بعد التجربة اليابانية أحمد الشقيري يستحدث "التجربة الشقيرية" في منزله
بعد أن نقل ملايين المشاهدين في شهر رمضان إلى قلب اليابان النابض بالتجارب والحلول من خلال برنامج "خواطر5"، عاد أحمد الشقيري والتجربة تسكن خاطره لينقلها إلى منزله مستضيفاً النظام الجديد الذي أهداه لحاضر أبناءه من أجل مستقبلهم، وخص "عربيات" بتفاصيل "التجربة الشقيرية" التي ننقلها بدورنا إلى القاريء مع وقفات على رحلته إلى اليابان وأصداءها وهو الذي أراد أن يرفع بآلية المقارنة معايير الأمة فرفعت تجربته الأخيرة سقف طموحاته ليصل إلى (المريخ) قبل أن تستقر بوصلته على الإتجاه المناسب لـ"خواطر6".
الشقيري الذي استعان بخبرته كرجل أعمال ليكفل الاستمرارية لخواطره أكد لـ عربيات أن حرصه على أن تحقق أعماله أكبر ربحية ممكنة ليس تهمة بل حقيقة وآلية يدعو الأعمال الهادفة لاعتمادها حتى تتحرر من الجودة المنخفضة وتستقل بميزانيتها، معلناً أن هدفه القادم إطلاق أندية الخدمة الإجتماعية الأخلاقية.
المدارس تقود التطبيق
من الملاحظ أن برنامج خواطر في نسخته الخامسة قد حظي بإعجاب كبير واتسع نطاق الشريحة المتابعة له، فكان الثناء على رحلة اليابان يتصدر مقالات الصحف العربية خلال شهر رمضان بشكل شبه يومي، ولكن بالرغم من ذلك خصصت حلقة كاملة للرد على الرأي الآخر، فهل هي الحساسية من النقد؟ أم البحث عن إجماع الآراء على الإعجاب بالفكرة وأسلوب الطرح؟
لا أشعر بأي حساسية حيال النقد، أما الحلقة فكان الغرض منها التواصل والتفاعل مع المشاهدين خاصة وأن البرنامج هذا العام كان يعتمد على تصوير المواقف لا على حديثي المباشر مع المشاهدين، فشعرت أنه لابد من توضيح الفكرة والهدف من رحلة اليابان، ولقد تطرقت في تلك الحلقة إلى ردود الأفعال السلبية والإيجابية وإلى مقترحات لتطبيق الأفكار التي تناولناها في خواطر5 واختصرتها في خمس نقاط أساسية لتحفيز الهمم. الاستثناء الوحيد لتلك الحلقة هو أننا قمنا بتصويرها في شهر رمضان بينما في المعتاد جميع حلقات خواطر يتم تصويرها قبل الشهر الكريم.
أشرت في تلك الحلقة إلى توجه بعض المدارس العربية نحو تطبيق أفكار من البرنامج، فهل من جديد حول هذه التجربة؟
نعم، تواصل معي القائمين على بعض المدارس في جدة وأبدوا رغبتهم في تنفيذ بعض الأفكار المطروحة والتي لها علاقة بالتعليم والتربية، كما أتيحت لي فرصة لقاء مسؤولين في وزارة التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية وعرضت عليهم بعض المشاهد والمقترحات التي أبدوا اهتمامهم بها، ولا ينحصر الأمر على المملكة العربية السعودية فقد وصلتني رسائل عن مبادرات عديدة منها على سبيل المثال مدرسة في سلطنة عمان طبقت ذلك بالفعل، ولو أتيحت لنا الفرصة بإذن الله سنقوم بعرض التجربة في خواطر6.
قرأنا قبل أيام خبر عن اعتراض أولياء أمور إحدى المدارس السعودية على قرار إشراك الطلاب في تنظيف المدرسة وهو القرار الذي يبدو أنه جاء على خلفية خواطر5، ألا يعتبر ذلك مؤشراً سلبياً لإمكانية تطبيق مثل هذه الأفكار في مجتمعاتنا؟
أزعجني الخبر ولكنه لايدعو إلى الإحباط أو التوقف عن المحاولة و التدرج في تطبيقها، فجميع التجارب الجديدة من الطبيعي أن تواجه بعض الصعوبات إلى أن يعتاد الناس عليها.
الشخص الذي يرى السلبيات ويسكت عنها هو الذي يعاني من خلل في وطنيته وليس العكس
أنت متهم في وطنيتك من وجهة نظر البعض، كونك ركزت على عيوب المجتمع السعودي وتغافلت عن ذكر المميزات، ماتعليقك؟
لم يكن هناك تركيز على سلبيات المجتمع السعودي تحديداً ولا حتى العربي، وإنما تحدثت عن الأمة بشكل عام ولم أذكر في حلقاتي دولة أو مدينة بعينها فالهدف ليس الحديث عن أشخاص إنما ظواهر أرغب في إزالتها من مجتمعاتنا بشكل عام، والسؤال ما علاقة ما تم طرحه بالوطنية؟، وما علاقة الوطنية بمعالجة السلبيات؟، بل أعتقد أن الشخص الذي يرى سلبيات في وطنه دون أن تؤلمه وتدفعه إلى الكشف عنها والبحث عن حلول لمعالجتها هو الذي يعاني من خلل في وطنيته وعدم وجود غيره على وطنه ومجتمعه أو طموحات نحو الأفضل.
المبتعث إلى اليابان يختلف عن غيره من المبتعثين لهذه الأسباب
التقيت بعدد من الطلاب السعوديين المبتعثين للدراسة في اليابان، هل شعرت أنهم قد تكيفوا مع نمط الحياة والنظام إلى جانب الدراسة للحد الذي سيجعلهم ينقلوا التجربة ويحاولوا تطبيقها عند العودة إلى أرض الوطن؟
من خلال احتكاكي بهم أستطيع أن أؤكد أنهم قد تأثروا بالمجتمع الياباني أكثر من تأثر غيرهم من المبتعثين إلى دول أخرى، ربما لأن عددهم قليل فلم يكن هناك مجال لتكوين مجموعات منعزلة لها طبيعة حياة ونظام مختلف، كما أن ارتفاع تكاليف المعيشة وطبيعة الحياة من حول الإنسان الذي يعيش في اليابان تجعله أمام حل من اثنين، إما أن يلتزم بالنظام وينظم حياته، أو يشذ عن القاعدة فلايجد لنفسه مكان ويضطر إلى العودة سريعاً من حيث أتى قبل أن يحقق هدفه. بينما قد يكون الوضع مختلف بالنسبة للمبتعثين إلى أمريكا وأوروبا لأن أعدادهم كبيرة وبوسعهم أن يشكلوا مجتمع خاص داخل المجتمع الذي يعيشون فيه، كما أن تكاليف المعيشة المنخفضة نسبياً قياساً باليابان، والثقافات المنفتحة قياساً بالثقافة اليابانية المتحفظة إلى حد ما تجعل التغيير والتكيف أحد الخيارات أمام المبتعث لأوروبا وأمريكا، بينما هو الخيار الوحيد للحياة في اليابان. لذلك أتوقع أن المبتعث السعودي لليابان سيعود بتجربة إيجابية تنعكس على مجتمعه.
لمن يرى أن خواطر اليابان برنامج سياحي أقول: للسفر 7 فوائد
من الملاحظ أن برنامج خواطر في نسخته الخامسة قد خرج عن قالبه المعتاد حيث تم تصويره في اليابان، لكن البعض يرى أنه كان أشبه ببرنامج سياحي حفز المشاهد على زيارة اليابان، فهل وضعتم ذلك بعين الإعتبار؟
برنامج خواطر ليس له قالب معين لا في مواسمه الخمسة ولا حتى في حلقات كل موسم، فهناك حلقات كنت فيها المتحدث الرئيسي، وأخرى كانت تعتمد على تصوير مشاهد مختلفة وإجراء لقاءات، ودائماً موضوع الحلقة هو الذي يحدد آلية الطرح. أما فيما يتعلق بتصنيف خواطر5 كبرنامج سياحي فلا أجد مشكلة في ذلك خاصة وأن للسفر سبعة فوائد، وأعتقد أن السياحة في خواطر5 كانت "سياحة إيجابية" حيث استهدفنا الاستفادة من تجربة الشعوب الأخرى، وأفضل طريقة للاستفادة من تجارب الآخرين هي الإقتراب منها والاحتكاك بها.
ما أسباب غياب الحملات عن خواطر5، خاصة وأن المواسم السابقة كان يصاحب كل منها حملة مثل (فينا خير) و(رحلة كتاب) وغيرهما؟
كانت هناك نية لإطلاق حمله مصاحبه للبرنامج لكن بسبب بعض الأمور "اللوجستية" تم تأجيلها إلى العام القادم، حيث نتطلع إلى إيجاد عدد من الأندية في الدول العربية على أن يكون لدى أعضائها الرغبة بتحويل ما أعجبهم في البرنامج من أفكار وتجارب إلى واقع من خلال محاولة التطبيق العملي.
ماهو الفارق بينها وبين ماهو قائم من أنشطة تطوعية؟
الفارق هو هدفها، فأغلب الأنشطة التطوعية التقليدية ينحصر دورها على مساعدة الفقراء وجمع التبرعات وهذا أمر جيد، لكننا نحتاج من وجهة نظري إلى دعم المجهودات التي تهدف إلى تقديم "خدمة إجتماعية أخلاقية" تساهم من جهة في ترويج القيم الأخلاقية، وتساند المجهودات الرامية إلى تعزيز الصور الحضارية في مجتمعاتنا، وتشارك في نشر الثقافة والقراءة، فقد كانت هناك تجارب متفرقة مثل حملة رحلة كتاب التي انبثقت عنها مجموعات تعمل على توزيع الكتب بعد قراءتها في المراكز التجارية والمقاهي ليتاح لأي شخص آخر يجدها أن يقرأها بالمجان ثم يضعها في مكان آخر لتواصل رحلتها مع قاريء آخر، كما كانت هناك أندية تهتم بنظافة المساجد والحدائق العامة والاعتناء بها وغيرها من الممارسات الإيجابية الجماعية التي يجب أن تنبع من إحساس الشباب بالمسؤولية تجاه مجتمعاتهم.
في خواطر5 ظهرت على طبيعتي، والمتنبي أوقعني في مأزق
تحفظ البعض على اللهجة التهكمية التي غلفت تعليقاتك في خواطر5، كما أن هناك من اعتبر أن بعض المشاهد الضاحكة قد أخرجت البرنامج عن رصانته، فما تعليقك على ذلك؟
للأمانة في خواطر5 كنت على طبيعتي وأتصرف بتلقائية تامة دون إعداد مسبق وتدريب على ما سأقول أو افعل، فظهرت جميع إنفعالاتي الإنسانية التي تعبر عن الإنبهار أو الغضب أو الحماس أو السعادة دون تصنع أو حواجز بيني وبين المشاهد، ولا أعتقد أن لهجتي كانت تهكمية بقدر ماكان هناك مداعبة ومزاح ربما قد أثارا استياء البعض خصوصاً في تكراري لنداء (يا أمم)، ولا أدري ما سبب تلك الحساسية فكلنا قد حفظنا منذ الصغر قول المتنبي في قصيدته الشهيرة: "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم" علماً بأنها قصيدة تدرس في المدارس دون أن نعتبرها مهينة أو مسيئة بقدر ماهي تعبير خاطب به الأمة بما يراه، وعلى كل حال أنا على قناعة بأن رضا الناس غاية لا تدرك، فلو أنني تحدثت بجدية سيقال الدين يسر وسهولة، ولو اتجهت إلى المداعبة سيقال أين الجدية في الطرح، فاخترت أن أكون على طبيعتي لأقترب من المشاهد.
أنا شاهد الاثبات الأول على إتهامي باستهداف الربحية
يكثر الحديث عن الأرباح الطائلة التي تحققها أعمال نجوم الدعوة، والملاحظ أنك إضافة إلى برنامج خواطر تقوم ببيع كتبك والأقراص المدمجة لحلقات برنامجك وعليها توقيعك، ألا توافقنا الرأي بأن الأهداف التجارية قد تنافس الأهداف الاجتماعية في بعض الأحيان؟
كيف للأهداف التجارية أن تنافس الاجتماعية إذا كانت الأولى هي التي تنفق على الثانية؟، لعلي ذكرت في لقاء سابق معكم في "عربيات" أنني بالأساس رجل أعمال أنفق على نفسي وبيتي من عملي ومؤسستي التجارية، وعندما اقتحمت المجال الإعلامي لم أتفرغ له ليصبح مصدر رزقي بل أردت أن يكون مشروع ناجح يستمر إذا تمكن من تغطية تكاليفه، ويتطور بأرباحه إذا نجح وينتهي إذا خسر، فلا عملي الإعلامي والإجتماعي يعتمد على إنفاق تجارتي عليه ولا أنا أنفق على نفسي وبيتي منه. الواقع أنني خصصت حساب بنكي خاص بالخدمة الإجتماعية أعتبره وقف تدخل فيه جميع إيرادات البرامج التلفزيونية والمحاضرات وبيع الكتب المقروءة والأسطوانات المرئية، ليعاد ضخها على نفس المشاريع في العام التالي مع التطوير بحسب الربحية دون أن أقتص منها مبالغ للاستخدام الشخصي، لذلك ميزانية خواطر5 على سبيل المثال بلغت 15 ضعف ميزانية خواطر1 لأن الإيرادات يعاد ضخها في ميزانية الإنتاج وحساب الوقف هو الذي يقوم بتمويل الإنتاج كل عام، ومن وجهة نظري العمل الإسلامي والاجتماعي الهادف يعاني من عدم الاستمرارية أو الاستمرارية بجودة منخفضة بسبب إعتماده على التبرعات أو التمويل من جهات أخرى ويتعرض للتوقف بمجرد انقطاعها، بينما المفترض أن العمل الهادف يجب أن يستند على تغطية نفسه اقتصادياً، وأعتقد أن الآلية التي اعتمدها للنظر إلى عملي الاجتماعي والإعلامي كنشاط منفصل عن عملي الخاص وعن نفقاتي الشخصية قد ساهمت في الاستمرارية، وأعترف بأنني حريص على أن يحقق البرنامج والإصدارات المصاحبه له في كل عام ربح كافي يمكن أن يساعد ليخرج البرنامج في العام الذي يليه بجودة أعلى وإمكانيات أكبر وفريق عمل على درجة عالية من الحرفية، ولو لم أفعل ذلك فأعتقد أن المسيرة كانت ستتوقف منذ خواطر2 أو خواطر3.
ولكن بالرغم من حرصك على الأرباح قمت بتوزيع حوالي ألف نسخة من كتاب خواطر من اليابان في محاضرتك الأخيرة بالغرفة التجارية بجدة خلال شهر رمضان، فلماذا لم تتجه إلى بيعها بدلاً عن توزيعها بالمجان؟
ماذا تعني ألف نسخة يتم توزيعها بالمجان على جمهور دفع رسوم لحضور المحاضرة؟ علماً بأن الإصدارات السابقة من خواطر باعت حوالي 30 ألف نسخة بفضل الله، مما يعني وجود إمكانية ليغطي االكتاب تكاليف إصداره وطباعته ويحقق أرباح لطباعة الإصدارات القادمة بإذن الله دون تعارض بين ما تم توزيعه وما تم بيعه.
خواطر6 من (المريخ)
ماذا عن جديد الشقيري للموسم القادم؟
أعقد الآن عدد من الاجتماعات مع فريق العمل لتشكيل الرؤية، فالتحدي صعب بعد اليابان التي رفعت حتى معاييرنا في الاختيار والطرح، وأعتقد أنه قد لايكون هناك مكان ملائم بعد اليابان سوى (المريخ).
لسنا بأشد غيرة على الصحابة من أنفسهم لنتجاوز عن الاستفادة من أخطاء نقلوها لنا
يلومك البعض على تعرضك في برنامج "لو كان بيننا" لأخطاء الصحابة رضي الله عنهم، فهل كانت هناك ضرورة لفتح أبواب الجدل؟
أستغرب اللوم والجدل، فلو أن في ذكر الأخطاء إساءة لكان الصحابة رضي الله عنهم سبقونا إلى ذلك ولم يذكروا المواقف والقصص التي رواها ونقلها إلينا صحابة ومن ثم تابعين ومن ثم كتب الأحاديث كصحيح البخاري ومسلم، ولم يسبق لأحد أن اعتبر نقل القصص عن الصحيحين إساءة، كما أعتقد أن إظهار بشريه الصحابة يعزز من ارتباطنا بهم ومحبتنا لهم ويحفزنا على اتباعهم، فحينما ندرك أن الصحابة عانوا من ذات الصعوبات والصراعات النفسية في جميع مجالات الحياة ندرك أن بوسعنا أن نتغلب على كل ذلك اقتداءًا بهم، ونتعلم كيف كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعالجها، أما لو اعتبرناهم رضي الله عنهم ملائكة لايخطئون فكيف سنقتدي بهم؟.
ماذا سيحمل لنا برنامج لو كان بيننا في الجزء الثاني؟
الجزء الثاني من برنامج "لوكان بيننا" لايختلف من حيث الأسلوب والفكرة عن الجزء الأول، فقد قمت بتصوير 30 حلقة وتم عرض 15 حلقة منها قبل شهر رمضان الماضي، وسيتم بإذن الله عرض 15 حلقة أخرى قريباً.
التطبيق العملي هو أجمل ردود الأفعال، ويزعجني التشكيك في النوايا
من بين ردود الأفعال التي تلقيتها على خواطر5، ماهي أجمل إشادة؟ وأكثر نقد أزعجك؟
الإشادة بالكلمات قد تسعدني، لكن مايرضيني حقاً هو أجد من تأثروا حقاً بالطرح واختاروا التطبيق العملي للأفكار، وهناك نماذج عديدة قد يعتقد البعض أنها بسيطة لكن كان لها بالغ الأثر في نفسي منها على سبيل المثال أن يخبرني أحدهم أن أبنائه بعد متابعة البرنامج أصبحوا حريصين على عدم ترك بقايا للطعام في أطباقهم، وآخر ذكر لي أن ابنه الذي يبلغ من العمر 8 سنوات شاهد في المطار شخص يزيل الشريط اللاصق من حقيبة السفر ويرميه على الأرض فالتقطه الطفل ونصحه برميها في المكان المخصص، كما حكى لي أحد الأصدقاء أنه كان يقف في شهر رمضان أمام دائرة حكومية يفترض أن تفتح أبوابها للمراجعين الساعة العاشرة وعندما مرت 10دقائق على الوقت المحدد تذمر أحد المراجعين من التأخير فحاول البقية تهوين الأمر عليه فأجابهم (لو كنا في اليابان لفتحت الأبواب لنا قبل الموعد بخمس دقائق). البعض قد يرى في هذا الأمر مقارنة محبطة بينما أنا أرى أننا يجب أن نرفع المعايير والطموحات لنتطور ونتقدم وأن تبدأ الإرادة والعزيمة من عدد من الأفراد الذين تأثروا بالبرنامج فهذا ما أنشده وأعتبره خير إشادة وتعبير عن الإعجاب بما شاهدوه، أما النقد الذي يزعجني فهو التشكيك في النوايا التي لايعلمها إلا الله ومع ذلك هناك من يحاول أن يدعي أنه يقرأها ويحكم على الآخرين بحسب تأويله لها.
التجربة اليابانية دخلت منزلي من بوابة أبنائي
بما أنك مهتم بالجانب العملي، فما هو التغيير الذي طرأ على حياة أحمد الشقيري بعد التجربة اليابانية؟ أو الأمور التي بدأت بتطبيقها بالفعل؟
أمور كثيرة جداً قد لايتسع المجال لذكرها، ولكن دعيني أخبرك عن أهم تجربة بدأت بتطبيقها على بيتي، وتحديداً على ابني "يوسف" - 9 سنوات- وابني "إبراهيم 6 سنوات" حيث وضعت لهم نظام يشعرهم بأنهم عاملين ومسؤولين ومنتجين في المنزل، فأوجدت لهم 6 مهام يمكنهم تنفيذها خلال أيام الأسبوع بحسب رغبتهم وبدون إجبار، وتتنوع المهام بين غسيل السيارات، وشراء احتياجات المنزل من "السوبرماركت"، وتمضية أحد أيام إجازتهم الأسبوعية معي في المكتب أو المستودع، وتنظيف الفناء الداخلي للمنزل، وتنظيف الحمام، وتنظيف غرف النوم واللعب. وجميع هذه الأعمال إذا قاموا بها يحصلوا على مقابل مادي (راتب) بشكل أسبوعي والعملية تتم باشراف والدتهم، علماً بأن هذا المقابل لا نحفظه لهم كمدخرات بل نمنحه لهم مع حرية كاملة في إنفاقه على مشترياتهم الخاصة والكماليات مثل (شراء الألعاب، شراء الملابس، الأكل خارج المنزل، شراء هدايا للأصدقاء) ومسؤولية تحملها كل منهما بعد أن قدمنا لهما النصائح والتوجيهات عن أهمية الإدخار وكيفية الإنفاق والتفكير قبل اتخاذ القرار. كما أن المقابل المادي الذين يحصلوا عليه لا بد أن تذهب 10% منه إلى شراء كتب يختارونها، و10% للإدخار، و10% للصدقة، أما المبلغ المتبقي فلهم حرية التصرف فيه.
ألا ترى أن في هذه التجربة مخاطرة كبيرة؟
على العكس فيها فوائد عظيمة فالطفل يتعرف من خلالها على قيمة العمل وأنه مصدر للمال الذي يشتري ما نرغب بشراءه، ولنفترض أن أكبر المخاطر هو أن يذهب الطفل في الأسبوع الأول إلى متجر الألعاب وينفق فيه كل مدخراته، هذا خطأ أفضل أن يقع فيه ابني في الصغر بدلاً من ارتكابه في الكبر، والنتيجة ستكون أن يبقى طوال الفترة المتبقية عاجزاً عن شراء الألعاب أو طلب طعام من خارج المنزل أو الذهاب إلى أعياد ميلاد الأصدقاء وغيرها من الأمور المحببة إلى نفسه، وبعد أن يجرب ذلك سيحسن التصرف والتفكير والاختيار في المرات القادمة، مع التأكيد على أمرين وهما أن والدهم سيظل بالطبع المسؤول عن التكاليف الأساسية للحياة مثل السكن والتعليم ومستلزماته والدورات والأنشطة الإضافية والرعاية الصحية، وكذلك أنهم لن يحصلوا على مقابل عن مهامهم اليومية الإعتيادية مثل ترتيب الأغراض الشخصية والدراسة وغيرها من الأمور التي يجب أن يفعلها الإنسان دون انتظار مقابل.
ماذا لو فاقت احتياجاتهم قيمة مدخراتهم؟
في الأحوال الطبيعية عندما يطلب الطفل من والده شراء شيء يفوق مقدرته يقترح عليه تأجيله إلى يتمكن من شراءه له، والفارق بهذا النظام أن الطفل سيدرك أنه عليه هو أن يدخر وينتظر، خاصة وأن الراتب الذي خصصناه لهما يوازي ماكان بوسعنا أن ننفقه عليهم، ودعيني أضرب لك مثال بسيط فقد رغب أبنائي بشراء كمبيوتر محمول بالمشاركة من مدخراتهم فطلبوا منا اصطحابهم إلى المتجر بحثاً عن أفضل سعر قد يناسبهم ليخصصوا مبلغ للادخار حتى يتمكنوا من شراءه، وقمت بتدريب ابني الأكبر على استخدام كمبيوتر المنزل لإدخال حساباته ومصروفاته في برنامج متخصص. ومن جهة أخرى تطورت مهارات الإلقاء والخطابة لديهما لأننا نطلب منهما في نهاية كل أسبوع تقديم خلاصة استفادتهما من الكتاب الذي اختاروا شراؤه وقراءته ونناقش ذلك معهم.
ولكن دائماً ما يعاني الآباء من ما يسمى "بالإبتزاز العاطفي" من قبل الأبناء أوالإلحاح لشراء المزيد من الألعاب أو تلبية مطالب يضعف الآباء أمامها، فماذا لو تم تطبيق هذا النظام واستمر الإلحاح؟
بتطبيق هذا النظام لن يصبح هناك إلحاح، بل تجربة وخطأ وصواب، لأن الأبناء يملكون نقودهم وحرية التصرف فيها، وأنا أدعو كل أم وأب إلى محاولة تطبيق التجربة بجدية مع مراقبة النتيجة التي يسرني استقبالها على البريد المخصص للتواصل معي بالآراء والمقترحات وتبادل التجارب والأفكار.