الفنانة التشكيلية سامية خاشقجي: ريشتي وقلم شقيقتي توفرت لهما بيئة محفزة للإبداع
سامية خاشقجي فنانة تشكيلية سعودية من مواليد أبها، تلقت جزء من تعليمها الابتدائي في الرياض قبل أن تنتقل مع أسرتها إلى لبنان التي حصلت منها على الشهادة الإعدادية ثم أكملت تعليمها في بريطانيا حتى حصلت على شهادتها الجامعية في فنون الديكور الداخلي من جامعة " كنجستون"... هي كذلك شقيقة الكاتبة السعودية الراحلة سميرة خاشقجي الشهيرة بـ (سميرة بنت الجزيرة)... وهي اليوم ضيفة عربيات في هذا اللقاء الذي يتناول تجربتها بين تصميم الديكور والفن التشكيلي، وأمور أخرى.... نترككم معها.
لمشاهدة أعمال الفنانة في معرض عربيات اضغط هنا
لايمكن للفنان أن يعزل تجاربه في الحياة عن فنه
من الملاحظ أنك قد تلقيت تعليمك في الرياض ثم في لبنان ثم في لندن، إلى أي حد تأثرت هويتك الفنية بهذا التنوع في الثقافات ؟
بالتأكيد تأثرت كثيراً بذلك على الصعيد الشخصي والفني، فالاحتكاك مع شعوب وثقافات مختلفة أثرى شخصيتي وانعكس ذلك الثراء على رؤيتي وفني.... على الصعيد الشخصي تعلمت أن أحترم الثقافات وأنتمي للمكان الذي أعيش فيه بكل حواسي ومن ذلك المنطلق كانت ريشتي تتحرك على اللوحات لتسرد قصتي مع المكان الذي أستوحي منه أعمالي.... ودائما تجدين الطبيعة هي الموضوع الذي يفرض نفسه على لوحاتي وقد كان ذلك محل انتقاد لي عندما أقمت معرضي الشخصي الأول في جدة لأن النقاد شعروا بأن الأعمال مختلفة عما اعتادوا عليه من أعمال تراثية مستوحاة من البيئة السعودية ولم يكن ذلك النقد سليماً ولا موضوعياً لأنه أراد أن يعزلني ويعزل المتلقي عن تجربتي وعلاقتي بالأماكن التي عشت فيها وتفاعلت معها.... لكن بعد عودتي إلى أرض الوطن بدأت ريشتي تلقائيا تستمد حركتها من المكان والتراث والبيئة السعودية وساعدني على ذلك إعدادي لبحث عن الفنانات السعوديات.
الفنانة السعودية تواجه الصعوبات بعزيمة على تجاوزها
هل لنا أن نعرف المزيد عن هذا البحث؟ وعن رأيك في الفنانة السعودية اليوم؟
البحث كان بهدف رصد مسيرة الحركة التشكيلية النسائية في المملكة والتي تبلغ من العمر حوالي 50 عام حيث كانت رائدتها الفنانة القديرة صفية بن زقر... وكنت أسعى من خلال هذا البحث إلى معرفة ماتفتقده الفنانة السعودية لتصل بأعمالها إلى العالمية ووجدت أن أهم ماتفتقده هو التوثيق وهذا الأمر هام جداً بالنسبة للفنان ويؤثر عل عطاءه سلباً فلابد من توثيق أعمال كل فنان وحفظ وحماية حقوقه للحد من ظاهرة السرقات للأعمال المحلية أو العالمية... وقد لمست أن الفنانة السعودية تتميز بشخصية قوية تجعلها توفق بين أدوارها في الحياة كزوجة وأم وفنانة، وأجدها صاحبة حس فني راقي وتواجه الصعوبات بعزيمة على تجاوزها ولكننا بحاجة إلى تعزيز هذه العزيمة بالدعم.
هل هو الدعم المعنوي من الجمهور، أو من رجال الأعمال لرعاية وتنظيم المعارض الفنية، أو دعم وزارة الثقافة؟
كل ماسبق، ففيما مضى ربما لم يكن هناك جمهور كبير للفن التشكيلي أما اليوم فيوجد إقبال ملموس من قبل الجمهور السعودي على حضور المعارض التشكيلية وهذا أمر مبشر... ولكن، ليس من السهل على الفنانة أن تقيم معارض شخصية فتكاليف القاعة والإعلان مرتفعة ومحاولات إيجاد الرعاة مرهقة.... لذلك لابد من إيجاد مؤسسات من القطاع الخاص تتبنى الفنانات وتتكفل بإقامة المعارض والترويج للأعمال في الداخل والخارج... كما نتطلع إلى اهتمام أكبر من وزارة الثقافة بالفنون التشكيلية للإسهام في توثيق هذه الأعمال للفنان ومجدداً في ترويجها من خلال إقامة معارض في الخارج، فالفنانة السعودية ليس من السهل عليها أن تسافر باستمرار لتشارك بأعمالها في معارض دولية نظراً لاعتبارات منها الخصوصية والارتباطات الأسرية، فبالكاد نحاول أن نركز أنشطتنا كفنانات داخل الوطن... لذلك أعتبر وجود مؤسسات موثوقة أو إسهام وزارة الثقافة في هذه العملية سيساعد كثيراً على الارتقاء بالفن التشكيلي السعودي وإخراجه من نطاقه المحلي إلى العالمية.
مفاهيم فنية مفقودة لدى النقاد
تطرقت إلى حماية الأعمال التشكيلية وحفظ حقوق الفنان فهل تعتبرين أن الساحة الفنية السعودية تعاني من هذه الظاهرة بشكل ملحوظ؟
ليس بالتحديد ولكن علينا أن نبدأ بتوضيح المفاهيم أولاً فنحن بحاجة لنشر وإرساء ثقافة احترام حقوق الفنان في العمل الفني ليعرفها الفنان والناقد والمتلقي.... دعيني أذكر لك مثالاً في عام 92م شاركت في أحد المعارض المحلية واتهمت من قبل صحيفة سعودية بأن أحد أعمالي مسروق من لوحة عالمية وتعرضت لهجوم شديد دون أن يتم توجيه سؤال واحد لي ودون أن أتمكن من سؤال الناقد الذي تبنى ذلك الهجوم إن كان يعرف الفارق بين الاستيحاء والنقل فلقد استوحيت بعض ملامح فرس من لوحة عالمية ولم يكن عملي بالكامل منقولاً... في المقابل أخبرتني إحدى طالباتي أنها قد شاهدت مؤخراً لوحة طبق الأصل من أحد أعمالي معلقة في منزل أحد أقرابها.... ونستخلص من ذلك أن النقاد مع الأسف يفرطون في الهجوم والتركيز على أي استيحاء بسيط للفنان السعودي من أعمال عالمية بينما يبدو تجاهلهم للنقل الذي يقع على الساحة التشكيلية للأعمال المحلية وهذا يعكس أنهم لايعترفون أو لايعرفون حق الفنان المحلي في عمله الفني.... لذلك نحن بحاجة لتوضيح المفاهيم ومعرفة ما على الفنان من حقوق وواجبات أدبية ومن ثم تطبيقها لتحظى أعمال الفنان بالاحترام محلياً وعالمياً وفقاً للمقاييس المتعارف عليها .
كفنانة تشكيلية إلى أي مدرسة فنية تنتمي سامية خاشقجي؟
لم أكن أهتم كثيراً بتصنيف فني أو حصر نفسي ضمن نطاق مدرسة معينة ولكن المتابع لأعمالي قد يرى أنني أنتمي للمدرسة الانطباعية لأنني أحاكي الطبيعة مع إضافة لمساتي الخاصة على المشهد... وفي معرضي القادم ستلاحظين أن أعمالي أو هويتي الفنية متأثرة بالمدرسة الانطباعية والرمزية وبالتراث كذلك.
لم تتكرر تجربتك بإقامة معرض شخصي فهل اكتفيت بالمعارض الجماعية؟
المعرض الشخصي يتطلب تفرغ فمعرضي الأول استغرق تفرغي لعرض 48 لوحة عامين وهذا الأمر يبعد الفنان عن الساحة الفنية كما أنه يتعارض مع ارتباطاتي الأسرية ولذلك من الصعب أن أقيم معارض شخصية بشكل دائم.... أما المعارض الجماعية فيشعر فيها الفنان بالتعاون وتتيح فرصة له وللمتلقي للتعرف على عدد من الفنانين في مكان واحد ولكنها من وجهة نظري جيدة فقط عندما تكون لمجموعة مختارة بدقة وعدد محدود، فلا أميل إلى المعارض التي يشارك بها عدد كبير جدا من الفنانين والفنانات عشوائيا.... وقد كان ذلك من أهدافي لتأسيس مجموعة ( سعوديات ) حيث سأكتفي في الوقت الحالي بالمعارض والأنشطة التي سنقيمها من خلال المجموعة في الفترة القادمة .
ماهي أهداف هذه المجموعة؟ ومن هم عضواتها؟
جاءت فكرة تأسيس المجموعة كما أسلفت نتيجة بحثي العلمي لرسالة الماجستير حول الفنانات السعوديات التشكيليات المعاصرات حيث استنتجت بأن القيام بتأسيس مجموعة فنية تشكيلية سوف يهيئ بيئة فنية تشجع وتدعم أعضاء المجموعة، بهدف تطوير الأعمال الفنية، على أن تكون مستندة إلى مقاييس واعتبارات اجتماعية وفنية مدروسة.... كما شعرت بضرورة القضاء على العزلة الفنية التي تعد من أهم العوامل التي أثرت سلباً على تطوير الفن التشكيلي النسائي في المملكة... أما عن عضوات المجموعة من الفنانات فهن رائدة عاشور، ريم ناظر، وفاء كارشة، مها مفتي، أيمن مهاوي، رسالات تركستاني، وفاء المحضار، حنان طالب، ندى شاولي.
ما هي اللوحة التي تجذبك أثناء تجولك في معرض تشكيلي؟ وماهي اللوحة التي لايمكن أن تجد لها مكاناً لتزيين حائط في منزلك؟
تجذبني الأعمال التي تكون المرأة محورها كالأمومة وغيرها، وبشكل عام إذا لم تحركني اللوحة بموضوعها أو فكرتها أو ألوانها لايمكن أن أقف أمامها... ولا تستهويني الأعمال الغامضة أو الحزينة لأنني أرى أن الفن لابد أن يضيف بهجة وإيجابية على الحياة بألوانه ومواضيعه... وهذه بالطبع وجهة نظر شخصية ويبقى لكل فنان حرية التعبير بطريقته في أعماله الفنية ليعكس البهجة أو الحزن شريطة أن يكون التعبير صادقاً ليصل للمتلقي .
ماهو رأيك في الأعمال الفنية التي تعتمد على برامج الرسم بالكمبيوتر بدلاً من الريشة؟
أعتبر الكمبيوتر أداة للحصول على تصميم أو لوحة بشكل سريع وهو أداة ذكية لكن لايمكن أن تحل مكان الريشة فالأعمال التي تعتمد على الكمبيوتر تفتقد للروح والعفوية التي تتميز بها الأعمال الفنية بالأدوات التقليدية .
من الملاحظ أن تخصصك في هندسة الديكور، فأيهما أقرب إليك الديكور أم الفن التشكيلي؟
المجالان مرتبطان ببعضهما البعض فمصممة الديكور لابد أن تكون لديها المقدرة على الرسم وقد خدمني تخصصي في تطوير أعمالي التشكيلية من حيث الألوان والمنظور والخامات... وعملي الأساسي حالياً في كلية " دار الحكمة الأهلية " هو في مجال تخصصي حيث أقوم بتدريس مادة ( تذوق الفن ) التي تصقل الأحاسيس الخمس وتساهم في تدريب العقل على التفاعل مع المشاهد البصرية والسمعية وتحليلها .
أصمم الديكور للآخرين وأرسم لنفسي
كنت كذلك أول مصممة ديكور سعودية تعمل في هذا المجال كيف تقيمين تلك التجربة؟
كانت تجربة رائعة في مقتبل حياتي العملية بعد عودتي لأرض الوطن وكنت أشعر بأن السيدات قد وجدوا أخيراً ضالتهم للتواصل مع امرأة متخصصة في هذا المجال لتزورهم في المنزل وتساعدهم على اختيار الديكور المناسب... العقبة الوحيدة التي واجهتني آنذاك كانت في إقناعهم بالطراز الحديث لتمسكهم بالديكور الكلاسيكي وكنت غالباً أرضخ لقاعدة ( الزبون دائماً على حق ) وأحاول أن أحقق رغباتهم لتخرج النتيجة مرضية.... ولعل هذا هو الفارق بين تصميم الديكور والفن التشكيلي فمصممة الديكور تصمم للآخرين وتضع باعتبارها رغباتهم أما كفنانة تشكيلية فلوحاتي تعبر عني تماماً.
سامية خاشقجي فنانة تشكيلية وأخت للروائية السعودية الشهيرة الراحلة ( سميرة بنت الجزيرة )، فهل كان للأسرة دور في خلق المهارات الإبداعية لدى بناتها؟
أنا أعتبر والدي فناناً، فقد كان أول جراح سعودي في المملكة والجراحة بحد ذاتها فن يتطلب مهارة كبيرة... كما أنه رحمه الله كان يهتم اهتماماً كبيراً بالتعليم وقد كافح وعانى ليتم تعليمه في جامعة " السوربون " نظراً لإمكانياته المادية البسيطة ولازلت أذكره عندما كان يحكي لنا عن البدلة اليتيمة التي كان يملكها أثناء الدراسة ويضطر إلى وضعها تحت " مرتبة السرير " بعد غسلها لأنه لايملك ثمن كيّها... تجربته العصامية بالتأكيد تركت أثرها علينا فقد كان حريصاً على تعليمنا ودراستنا ومشجعاً لهواياتنا، فكانت ( سميرة ) التي عبرت عن موهبتها بقلمها في مطلع الستينات والسبعينات الميلادية وتحولت بعض رواياتها إلى أعمال سينيمائية شهيرة مثل ( بريق عينيك ) كما أنها كانت مؤسسة لمجلة ( الشرقية )، وكذلك أختي سهير لها عدد من المؤلفات، بينما اخترت أنا أن أعبر عن نفسي بريشتي.... مواهبنا نشأت في أجواء صحية فبالرغم من الفارق الكبير في السن فيما بيننا وبالرغم من كوننا لسنا من نفس الأم إلا أننا لم نشعر يوماً بذلك لأن والدي كان حريصاً على أن يوثق العلاقات فيما بيننا، ولازال إلى اليوم الترابط يجمع بيني وبين جميع أخوتي... كذلك والدتي كانت تقف دائماً وراء نجاحي وتدعمني معنوياً ومادياً لأحقق طموحاتي وأعتبرها نموذجاً رائعاً للأم السعودية .
إذن لن أقول أختك ولكن شقيقتك الراحلة سميرة من المعروف أيضا أنها والدة ( دودي الفايد ) الذي لاتزال قصة وفاته والأميرة ديانا لغز محير للعالم، فكيف تراها خالته؟
عماد كان شخصية ( حبوبة ) ومرهفة الحس وكنا نتواصل معه من وقت لآخر ولكنه كان كثير السفر والانشغال وقد فوجئنا بخبر وفاته الذي وصل إلينا من نشرات الأخبار مثلنا مثل غيرنا وكان فاجعة بالنسبة لنا فحادث الوفاة مؤلم جداً وأتفق مع كل من رآه مفبركاً .
أخيراً، متى ستكون باكورة التجمع الإبداعي لـ (سعوديات)؟
معرضنا الأول سيقام باذن الله في 20 سبتمبر من هذا العام بقاعة " العالمية " في جدة .