تشكيل الوعي لدى الشباب
لازلت أذكر محاضرة شيقة قبل سنوات تتناول الأحوال المحبطة للأمة العربية متطرقة إلى المخططات والمطامع الصهيونية والغربية في المنطقة منذ عقود مضت إلى عصرنا الحالي مع الاستشهاد بالوقائع التاريخية والخرائط التوضيحية والكشف عن ما تحقق من تلك المطامع وما هو في طريقه للتحقيق... المثير أن الشرائح العمرية للحضور كانت متفاوتة كما كان وقع تلك الحقائق المفزعة مختلفاً بين شريحة وأخرى, فالكبار شعروا بأنها معلومات قيمة من المهم أن يعيها المجتمع ومن الواجب نشرها لنكون على بيّنة من أمرنا ونقرأ الأحداث قراءة سليمة تتجاوز ما يطفو على السطح إلى ما تخفيه بين سطورها من أهداف خطيرة... أما الوقع عند شريحة الشباب فكان مختلفاً تماماً والأسئلة التي طرحت نفسها بتلقائية (حسناً, ماذا بعد؟), (ماذا لو أدركنا كل ذلك؟), (ماذا نفعل؟), (وما هو دورنا العملي لمواجهة وتغيير هذا الواقع؟)... إنها ببساطة طبيعة نفسية الشباب التي لا يراعيها البعض عند مخاطبة هذه الشريحة, فالإنسان في مرحلة الشباب لا يمكن أن يقتصر دوره على تلقي المعلومات واستعراضها والاستئناس بالوعي الذي ملأ عقله فكل هذه المعطيات تؤدي إلى نتيجة واحدة هي أنفس مشحونة بانفعالات السخط وطاقات مختزنة تواقة إلى التفاعل والفاعلية لإيجاد الحلول الحاسمة أو المرحلية للمشاكل التي تواجهها...
بمعنى آخر عندما يتشكل الوعي لدى الشاب تصاحبه رغبة بترجمة المشاعر إلى مواقف... وقلة من الشباب قد يرشدهم عقلهم إلى الحلول العملية البناءة, بينما الأكثرية تسيطر عليهم الحماسة وتغيب عنهم الرؤى الصحيحة ويكونون بحاجة إلى الاسترشاد المباشر من أصحاب الرأي السديد ليفتحوا أمامهم نوافذ مشرفة على مستقبل لهم دور ومسؤولية في بنائه قبل أن تتحول ثمرات الوعي إلى حسرات بالتهور والاجتهادات الخاطئة.
ويبدو أن القائمين على الحوار الوطني قد تنبهوا إلى تلك الحقيقة فقد استبشرنا خيراً باعتماد آلية ورش العمل التفاعلية للشباب قبل انعقاد اللقاء الوطني الرابع الذي نأمل أن يزاوج بين الفكر والتطبيق العملي المستند إلى قاعدة متسعة من الحوار وتلاقح الأفكار للوصول إلى رؤى واضحة ونتائج تخرج إلى حيز الوجود.
يتساءل البعض عن أسباب إقبال الشباب على خطاب الداعية عمرو خالد ويتذمر البعض الآخر من ذلك مبتعدين في ما يسوقونه من مبررات عن الواقع. فما نجح فيه الداعية عمرو خالد هو القراءة السليمة لطبيعة الشباب ومعاناتهم فاستبدل البكاء على اللبن المسكوب والأطلال حتى تجف المآقي بفتح الطريق المسدود وزرع الأمل في نفوس الشباب لصناعة المستقبل بمشاريع في متناول أيديهم لتبدأ خطوات البناء من إصلاح الفرد لذاته والإعداد للنجاح في حياته... هذا ما قدمه عمرو خالد للشباب, فماذا قدم المتذمرون من بدائل؟
* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ