إعادة تأهيل المدربين لا المعلمين
استبشر كثيراً عندما أجد كافة المؤتمرات والنقاشات والتحليلات المحلية (تدور وتلف) وتخلص إلى ضرورة تطوير التعليم والاستثمار في الثروة البشرية، فهذا أمر صحي حيث يقال إن أول الطريق لحل المشاكل هو الاعتراف بها وهانحن اكتشفنا المشكلة واعترفنا بها.
ثاني الخطوات كان مشاهدة أوجه المشكلة لمعالجتها ويبدو أننا وجدنا أنفسنا أمام عدة أوجه أهمها البرامج التعليمية، والمعلم.
وبما أنني قد ثرثرت كثيراً في مقالات سابقة عن البرامج التعليمية سأكتفي اليوم بالحديث عن المعلم الذي لن يرتقي تعليمنا قبل أن يتطور أداؤه.
المبشر عند الحديث عن المعلم هو أننا نملك جميع أدوات تأهيله، فنحن أمام ميزانية ضخمة مخصصة لوزارة التربية والتعليم وتحديداً للإشراف التربوي المعني بمساعدة المعلمين على النمو المهني، ولأنني لا أعرف عن الإشراف التربوي إلا الموجهة التي كانت تزور حصصنا الدراسية فننتقم أثناء زيارتها من بعض المعلمات ونتظاهر بعدم استيعاب الدرس أو نخفي جميع دفاتر الصف في خزانات محكمة الإغلاق، كان علي أن أبحث عن المزيد خاصة بعد تلقي رسالة مثيرة من أحد القراء اتضح لي معها أن الإشراف التربوي يقوم بأكثر مما يعرفه الطالب، فبالإضافة إلى أن الزيارات ومايتبعها من توجيهات للمعلم تمثل تدريبا على رأس العمل، يقدم الإشراف التربوي اليوم دورتين صباحية ومسائية للمعلمين خلال كل فصل دراسي بواقع 12 ساعة لكل دورة وهي خطوة جيدة فحصول المعلم على 24 ساعة تدريب في الفصل يفترض أن تنعكس على مهاراته.
بعنوان "فن تدريس اللغة الإنجليزية للمرحلة الابتدائية" انعقدت مؤخراً إحدى دورات الإشراف التربوي بهدف تأهيل المعلمين للتعامل مع طلاب تلك المرحلة وتحبيبهم في دراسة اللغة، يقول أحد المعلمين الذين التحقوا بالدورة إن أغلب المعلمين تحمسوا لها معتبرين أنها إجازة لمدة 3 أيام من مدارسهم، وأظن أنه في بداية الأمر لابأس في ذلك لأن الدورة لو كانت جيدة ستفرض عليهم الاستفادة وتجديد النية والعزم، غير أن المعلم بدد حسن ظني عندما أفادني بأن المدرب افتتح دورته موضحاً بأنه ضد تعليم اللغة الانجليزية للأطفال!! ومن ثم سألهم إن كانوا يفضلون تلقي الدورة باللغة الانجليزية أم العربية، فقفز المعلم النجيب من مقعده مطالباً بأن تكون الدورة باللغة الإنجليزية حتى تتطور مهارات التواصل لديهم ليكتشف أن عددا كبيرا من المعلمين الملتحقين بالدورة لا يجيدون الإنجليزية!! حيث أنهم خريجي كليات معلمين من أقسام الدراسات الإسلامية الذين لم يستوعب التعيين أعدادهم فاتجهوا إلى الحصول على دبلوم في اللغة الانجليزية للعمل كمعلمين لها في المراحل الابتدائية علماً بأنهم حتى أبسط الكلمات الانجليزية لايجيدون قراءتها أو يدركون معناها.
الأسوأ أن المدرب عندما بدأ يتحدث باللغة الإنجليزية انكشفت مهاراته في قواعد اللغة فتحول الفعل المضارع إلى ماض، ويبدو لي أن ذلك ليس مجرد خطأ بل هو إشارة تنبيهية إلى أن التعليم المعاصر مؤهل إلى التراجع للوراء بدلاً من التقدم إذا ظلت العشوائية في تنفيذ برامج التطوير وتوظيف ميزانيات التأهيل تحكم خطواتنا. بالعودة إلى المعلم يقول إنه خلال الدورة التي استمرت 3 أيام حقق 3 استفادات، الأولى هي التعرف على انجازات أحد المدربين في مجال الدعوة الإسلامية وهو أمر خارج سياق موضوع الدورة غير أن المدرب أسهب فيه وباللغة العربية مما يعني أن المعلمين لن يستفيدوا حتى من تجربته لينقلوا الاستفادة لصفوف الطلاب.
ولعلني كنت سأستوعب إقحام الدعوة الإسلامية والرد على الشبهات في الدورات المقدمة لمعلمي المرحلة الثانوية باعتبارهم قد يؤهلون الطلاب للابتعاث غير أن طلاب المرحلة الابتدائية نتمنى تأسيسهم بمخارج حروف سليمة وقواعد صحيحة فقط، أما الاستفادة الثانية فقد كانت التعرف على حياة المدرب وأفراد أسرته حيث قرر أحد المدربين أن (يستلف) بضع ساعات من الدورة لفتح حوارات جانبية باللغة العربية مع المعلمين (قطعاً) للوقت عملاً بمقولة (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك)، كما استفاد المعلم خلال أيام الدورة بالنوم بعض الوقت إلى حين انقضاء ساعاتها.
وأخيراً، ينوه المعلم إلى أن معلمي اللغة الإنجليزية تحديداً محرومون من العمل في الإرشاد الطلابي بمدارسنا، ويتساءل لماذا؟ وأتساءل معه وإن كنت أتوقع أن هذا الحرمان قد يكون اجتهادا شخصيا من بعض المسؤولين الذين يعتقدون أن مدرس (لغة الفرنجة) قد يبث أفكارا مستوردة للطلاب.
أتمنى تدارك كل ماورد في رسالة المعلم من أخطاء حتى لانهدر فرص تطوير أداء المعلمين ونحن ندرك أنهم حجر الأساس لتطوير التعليم، وحتى لا نهدر الميزانيات الضخمة والأموال التي منَّ الله بها على بلادنا لنرتقي إلى مصاف الدول المتقدمة.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ