قالت كاتبة جزائرية ابنه شهيد من مليون شهيد جزائري يوما في أحد رواياتها تصف يتمها بعد استشهاده، وتصف حال أكثر من مليون أسرة جزائرية فقدت أبنائها "في الحروب ليس التعساء الذين يموتون، التعساء اؤلئك الذين يبقون خلفهم .. ثكلى .. ويتامى ومعطوبي الأحلام".
وقياسا فقد خلفت الانتفاضة الفلسطينية إلى الان، خلفت ورائها ألف وثمانمائة عائلة ويزيد مجروحة و ألف وثمانمائة أم ثكلى والله يعلم عدد اليتامى … ومعطوبي الأحلام من الزوجات والأباء والاخوة والأخوات … والأصدقاء والأحباب الذين فقدوا من يحبون … كلا حمل قبر شهيده في داخله ومضى بالتأكيد في هذه الحياة لتستمر … ولكن من المؤكد أنها لم تكن ولن تكون حياة كاملة…فعدى عن الألم الذي يمكن ان يعتري أي منهم كلما اهتاج به الشوق لرؤية غائبة… تبقى تفاصيل الحياة الثقيلة التي عليه أن يعيشها دونه… ومع كل ذلك تجد في كل حالة تحد وتصميم على المتابعة.
ومع دخول الانتفاضة عامها الثالث يقف اؤلئك امام ذكرى من فقدوهم تدور في أذهانهم الكثير من الخواطر … وعن ذلك يتحدثون.
عائلة الإستشهادية " دارين أبو عيشة "
عائلة الاستشهادية دارين ابو عيشة ، والتي يتهدد منزلها بالهدم بسبب قيامها بعملية"مودعين" في شباط الماضي، لم تجد سوى الصبر والجلد، فعلى حد وصف الام الثكلى، " الأولاد غاليين بس الوطن أغلى…ودمهم بيهون عشانه" … وتضيف " كانت الأقرب إلى قلبي واشعر الان ان شيئا كبيرا قد نقصني، ولكن كلما فكرت أنها حققت ما سعت اليه وتمنته دائما اشعر براحة كبيرة ، فأنا احسها دائما راضية مطمئنة في موتها". تتابع"ان ما يعز علي بالفعل ان عمليتها لم تكن بالمستوى الذي خططته لها وتمنته دائما، كنت سأشعر برضى اكبر لو كانت حجم الخسائر اكبر".
فيما يقول الوالد:" الحمد الله على الشرف الذي لحق بي من استشهاد ابنتي، كلنا على هذه الطريق وان كنا نستطيع ان تختار الموت الأفضل فلماذا لا يكون".
زوجة الشهيد " جمال منصور "
بينما تعيش زوجة القيادي جمال منصور، والذي استشهد في تموز الماضي حالتها الخاصة، تتحدث عن الفراغ الذي خلفه استشهاد "ابي بكر" في نفسيتها:" لن أجد من يعوضني عن فقدان جمال، فليس هناك من يفهمني ويساعدني مثله، كان يرشدني على كل أموري، وكان بمثابة الدليل لي أعود أليه كلما استعصى علي أمر، وكان يعتمد علي في تربية الأولاد مع عدم إهمال متابعته اليومية لهم، لكنني الان اشعر إنني فقدت هذا، خاصة عندما ارى "بكر" وقد اصبح يحاول ان يملئ الفراغ الذي خلفه أبيه، ارى انه بدأ يفقد طفولته ليحل كأنه في كل شئ بالرغم من صغره."
وتتابع:" بصراحة لا يوجد الان من يعبئ فراغ ابو بكر، حتى أنني عندما كنت افتح التلفاز لاستمع لنشرات الأخبار، ارى أن كل المتحدثون لا يرتقون الى درجة التي وصلها زوجي من الوعي والحكمة اقوم باغلاقه، فعندما كان يسألني هل ستحزنون إذا استشهدت، كنت أجيبه "سأحزن عليك لانك زوجي اولا، ولكنني سأحزن على هذه الأمة التي فقدانك ستخسر قائدا.
خطيبة الشهيد " مهند أبوحلاوة "
وربما كانت نانسي الطريفي(18)، خطيبة الشهيد مهند أبو حلاوة والذي كانت قوات الاحتلال قد اغتالته تعيش وضعا خاصا:" ان الحياة التي يعيشها من فقد انسانا غاليا عليه ليست بالسهلة، وبالغرم من أنني ارتبطت بمهند بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها في آب الماضي، بالرغم من المعرضة الشديدة من قبل الأهل، وكنت أصحو كل يوم مستعدة لخبر استشهاده او اعتقاله الا أنني لم استطع ان اكمل حياتي كما السابق ، فقد كانت الأيام التي جمعتنا من اجمل أيامي ، مر على استشهاده سبعة اشهر ولا أزال إلى الان اشعر بنفس الشعور اللحظة الاولى للاستشهاد ، الشيء الوحيد الذي يواسيني ان هذا ما كان يصبو أليه دائما، فقد وضع منذ البداية هدفا نصب عينيه ان يقاوم.
مستقبل الإنتفاضة
و حول رؤيتها للحلول السلمية ومستقبل الانتفاضة التي تدخل عامها الثالث في أيامنا الحالية، بكل ما حملته من آمال والآلام وبكل ما خلفته من جرحى وشهداء ودمار، تقول زوجة جمال منصور:" أن يخرجوا بحل سلمي بعد كل الذي حصل فهذه مصيبة، كل هؤلاء الجرحى والشهداء، وما يعانيه ذوي الشهداء من الآلام الفقدان وحسرة الغياب، فنحن اكثر من عانى ولا نستطيع القبول بحلول السلمية مع إسرائيل فهي المعتدية ونحن المظلومين المدافعين عن أرضنا، وللمظلوم الحق في متابعة مقاومته مهما كلفه الآمر من تضحيات ولكل زمان دولة ورجال والذي يستشهد يخرج عوضا عنه المئات ونحن لسنا مضطرون للانجرار وراء الحلول السلمية التي تدفعنا أليها إسرائيل لتفرض علينا الشروط التي تريد دون أن يكون لنا قرارا في أي شئ ونحن أصحاب الأرض الصحاب الحق.
وعلى نفس الفكرة اتفقت كل من عائلة أبو عيشة، و الطريفي:" لا يمكن ان تضيع دماء شهدائنا عبثا ونحن لن نستسلم أبدا مهما كانت الخسائر، فليس من المعقول أن نبيع دماء شهداؤنا، فهم أرادوا وعملوا على استمرارية الانتفاضة" نانسي.