تعتبر صحيفة الحياة من الصحف العربية القليلة التي أثبتت تواجدها دولياً ونجحت بإنشاء علاقة خاصة مع قراءها من خلال مصداقيتها ومتابعتها للخبر ... واليوم نلتقي بالأستاذ جورج سمعان ، رئيس تحرير جريدة الحياة... الذي نعتبر أنه قدم لنا بطاقة تعريفية من نوع خاص تعكس إلتزامه في العمل وإحترامه للقاريء.. هذه البطاقة التعريفية سجلنا أو معلومة فيها مع أول إتصال لنا بمكتب صحيفة الحياة حيث وجدناه على رأس العمل في يوم يفترض أنه يوم إجازة رسمية ... أما السطر الثاني من البطاقة فتمثل بتحويل الإتصال عليه مباشرة عندما ذكرنا أننا قراء ( للحياة ) وقبل أن نكمل بأننا نطلب لقاء صحفي كان معنا على الطرف الثاني الأستاذ جورج سمعان... لنكتشف أول أسرار نجاح المطبوعة التي يترأس فريقها ... وهي بكل بساطة " رئيس تحرير يخلص في عمله و لايضع حاجز بينه وبين القاريء " .
نترككم مع هذا اللقاء .
في البداية هل لك أن تحكي لنا عن أهم مراحل ( حياتك ) الصحفية ، و نبذة عن ( الحياة ) المؤسسة الصحفية؟
بدأ مشواري في عالم الصحافة أثناء دراستي الجامعية بجريدة ( النهار ) من عام 1972م إلى عام 1988م ... بعدها انتقلت إلى لندن وشاركت مع الزملاء في إعادة إصدار صحيفة الحياة فعملت فيها كمدير تحرير إلى عام 1993م، ثم عينت رئيس تحرير لمجلة الوسط إلى منتصف عام 1998م... وأخيراً تقلدت منصب رئيس تحرير الحياة.. هذا هو مشواري باختصار وفي صحيفتين فقط.
أما عن مؤسسة الحياة الصحفية فقد أسسها كامل مروة عام 1946م بعد حياة سياسية صاخبة حيث كان شخص ذكي جداً وسياسي من الدرجة الأولى... انشأها آنذاك في مكتب صغير بداخل جريدة النهار، ثم تطورت وتميزت عن الصحف اللبنانية المحلية التي كثر عددها في ذلك الوقت بأنها لم تكن تهتم بهموم لبنان فحسب بل شملت بمفهومها وطرحها العالم العربي والإسلامي والدولي... وكان كامل مروة رحمه الله يتمتع بعلاقات خاصة مع المملكة العربية السعودية كدولة قائدة للعالم الإسلامي كما أنه كان من المهتمين بالدعوة لقيام منظمة المؤتمر الإسلامي وواصل عمله وتطويره للحياة إلى أن أغتيل عام 1966م.
ذكرت أن مشوارك العملي انحصر في صحيفتين فقط، لماذا؟
بعض الزملاء يميلون إلى توزيع مجهوداتهم الصحفية على أكثر من وسيلة إعلامية ، أما أنا فبطبيعتي أحب الإستقرار و أركز جهودي في مكان واحد ...
مالذي ساهم في عودة صحيفة ( الحياة ) بإصدارها الجديد في لندن ؟ وماذا حققت في هذه المرحلة قياساً بما كانت عليه سابقاً؟
بعد إندلاع الحرب اللبنانية أُقفِلت مكاتب ( الحياة ) التي كانت تقع في الوسط التجاري في قلب بيروت وتوقفت الجريدة لسنوات إلى حين أن بدأ العمل على إعادة إصدارها وتولى الإصدار الجديد صاحب السمو الملكي الأمير / خالد بن سلطان بن عبدالعزيز ، الذي يعود له فضل كبير في ما وصلت إليه الحياة اليوم ليس بين الصحافة العربية فحسب ولكن على مستوى الصحافة الدولية .... ولو تابعت ما تتناقله وكالات الأنباء والصحف الدولية عن الحياة اليوم ، تدرك أنها أكثر صحيفة عربية يتداول اسمها كمصدر للأخبار والتحليل والمقالات .
الحروب سبب في هجرة الإعلام العربي إلى الخارج
من الملاحظ أن لندن أصبحت المقر الرسمي لعدد من الصحف العربية أو ما يطلق عليه ( صحافة المهجر ) ، فماهو سبب هذه الهجرة الإعلامية إلى الخارج؟
لو عدنا إلى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين نلاحظ أنه بسبب الطغيان التركي على العالم العربي هاجر عدد كبير من صحفيين بلاد الشام إلى مصر وأسسوا صحفاً كثيرة .... ودائماً كانت الصحافة تهاجر عندما تشتد المشاكل الداخلية ... أما في أواخر السبعينات فبتقديري كانت الهجرة بسبب إندلاع الحرب اللبنانية وكان لابد من البحث عن ساحة أخرى بديلة للساحة اللبنانية التي كانت تعتبر مقر الإعلام العربي ومن هنا بدأت تنشط الصحافة العربية في الخارج لعدم وجود ساحة بديلة عربية تقوم بالدور الذي كانت تقوم به الساحة الإعلامية اللبنانية التي حظيت في وقت من الأوقات بدعم عدد من الدول ...
إلى أي مدى تتمتع صحافة المهجر بالحرية والإستقلالية مقارنة بالصحف التي تصدر محلياً في البلاد العربية وتخضع لرقابة وزارات الإعلام؟
بالتأكيد الصحيفة تتأثر بالمكان الذي تصدر منه مهما قيل عكس ذلك وأعتقد أن الصحافة العربية الصادرة في الخارج أثرت كثيراً في دفع الصحافة المحلية في الدول العربية لتوسيع هامش الحرية ثم جاءت ثورة الإنترنت لتزيده إتساعا ً... وأعتقد أننا نعيش نهاية عصر الرقابة في العالم العربي ولم يعد هناك مجال بعد الفضائيات التي فرخت في سماء العالم العربي كالفطر أي مجال للرقابة الرسمية كما كانت تمارس في السابق ... بل مع إحترامي لوزارات الإعلام لم يعد هناك أي ضرورة لوجودها في عصر الإنفتاح الذي نعيشه اليوم.
ولكن هناك من يقول بأن الصحافة عندما تتحرر من رقابة وزارات الإعلام تخضع لرقابة ( الرساميل ) و لتوجهات المستثمر والمعلن ، فمارأيك في ذلك؟
ولم لا؟! ، إذا كانت المؤسسات والشركات الكبرى عربية وتساهم في تنمية ونهوض الإقتصاد العربي وتنمية الإنسان العربي لماذا لايكون لها دور إعلامي!! .
البث الفضائي ألغى مفهوم السبق الصحفي في المطبوعات
هل يشكل البث الفضائي المباشر أزمة للصحافة المكتوبة؟ وكيف تواجهون ذلك؟
هناك أزمة واجهتها الصحافة الغربية وتواجهها اليوم الصحافة العربية وهي كيف نواجه التحدي الذي تفرضه الفضائيات والإنترنت، فالصحافة الغربية عدلت مفاهيم تناولها لكتابة الأخبار والتحليلات... والصحافة العربية بدأت تخطو
خطوات لإعطاء حيز أكبر لتحليل حيثيات الخبر ونشر التحقيقات المتميزة ، وهذا ما نعمل على تحقيقه في صحيفة الحياة... فالفضائيات ألغت نهائياً من أمام الصحافة المكتوبة مفهوم السبق سواءًا بالصورة أو بالخبر... ومانفعله هو البحث عن الوسائل التي تمكن الصحافة المكتوبة من مواكبة التحدي والتغلب عليه.
ماذا عن الإنترنت ؟ وهل ستقضي الفضائيات والإنترنت دور الصحافة المطبوعة مستقبلاً؟
الإنترنت إلى اليوم لا يشكل أي تهديد للصحافة المكتوبة فانتشاره في العالم العربي لايزال محدوداً بسبب مشاكل الأمية وضعف الإتصالات ... ولا أعتقد أن أي وسيلة إعلامية أخرى ستقضي على الصحافة المطبوعة فلدينا تجربة سابقة عندما انتشر الراديو والإذاعة وقيل (وداعاً للصحافة المكتوبة) وأثبت ذلك الإعتقاد أنه خاطيء.
لاشيء يشغل القارئ العربي سوى السياسة إسرائيل تسوق أفكارها باللغة العربية
والإعلام العربي يعجز عن تأسيس وكالة أنباء متعددة اللغات تخدم قضاياه
نهاية الحرب العالمية الثانية شكلت انطلاقه جديدة للصحافة في الدول الغربية فهل تعتقد أن حرب الخليج حملت نفس التأثير على الصحافة في الدول العربية؟
الصحافة الغربية تحولت بعد الحرب العالمية الثانية من السياسة إلى المجتمع فأصبحت العناوين الرئيسية التي تتصدر صفحاتها الأولى تناقش القضايا الإجتماعية وتهتم بها أكثر من السياسة ... و لانستطيع أن نقول أن هناك تحولاً جذرياً في الصحافة العربية بعد حرب الخليج فمازالت العناوين الرئيسية السياسية تتصدر الصحف اليومية وليس هناك ما يشغل القاريء العربي غير السياسة بمعناها الكبير والصراعات العربية الداخلية والخارجية ... ولكن هناك نوع من التحول في صحافة دول مجلس التعاون الخليجي التي كانت تتبع سياسة الإعلام الشفاف الذي لايقبل بالدخول في المهاترات ويتغاضى عن الإسائة ثم أصبح بعد حرب الخليج أكثر تعاطياً مع فكرة الرد على الإفتراءات والإدعاءات وهذا حق له.
الفترة الحالية في بيروت تشهد مشاكل داخلية جديدة فهل تعتقد أن سيناريو الحرب الأهلية اللبنانية من الممكن أن يتكرر؟
لا أعتقد أن سيناريو الحرب سيتكرر فلا توجد ظروف إقليمية لإشعال فتيل الحرب ولايملك لبنان أدوات الحرب التي توفرت سابقاً .... و بصفتي عايشت فترة الحرب والإجتياح الإسرائيلي أقول لبنان تراجع كثيراً ودفع ثمناً باهظاً لتلك الحرب على المستوى التعليمي و السياسي و الإقتصادي ، وان كنا نسميها حرب أهلية إلا أنها في الواقع كانت حرب إقليمية ودولية استُخدِم اللبنانيون كأدوات لها ... وكانت هناك عناصر وظروف داخلية ساعدت على تأجيج هذه الحرب واستمرارها وقد تكون بعض هذه الظروف لاتزال مستمرة وتعمل بأسلحة فكرية مختلفة عن أسلحة المدافع والصواريخ لكن أستبعد وقوع حرب عسكرية جديدة في لبنان.
هل نستطيع المقارنة بين ما تقوم به الصحافة العربية والصحافة الاسرائيلية في خدمة قضاياها؟
لانستطيع أن نقارن ، فيجب أن نضع الصحافة العربية في الإطار والظروف المحيطة بها ونضع الصحافة الإسرائيلية في الإطار والظروف المحيطة بها .... و مهما قيل عن إسرائيل فهي تعتبر دولة ديموقراطية لشعبها اليهودي لكنها تمارس علينا فقط دكتاتوريتها وعنصريتها وهمجيتها أما مع شعبها فهي ديمقراطية ، والصحافة لها دور في المجتمع الإسرائيلي يشبه الدور الذي تلعبه الصحافة في المجتمعات الغربية ... فلو شنت صحيفة حملة على حكومة إسرائيلية تسقطها .... أيضاً اللوبي اليهودي في الخارج يمتلك من المنابر الإعلامية مالاحدود له وتعمل إسرائيل على إطلاق قناة فضائية باللغة العربية تسوق أفكارها في العالم العربي ... في حين أن العالم العربي إلى اليوم لم يتمكن من تأسيس وكالة أنباء عربية تبث بالعربية والفرنسية والإنجليزية وتخدم مصالح العالم العربي وتواجه اللوبي الصهيوني.
الأستاذ ( جورج سمعان ) من تجربتك الشخصية ماهو الفرق بين رئاسة تحرير المجلة والجريدة؟
تحرير المجلة أصعب بكثير فأنت مطالب في كل عدد من المجلة بتقديم شيء جديد ولابد من وجود سبق صحفي ومواضيع لم يسبقك أحد لنشرها إلى جانب أن مابين إقفال العدد ووصوله إلى السوق يومين على الأقل قد تكتشف خلالها أن جهة أخرى نشرت ما كنت تعتبره سبقاً في العدد الجديد من مجلتك .... أما الجريدة فهي تصدر بأخبارها اليومية العادية وليس بالضرورة أن يكون هناك في كل يوم سبق أو مواضيع جديدة خاصة.
نلاحظ أنك لاتكتب الإفتتاحية لجريدة الحياة ، لماذا؟
كنت أكتب إفتتاحية مجلة ( الوسط ) وتوقفت عن كتابة الإفتتاحيات في جريدة ( الحياة ) فوجهة نظري أن رئيس التحرير عندما يصرف وقته للإهتمام بمقاله لا يجد الوقت الكافي للإهتمام بتحرير الجريدة ولو تلاحظ بالصحافة الغربية تجد رئيس التحرير نادراً ما يكتب وليس له أهمية بقدر الأهمية التي نرسمها له في الصحافة العربية فهو صحفي عادي يجب أن يشارك في العمل الصحفي بمختلف أنواعه ومفهوم الربط بين الإفتتاحية ورئيس التحرير في الصحافة العربية مفهوم خاطيء.
ثقافة الصحف لا تشبعني
هل تقرأ كل ما ينشر في ( الحياة ) يومياً؟
لا، في بعض الأحيان لا اقرأها أبداً ولكن أحرص على قراءة بعض المقالات والتحليلات في الصحف المختلفة... ولا أكتفي بقراءة الصحف فمن وجهة نظري ثقافة الصحافة سريعة و لا يمكن أن تكون عاملاً أساسياً في التنشئة الثقافية وحدها.
لاحظنا أن مكتبك يحتوي على مساحة كبيرة تضم مجموعة لايمكن حصرها من الكتب فهل تجد الوقت الكافي لقراءة كل ذلك؟
أنا اقرأ الكتب بشكل دائم وأحيانا أعتمد على القراءة السريعة فتجدني أنتهي من كتاب يتكون من مئات الصفحات في يوم وأحيانا أقضي أياماً في قراءة كتاب يستحق القراءة العميقة ، لكن بشكل عام خلال الشهر الواحد اقرأ مالايقل عن 5 أو 6 كتب.
من وجهة نظرك ماهو أصعب شيء يواجه الصحافي العربي اليوم؟
بتقديري أصعب شيء يواجهه الصحافي العربي فضلاً عن صعوبة الوصول إلى المعلومات ، هو ممارسة الرقابة الذاتية على نفسه وأمانة النقل فهو يعبر عن هموم الناس و آرائهم وطموحاتهم .... واليوم جميع مصادر الأخبار متوفرة بسهولة كبيرة وفي متناول الجميع لكن يجب أن يضع الصحافي ( مصفاة ) لها ليعرف ما يخدم القاريء ويقدمه له بالشكل الصحيح .... عندها يكون على درجة عالية من الإستيعاب لمعنى الصحافة.
ماهو رأيك في عمل المرأة بالمجال الصحفي؟
أنا أشجع عمل المرأة في الصحافة و زوجتي صحفية حيث بدأنا العمل معاً في صحيفة النهار واختارت أن تكمل المشوار معي في مهنة المتاعب وهي تكتب الآن باسمها ( مودي بيطار ) في الصفحات الثقافية.
تحدثنا عن الديمقراطية فهل تتعامل صحيفة الحياة مع النقد الموجه لها ورسائل القراء بديمقراطية؟
بكل صدق أي رسالة فيها نقد لنا تنشر مباشرة ولانحذف منها إلا الألفاظ البذيئة والعنصرية فنحن نحترم القاريء وهذا ركن من أركان تعاملنا.