"بيت الأرملة" أول جمعية للدفاع عن الأرامل
تأسست مؤخرا جمعية بيت الأرملة للتضامن مع الأسرة في وضعية صعبة، بمدينة الرباط ، بحضور مجموعة من المعنيات بأمر الجمعية وهن من الأرامل اللاتي تكاثفن في هذا الإطار الجمعوي لإسماع صوتهن. وقد كان الجمع العام التأسيسي مناسبة للوقوف على مدى أهمية هذه الفئة من المجتمع و التي كانت تعاني في صمت.
الجمع التأسيسي انتخب (الشاعرة حفيظة سيدي عمي) رئيسة للجمعية، كما أنتخب مكتبا مسيراً للفترة المقبلة، الجمعية الوليدة تهدف للنهوض بالأوضاع الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية لفئة من النساء عانت وعلى مدى سنوات هجراً اجتماعياً حاداً، وذلك من خلال الترافع والدفاع عن حقوق الأرامل ذوات المعاشات الهزيلة ودون الحد الأدنى للفقر، وكذلك الأرامل ممن لا دخل لهن والأرامل المسنات المتخلى عنهن واللواتي يعانين من تدهور صحي مزمن.
و ستتخذ – الجمعية - من تكتيف برامجها التحسيسية وسيلة لحمل كل الفاعلين في هذا المجال على النهوض بأوضاع أسر الأرامل، وجعل الشريحة تستفيد من دينامية التنمية التي تعرفها بلادنا.
الجدير بالذكر أن رئيسة الجمعية الشاعرة حفيظة سيدي عمي كان لها قصب السبق في التحسيس بمدى الحيف الذي يطال الأرملة قانونيا و اجتماعيا و ماديا، وذلك راجع إلى تجربتها المريرة على مدار سنوات طويلة مع الترمل و تربية الأبناء و قصر ذات اليد.و قد أصدرت الشاعرة حفيظة مجموعة شعرية ضمنتها معاناتها في هذا المجال، كما أعلنت عن نفسها كواحدة من الأصوات الشعرية الهادئة والتي من الممكن أن تطور تجربتها و أن تصل بها إلى مستويات متوهجة.
وعلى هامش تأسيس جمعية بيت الأرملة للتضامن مع الأسر التي تمر بوضعية صعبة، ارتأت مجلة عربيات أن تحاور رئيستها حفيظة سيدي عمي، و مستشارة الجمعية القانونية السيدة ثورية العسري، من أجل الوقوف على تفاصيل الحدث الاستثنائي و الذي تنفرد مجلة عربيات بنشره.
مناهضة الجمعيات النسائية والحقوقية للنصوص القانونية المنظمة لمعاشات الأرامل
في البداية تقول - مستشارة الجمعية القانونية- السيدة ثورية العسري: "للقانون دور هام في تغيير العقليات، فالعقلية تنعكس على القانون والقانون مستوحى من العقلية السائدة، لكن الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه القانون يتمثل في إعطاء نفس تقدمي في تغيير العقلية فيكون النص القانوني في آن واحد تعبير عن واقع ملموس وعن طموحات منشودة لتنظيم مجتمع أفضل وبالتالي حر ومتوازن وهنا يكمن الدور الطلائعي للنص القانوني."
كما تشير إلى الحيف القانوني الذي طال الأرملة موضحة: " بلادنا خطت خطوات مهمة في الإصلاحات التشريعية على مستوى أحوال الأسرة المغربية ، لكن الإصلاحات غالبا ما تصاغ في إطار عام دون استهداف الشرائح المتنوعة من النساء ( أسر الأرامل، أسر المطلقات في وضع صعب إلخ.)
وعندما يستهدف الإصلاح التشريعي خصوصيات وحاجيات الشرائح المتنوعة من النساء والأسر الهشة آنذاك سيغني هذا الإصلاح المنظومة التشريعية الوطنية ولن نسمع بعد ذلك أن الحد الأدنى لمعاش الأرامل يقل ب 30 بالمائة عن الحد الأدنى للأجر، وأن الأرملة تقصى من التغطية الصحية عندما يقل معاشها عن الحد الأدنى الذي هو 600 درهم، كما لن نسمع عن أرملة لا تحصل على دخل لأن زوجها المتوفى لم يستوف شروط ملف المعاش عند وفاته."
وتستدرك العسري: " جل القوانين التي تنظم حقوق الأرملة هي قوانين داخلية منبثقة عن صناديق التقاعد، وكلما تعلق الأمر بأرامل الأزواج الذين كانوا يتقاضون دخلاً محدوداً كلما أفرز الوضع معاشا هزيلاً، والمعاش الهزيل يؤثر سلباً على وضع الأرملة اقتصاديا ًواجتماعياً وإنسانياً، لينتقل وقع هذا التأثير على أيتامها ومن يعيش معها من الأصول مسنين ومسنات، ليولد هذا الوضع المتدني عندما تشتد حدته هذرا ًمدرسياً، والتحاق الأيتام بسوق الشغل في سن مبكر واستمرار دورة الفقر الطويل الأمد".
وعن كيفية تدبير مشكلات الأرملة قانونياً واجتماعياً توضح: "لا يمكن تدبيره قانونياً إلا من خلال مناهضة الجمعيات النسائية والحقوقية لعنف النصوص القانونية المنظمة لمعاشات الأرامل وخاصة المعوزات منهن، على غرار مناهضة العنف الجسدي الموجه ضد النساء والذي قطعت فيه الجمعيات المعنية بالمجال أشواطاً كبيرة، فالنص القانوني يلعب دورا طلائعياً في تحقيق التغيير المنشود، أما من الناحية الاجتماعية فبلدنا منخرط في ورش كبير، ورش التنمية البشرية بمختلف مجالاتها منذ سنوات ولا بد من تحقيق التفاتة نحو النساء الأرامل المعوزات لتحصلن على نصيب من هذه التنمية، تنمية تلامس عن قرب الحقوق الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية لفئة من النساء عانت هجرا اجتماعياً حاداً."
وتشير العسري إلى الكيفية التي يمكن من خلالها خروج الأرملة من المأزق الاجتماعي الذي تعيشه موضحة: "خروج الأرملة في وضع صعب من المأزق الاجتماعي لن يتأتى إلا من خلال تصحيح وضعها تشريعياً واقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً بانخراط جل الفاعلين في المجال، هذا التصحيح يستمد أسسه من المرجعية الكونية المتمثلة في المواثيق الدولية وخاصة اتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد النساء ودمج هذه المرجعية في التشريعات الوطنية."
وفي سؤال عربيات عن ما إذا كانت تشعر أم تعيش واقع الأرملة مع القانون توضح: "بحكم تكويني القانوني نظرتي إلى محنة الأرملة مع القانون تتعدى الإحساس لتصل إلى الحكم على بعض القوانين بأنها لا تفي بمراد المرجعية الوطنية التي هي دستور المملكة، والمرجعية الكونية التي هي المواثيق الدولية المصادق عليها من طرف بلادنا، والمرجعيتان معاً ينصان على أن الناس جميعا سواسية أمام القانون، وينبغي صون كرامة الإنسان من خلال تمتيعه بحقوقه الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية وهو الشيء المفقود بالنسبة لشريحة النساء الأرامل المعوزات.
الأرملة أنجبت الشاعرة، و تجربتي مستمدة من عنف المجتمع
وحول الجمعية تقول – رئيسة الجمعية - الشاعرة حفيظة سيدي عمي: " انطلقت الجمعية بعد خوضي لتجربة شخصية مع الترمل عانيت فيها من عنف معنوي داخل مجتمع كبير تتعرض جراءه المرأة الأرملة وأيتامها لضغوطات نفسية وأزمات مادية أوهما معاً وذلك من هول المسؤولية الملقاة على عاتقها، هذا أيضاً ما عاينته من خلال تجربة أرامل أخريات استمعت لهن وحكين لي صوراً تختلف شكلا و تتوحد مضمونا، قمت بترجمتها خلال شهر رمضان الفضيل إلى يوميات أرملة ممنوعة من الحياة والتي أثمرت بيتها القانوني". وتؤكد على أن الترمل كان له دور في إنجاب شاعرة اليوم مضيفة: "الترمل هو الذي أنجب حفيظة الشاعرة، وكان ذلك بعد سنين من مخاض الظلم والحيف والمعاناة، كل ذلك حرك الوجدان وألهم المشاعر إلى أن تمت ولادة الأرملة الشاعرة وليس العكس".
كما تشير عمي إلى أن الضباب الاجتماعي الذي عاشت تحته، والذي حجب الرؤيا واستمر طيلة السنوات كان ينقشع أحيانا فيبعث الأمل موضحة: "الضباب الطبيعي يدوم ساعات لينقشع مهما كانت كثافته، لكن الضباب الاجتماعي الذي يحجب رؤيا المرأة الأرملة يبدأ من الدقائق الأولى التي تتبع وفاة الزوج ويرافقها طوال السنين لأنه من النوع المزمن يلزمها معه الصبر الكبير والنفس الطويل لتشق طريقها وسطه، إلا أنه أحيانا تصاحبه انفراجات تفاؤلية تبعث الأمل في القلب من جديد."و عن نظرتها للمستقبل تقول: "عندما أتأمل الماضي أفتح جراحا لم تلتئم بعد، الماضي كان سنين تضحية ونكران الذات أمضيتها في تربية وتعليم أبنائي،وأشعر بالفخر لأني نجحت في مهمتي وأصبح لدي أحفاد ثمرة مجهودي وعطائي، ونظرتي الآن للمستقبل نظرة تفاؤلية أريد معها أن تتغير أوضاع النساء الأرامل إلى الأحسن، وأملي أن تصبح طرقهن معبدة بتيسير أمورهن وأيتامهن مستقبلاً، وذلك بتفعيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لتفادي البؤس والعجز الاجتماعي."
وتؤكد عمي على أنها قامت بالكثير كي لا تنتقل جراحها إلى أبنائها حيث تقول: "أن تصبح يتيما هذا قضاء وقدر، لكن أن تعيش يتيما هذا شيء آخر، فاليتيم بحاجة أكبر من غيره إلى الرعاية والاهتمام وكذا العطف والحنان حتى يعوض شيء من الفراغ الأبوي الذي يعاني منه، ولقد عملت على أن لا تنتقل جراحي إلى أبنائي بتحدينا للقدر مع الإرادة القوية وعملنا على استمرار قطار الحياة."
عمي التي آثرت أن تختم حوارها مع عربيات بإهداء أبيات من الشعر لكل الأرامل تؤكد أنها وجدت في الشعر بلسماً لتضميد جراحها واستمدت من خلاله القوة والعطاء والنضال، كما وعدت بأنها ستظل تدافع عن حقوق الأرملة.
أرملة
أَنْـتِ لَسْـتِ مِنَّـا
وَلاَ صِـرْتِ كَكُـلِّ النَّـاس،
مَهْـلاَ
أَنَسِتُـم أَنِّـي كُنْـتُ زَوْجَـةً
أَلْمَـعُ مِثْـلَ الْمَـاس،
أَلآِنِّـي أَرْمَلَـةَ
أَصْبَحْـتُ مِـنْ مَعْـدِنِ النُّحَـاس،
أَنَـا أُمُّ أيتام
شَريَّفةٌ
وَأْعظَـمُ النَّـاس،
أَلْبَسْتُمُونِـي ثَوْبـاً شَفَّافـاً
ضَيِّقـاً...
عَلَـى أَيِّ أَسَـاس؟
جَعَلْتُمُونِـي مُهَمَّشَـةً
وَبِالأَقْـدَامِ أُدَاس،
أَعْدَمْتُمُونِـي دُونَ رَحْمَـةً
وَبَكِيتُـم
وَرَقَصْتُـم حَتَّـى تَقَطَّعَـتِ الأَنْفَـاس،
وَقَرَأْتُـمْ عَلَـى قَبْـرِي
سُـورَتي الْفَلَـقِ وَالْخَنَّـاس،
هِـيَ الأَقْـدَارُ
تَضْـرِبُ مِثْـل الْفَـاس،
تُدَمِّـرُ الْقَلْـبَ
وَتُحَطِّـمُ النفس
وَتُغَيِّـبُ النُّعَـاس
أَنَـا أَرْمَلَـةٌ
مَشَاعِـرِي فَيَّاضَـةٌ
رَقِيقَـةُ الإِحْسَـاس.