المهرجان المسرحي الثالث فرع نقابة الفنانين في اللاذقية
استضاف مسرح دار الثقافة في مدينة اللاذقية السورية، في الفترة الواقعة بين 6 و11 من نوفمبر 2010م، مهرجان نقابة الفنانين المسرحي الثالث، الذي ينظمه فرع نقابة الفنانين في الجمهورية العربية السورية للسنة الثالثة على التوالي، وهو واحد من مهرجانات عديدة تنظمها جهات مختلفة في مدينة اللاذقية التي أصبحت الأشهر في سورية على مستوى المهرجانات والعروض المسرحية التي تستضيفها. مجلة عربيات كانت حاضرة طيلة الأيام الست للمهرجان من المدرجات في الكواليس حيث سجلت الأحداث التالية
التكريم في الإفتتاح وفي الختام
افتتح المهرجان بحضور عدد من الوجوه المسرحية والتلفزيونية الشهيرة وجمهور كبير من المتابعين وكعادته اختار المهرجان عدد من الوجوه النقابية الفاعلة على الساحة الفنية من مدينة اللاذقية، ولهذا العام اختار تكريم أربع من الوجوه البارزة في مجال العمل الفني وهم الموسيقي "أحمد مز"، والمطرب "مصطفى يوزباشي"، ومدير مهرجان المونودراما المسرحي العربي في اللاذقية "ياسر دريباتي"، والممثل الدرامي "جرجس جبارة" أما حفل الختام فخصص لتكريم من دعم المهرجان وساهم في إنجاحه من أفراد ومؤسسات
الفنان جرجس جبارة تحدث لنا عن نظرته للتكريم قائلاً:«أعتبر أنني لم أصل بعد للمستوى الذي أستحق التكريم عليه فأنا أعتبر نفسي في بداية الطريق ،واانظر للتكريم على أنه عربون تقدير ووفاء »
وعلى خلاف ما أعلن في برنامج المهرجان تم تقديم ست عروض مسرحية كانت من سورية ولبنان وليبيا، إذ تغيب العرض العراقي "ارتحال زمن الصمت" والذي كان من المفترض أن تقدمه الفرقة التابعة لمديرية الشباب والرياضة في البصرة لأسباب ارتبطت بالأوضاع السياسية والأمنية في العراق، وجاءت المستويات الفنية للعروض متفاوته من عرض لآخر،شأنها شأن اللون الدرامي، في حين لوحظ غياب النقاد عن فعاليات المهرجان.
وعن آلية اختيار العروض قال الفنان "حسين عباس" رئيس فرع نقابة الفنانين في محافظة اللاذقية – مدير المهرجان: «تم انتقاء العروض وفق معيارين أولهما المستوى الفني لهذه العروض إضافة إلى متطلبات الفرق التي ستقدمها بما يتناسب مع قدرات المهرجان المادية، فمن الناحية الفنية كان التوجه تنويع الألوان الدرامية بين العروض السبعة، كي لايأخذ المهرجان لوناً واحداً، وما يميز هذا العام عن سابقة هو أننا استطعنا استقدام ثلاثة عروض من دول عربية مختلفة هي لبنان والعراق وليبيا»
بينما قال "أنس اسماعيل" عضو اللجنة الإعلامية في المهرجان : "إن التفاوت في العروض هو مشكلة كل المهرجانات، وهو مشكلة للجنة المنظمة كما هو مشكلة للجمهور، فمن البديهي في أي مهرجان، سواء كان سينما أم مسرح أم شعر، أن تتفاوت العروض، ولكني أفترض وجود لجنة شاهدت العروض عن طريق CD، مع الأخذ بعين الإعتبار أن العرض يتغير على أرض الواقع. الأمر الذي يساعد في أن ينضج المهرجان سنة بعد أخرى، وعلى كل حال فالتقدم سريع لدى اللجنة المنظمة في هذا المجال».
وعزا كل من "عباس" و"اسماعيل" تفاوت العروض إلى المشكلة الإنتاجية، وبشكل خاص الناحية المالية حيث يتطلب استقدام عروض ناجحة أن يستكمل كل متطلبات الإنتاج، فبعض العروض كانت تحتاج إلى ضعف عدد الممثلين على الخشبة، عدا عن متطلبات الديكور وباقي المستلزمات، ولذلك يتدنى مستوى العرض عن ما يمكن أن يكون عليه، إضافة إلى أنه تم استبعاد استقدام عروض ذات أعباء مالية كبيرة.
الجمهور والكواليس
كعادتها مسارح اللاذقية تحقق حضوراً جماهيرياً جيداً وقد نجح المهرجان في تحقيق حضور تراوح مابين 200 و500 من يوم لآخر، إلا أن جمهور اللاذقية ليس بجمهور مسرحي بامتياز فعلى المدرجات يتواجد الناقد والصحفي والمتابع ، كما يتواجد الأطفال وبعض الفضوليين والساخرين الذين يسيؤون للعرض وهم بطبيعة الحال ليسوا على درجة من الوعي الذهني لتقبل مستويات معقدة من العمل المسرحي.
وقد علق "أنس اسماعيل" على وجود الأطفال في المسرح قائلاً: «يجب أن توجد ضوابط تمنع دخول من هم غير قادرين على حضور واستيعاب العرض المسرحي، كالضوابط التي تحدد عمر من يحق له حضور هذا العرض، إذ من الممكن أن يكون الضرر متبادلاً، فمن غير المفيد أن يستمع طفل رضيع إلى صراخ أو موسيقا مرعبة، كما أن الضجة التي صدرت عن بعض الفتية أو الفضوليين ممن حضروا فعاليات المهرجان أساءت إلى العرض المسرحي ذاته»
وفي اليوم الافتتاحي أعيد عرض العمل المسرحي "نيغاتيف" الذي سبق وأن تم تقديمه قبل قرابة شهر من تاريخ المهرجان في الصالة ذاتها، وهو عرض للإتحاد الوطني لطلبة سورية فرع معاهد اللاذقية، نص وإخراج "نضال سيجري" ومن بطولة "رغداء جديد"، بسام جنيد"، "نجاة محمد"، "مصطفى جانودي"، "الحسن يوسف"، "هبة ديب"، "هاشم غزال"
ويروي العرض ملابسات إجتماع مجموعة من الأفراد ورغبتهم في التقاط صورة جماعية، وبتحريض من شخص متمرد بينهم؛ بدأ المجمتمعون واحد تلو الآخر يبوحون بما في صدرهم للباقين، ويتضح لاحقاً أن هؤلاء الأفراد جميعاً بما فيهم المصور مرضى في مستشفى للأمراض العصبية.
في هذا العرض وجد الحضور صعوبة إدراك خيوط العمل، إضافة إلى أن عنوان العرض لا يساعد على فهمه، فالمجموعة على المسرح ظهرت كما ولو أنهم عائلة واحدة، ثم بدأ يتضح لاحقاً أن كل منهم كان له حياته الخاصة، قبل أن يعرف الحضور أن كل ما يجري هو ضمن إحدى غرف المستشفى وأن المصور واحد من المرضى. وبما أن لكل عرض مقولة يتحدث عنها الجمهور فإن مقولة هذا العرض في نظر الجمهور كانت أنه ليس كل ما نراه يمكن أن يكون حقيقة.
في اليوم الثاني قدمت فرقة مسرح "التكوين" من دمشق العرض المسرحي "مثل الكذب" نص وإخراج "عدنان أزروني" تمثيل "لمى حكيم"، "أديب الصفدي"، ويقوم العرض على المفارقات التي يخلقها إلتقاء حضارتين في منزل واحد، من خلال وجود سائح أجنبي اجتذبته بائعة هوى إلى منزلها في دمشق، فأقام عندها لمدة قبل أن يقع في هواها، ويتزوجها. ينتج عن ذلك اللقاء كشف لكثير من العيوب الكامنة في الثقافة المحلية.
النص -كما عرُف- هو الخطوة الثانية من مشرع ارتجالي للفرقة، أي أن الفرقة لم تأخذ نصاً جاهزاً وتعمل عليه بل أنها درست فكرة وقررت أن تطورها لتبني عليها عملاً مسرحياً، هذا ما يفسر بعض الأخطاء التي وقع فيها العمل ولا ينفي ذلك أن العمل الإخراجي كان ناجحاً إضافة إلى إبداع الممثلين وحرفيه باقي طاقم العمل حيث نجحوا مجتمعين في رفع النص والإرتقاء بالقيمة الفكرية للعمل ككل، ويلاحظ المشاهد أن روح الحداثة المتجلية في سرعة الأداء واللعب على اللغة والموسيقى والذكاء في استخدام الفيديو عوامل لعبت جميعاً دوراً في شد انتباه الجمهور وامتاعه بشكل فاق باقي الأعمال المقدمة في المهرجان، وقد علق أحد المسرحيين على ذلك قائلاً: «إن جيلاً شاباً يعمل بنفس حدااثي بدأ يفرض نفسه على الساحة مستفيداً من الطفرة الفنية التي تعيشها العاصمة السورية دمشق، ومن اتساع رقعة الجمهور المهتم بهذا النوع من المسرح»
في اليوم الثالث قدم العرض اللبناني "نزهه في ميدان المعركة" من اخراج "قاسم استنبولي"، تمثيل "قاسم استنبولي" محمد صديق" عفاف قوتلي"، "مصطفى ريشوني" وقد تم التنويه إلى أن الفرقة اعتادت أن تقدم العرض في الهواء الطلق، لكن استثنائياً تم اعتماد مسرح دار الثقافة لتقديمه أسوة بباقي العروض.
يروي العمل مشاهدات والدين ذهبا لزيارة ابنهما الشاب الذي اعتقد أن واجبه في التواجد على أرض المعركة، النص للكاتب الإسباني "فرناندو أرابال" وهو من المدرسة العبثية لكن معالجة العمل لم ترتقي للحاضرين فلم ينجح النص بصيغته المطروحة، وكان مشتتاً وبسيطاً، في حين لم تنجح شاشة العرض التي استخدمتها الفرقة للمرة الأولى بأن تحل محل الديكور الغائب أو أن تملأ نقصاً شعر به كل من حضر.
في اليوم الرابع قدم العرض المسرحي "شيطان بذاكرة ملاك" تأليف "جواد الشوفي" وإخراج "رفعت الهادي"ت مثيل "رندا الشماس"قدمته فرقة "حكايا" المسرحية، ويعرض صوراً للشر الذي يخلقه البشر وعلاقة الشيطان به من خلال رؤى فلسفية خاصة بالمؤلف.
لم يكن العرض واضحاً بما فيه الكفاية، وكان من الواضح أن الممثلين هم اللذان تصدا للنص وإضطرا لأن يلعبا أكثر من دور، دون أن يقنع أحدهما الحضور وذلك بفصل الشخصيات عن بعضها، فيما تشابكت المقولات على الجمهور الذي كان معترضاً على كثير مما شاهده.
وتميز - العرض الليبي "موت رجل تافه" عن نص "الجرافات لاتعرف الحزن" للمؤلف "قاسم مطرود" من إخراج وليد العبد وتمثيل "أحمد العيساوي"- بمحورين رئيسين أولهما الأداء المونودرامي المتقن الذي قدمه الممثل أحمد العيساوي والذي تكامل مع كل من "توفيق الفيتوري"، وسيم برويص" بأداء إيحائي مبدع أضاف للعمل الكثير فلعبت تلك الشخصيتان دور كل ما يمكن أن يحيط بالإنسان من مؤثرات خارجية، المطر والرياح والبشر والحيوانات، كما استطاعا تمثيل القيم البشرية من خير وشر وفرح وحزن وغيرها وذلك بالعمل على الموسيقى التصويرية والأداء البصري، بعيداً عن السرد الذي تقع فيه عروض المونودراما أو حتى أي عرض مسرحي، الأمر الذي جعل الجمهور يتفاعل بالتصفيق للعرض الليبي طويلاً، وللعبارة التي قيلت في نهاية العرض " نحن نعرف نمثّل".
في اليوم الأخير قدم عرض "كوميديا الأيام السبعة" لفرقة "كور الزهور المسرحية في سلمية" من تأليف "علي الزيدي"، إخراج "مولود داؤد" تمثيل ماجد الماغوط"، "نبيل جاكيش"، "راتب جعفر"
في العرض دخل رجل على إثنين بائسي الحال مبشراً بتغير حالهم إلى الأفضل، ثم ينقلب موقفه بعد أن يموت كلبه، وحينها يضعهم في أمرته -كعقاب- سبعة أيام دون طعام، يقدم العمل بشكل تقليدي وبأسلوب ساخر، وفيه عمل واضح على السينوغرافيا التي اعتمدت الرمزية، حالها حال المقولات التي يطرحها العمل، لكن ضعف التشويق الدرامي الذي لم يكن محبوكاً جعله أقرب إلى مسرحية مدرسية في كثير من أجزاء العرض.
الجدير بالذكر أن اللاذقية تنظم أربع مهرجانات مسرحية دورية مختلفة، وهي: مهرجان المونودراما المسرحي، ومهرجان الكوميديا المسرحي، مهرجان نقابة الفنيانين المسرحي، ومهرجان المسرح الجامعي، وبعض هذه المهرجانات يأخذ طابعاَ عربياً، وتقدم أحياناً عروض بلغات أخرى، في حين تعتبر المشكلات المادية أكبر هاجس للمنظمين وشبح رئيسي يهددها بالزوال.