالتعب من الخوف ذاته، فتجد طريقة للتعايش مع هذا الخوف، وقد واجهت مرات عديدة الإحساس بأن صبري قد نفذ من شدة الخوف والإحباط والملل والألم، ولكن كوني لا أملك الاختيار باعتباري في قلب المحيط اكتشفت أن هناك طريقة واحدة للمرور إلى الضفة الأخرى، وبناء على هذا التصور الإيجابي واصلت المضي قدماً، لأدرك بعدها بأن ذروة الصبر ليست سوى سراباً، وأنها مجرد خيال لا وجود له إلا في أذهاننا وليس في الواقع.
تحولنا من مجتمعات أمومية إلى أبوية، وفي الحالتين نفتقد الإحترام المتوازن للجنسين
ما رأيك في المرأة العربية؟ وهل لديك نصيحة معينة تودين إسداءها لها من خلال هذا الحوار؟
أعتقد أن ظروف الحياة مختلفة جدا بالنسبة للمرأة العربية، والتي تعاني من الكثير من القيود التي لا توجد لدى المرأة الغربية. ربما بعضهن تجاوزن هذه القيود وهذا شيء إيجابي. أنا على كل حال أؤمن جداً بحرية الاختيار، و أرجو أن تطلب المرأة العربية الحصول على المزيد من الحرية، لقد مضت آلاف السنيين كانت المجتمعات البشرية أمومية، غير أننا الآن مجتمعات أبوية، ومن خلال رؤيتي للمستقبل ستكون هناك مجتمعات لا يتحكم فيها نوع الجنس، وأن هذه المجتمعات سوف تسير بطريقة جيدة عندما يكون هناك احترام وتقدير لكلا الجنسين.
هل حققت أحلامك في الحياة وما هي فلسفتك الشخصية التي تعملين بها في حياتك اليومية؟
لا يزال أمامي الكثير مما أريد تحقيقه، فبالنسبة لي كان التجديف عبر 3 محيطات مجرد بداية ومرحلة هامة في رحلة حياتي، كشفت لي عن قدرتي على تجاوز مرحلة خوفي، وتجاوز إمكانياتي كإنسانة عادية لأصبح ما أنا عليه اليوم. وقناعتي أننا جميعاً لدينا الكثير من الإمكانيات التي يجب أن نكتشفها ونوظفها، فأتمنى أن تكون قصة حياتي ملهمة لكي تساعد الآخرين على النهوض وتحقيق ما يحلمون به. أما حكمتي المفضلة فهي عبارة عن اقتباس من الممثل الراحل دنهولم إليوت "واجه نفسك كل يوم لمعرفة مدى شجاعتك"، إننا حقاً نملك من الشجاعة ومن الإمكانيات الداخلية مالا يمكن تصوره، فقط علينا أن نؤمن بذلك.