الأديان، لغة مشتركة بين الشعوب

حوار اليوم وقادة الغد

رانية سليمان سلامة

يقال إن الحضارة هي الجهد الهادف لخدمة الإنسان، ووفقاً لهذا التعريف لايمكن أن نغفل أدوات الحضارة التي أنتجها الغرب، ولا سمات الحضارة التي شكلها الدين، ولكن سيذكر التاريخ أنه في حقبة وصمها البعض بحقبة (صراع الحضارات) كان هناك من سخر أدوات حضارته لفض النزاع بالقوة وبالأسلحة الثقيلة، بينما كان هناك من اتخذ خطوة حضارية حكيمة دافعاً بالتي هي أحسن وحاملاً راية الحوار ليحظى الإنسان بفرص أفضل للتعايش ويستعيد حق عقله في فض النزاعات بدلاً من قوة الآلة، وشتان بين علاج الحروب الذي يخلف في النفوس ألوان البغض وفي الممتلكات أشكال الخسائر، وبين علاج الحوار الذي يغسل القلوب من أحقادها ويحرر العقول من أوهامها.

وأنا أقرأ أن مؤتمر الحوار الذي اقترحه خادم الحرمين وقائد الحكمة يقوم على أساس الالتفاف حول مراكز التشابه، تذكرت لعبة شهيرة هي البحث عن الاختلافات بين الصورتين، وأدركت كم كان من السهل أن نكتفي باكتشاف الاختلافات القليلة التي تشوه صورتين بينما لم تكن هناك أبداً لعبة تحفزنا منذ الصغر على اكتشاف أوجه التشابه الكثيرة بين الصور.


قرأت الكثير مؤخراً عن حوار الأديان وتوقفت عند مقال وصلني من المهندس أحمد القحطاني يتحدث عن النزعة الدينية التي اجتاحت العالم، معتبراً أن حوار الأديان قد جاء في الوقت المناسب لمخاطبة الجميع بلغة مشتركة، ومؤملاً أن ينجح الكبار في توفير مستقبل أفضل للصغار. إليكم مقتطفات من المقال:
"لفت نظري إعلان مصور بإحدى المجلات الغربية الشهيرة يصور مجموعة جديدة من دمى الأطفال. أسماء الشخصيات كانت "موسى، مريم، عيسى، نوح"، ونص الإعلان خاطب الأطفال بقوله "متعة وإيمان" Fun and Faith و"العب وصلي" Play and Pray. ونعلم أن أي منتج جديد يخرج في الغالب بعد دراسة مستفيضة للسوق وبناء عليه يتم إنتاج ما يتوافق مع اهتمامات المجتمع لضمان نجاح تسويق المنتج. لم تكن تلك الألعاب أولى العلامات التي ألحظها على المجتمع الغربي والتي تعكس كيف أصبح الدين محورا يزداد الاقتراب منه يوماً بعد يوم، فما ازدياد شعبية الأحزاب المحافظة وارتفاع نسبة الشباب من حجاج الفاتيكان عاما بعد عام والسخاء في منح الأثرياء للكنيسة إلا مؤشرات أخرى.

وقد أظهر استطلاع لمؤسسة جالوب في أواخر العام الماضي أن 57% من الأميركيين يعتبرون الدين "مهما جداً" في حياتهم اليومية مما أسهم في تشجيع استوديوهات هوليوود على إنتاج المزيد من الأفلام الدينية كفيلم "آلام المسيح" و"دافينشي كود" و"المهد" ليواكب العرض الطلب.

كل ما ذكرته أعلاه عن مؤشرات دالة على العودة للدين اليوم لا تنحصر على أتباع الدين المسيحي بل تظهر جليا علينا في العالم الإسلامي وحتى على أتباع المعتقدات الأخرى، كل بطريقته وعلى منهجه. وأول المتأثرين بخطوات هذا التغيير هم الأطفال، فهم غرس المجتمعات اليوم وقادتها غداً. لهذا نعول كثيراً على مبادرة حوار الكبار، فإذا لم يقترن العمل على تنمية الإيمان في قلوب البشر منذ الصغر بالعمل على تنمية الفكر الحر وبٌـعد النظر وترسيخ أصـول الحوار وقبول الآخر من قِبل جميع الأطراف على هذا الكوكب الأزرق الصغير، ستكون النتائج غداً وخيمة."

رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ