مواجهة الكثير من الخيارات عند اتخاذ القرار قد تصيبك بالاكتئاب
أن لا تجد أمامك سوى خيار وحيد تضطر إلى القبول به، أو تواجه الكثير من الخيارات المحيِّرة، فالنتيجة واحدة.. قد تصاب بالخيبة والإحساس بعدم الرضا.
فكما أن الخيار الواحد يعد أمراً مقيداً لك، فإن الخيارات والفرص عندما تزداد بشكل مبالغ فيه تتحول متعة الإحساس بامتلاكك الحرية في الاختيار، إلى مخاطرة وقلق من أن تسيء التقدير وتتخذ قرارات متسرع قد تندم عليها.
لعل أبرز الكتب التي تناولت مشكلة الخيارات المتعددة وانعكاسها على سعادة الإنسان وقدرته على اتخاذ القرار كان كتاب "مفارقة الخيارات" للكاتب بيري شوارتز، الذي تناول هذا المفهوم تأكيداً على أن الخيارات المتزايدة في حياتنا لا تمنحنا دائماً الاحساس بالمتعة وحرية الاختيار، فدون القدرة على حصرها وحسم الاختيار قد نجد أنفسنا في مواجهة:
ـ التردد والارتباك لدرجة تسلب منا القدرة على اتخاذ القرار.
ـ إهدار الوقت بشكل مبالغ فيه في الحسابات والمقارنات طمعاً في الوصول إلى الأفضل على الإطلاق.
ـ الندم على اختياراتنا لتوقع أن الخيارات الأخرى المتاحة ربما كانت أفضل.
ـ الاحساس بعدم الرضا عن ما نملك.
ـ في اسوأ الحالات إذا كانت المواجهة متكررة، أو متعلقة بقرارات مصيرية قد تكون من أحد أسباب الاكتئاب.
في السوق والعمل
تبدو المشكلة أوضح في المتاجر الكبيرة عندما تواجه عشرات وأحياناً مئات الخيارات لكل منتج تود شراءه، فإذا استجبت لكل الخيارات المتاحة تتحول رحلة التسوق السريعة إلى ساعات تمضيها أمام الأرفف في المفاضلة بين هذا وذاك.
كما قد تنعكس سلباً على تجربة الشراء، إذ أفاد استطلاع بأحد متاجر الملابس أن 60% من الزائرات بعد تجربة العديد من لقطع ينتهى بهن الأمر لعدم حسم القرار وختام الجولة بالمقولة الشهيرة التي توجهها المتسوقات للبائع: "دعني أفكر، وأعود للشراء لاحقاً".
ومن هنا يجدر تحول المتاجر والشركات المنتجة من توفير خيارات أكثر، إلى توفير خيارات أذكى يبرز فيها التباين التام لإرضاء شرائح وأذواق وإمكانيات مختلفة.
وينطبق ذات الأمر على الاستثمار فقد تواجهك عشرات الفرص في آن واحد، غير أنه من الحكمة أن تقتنص ما تملك القدرة على النجاح فيه، ولا تقبل ما يفوق طاقتك الاستيعابية والتشغيلية حتى لا تخسر كل شيء.
ولا يختلف الأمر في عملية تسويق الخدمات للعميل، إذ يقول عيسى المهدي مدير التسويق بشركة متخصصة في مواقع الإنترنت:" من الأخطاء البارزة التي كنا نرتكبها عند عرض خيارات تصميم موقع إلكتروني على العميل أن نمنحه أكثر من 5 تصاميم كلها جيدة، فيقع في حيرة وتطول فترة اتخاذ القرار، وأحياناً بعد اختيار أحد التصاميم يرجع العميل عن قراره تخوفاً من أن تكون التصاميم الأخرى أفضل، ومن هذه التجربة تعلمنا أن نعرض ما لا يزيد عن 3 تصاميم، ونقوم بالتركيز على تسويق أحدهم بشكل أكبر مع توضيح وجهة نظر الخبراء والمواكبة للمتطلبات لمساعدة العميل على اتخاذ القرار".
وهو ما يؤكده شوارتز في كتابه إذ يقول:
واحد من كل ثلاثة أشخاص يواجهون خيارات كثيرة جداً، ينتهي بهم الأمر لاتخاذ قرارات غير مرضية بالنسبة له، أو يغرقوا في مرحلة الاختيار لفترة طويلة، أو لا يختاروا على الإطلاق.
في الحياة
قد تكون القرارات المتعلقة بمنتجات استهلاكية وتجارية أقل خطورة وإنعكاساً على الإنسان من غيرها، خاصة وأنها قابلة للتعويض بخسائر أقل من تلك المتعلقة بالقرارات المصيرية للإنسان في حياته الشخصية، وعن ذلك تقول خبيرة الاستشارات الزوجية والأسرية نبيلة رحماني: "من مسببات العنوسة أحياناً توافد عدد كبير من الخطاب على الفتاة مما يرفع سقف طموحاتها ويجعلها تبالغ في المفاضلة، أو تغريها الفرص لتنتظر ماهو أفضل منها في الغيب".
وتضيف مؤكدة أن تعدد الخيارات وقناعة الإنسان بأنه قد يجد فرص أفضل يعد من أهم مسببات الطلاق:
في الماضي كانت الزوجة أو الزوج يرضى كل منهما بالآخر ويحاول التكيف معه، اليوم مع نمط الحياة ومغرياتها وكثرة الاحتكاك بالآخرين في الحياة الاجتماعية والمهنية، أو الإطلاع على مايبث في الإعلام، تبدأ في أغلب الأحيان المقارنات ليشعر الزوج أنه قد تكون لديه فرصة أفضل مع امرأة أخرى أجمل أو أكثر توافقاً مع تفكيره، ويحصل نفس الشيء مع المرأة التي تقارن حياتها بغيرها في الواقع أو الخيال الإعلامي، وبمجرد أن يشعر أحد الطرفين بأنه يملك الحق في اقتناص فرص أفضل للارتباط، ويتفوق هذا الشعور على شعوره بالرباط المقدس، يفقد الرضا عن حياته وتنكسر أهم مقومات الحياة الزوجية من استقرار وطمأنينة، من أجل توقعات ومغريات وفرص قد تكون حقيقية أو وهمية.
التخلص من سياسة الخيارات المفتوحة
وفي نموذج آخر للخيارات التي تشتت اتخاذ القرار تقول أميرة العدل –زوجة وربة منزل-: "كنت عندما اسأل زوجي كل مساء ماذا تريد أن تتناول على العشاء؟ يجيب: لا أدري! حتى بدأت أتخلص من سياسة الاختيارات المفتوحة وأمنحه يومياً 3 خيارات، أصبح معها يجيب مباشرة، بل وأحيانا يستلهم منها ما يرغب فعلياً بتناوله".
وتضيف: "نفس الشيء ينطبق على اختياري لملابسي قبل الخروج، كانت خزانتي مكتظة بالملابس التي يستغرق اختياري من بينها أحياناً ساعة، وأجد نفسي أميل بعدها إلى اختيار الملابس التي اعتدت عليها، حتى قمت بالتخلص من أغلبها وحصر الخيارات للزيارات المختلفة، فتقلص وقت استعدادي للخروج واتخاذي لقرار ما أرتديه سريعاً".
مخاطر وحلول
عوضاً عن إهدار الوقت، خطورة الخيارات الكثيرة والمحيرة في حياة الإنسان قد تؤدي به إلى الاكتئاب، ليس لأهمية القرار الذي سيتخذه، ولكن للشعور بالعجز وعدم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح وبالتالي يتشتت التفكير ويفقد الإنسان ثقته في نفسه تدريجياً، مع تحميل العقل أكثر من طاقته الاستيعابية من التفكير في صغائر الأمور، ويتواصل الشعور بعدم الرضا وأنه كان بوسعه أن يختار خياراً أفضل.
ومن النصائح لتفادي ذلك:
ـ أن تدرك أن الكمال ليس له وجود في الحياة، ولا في المنتجات الاستهلاكية، فلا تفقد متعتك وسعادك بحثاً عن المستحيل.
ـ أن تضع المميزات أو المواصفات الأساسية قبل عملية البحث لتتمكن من حصر اختياراتك في عدد محدود، وتحسم القرار باستبعاد بقية الخيارات.
ـ أن تتحمل مسؤولية قراراتك المصيرية وتجعل احساسك بالإلتزام يتفوق على المغريات ويدفعك للرضا بما تملك لتحسينه.
ـ أن تدرك أن كل فرصة، توجد أخرى أفضل منها، لكنها قد لاتكون مناسبة لك، ولايمكنك أن تضع حياتك الشخصية تحديداً على طاولة المقامرة على الفرص، ففي الحياة الشخصية لا تنجرف وراء الفرص على حساب الاستقرار.
ـ أن تتخلص من كل شيء وكل عادة لا يوازِ ما تهدره من وقت وجهد فيها العائد الفعلي المتوقع منها.
ـ لا تقلل من قدراتك ولا تبالغ فيها عندما تقف أمام اختيار الوظيفة أو الفرصة الاستثمارية المناسبة، فهذه القرارات تتطلب الواقعية حتى لا ترتفع احتمالات الفشل.