حين سألت أمى أطال الله فى عمرها عن رمضان .. سرحت بعينيها كأنها تتذكر شيئا عزيزا وقالت بأسى .. ياه ليتها تعود أيام زمان وناس زمان .
وحين سألت إبنتى عن رمضان ضحكت وقالت .. " أحلى ما فيه التليفزيون " .
ورغم اختلاف الرؤى بين الزمانين ، رغم اختلاف النظرة ، إلا إنهما اجتمعا فى نقطة واحدة وهى فرحتهم بهذا الشهر .
نعم .. ليست هناك فرحة تساوى فرحة هلال رمضان .. هذا الشهر العظيم الذى يحتل مكانة خاصة فى قلوب المسلمين ، على اختلاف ثقافاتهم وعادتهم ، ودرجاتهم . إنها الفرحة التى يختلط فيها التراث الدينى بالشعبى ، الشخصى بالإنسانى ، لتجعل الواحد منا يمتلأ على آخره حين يتأكد استطلاع الهلال بدفقة فرح لا يعرف ما هى .. لكنها فرحة تجعله صافيا ، سعيدا ، طيبا ، ودودا .. هى نفس فرحة كل عام .. لا تحدث إلا فى هذا الشهر ولا تتغير فى قوتها ولا معناها ولا حتى فى طقوسها .. وكما يحدث فى كل عام تتعانق الناس .. تلتقى .. تتراضى .. تصفو .. تهنىء أنفسها . تخرج لتشترى أشياء هى تشتريها كل يوم ، لكنها فى هذا اليوم تشتريها بفرح ، برضا ، وتكون العيون ممتلئة عن آخرها بشىء جميل ، سعيد ، له القدرة على التغلغل فى الوجدان فيمتلأ الواحد بالأمان ، والثقة فى الغد .. شىء لا يأتى ولا يحل إلا مع رمضان .. وكأن مسحة من السكينة قد مستنا جميعا .. كل عام يحدث هذا رغم تغير الدنيا . رغم ما أصاب عادتنا وتقاليدنا من تغير ..
رمضان ولمة الأحباب
في القاهرة أجمل ما كان فى رمضان قديماً هى (اللّمة) ، لمة الأحباب .. لمة الأهل .. والأصدقاء على حصيرة واحدة .. فى غرفة واحدة .. لمة الفطور ، ولمة السحور .. لمة نساء البيت وهن يصنعن كعك العيد .. لمة البنات فى ليلة العيد .. عمل الكعك.. الآن لم تعد النساء يصنعن كعك العيد بأيدهن ، حتى الحلوى التى كن يصنعنها فى بيوتهن تأتيهن جاهزة ..
أما فانوس رمضان ، تغير شكله ، وتغير بالتالى الهدف من وجوده .. كان يصنع من الصفيح والزجاج ، ويضاء بالشمع ، تحمله الأطفال وهم يصحبون المسحراتى فى نصف الليل ، يغنون من حوله وعلى أنغام طبلته " حالو يا حالو .. رمضان كريم يا حالو .. فك الكيس وادينا بقشيش .. يا تروح متجيش يا حالو " .. صوت جميل ، وفرح أجمل يهز سكون الليل ..
اليوم يصنع الفانوس بأيدى غريبة ، فاختلف شكله .. واصبحنا نستورده من الصين التي قامت بإنتاج فانوس لرمضان تبث منه أغنية عن القدس وتبيعه فى البلاد العربية .. كما استبدل الزجاج بالبلاستيك ، و الشمعة بالبطارية ، وصوت الأطفال الحى بصوت مسجل لأغنيات مثل " مكارينا – كماننا " .. وتبدل المعنى من وجوده فبدلا من لمة الأطفال وغناهم الجماعى وفرحهم الطفولى الذى كان ينير ليالى رمضان ، أصبح وجوده مجرد زينة ، أو مجرد لعبة طفل . ويا مكسب الصين ، ويا خسارتنا نحن .. !
" اصحى يا نايم ، وحد الدايم ، وقول نويت بكرة إن حييت .. الشهر صايم ، والفجر قايم ، ورمضان كريم " .. " المسحراتى " الذى ظل فى أذهاننا وربما حتى وقتنا هذا مجرد خيال أسطورى ...اليوم اختفى المسحراتى .. اختفى مثل أشياء جميلة أخرى اختفت ، تحت سطوة الستالايت والقنوات الكابلية ، وسهر التليفزيونات إلى الفجر وفى أذهان جيل من الأطفال تشوهت خلايا أدمغته أمام ألعاب الفيديو ..
ولكن كل ذلك لم يؤثر في الإحساس برمضان وحكمته الدينية فالمساجد تمتليء بالمصلين خاصة في التراويح....وموائد الإفطار تمتد في عدة أحياء للفقراء والمحتاجين....ومجالس الذكر والحديث تجدها في كل مكان.
رمضان في المغرب ..(عواشر مبروكة)
اعداد : عبد الواحد استيتو - المغرب : " عواشر مبروكة " .. بهذه الجملة يستقبل المغاربة شهر رمضان مهنئين بعضهم البعض و السعادة تملأ عيونهم ، و هي جملة بالدارجة المغربية تعني " أيام مباركة " .للشهر رمضان بالمغرب طعم خاص ، طعم لا يدركه الا من عاشه أو من عاينه . النشاط و الحركة التجارية أشياء لا تنقص المجتمع المغربي في رمضان ، رغم أن الفترة ما بين الفجر و الظهر تعرف فتورا ملحوظا مع خلو الشوارع من المارة و الباعة على السواء .
بعد هذا ، تعرف الأسواق حركة رائجة جدا . " الشباكية " و " البغرير " و السّفوف " قد تكون الكلمات الأكثر ترددا بين الباعة و المشترين ، فهذه الأكلات المغربية هي الأكثر تواجدا على الموائد في هذا الشهر ، فلا غرو من أن تعرف محلاتها اقبالا منقطع النظير .
يقول سمير م ، تاجر : " في شهر رمضان تزداد حركة البيع و الشراء بكثرة . المستهلك في هذا الشهر يشتهي أكلات كثيرة ، في الغالب هو لن يأكل ربع ما يشتريه . لكن سوء التقدير هذا من طرف الزبون يبقى في صالحنا على أية حال " .
حركة المواصلات تعرف – أيضا – نشاطا كبيرا يؤدي في الغالب الى حوادث لا تكون خطيرة لحسن الحظ لأن الازدحام و الاختناق لا يسمحان بذلك و مع اقتراب وقت آذان المغرب يصبح احتمال حدوثها أكبر مع السرعة الفائقة من طرف السائقين الذين تبدو لهم مائدة الافطار على مرمى حجر .
من جانب آخر ، تعرف المساجد توافدا كبيرا منذ أول يوم مانحة دليلا قويا بأن الشياطين ترفل حقّا في قيودها . كبار، صغار و شباب ، الكل يداوم على الصلاة بالمسجد . و يبقى لصلاة العشاء و ما يليها من تراويح النصيب الأكبر من اقبال المصلين .
يقول عبده الحسين ، 23 سنة : " الجو رائع حقا ، أتمنى لو كانت الأيام كلها رمضان . أفضل أن أصلي بمسجد ( ...) فلإمامه قراءة متأنية و صوت متميز يجعلني أخشع في صلاتي أكثر مما أفعل في مسجد آخر" .
تجد ، هاهنا ، في كل الأحياء غالبا ، مسجدا أو أكثر يكون الأكثر استقطابا للمصلين نظرا للجو الايماني الذي يمنحه ، و هذا لا ينفي البتة أن المساجد الأخرى تمتلء بدورها .
و ما قلناه عن صلاة العشاء ينطبق – أيضا – على صلاة الفجر التي تمنح المصلين نشاطا فائقا على ما يبدو ، فبعد الصلاة تتكون جماعات هنا و هناك خائضة في نقاشات لا تنتهي الا عند طلوع الشمس حيث يذهب الجميع لأخذ قسط من الراحة في انتظار يوم رمضاني جديد .
لم تنجح الساعات بمنبهاتها القوية في ان تجعل " الطبّال " - أو المسحراتي كما يسميه المشارقة – ينقرض . لازالت جل الأحياء ، و ربما كلها ، تهتز تحت ضربات الطبل قبل الفجر بساعتين أو أكثر . و لا أحد يتذمر من ذلك بالطبع .. الكل هاهنا يحب صوت الطبل الذي يهب رمضان نكهته الخاصة . أكيد أنه لا أحد يعتمد على " الطبال " لايقاظه وقت السحور . لكنه هنا ، و الجميع يحبون وجوده .
يقول محمد ح ، 35 سنة : " طبعا ، نحن لا نعتمد عليه في الغالب ، فلكل منا طريقته في الاستيقاظ ، لكننا لا نحب أن نفتقده أبدا " .
الاعلام المغربي ، المكتوب على وجه الخصوص ، يعرف أنه عليه اخراج كل أسلحته المتمثلة في المواضيع الدينية و الأبواب الترفيهية . كل الجرائد تضع برنامجا خاصا بهذا الشهر يتضمن حلقات متسلسلة ، هكذا تضمن أن القارئ سيتابعها طوال الشهر .
المواضيع الدينية يخصص لها أكثر من صفحة يومية ، و مع النفحة الايمانية الرمضانية يمكن أن تضمن هذه المنابر الاعلامية أن الأمور ستسير على مايرام خلال هذا الشهر ، دون الحديث عن المسابقات التي لا تخلو منها جل الجرائد ، ان لم نقل كلها .
يقول م . ح ( صاحب مكتبة ) : " في الأيام العادية لا تعرف الجرائد كل هذا الاقبال . أما في هذا الشهر فأكاد أجزم أنني قد لا أعيد أية نسخة للموزع " .القراءة من الطقوس المحببة في رمضان بالمغرب ، حتى بالنسبة لمن لم يعتد ذلك .و لا تستغرب اذا وجدت بعد المقاهي و قد فتحت أبوابها خلال النهار ، فذلك اكراما لزبائنها كي يجدو مكانا مريحا لحل شبكات الكلمات المتقاطعة التي لا تشكو بدورها من قلة القبال في هذا الشهر .
يمكن أن نقول أن لشهر رمضان بالمغرب موقع خاص في قلب كل مغربي ، و مع اقتراب انقضائه تبدو العيون حزينة و لسان حالها يقول " ذهب الحبيب " .. دون أن يخفي هذا الحزن فرحة مرتقبة بضيف جديد .. عيد الفطر .
رمضان في السعودية مليء بالروحانية
لايوجد اختلاف كبير في الأجواء الرمضانية في مختلف أنحاء المملكة العربية السعودية فالجانب الديني والروحانية يحيطان بكل شيء منذ رؤية هلال شهر رمضان المبارك إلى لحظات تحري هلال العيد..ويرتبط الشهر الكريم بعادات اجتماعية وممارسات مختلفة تمنحه المزيد من التميّز.
تقول السيدة(م.ع) ربة منزل 45 سنة:" لا اعرف منذ متى بدا ارتباط شهر رمضان بامور يجب الإعداد لها مسبقاً مثل شراء الاطعمة الخاصة والمشاريب الرمضانية"قمر الدين- التمر هندي" ولكن هكذا وجدنا انفسنا وبالرغم من المجهود المضاعف الذي نبذله في شهر رمضان الا انه يبقى جميل وله نكهة خاصة"
وعن الموائد الرمضانية في الحجاز تقول(الإفطار في رمضان يكون على التمر والعصيرات او القهوة،ثم بعد صلاة المغرب تمتد مائدة الإفطار والتي لا يمكن ان تخلو من (الشوربة والسمبوسة والفول....وغيرها من الاطباق مثل الطعمية والبيض والمطبق).....اما الحلويات فسيدة المائدة الرمضانية هي (القطائف تليها الكنافة ،المطبق الحلو ،المعصوب)...
أما بعد الإفطار فعادةً يتجه الجميع رجالاً ونساءً لصلاة العشاء والتراويح في المسجد تعليقاً على ذلك تقول احدى السيدات المواظبات على صلاة التراويح في المسجد:"احمد الله الذي يسّر لنا ذلك ففي ما مضى لم نكن نعي تماما اهمية صلاة التراويح وأذكر ان الرجال وحدهم كانوا يخرجون لها والقليل من النساء كانوا يؤدونها في منازلهم...أما اليوم فهناك مسجد بجانب كل بيت.....وهناك قسم نسائي بداخل كل مسجد...انها فرصة رائعة لاداء الصلاة بشكل جماعي وشيء يثلج الصدر فالنساء كباراً وصغاراً يتهافتون على المساجد لاداء الصلاة وبالرغم من كبر سني إلا انني لا اشعر باي مشقة او تعب فيها...ولو حدث ذلك فالمساجد أصبحت توفر كراسي للصلاة جلوساً لمن لا تستطيع الوقوف"
اما في منطقة عسير فلا يوجد أي تغيير في نهار رمضان عن غيره من الشهور ففي ما مضى كان كل شخص يمارس عمله وحياته العادية من زراعة ورعي اغنام في نفس الاوقات التي كانوا يمارسونها فيها.....أما الآن فقد تتغير أوقات العمل والدوام الصباحي قليلا لتناسب الشهر الكريم.....وعن موائد الإفطار فتتميز (باللقيمات،والشوربة،والعريكة أو الفتة كما تسمى في المنطقة)... وكان أهالي كل قرية يجتمعون كل ليلة في أحد البيوت ويتسامرون بعض الوقت ثم ينصرفون للنوم إلى ان يحين موعد السحور والذي يتميز بوجود (الخبز البلدي،السمن،اللبن) وبعد صلاة الفجر يبدأ يوم جديد من أيام شهر رمضان المبارك.
وتنتشر بشكل عام في جميع أنحاء المملكة المناسبات الخيرية (البازارات) لجمع التبرعات والمساهمة في افطار المحتاجين وتقديم المساعدات لهم.
وحين سألت إبنتى عن رمضان ضحكت وقالت .. " أحلى ما فيه التليفزيون " .
ورغم اختلاف الرؤى بين الزمانين ، رغم اختلاف النظرة ، إلا إنهما اجتمعا فى نقطة واحدة وهى فرحتهم بهذا الشهر .
نعم .. ليست هناك فرحة تساوى فرحة هلال رمضان .. هذا الشهر العظيم الذى يحتل مكانة خاصة فى قلوب المسلمين ، على اختلاف ثقافاتهم وعادتهم ، ودرجاتهم . إنها الفرحة التى يختلط فيها التراث الدينى بالشعبى ، الشخصى بالإنسانى ، لتجعل الواحد منا يمتلأ على آخره حين يتأكد استطلاع الهلال بدفقة فرح لا يعرف ما هى .. لكنها فرحة تجعله صافيا ، سعيدا ، طيبا ، ودودا .. هى نفس فرحة كل عام .. لا تحدث إلا فى هذا الشهر ولا تتغير فى قوتها ولا معناها ولا حتى فى طقوسها .. وكما يحدث فى كل عام تتعانق الناس .. تلتقى .. تتراضى .. تصفو .. تهنىء أنفسها . تخرج لتشترى أشياء هى تشتريها كل يوم ، لكنها فى هذا اليوم تشتريها بفرح ، برضا ، وتكون العيون ممتلئة عن آخرها بشىء جميل ، سعيد ، له القدرة على التغلغل فى الوجدان فيمتلأ الواحد بالأمان ، والثقة فى الغد .. شىء لا يأتى ولا يحل إلا مع رمضان .. وكأن مسحة من السكينة قد مستنا جميعا .. كل عام يحدث هذا رغم تغير الدنيا . رغم ما أصاب عادتنا وتقاليدنا من تغير ..
رمضان ولمة الأحباب
في القاهرة أجمل ما كان فى رمضان قديماً هى (اللّمة) ، لمة الأحباب .. لمة الأهل .. والأصدقاء على حصيرة واحدة .. فى غرفة واحدة .. لمة الفطور ، ولمة السحور .. لمة نساء البيت وهن يصنعن كعك العيد .. لمة البنات فى ليلة العيد .. عمل الكعك.. الآن لم تعد النساء يصنعن كعك العيد بأيدهن ، حتى الحلوى التى كن يصنعنها فى بيوتهن تأتيهن جاهزة ..
أما فانوس رمضان ، تغير شكله ، وتغير بالتالى الهدف من وجوده .. كان يصنع من الصفيح والزجاج ، ويضاء بالشمع ، تحمله الأطفال وهم يصحبون المسحراتى فى نصف الليل ، يغنون من حوله وعلى أنغام طبلته " حالو يا حالو .. رمضان كريم يا حالو .. فك الكيس وادينا بقشيش .. يا تروح متجيش يا حالو " .. صوت جميل ، وفرح أجمل يهز سكون الليل ..
اليوم يصنع الفانوس بأيدى غريبة ، فاختلف شكله .. واصبحنا نستورده من الصين التي قامت بإنتاج فانوس لرمضان تبث منه أغنية عن القدس وتبيعه فى البلاد العربية .. كما استبدل الزجاج بالبلاستيك ، و الشمعة بالبطارية ، وصوت الأطفال الحى بصوت مسجل لأغنيات مثل " مكارينا – كماننا " .. وتبدل المعنى من وجوده فبدلا من لمة الأطفال وغناهم الجماعى وفرحهم الطفولى الذى كان ينير ليالى رمضان ، أصبح وجوده مجرد زينة ، أو مجرد لعبة طفل . ويا مكسب الصين ، ويا خسارتنا نحن .. !
" اصحى يا نايم ، وحد الدايم ، وقول نويت بكرة إن حييت .. الشهر صايم ، والفجر قايم ، ورمضان كريم " .. " المسحراتى " الذى ظل فى أذهاننا وربما حتى وقتنا هذا مجرد خيال أسطورى ...اليوم اختفى المسحراتى .. اختفى مثل أشياء جميلة أخرى اختفت ، تحت سطوة الستالايت والقنوات الكابلية ، وسهر التليفزيونات إلى الفجر وفى أذهان جيل من الأطفال تشوهت خلايا أدمغته أمام ألعاب الفيديو ..
ولكن كل ذلك لم يؤثر في الإحساس برمضان وحكمته الدينية فالمساجد تمتليء بالمصلين خاصة في التراويح....وموائد الإفطار تمتد في عدة أحياء للفقراء والمحتاجين....ومجالس الذكر والحديث تجدها في كل مكان.
رمضان في المغرب ..(عواشر مبروكة)
اعداد : عبد الواحد استيتو - المغرب : " عواشر مبروكة " .. بهذه الجملة يستقبل المغاربة شهر رمضان مهنئين بعضهم البعض و السعادة تملأ عيونهم ، و هي جملة بالدارجة المغربية تعني " أيام مباركة " .للشهر رمضان بالمغرب طعم خاص ، طعم لا يدركه الا من عاشه أو من عاينه . النشاط و الحركة التجارية أشياء لا تنقص المجتمع المغربي في رمضان ، رغم أن الفترة ما بين الفجر و الظهر تعرف فتورا ملحوظا مع خلو الشوارع من المارة و الباعة على السواء .
بعد هذا ، تعرف الأسواق حركة رائجة جدا . " الشباكية " و " البغرير " و السّفوف " قد تكون الكلمات الأكثر ترددا بين الباعة و المشترين ، فهذه الأكلات المغربية هي الأكثر تواجدا على الموائد في هذا الشهر ، فلا غرو من أن تعرف محلاتها اقبالا منقطع النظير .
يقول سمير م ، تاجر : " في شهر رمضان تزداد حركة البيع و الشراء بكثرة . المستهلك في هذا الشهر يشتهي أكلات كثيرة ، في الغالب هو لن يأكل ربع ما يشتريه . لكن سوء التقدير هذا من طرف الزبون يبقى في صالحنا على أية حال " .
حركة المواصلات تعرف – أيضا – نشاطا كبيرا يؤدي في الغالب الى حوادث لا تكون خطيرة لحسن الحظ لأن الازدحام و الاختناق لا يسمحان بذلك و مع اقتراب وقت آذان المغرب يصبح احتمال حدوثها أكبر مع السرعة الفائقة من طرف السائقين الذين تبدو لهم مائدة الافطار على مرمى حجر .
من جانب آخر ، تعرف المساجد توافدا كبيرا منذ أول يوم مانحة دليلا قويا بأن الشياطين ترفل حقّا في قيودها . كبار، صغار و شباب ، الكل يداوم على الصلاة بالمسجد . و يبقى لصلاة العشاء و ما يليها من تراويح النصيب الأكبر من اقبال المصلين .
يقول عبده الحسين ، 23 سنة : " الجو رائع حقا ، أتمنى لو كانت الأيام كلها رمضان . أفضل أن أصلي بمسجد ( ...) فلإمامه قراءة متأنية و صوت متميز يجعلني أخشع في صلاتي أكثر مما أفعل في مسجد آخر" .
تجد ، هاهنا ، في كل الأحياء غالبا ، مسجدا أو أكثر يكون الأكثر استقطابا للمصلين نظرا للجو الايماني الذي يمنحه ، و هذا لا ينفي البتة أن المساجد الأخرى تمتلء بدورها .
و ما قلناه عن صلاة العشاء ينطبق – أيضا – على صلاة الفجر التي تمنح المصلين نشاطا فائقا على ما يبدو ، فبعد الصلاة تتكون جماعات هنا و هناك خائضة في نقاشات لا تنتهي الا عند طلوع الشمس حيث يذهب الجميع لأخذ قسط من الراحة في انتظار يوم رمضاني جديد .
لم تنجح الساعات بمنبهاتها القوية في ان تجعل " الطبّال " - أو المسحراتي كما يسميه المشارقة – ينقرض . لازالت جل الأحياء ، و ربما كلها ، تهتز تحت ضربات الطبل قبل الفجر بساعتين أو أكثر . و لا أحد يتذمر من ذلك بالطبع .. الكل هاهنا يحب صوت الطبل الذي يهب رمضان نكهته الخاصة . أكيد أنه لا أحد يعتمد على " الطبال " لايقاظه وقت السحور . لكنه هنا ، و الجميع يحبون وجوده .
يقول محمد ح ، 35 سنة : " طبعا ، نحن لا نعتمد عليه في الغالب ، فلكل منا طريقته في الاستيقاظ ، لكننا لا نحب أن نفتقده أبدا " .
الاعلام المغربي ، المكتوب على وجه الخصوص ، يعرف أنه عليه اخراج كل أسلحته المتمثلة في المواضيع الدينية و الأبواب الترفيهية . كل الجرائد تضع برنامجا خاصا بهذا الشهر يتضمن حلقات متسلسلة ، هكذا تضمن أن القارئ سيتابعها طوال الشهر .
المواضيع الدينية يخصص لها أكثر من صفحة يومية ، و مع النفحة الايمانية الرمضانية يمكن أن تضمن هذه المنابر الاعلامية أن الأمور ستسير على مايرام خلال هذا الشهر ، دون الحديث عن المسابقات التي لا تخلو منها جل الجرائد ، ان لم نقل كلها .
يقول م . ح ( صاحب مكتبة ) : " في الأيام العادية لا تعرف الجرائد كل هذا الاقبال . أما في هذا الشهر فأكاد أجزم أنني قد لا أعيد أية نسخة للموزع " .القراءة من الطقوس المحببة في رمضان بالمغرب ، حتى بالنسبة لمن لم يعتد ذلك .و لا تستغرب اذا وجدت بعد المقاهي و قد فتحت أبوابها خلال النهار ، فذلك اكراما لزبائنها كي يجدو مكانا مريحا لحل شبكات الكلمات المتقاطعة التي لا تشكو بدورها من قلة القبال في هذا الشهر .
يمكن أن نقول أن لشهر رمضان بالمغرب موقع خاص في قلب كل مغربي ، و مع اقتراب انقضائه تبدو العيون حزينة و لسان حالها يقول " ذهب الحبيب " .. دون أن يخفي هذا الحزن فرحة مرتقبة بضيف جديد .. عيد الفطر .
رمضان في السعودية مليء بالروحانية
لايوجد اختلاف كبير في الأجواء الرمضانية في مختلف أنحاء المملكة العربية السعودية فالجانب الديني والروحانية يحيطان بكل شيء منذ رؤية هلال شهر رمضان المبارك إلى لحظات تحري هلال العيد..ويرتبط الشهر الكريم بعادات اجتماعية وممارسات مختلفة تمنحه المزيد من التميّز.
تقول السيدة(م.ع) ربة منزل 45 سنة:" لا اعرف منذ متى بدا ارتباط شهر رمضان بامور يجب الإعداد لها مسبقاً مثل شراء الاطعمة الخاصة والمشاريب الرمضانية"قمر الدين- التمر هندي" ولكن هكذا وجدنا انفسنا وبالرغم من المجهود المضاعف الذي نبذله في شهر رمضان الا انه يبقى جميل وله نكهة خاصة"
وعن الموائد الرمضانية في الحجاز تقول(الإفطار في رمضان يكون على التمر والعصيرات او القهوة،ثم بعد صلاة المغرب تمتد مائدة الإفطار والتي لا يمكن ان تخلو من (الشوربة والسمبوسة والفول....وغيرها من الاطباق مثل الطعمية والبيض والمطبق).....اما الحلويات فسيدة المائدة الرمضانية هي (القطائف تليها الكنافة ،المطبق الحلو ،المعصوب)...
أما بعد الإفطار فعادةً يتجه الجميع رجالاً ونساءً لصلاة العشاء والتراويح في المسجد تعليقاً على ذلك تقول احدى السيدات المواظبات على صلاة التراويح في المسجد:"احمد الله الذي يسّر لنا ذلك ففي ما مضى لم نكن نعي تماما اهمية صلاة التراويح وأذكر ان الرجال وحدهم كانوا يخرجون لها والقليل من النساء كانوا يؤدونها في منازلهم...أما اليوم فهناك مسجد بجانب كل بيت.....وهناك قسم نسائي بداخل كل مسجد...انها فرصة رائعة لاداء الصلاة بشكل جماعي وشيء يثلج الصدر فالنساء كباراً وصغاراً يتهافتون على المساجد لاداء الصلاة وبالرغم من كبر سني إلا انني لا اشعر باي مشقة او تعب فيها...ولو حدث ذلك فالمساجد أصبحت توفر كراسي للصلاة جلوساً لمن لا تستطيع الوقوف"
اما في منطقة عسير فلا يوجد أي تغيير في نهار رمضان عن غيره من الشهور ففي ما مضى كان كل شخص يمارس عمله وحياته العادية من زراعة ورعي اغنام في نفس الاوقات التي كانوا يمارسونها فيها.....أما الآن فقد تتغير أوقات العمل والدوام الصباحي قليلا لتناسب الشهر الكريم.....وعن موائد الإفطار فتتميز (باللقيمات،والشوربة،والعريكة أو الفتة كما تسمى في المنطقة)... وكان أهالي كل قرية يجتمعون كل ليلة في أحد البيوت ويتسامرون بعض الوقت ثم ينصرفون للنوم إلى ان يحين موعد السحور والذي يتميز بوجود (الخبز البلدي،السمن،اللبن) وبعد صلاة الفجر يبدأ يوم جديد من أيام شهر رمضان المبارك.
وتنتشر بشكل عام في جميع أنحاء المملكة المناسبات الخيرية (البازارات) لجمع التبرعات والمساهمة في افطار المحتاجين وتقديم المساعدات لهم.