اسرائيل في الداخل
Inside Intel علامة أحفظها وغيري عن ظهر قلب فلا يخلو جهاز كمبيوتر تقريباً منها وتعتبر رمز الجودة الذي يؤكد أن معالج الكمبيوتر أصلي.. ولكن ما هو أصله؟.. كتب الأستاذ (علي شكري) في مجلة (بي.سي) مقالاً مثيراً ذكر فيه أن شركة إنتل احتفلت العام الماضي بمرور ثلاثين سنة على استيطانها الأراضي الفلسطينية حيث افتتحت في عام 74م مركزاً لتصميم الرقاقات الإلكترونية في مدينة حيفا يضم اليوم أكثر من 1400 موظف وهو المركز الذي شهد تطوير أجيال متعاقبة من معالج إنتل إلى أن وصل لمعالج Centrino للأجهزة المحمولة. أما مركز (بتاح تكفا) بالقرب من تل أبيب -والحديث للكاتب- فمتخصص بتطبيقات الاتصالات والهاتف المحمول, وآخر انجازاته تتمثل بمساهمته في تصميم المعالج المعروف بالاسم الكودي ففي Manito (اسم أقدم بقاع الاستيطان اليهودي في كندا) والموجه لتطبيقات الجيل الثالث من الهاتف المحمول GRPS.. أما مجمَّع إنتل 18 Fab فيقع على أرض محتلة كانت وفقاً لقرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة في عام 47م واقعة ضمن الحدود الفلسطينية وتعرضت لأبشع أنواع التطهير العرقي, وشُرِّد سكانها الذين تجاوز عددهم الألفين وتعرف اليوم بمستعمرة (كريات جات), في ذلك المجمع صُنعت رقاقات إنتل التي تسكن قلب الجهاز الماثل أمامي وأنا أكتب هذا المقال.
ويؤكد الكاتب مستنداً إلى مصادر إسرائيلية وأخرى خاصة بشركة إنتل, أن الشركة لطالما أثبتت لإسرائيل أن (الصديق لوقت الضيق) فانتشلت الكيان المنبوذ من هزات اقتصادية عديدة وتحتل اليوم بثبات المركز الأول في قائمة المصدرين الرئيسين في إسرائيل, كما يستعرض الظروف السياسية والاقتصادية الحرجة التي عانت منها إسرائيل في عام 74م عشية بدء إنتل استثماراتها. أكتفي بهذا القدر دون أن أرمي باللوم على إنتل أو أطرح تساؤلات ومطالب تقليدية عن المقاطعة والتذمر وإيجاد البديل كما لن أؤيد ما يذهب إليه البعض باستباحة إنتاج الشركة وسرقته فنتحول إلى مستهلكين ولصوص في ذات الوقت!!! ولكني أود أن أتوقف أمام مفهوم (الصديق لوقت الضيق) الذي تمارسه العديد من الشركات التجارية الرائدة والناجحة في العالم مثل إنتل, بينما يغيب هذا المفهوم عن مشهدنا.. فلم تشهد كافة الأزمات التي تمر بها البلاد العربية والإسلامية عمليات إنقاذ تشارك بها شركات ومؤسسات القطاع الخاص العربية الضخمة لتنتشل بلداً شقيقاً من أزمة اقتصادية. والأسئلة المشروعة في هذا السياق هي: هل يغلب الخوف من الخسارة التجارية على أهمية قيام الشركات العربية بهذا الدور? وهل تفتقد هذه الشركات الرؤية السياسية وإدراك حجم المصالح المشتركة بأبعادها العديدة لتقدم على خطوات مماثلة فتشكل قوة مضادة تقلص من انعكاسات الأزمات والحروب على الدول الصديقة؟
تجربة إنتل تؤكد أنه بالتخطيط السليم لن تخسر الشركة التجارية من مساندتها الاقتصادية وفقاً للظروف السياسية لصديق, كما أنها تؤكد أن الرؤية الشاملة مطلوبة في العمل التجاري... إلا أنه توجد حقيقة مؤلمة ندركها بقياس منتجات شركاتنا بشركة إنتل وتتمثل تلك الحقيقة في عدم وجود منتج عربي فريد نصدره ليغزو العالم وإن توفرت تحفظات على الآلية التي مر بها إنتاجه وتصديره لأنه ببساطة لا بديل له ولا ينافسه في الجودة غيره. تبدو لي صياغة تلك الجملة هزيلة والأجدى أن تكون على صيغة سؤال: لماذا لا نملك منتجات من هذا النوع بالرغم من توفر العقول والاستثمارات الضخمة المهدرة في الاستيراد؟
* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
المصدر: صحيفة عكاظ