الدكتور عبدالعزيز خوجة: سقف حرية مكتبتي هو قدرتي على التمييز
قد تنجح التقنيات الحديثة في صناعة ثورة هائلة في مجال الإعلام، أما الثورة الحقيقية للتطوير فهي التي يصنعها الإنسان بإرادته وثقافته وممارساته، وهذا ما أحدثه وزير الإعلام السعودي معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة منذ توليه منصبه، بداية بلقاءاته مع المثقفين والإعلاميين، ومروراً بعجلة التطوير، ووصولاً إلى تسليم مفتاح التواصل المباشر معه للجميع من خلال تواجده على الشبكة الإجتماعية Facebook، حيث رسخ بهذه الخطوة قناعتنا في "عربيات" منذ إنطلاقتنا الأولى بأن الإنترنت ستكون الحلقة الأكثر فعالية للربط المباشر بين المواطن والمسؤول.
في زيارتنا الأولى لمكتبه كانت هناك قضايا عديدة مطروحة على طاولته، أما عيني فكانت متعلقة بمكتبته التي شعرت أنها تحكي قصة خلفية وثقافة شخصية تشكلت هنا قبل أن تتقلد عجلة قيادة الثقافة في وطنها، ومن ذلك المشهد خرج هذا اللقاء.
أنا من جيل القراءة، ورحلتي بدأت مع "السندباد"
لكل قارئ حكاية أصبح من خلالها قارئاً، فماهي حكايتكم؟ ومتى كانت بداية علاقتكم مع الكتاب؟
لم تكن القراءة بالنسبة لجيلنا واسطة معرفية فحسب، بل كانت كذلك وسيلة ترفيه، لذلك من الممكن أن نقول أن جيلنا كان جيل القراءة، وبدأت قصتي مع القراءة مع قصص سندباد والروايات البوليسية وتدرجت شيئا فشيئا حتى وصلت إلى الفلسفة والشعر خصوصا شعراء مدرسة "أبوللو" الشعرية مثل أحمد زكي أبو شادي وإبراهيم ناجي وعلى محمود طه.
كان الحصول على الكتاب سهلا بفضل "مكتبة الثقافة" في باب السلام ثم "القشاشية" لصاحبيها صالح جمال وأحمد جمال، بالإضافة إلى أنني كنت أتبادل مع أقراني – وقتها – ما يصلنا من كتب ثقافية وأدبية وفكرية.
اليوم، ومع التطور الهائل في مجالات العلوم والتقنية وعلم الاتصال، لم يعد الكتاب وسيطاً معرفياً وحيداً بعد أن تعددت وسائط المعرفة من تلفاز وإذاعة وإنترنت وصحافة، ولعلي ألاحظ هذا في أبنائي وإقبالهم على القراءة أو المعلومة من خلال وسائط العصر خصوصاً ابنتي الكبرى وابنتي الوسطى.
قال العقاد "أهوى القراءة لأنّ عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة"، فما الذي تحركه القراءة في الإنسان خوجة؟
تستثير الأخيلة وتبلور الصور وتكسر محدودية الأفق إلى الفضاء اللا محدود، وتحرض العقل على مزيد من التفكر والتدبر في سنن الله وتجذبني إلى التأمل في نتاج الإنسان والحواجز التي واجهها أو التي سيواجهها.
كان للشعر "جمهور" وأصبح له "قاريء"
ارتبط العرب منذ القدم بالشعر إلا أن الرواية على مايبدو اليوم قد تسيدت ساحة القراءة، فماهو السبب من وجهة نظركم؟
كان للشعر "جمهور" وأصبح له "قارئ"، وهناك من يرى هذا انتصاراً للشعر وهناك من يراها هزيمة، من جهتي لا أعتبره نصراً إذا لم ينعكس هذا على الشعر نفسه تطوراً وتأملاً وتجديداً في الشكل والمضمون.
تجربتي الدبلوماسية امتزجت بالأدب والبيئة التي أنتجته
منصبكم كسفير سابق لخادم الحرمين الشريفين في عدد من دول العالم لابد وأنه قد أتاح لكم الإطلاع على الأدب العالمي والثقافات المختلفة، فأيهم كان الأقرب إليكم؟
لا شك أنني استفدت كثيراً من الاطلاع على نتاج الأدب الروسي مثل أعمال "توليستوي" و"بوشكين" و"ديستويفسكي" وغيرهم، والتفاعل مع هذا النتاج بالاطلاع على تجاربهم الحياتية والظروف التي أنتجت هذه الأعمال الكبيرة والمهمة.
في مرحلة الطفولة والشباب هل كان هناك من يمارس دور الرقيب على قراءاتكم؟
على العكس، كان والدي – رحمه الله – يزودني بمصروف خاص للكتب إضافة إلى مصروفي الشخصي، وكان يشجعني تماما على تلقي العلم والمعرفة، وأنا اليوم أحرص على ذلك مع أبنائي مع مراعاة تطور الزمن.
سقف حرية مكتبتي هو قدرتي على التمييز بين الصالح والطالح
مكتبتكم الثرية تلفت انتباه زائرها من الوهلة الأولى، فنود أن نتعرف على تصنيفها؟ وآلية جمعكم للكتب التي تصطف على أرفف ممتدة إلى سقف حجرة مكتبكم؟
هذه المكتبة نتاج تراكم طويل من الاهتمامات والتجارب والتنقل بين العواصم العربية والعالمية، وهناك مكتبات أخرى في المنزل غير التي شاهدتيها تحتوي أضعافا مضاعفة من الكتب في شتى المجالات.
وماذا عن سقف حرية مكتبتكم؟
ليس هناك سوى سقف المنزل، أما إذا قصدت سقفاً معنوياً أو رقابياً فهذا السقف غير موجود، فالتجربة والخبرة كافية لتمييز المؤثرات السلبية والإيجابية، وهذه سمة قارئ اليوم على وجه العموم، هو من يميز الصالح للاستفادة وهو من يميز الطالح للاستبعاد.
ماهي أثمن زاوية في مكتبتكم؟ ولماذا؟
كل زاوية تكمل الزوايا الأخرى، وقيمة المكتبة تكمن فيها كلها وليس في أجزاء منها.
إصدارات الشباب تساعد على قراءة المشهد الأدبي والفكري
إلى جانب أمهات الكتب، من الملاحظ أن مكتبتكم تضم عدداً من الإصدارات الحديثة التي قام بتأليفها شباب، فماذا أضافت للمكتبة ولكم؟ وهل تتفق مع من يرى أن أسلوب وطرح البعض منها ضعيف؟
باختصار، أضافت الحيوية والشباب والمعاصرة إلى المكتبة ولي شخصياً، فحتى لو كان بعضها ضعيفا سيساعد على قراءة المشهد الأدبي والفكري ويكون حافزاً مهماً لأصحابها لتطوير أنفسهم، ولكن أغلبها – فعلاً- جدير بالقراءة والاقتناء.
قريباً، عودة معرض جدة للكتاب
وعدت بعودة قريبة لمعرض جدة للكتاب، فهل من مستجدات بهذا الخصوص؟
لا يوجد أي مانع لعودة معرض جدة للكتاب، وبإذن الله يتحقق هذا قريباً.
على الناشر المعاصر أن يطور أدواته ليصل إلى القاريء
المكتبات الالكترونية اليوم تستهدف القاريء السعودي وتحقق أرباح طائلة من مبيعاتها، ولعل هذا الاقبال يعكس افتقاد المكتبات المحلية للكتب الأكثر رواجاً، فهل السبب يعود إلى الرقابة وبطؤ إجراءات الفسح؟ أو يقع على عاتق الموزعين؟
السبب الرئيس هو طبيعة هذا العصر، وعلى الناشر المعاصر أن يطور وسائله وأدواته للتفاعل مع قارئه المعاصر والجديد.
استشرفتم مستقبل الصحافة الإلكترونية في لقاءات عديدة، فماهي رؤيتكم للكتاب الإلكتروني؟
الكتاب الإلكتروني والكتاب السمعي هما "حاضر" خارج العالم العربي وليس مستقبلاً فقط، ولعل اتجاه الناشرين العرب إلى الكتاب السمعي والإلكتروني سيكون مفيداً من حيث تشجيع الشباب على المعرفة ومواكبة تطورات العصر، إضافة إلى الفوائد الثقافية والتجارية الضرورية والمطلوبة.
القاهرة وبيروت وبغداد مراكز ثقافية هامة، والسعودية مؤثرة
قيل فيما مضى "أن القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ"، فكيف للشاعر والكيميائي أن يعيد وزن هذه المعادلة لاسقاطها على الوقت الراهن؟
ما زالت القاهرة وبيروت وبغداد مراكز ثقافية مهمة، ولكن من الواجب أن نلاحظ التأثير الإيجابي للمؤلف السعودي والقارئ السعودي على هذه المراكز.
كلمة أخيرة
أتمنى لمجلة عربيات وكامل فريقها التحريري والتقني كل تطور ونجاح وازدهار، وأن يوفقها الله عز وجل للقيام بدورها الثقافي والاجتماعي كما يتمنى أصحابها وكما يتمنى المتلقي وبارك الله فيكم.