الدكتورة رنا سعد الدين: مراقبة النمو العقلي والوجداني والإنفعالي لطفلك أهم من النمو الجسدي
تعد مشكلة أمراض التخاطب وضعف التعلم، من المشكلات المؤرقة داخل العديد من الأسر في عالمنا العربي، خاصة حين لا يكون الوالدان على قدر كاف من الخبرة والدراية بخطورة المشكلة وبمظاهرها الأولية. ولعل ما يمكن أن يفاقم من مشكلة كهذه ويؤدي إلى استفحالها وزيادة خطورتها أن تعتمد الأسرة بالكلية في تربية أبنائها على المربيات مزدوجات اللغة؛ حيث يتعرض الأطفال لعوامل الانحراف اللغوي والحركي والانفعالي، في غفلة من أسرته، إلى أن تفاجأ الأسرة بعد فوات الأوان بالعديد من مشكلات النطق والسمع والحركة لدى الأطفال، إضافة لمشكلات أخرى في التكيّف الاجتماعي والتعامل مع أطفال آخرين في البيئة المحيطة... كل هذا وغيره أدى إلى أن تتزايد أمراض التخاطب لتصل الإصابة بها في ظل الإهمال الأسري إلى 20 طفل مصاب من بين كل 1000 طفل أي بنسبة 2% بعد ان كانت بنسبة 1.7% وهو ما يعني ببساطة شديدة أن هناك أخطاءً كبيرة من الآباء والأمهات في حق الأبناء... "عربيات" أجرت هذا الحوار مع الدكتورة رنا سعد الدين ـ استشاري أمراض التخاطب بكلية الطب جامعة الأزهر بالقاهرة ـ والتي ألقت المزيد من الضوء حول تفاصيل هذه المشكلة.
بداية.. ماهي تعني أمراض التخاطب؟
هي أمراض تخص الطفل المتأخر في الكلام والتعلم، وهي غالباً تكون نتيجة الضعف السمعي أو الإعاقات الذهنية أو التوحد أو الإصابات الدماغية، بحيث يصبح الطفل واقعاً في عدة مشكلات تمنعه من التعلم واستيعاب لغة وكلام المحيطين به.
وكيف تستطيع الأم معرفة المظاهر المبكرة لمشكلات التخاطب؟
في البداية أؤكد أن أسباب التأخر اللغوي ليست واضحة دائماً؛ فهناك تأخر لغوي مجهول الأسباب تكون فيه أجهزة الجسم الوظيفية والسمعية والكلامية لدى الطفل سليمة تماماً والأشعات خالية من رصد أية إعاقات، وهنا يكون من الصعب على الأم اكتشاف سبب التأخر اللغوي أو أعراضه، ولكن ما يجب على كل أم هو فحص طفلها فحصاً طبياً متكاملاً أولاً عند الولادة، وثانياً عند مجرد الشك في وجود أية مظاهر للتأخر اللغوي، كما يجب أن تراقب الأم طفلها منذ الولادة مراقبة جيدة وتقارن دائما بينه وبين أبناء الجيران سواء في الحركة والنطق أوالاستجابة للمؤثرات المحيطة به وأن تهتم خاصة بالنمو الحركي لأنه يتزامن مع النمو اللغوي فعدم استجابة الطفل للمناغاة أو للأصوات المحيطة مثل جرس الباب يعني أنه يعاني من خلل ما يستوجب الكشف الطبي وبذلك تكتشف الأم أي تأخر في أي جانب من جوانب شخصية طفلها.
إنشغال الأم عن التفاعل الوجداني والنفسي مع طفلها، يصيبه بالتأخر اللغوي وصعوبة التواصل
بالنسبة لعلاقة الأم بطفلها، هل لها دور في الإصابة بأمراض التخاطب؟
نعم بالتأكيد؛ فمن أنواع التأخر اللغوي نوع يكون سببه الحرمان البيئي وانشغال الأم عن التفاعل الوجداني والنفسي مع طفلها، وبعض الأمهات يتركن أطفالهن للمربية أو الخادمة أغلب الوقت فلا يحدث التواصل اللغوي المطلوب مع الطفل، في حين لا تستطيع أي خادمة أن تؤدي دور الأم أبدا وهنا يفقد الطفل الكثير من عوامل النمو اللغوي والحركي والوجداني والنفسي، وقد يحدث للطفل تأخر لغوي بسبب ازدواج اللغة؛ فكثير من الأمهات الآن يتركن أطفالهن مع مربية أو خادمة تتحدث بلغة غير لغة الطفل الأصلية، وهذا يؤدي إلى إعاقة لغوية واضحة لدى الطفل حيث يتحير عقل الطفل في استيعاب أي من اللغتين ويكتسب الطفل تركيبة مشوهة من لغته الأصلية ولغة الخادمة، ولا تكتمل أي لغة لديه، فمن المفروض أن يركز الطفل في لغة واحدة وينمو ذهنيا مع هذه اللغة وهذا من صميم دور الأم مع طفلها.
لكن هل هناك أخطاء مباشرة للأمهات تساعد على انتشار المشكلة وتفاقمها؟
للأسف الشديد الأمهات تقع في أخطاء كثيرة حتى المثقفات منهن؛ فكل واحدة تنظر لنمو طفلها على أنه نمو شكلي فقط وتترك الجانب الأهم وهو نمو الطفل العقلي والوجداني والانفعالي، وأنا أفاجأ أثناء قيامي بعلاج بعض الأطفال من الضعف السمعي، بأن أم الطفل تتعجل في تشجيع طفلها على ترك السماعة، متخيلة أن المسألة علاج يوم أو يومين، كما أنه من المؤسف للغاية أن بعض الأمهات يهملن مراقبة النمو الحركي للطفل حتى مرور سنة ونصف من عمره؛ ومنذ عشر سنوات مثلاً جاءتني أم لعلاج ولدين لها من الضعف السمعي واكتشفت أن لها ولداً وبنتاً آخرين يعانيان من نفس المشكلة وعندما سألتها لماذا لم تلجأي للطبيب منذ أول حالة ردت وقالت "حكمة ربنا"؛ فأخطاء الأمهات هنا تكون فادحة.
البعض يرى إن مرحلة الحمل والولادة لها دور في الإصابة، فهل هذا صحيح؟
طبعاً بالتأكيد؛ فأمراض التخاطب من ضعف تعلم اللغة والكلام وتأخرالنمو العقلي والذهني مرتبط بمرحلة الحمل والولادة، لأن تعريض الجنين لبعض الأخطار الصحية أثناء الحمل أو أثناء الولادة قد يؤدي إلى حدوث خلل في وظائف النطق والكلام والتفكير فيولد الطفل وهو يحمل مسببات المرض، لذلك نحذر الأم دائماً أثناء الحمل من تناول ما يضر طفلها كالمواد الحافظة أو بعض العقاقير ذات التأثيرات الجانبية على الجنين، أو التعرض لملوثات الجو ومصادر الإشعاعات الضارة، وهناك تحذير شديد من إصابة الأم بارتفاع درجة الحرارة أو بمضاعفات الحمى لأن ذلك يعرض الجنين للأخطار، كما أنه من الممكن أن يصاب الطفل بعد الولادة بالتأخر اللغوي نتيجة إصابته بالضعف السمعي وذلك في حال إصابته بالحصبة الألماني.
مصّاصة الأطفال قد تتسبب في ثقب الحلق، وغذاء الطفل يؤثر
وبالنسبة لطعام وغذاء الطفل هل من الممكن أن يؤثر في قدرات الطفل؟
نعم؛ فأغلب أمراض اللغة والكلام تبدأ بإصابات وظيفية في أجهزة الجسم، وهذه الإصابات ليس شرطاً أن تكون مباشرة أو بآلات حادة، وإنما بعضها قد يحدث نتيجة قصور في عملية التمثيل الغذائي لدى الطفل، وبالتالي حرمان الجسم من الإمداد ببعض الفيتامينات والمعادن الهامة للنمو الحركي والذهني يؤدي الى تأخر لغوي وكلامي، كما أن تعرض الطفل لأية أعراض مرضية تسبب سوء امتصاص لبعض العناصر الغذائية، يؤدي لنفس النتيجة إضافة إلى أن أمراض المناعة والقصور في وظائف الكلى والكبد تؤدي لمشكلات في الكلام والحركة.
سمعنا من البعض عن أعراض تسمى أمراض الكلام، ما هي هذه الأعراض؟
هي مجموعة من الأمراض الكلامية التي تحدث للطفل ويكون مصدرها النطق؛ مثل التأتأة والخنف واللدغة اللسانية والحُبسة الكلامية، وأغلب هذه الأمراض يكون بسبب الإصابات الدماغية في مرحلة الطفولة أو الكبر أو بسبب عوامل وراثية، وبعضها الآخر يكون بسبب سلوكيات للأطفال كما هي الحال مثلاً في الخنف الذي قد يحدث نتيجة ثقب في حلق الطفل بسبب اصطدام الحلق بعصا المصاصة التي يحبها الأطفال، أما اللدغة اللسانية فتكون لدى الأطفال في الغالب بسبب مشكلات سمعية مبكرة، وبالنسبة للحبسة الكلامية فهي نوع من التدهور الكلامي يجتمع فيه كل العوامل السابقة من تأتأة ولدغة لسانية وخنف ويكون ذلك مرده في كثير من الحالات إلى الإصابات الدماغية المبكرة.
الحاجة لقوانين ملزمة بوضع مقياس سمعي لكل طفل قبل الشهر السادس، وتخصيص بروفايل لمراقبة نمو الطفل حركيا
ما الجديد في علاج أمراض التخاطب؟ وهل توجد حالات عصية على العلاج؟
الجديد في علاج أمراض التخاطب حالياً هو التركيز على الحد من مشكلات التمثيل الغذائي لدى الحالات المريضة حيث نقوم برصد أي نقص غذائي في مواد معينة لدى جسم الطفل ونتدخل لتعويض هذه المواد ونمد الطفل بما يحتاجه من المعادن والفيتامينات ومن ثم تتحسن القدرة اللغوية والحركية والذهنية لديه. أما بخصوص وجود حالات صعبة على العلاج فهذا يعتمد على درجات الإصابة؛ فهناك إصابات طفيفة وهناك إصابات متوسطة وهناك إصابات شديدة وهناك إصابات حادة، ويعتمد العلاج على توعية الأم والأب بطبيعة مشكلة طفلهما وإصابته، وغالباً ما تساعد سرعة الاكتشاف المبكر للمرض في تحجيمه فتتحول الاضطرابات الحادة إلى شديدة والشديدة بدورها إلى متوسطة وهكذا، وتلعب العلاجات السلوكية والحركية مثل العلاج بالموسيقى والرسم واللعب دورا هاما في إعادة تإهيل المصاب، وكثيراً ما تفرض حالة المريض نوعا محددا من العلاج السلوكي أو الحركي أو غيره وكل حالات العلاج بالنسبة لنا ـ كأطباء تخاطب ـ هي حالات صعبة وتحتاج لجهد مضني وفي هذا الأمر يسبب عدم تعاون الأهل مضاعفات كثيرة وتعطيل لزمن العلاج ويؤخر الحالة بعكس الحال لو تمت السيطرة الكاملة على برنامج علاج الطفل فإن الحالة تتحسن بسرعة.
في الختام، كيف نقلل من نسبة الإصابة بأمراض التخاطب والتعلم والكلام؟
يمكن فعلاً تقليل نسبة الإصابة، أولاً عن طريق وضع قوانين روتينية بخصوص تحديد نسبة هرمونات الغدة الدرقية وذلك لخطورة تأثيرها على الطفل، وكذلك وضع قوانين مشابهة تلزم بوضع مقياس سمعي أو سماعة لكل طفل يحتاج إليها وذلك قبل سن 6 شهور ويتم تقييم المقياس من قبل الطبيب المتخصص، أيضا تخصيص بروفايل للنمو الحركي لكل طفل مع دفتر التطعيم لاستدراك أي خلل مبكر لدى الطفل .