شباب بلا مظلة
أؤمن بأن كل شاب بحاجة لقضية يتبناها فإن لم يجدها سيصنعها، هذه الصناعة التي تفتقر إلى التوجيه وحسن التوظيف وهذا الحماس الذي لاتتوفر له مظلة قد تنتج عنها اجتهادات ومشاريع بناءة وقد تنتج عنها كوارث.
في المقال السابق بعنوان (الرقابة الشعبية) طرحت أمثلة على المخالفات التي قد يراها أي مواطن أمامه يومياً فيجتهد بالتدخل للحد منها ليجد من مرتكبها مالا يرضيه أو يبحث عن آلية للإبلاغ فيواجه الحيرة لعدم معرفة الجهة والرقم الذي يفترض أن يتلقى البلاغات أو لعله يركض هرباً من مسؤوليته حيالها بسبب الإجراءات المطلوبة لتسجيل البلاغ. أحد القراء الأفاضل نصحني بأن لا أضع المواطنين (في مواقف بايخه) لأن البلاغات إما لاتجد من يتفاعل معها أو تضع صاحبها في موقف (المشبوه) بدلاً من (الغيور) حيث يذكر أن أحد أقاربه ظلت سيارة (خردة) قديمة تقف أمام متجره لأيام بلا صاحب بينما يبدو أن مكانها الصحيح هو (التشليح) فقام بالإبلاغ عنها باعتبارها تشويهاً للمنظر العام وكذلك لاعتقاده بأنها قد تكون مسروقة، وبمجرد تلقي الشرطة للبلاغ طلب منه الضابط أن يبقى في مكانه إلى جانب السيارة حتى تحضر الدورية للمعاينة، فتوجس خيفة وسأل (لماذا؟ المكان معروف والسيارة أمامكم في الشارع؟) غير أن الأوامر كانت واضحة، عندما حضرت الدورية أخبرته بأن يراجعهم بعد تحرير المحضر والتوقيع عليه، بالطبع كان يود عندها أن يطلب من الدورية أن تترك السيارة على أن يتكفل بترميمها وتلميعها وتزيينها في مقابل أن ينسوا موضوع البلاغ ليستعيد هويته (ولا من شاف ولا من درى) ولكن (الفاس كانت قد وقعت في الراس).
لا أدري إن كانت الإجراءات حقاً صعبة أو أننا لدينا (فوبيا) من زيارة الشرطة وغيرها من الجهات الأمنية والرقابية، ولكن المؤكد أن لكلا الحالتين علاج يبدأ بأن تقر الجهات المعنية بوجود عجز في متابعة وحصر كافة المخالفات من جهة وبأهمية مشاركة المواطن لسد هذا العجز وبالتالي لابد من وجود آلية تساعد على خلق هذا التعاون وتجريده من مخاوف الدخول في إجراءات تحمل لصاحبها متاعب هو في غنى عنها. لسنا بدعاً من الزمان فجميع دول العالم تعاني من عجز في متابعة المخالفات القانونية والصحية والحضارية وغيرها ولكن توجد قابلية للعلاج دائماً بتزويد المواطن بوقود الغيرة على بلده واستشعار المسؤولية وإتاحة مجال مشاركته في المحافظة على الصورة الحضارية التي ينشدها.
لو نظرنا للدول المتقدمة سنجد أن المواطن يعرف تماماً وجهته لتسجيل البلاغ وحقه والإجراءات الرسمية التي ستواجهه والتقدير الذي سيحظى به في حال تعاونه، كما سنجد كل جهاز حكومي تقريباً تتوفر فيه إدارة وبرامج لاستقطاب المتطوعين وتدريبهم وتوظيف أوقاتهم وطاقاتهم في خدمة وطنية تكفل لهم ولأحيائهم ومدينتهم حياة أفضل... هناك أصدقاء للمطافي لو حظينا بوجودهم لن نجني فقط مساعدتهم لفرق الإطفاء ولكن على أقل تقدير سيساهمون في فض التجمعات الفضولية وتوجيهها لتحسن التصرف، وهناك أصدقاء المرور حيث يبدو لي أن المرور لدينا لجأ إليهم ولكنه اعتمد فقط على (المرور السري) أو بمعنى آخر رجال المرور الذين يستخدمون السيارات والملابس المدنية بينما بالإمكان توسيع نطاق التجربة الناجحة باستقطاب المزيد من الشباب المتطوع وتدريبهم على القيام بدور مساند لرجال المرور ضمن خطة القضاء على المخالفات المرورية التي تودي يومياً بحياة المخالفين قبل غيرهم. وهناك أصدقاء البيئة ودورهم الهام في المحافظة على النظافة والحد من ظاهرة رمي المخلفات في الشارع ومن نافذة السيارة والقضاء على التلوث والتوعية في هذا المجال. وهناك أصدقاء الثقافة الذين بوسعهم أن يكونوا الأداة الترويجية النموذجية الأولى لبرامج وزارات الثقافة والتعليم لتحقيق أهدافها.
بالعودة إلى مقدمة المقال ينصب تركيزي على فئة الشباب المؤهلة لأن تقع أسيرة لأي قضية تتبناها وتتحمس لها، ولو نظرنا حولنا سنجد أن منها من اقتصرت قضيته على التسكع في الشوارع لتحقيق رقم قياسي في سجلات المعاكسات والسرعة والتفحيط، ومنها من سقط في فخ القضايا الوهمية وأسر الفكر المتشدد، ومنها شريحة تستحق أن نفتخر بها وهي تسعى إلى تكوين مجموعات تطوعية مساندة للثقافة والتنمية وخدمة المجتمع وإبراز الإبداع، القاسم المشترك بين كل هؤلاء هو وجود الحماس ووقت الفراغ مع عدم وجود أي جهة رسمية وطنية تدعم عملهم وتكفل للتوجهات الإيجابية النمو والانتشار والاستمرار، قبل عامين تقريباً تفاعل بعض الشباب مع إحدى حلقات برنامج (خواطر الشاب) فبادروا بحملة لتنظيف حمامات المساجد، ومن وقت لآخر نسمع عن مبادرات لشباب وشابات يحاولن إقامة معارض تبرز أعمال الموهوبين وأخرى تحاول تقديم خدمة للمجتمع ولكن علينا أن نبحث عن كل تجربة بعد عام لنجدها تعثرت أمام عقبات أهمها عدم وجود مظلة توفر لها تراخيص إقامة فعاليات وعدم وجود راع يؤمن بقضيتها ويدعم استمراريتها... الشباب ببساطة بحاجة إلى مظلة فأي متجر وطني سيبادر بتوفيرها قبل أن تحرقهم سخونة الفراغ؟.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ