ملك السلام
من أكثر الأمور التي تثير استيائي وأسفي عند متابعة حوارات غربية على الإنترنت بين الشباب حول الأديان هو أنني أجد فئة كبيرة منهم لاتدرك أساساً أن الدين الإسلامي دين سماوي، كما يعتقد بعضهم أن الله الذي يعبده المسلمون مختلف عن الإله والرب الذي يعبدونه، هذه التصورات لو بحثنا عن أغلبها لوجدنا أنه يرجع إلى الجهل، ففئة كبيرة من الشباب في الغرب لم تتح لها فرصة لمعرفة الإسلام إلا من خلال الممارسات الإرهابية وبعض الصور التعبدية التي أدت بهم إلى اعتقاد أن المسلمين يعبدون الكعبة ويقبلون الأرض ويتبعون كتابا يدعو إلى العنف والكراهية.
قاتل الله الجهل ولكن نحن كيف يجب أن نقاتل؟.
قد يكون من الصعب على أغلب المسلمين احتواء ذلك فتكون ردة الفعل بالغضب على الجاهلين ولعنهم والدعوة لمحاربتهم، بينما قلة بوسعها أن تصب جام غضبها على نفسها للتقصير في مهمة التعريف بالإسلام وتمثيله للحد الذي جعل المتطرفين والمفرطين يستأثرون بأكبر مساحة بشعة لتمثيل آخر الرسالات السماوية، وأخرى ستترك الغضب جانباً لتعمل في الطريق الصحيح.
في السنوات الأخيرة كانت هناك جهود عديدة مبذولة لتصحيح الصورة عن الإسلام غير أن الواقع ظل يؤكد على أن الأفراد العاديين من غير هواة البحث عن الأديان وحضور المحاضرات المتخصصة بهذا الشأن لم تصلهم تلك الرسالة ولم تبلغ المجهودات كافة هدفها بالشكل المطلوب.
ثمة مبادرة كانت مفقودة ومطلوبة لتبديد الجهل والمواجهة بالحوار أطلقها خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر حوار اتباع الأديان الذي أعتقد أنه قد حقق إنجازاً قبل أن ينطلق وصحح مفهوم الكثيرين موضحاً لهم أن الإسلام دين سماوي كالمسيحية واليهودية، وأن الأديان السماوية تجمعها قواسم مشتركة وبوسع أطرافها أن يجمعهم مكان واحد بسلام وتآلف كما يجب أن يجمع العالم كل معتنقي الأديان بتعايش لايلغي الاختلاف ولايوجب الصراع.
لايمكن أن أخفي إحساساً شخصياً بالفخر لأن هذه المبادرة قد جاءت من قائد الدولة التي تعد مهوى أفئدة المسلمين، قائدنا الذي اختار أن يقود تحالف حوار وسلام لا تحالف حرب ودمار، ولا أعتقد أن في العالم الإسلامي من لم يشعر بالفخر وهو يتابع الجلسة الافتتاحية التي شهدت حضوراً مشرفاً ومتميزاً لرابطة العالم الإسلامي بين قادة ورموز الدين والفكر في العالم.
تابعت الجلسة الافتتاحية وأنا أقول لنفسي يحق لهذا الدين أن يحتوى غيره، كما أن هذا يجب أن يكون مكاننا من العالم، فالبلد الذي يحتضن حرمي المسلمين كان لا بد من أن يتدخل لحسم صراعاتهم مع الآخرين وصراعات الآخرين معهم بحكمة وعمل يؤدي إلى نتائج سريعة وفعالة وطويلة المدى.
أن يجتمع هذا الجمع في مكان واحد تحت راية واحدة والسرور يملأ محياهم فهذا انجاز بحد ذاته وصورة تستحق التأمل والاستنساخ على نطاق أوسع يشمل كل الشعوب، وأن يتحاوروا مدركين أن حوارهم سينعكس على مستقبل أتباعهم فهي مسؤولية أتوقع أنهم قد استشعروا حجمها ليخرجوا بنتائج تحقق أهداف الأديان وترسي قيمها.
أحمد الله أن هذه المبادرة قد خرجت من قائد سعودي عربي مسلم، وملك السلام والتسامح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وآمل أن تصيب المبادرة قوى الشر والفتن بمقتل وتحيي آمال التعايش والاحترام المتبادل بين أمم خلقها إله واحد لتسكن أرضاً واحدة.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ