قنوات السحر والشعوذة تخاطب مجتمعا عربيا متأزما
أكد الخبير الإعلامي المغربي الدكتور يحيى اليحياوي على أن غياب ثقافة الرقابة التي تحد من الحرية في أرض الواقع لم تعد قادرة على ضبط ما يروج ببعض المواقع الإلكترونية المصنفة ضمن "الإعلام الجديد"،مشيرا الى أن غياب الوسيط الذي يعمل بالصحافة "التقليدية" والذي يقوم بتقييم وتقدير ما ينشر وما لا ينشر، جعل كل من لديه مادة أو رغبة في التواصل من إدراك ذلك بسهولة ويسر.
واعتبر اليحياوي في حوار خص به شبكة "عربيات" أن الوطن العربي بات يمتلك المئات من القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية والآلاف من المواقع على الشبكة،لكنه غير قادر على توفير معطيات بالإمكان الاعتداد بها، كما عجز عن تطوير محركات بحث ناجحة على الشبكة العنكبوتية، ولم يستطيع توظيف الكفاءات البشرية المتوفرة بهذا الجانب،إضافة إلى انه لم يمتط ناصية اللغة العربية كثيرا لترويج المادة الإعلامية بالشبكات الكبرى".
وقال الخبير الإعلامي المغربي إن إنتاج المعلومة ورواجها واستهلاكها داخل البلدان العربية لا تزال خاضعة لتصورات سياسية واعتبارات أمنية تحد من نجاحها ومن مجال انتشارها، موضحاً أن المعلومة والمعرفة لا تزالان أداة من أدوات الحكم في العديد من الدول العربية..
وتطرق اليحياوي في الحوار إلى قنوات الشعوذة والسحر والتبشير بالغيب وغيرها باعتبارها تراهن على طبيعة المجتمع العربي الذي ما يزال جزء كبير منه يؤمن بالخرافة وحسن الطالع والحظ والانتهازية ، مضيفا أنها قنوات تخاطب خيالا مجتمعيا عربيا متأزما ومستلبا، متطلعا في ختام الحوار إلى الخروج من واقع حاله المتردي عبر الارتباط بقشة ما حتى وإن كان يعلم أنها غير حقيقية في معظمها.
يتم الحديث في السنوات الأخيرة عن "الإعلام الجديد" وتفوقه أحيان كثيرة على ما يمكن تسميته بالإعلام التقليدي، هل تتفضل أولا بتعريف مفيد للإعلام الجديد،وما هي برأيك العوامل الرئيسة التي أفضت إلى هذا "التفوق"؟
لست من الذين يستحبون كثيرا التسميات من قبيل "الاقتصاد الجديد" أو "التنمية المستدامة" أو "الرأسمالية الشعبية" أو "الإعلام الجديد" وما سواها، ولم تستهوني يوما أطروحة النهايات على شاكلة "نهاية التاريخ" أو "نهاية الجغرافيا" أو "موت الصحافة" و غيرها، فهي تعبيرات انطباعية واختزالية، ومن باب الموضة أيضا،وغير قادرة على قراءة الظواهر في سياقها العام بصورة تنقلها إلى المعاني الصرفة المفيدة للتحليل.
عبارة "الإعلام الجديد" التي شاعت من مدة غير بعيدة هي من تلك التسميات التي ترى أن الإعلام التقليدي بروافده المختلفة المكتوبة والمسموعة والمرئية قد انتقل إلى مرحلة جديدة من مراحل تطوره، بحكم الطفرة التكنولوجية التي طاولت ميادين الإعلام والمعلومات والاتصال وانفجار الشبكات الرقمية؛ وفي مقدمتها شبكة الإنترنت، وأيضا انفجار القنوات الفضائية التي تُبث عبر الأقمار الصناعية أو تكنولوجيا كوابل الألياف البصرية والملتقطة بالحواسيب؛ و الهواتف النقالة، و سواها. هذه هي خلفية التسمية فيما يبدو لي.
صحيح أن العديد من المنابر الإعلامية "التقليدية" سيما الورقية منها قد انتقلت من الطبعة المعتادة إلى صيغ جديدة من خلال التواجد على الإنترنت، بل منها من ألغى الصيغة الورقية جملة وتفصيلا، كما الحال مع "كريستيان ساينس مونيتور". وصحيح أن الشبكات الإلكترونية قد مكنت المنابر الإعلامية من توسيع مجال انتشارها ورواجها، وصحيح أن ذلك قد مكنها من تخفيض التكاليف المرتبطة بطابعها التاريخي المعروف، وصحيح أيضا أن الشبكات الرقمية تجاوزت الصيغ "التقليدية" بفضل مرونة الأولى وآنيتها ويسر امتطاء ناصيتها وسهولة تفاعلها مع المتلقي.. وهكذا.
هذه أمور صحيحة إلى حد ما، فالتواجد على شبكة الإنترنت مثلا لا يتطلب من أي مشروع إعلامي استثمارات ضخمة ولا تجديدا في الآليات ولا طاقما موسعا في الصحفيين ولا رتابة في تحديد المعلومات ولا إمكانات لوجيستية وإدارية وبشرية وما سواها، وهي صحيحة أيضا بالقياس إلى انحسار مد المنابر التقليدية في ضمان "ثقافة القرب والتفاعلية" مع متلقي تطورت حاجاته، وبات محكوما بزمن السرعة والمعلومة الآنية والموقع المتيح لسبل الرد والتعليق.
هذه كلها مزايا ضمنت للإعلام الجديد ـ المقتني للشبكات الرقمية ـ نسبة متقدمة من التفوق على المنابر التقليدية.
ومع ذلك، فأنا أزعم بأنه لو قسنا المسألة من زاوية الرسالة الإعلامية، فإن التمييز بين القديم والجديد ليس له معنى كبير، بمعنى أنه لو فصلنا الرسالة عن حاملها لما كان ثمة حاجة لذات التمييز بالمرة. الاختلاف هو اختلاف الحامل مع احتفاظ الرسالة بوظيفتها ودورها ومكانتها.
وسواء كان الحامل صحيفة أو محطة إذاعية أو قناة تلفزيونية أو موقعا على الشبكة، فإن الرسالة تبقى نفسها لا تتغير، اللهم إلا في سرعة الوصول للمتلقي وبعض من التفاعلية التي تضمنها التقنيات الجديدة في الإعلام والمعلومات والاتصال، ولا تمكنها المنابر الأخرى إلا بصيغ نسبية متأخرة في التوقيت عموما.
بالتالي أنا لا أستحب كثيرا هذا الطرح المبني على التقاطب بين القديم والجديد، على الأقل من زاوية أن تاريخ التقنيات هو تاريخ تراكمي وتكاملي ولا يلغي السابق فيه اللاحق.
هل يمكن اعتبار الإعلام الجديد إعلاما يخدم "عولمة" المشروعات الاقتصادية، سواء كانت اتصالية أو تسويقية وغيرها؟
إعلام القرن العشرين وبداية هذا القرن كان ولا يزال إعلام مجموعات وشبكات إعلامية ووكالات أنباء عالمية وبنوك لمعطيات معلوماتية، غالبا ما تتحكم فيها الشركات المتعددة الجنسيات الغربية. وهذه ملاحظة يسهل التأكد منها على مستوى الصحافة المكتوبة، وأيضا على مستوى الشبكات التلفزيونية العالمية التي غالبا ما تكون خلف إنتاج المعلومات والأخبار المتداولة عبر العالم وحول مجمل قضايا العالم بمراسليها ووكالاتها وقدرتها على تغطية كل بقاع الكون.
قد نسلم بأن الأمر قد خف نسبيا في ظل تواجد الشبكات الإلكترونية، والتجاوز النسبي على احتكار وكالات الأنباء العالمية للمعلومة والخبر، وتراجع مد الشبكات التلفزيونية العالمية بحكم بروز شبكات تلفزيونية موازية وإن كانت بإمكانات محدودة .
بالمقابل، انتقل ذات الاحتكار إلى الشبكات، فباتت محركات البحث مثل غوغل مثلا أو ياهو أو ألتافيستا ..الخ ، متحكمة فيما يروج من معلومات وأخبار وصور، الحي منها كما القار، وبات بإمكانها تزويد وكالات الأنباء بالأخبار، بل إن العديد من الصحفيين اتخذوا من مواد المحركات مصدرا للأخبار والتثقيف والترفيه.
بالتالي، تحولت هذه المحركات إلى حوامل "جديدة" حقيقية لتمرير إعلان الشركات الكبرى والترويج لإشهارها بعدما تأكد لذات الشركات أن "الإعلام التقليدي" لا يفي بالغرض أو لا يفي به إلا جزئيا، أو لا يعطي لهذه الشركات فكرة عمن يطّلع على موادها أو خدماتها أو سلعها. الشبكات الرقمية بهذه الزاوية تبدو أكثر فاعلية من الصحافة المكتوبة التي قد لا يبلغ الإعلان من خلالها إلا نسبا محدودة من المتلقين أو من صحافة لا يسمعها إلا جمهور قليل ومتراجع، أو من تلفزيون تتزايد به تكاليف وأسعار الإعلان وهكذا.
بالمحصلة وللرد على سؤالك مباشرة، أقول: إن شبكات "الإعلام الجديد" معولمة بطبعها وطابعها وتسهم بذلك في عولمة الإعلان الاتصالي والتسويقي، وتمكّن من إعادة الصدى بسرعة متقدمة قياسا إلى المنابر "التقليدية".
لا شك أن لهذا الإعلام الجديد حواجز أو مشاكل تعترض طريقه أو تخلَق بسببه، ومنها جرائم الانترنت ومشاكل الخصوصية وإظهار المعلومات، هل هذه المشاكل تحد من فعالية الإعلام الجديد، أم أنها مرافقة له ولا تحجم من تطوره؟
كل مستجد تكنولوجي غالبا ما يحمل في بطنه نقائضه وعناصر تجاوزاته،وهذه أمور بالإمكان ملاحظتها مع ظهور ورواج الكتاب، ثم الصحيفة، ثم الإذاعة، ثم التلفزة، ثم الشبكات الرقمية الواسعة الانتشار اليوم. العيب هنا قد يكون في الاستخدام والاستعمال، لكنه متأت أيضا من قدرة هذه المستجدات على اختراق المنظومات القانونية والتشريعات، وتحويل هذه الأخيرة إلى عنصر تابع لا متبوع،بمعنى تقنين الموجود، لا استباق التجاوزات التي قد يفرزها.
أتصور أن انتقال العديد من المنابر للصيغة الإلكترونية، بشكل كلي أو جزئي يطرح إشكالات كبرى تتعلق بالملكية الفكرية وحقوق المؤلف وأخلاقيات المهنة وما سوى ذلك، وهي أمور لم تحسم على الرغم من مؤتمري القمة العالمية لمجتمع الإعلام بجنيف ثم بتونس بداية هذا القرن.
هي قضايا لا تزال مطروحة ،خاصة عندما يتعلق الأمر بالفضاء الافتراضي حيث سبل التجاوز على القانون.، فما بالك بالأخلاق أو القيم واردة ومسوغ لها في بعض الأحيان.
إن الشبكات الرقمية في ظل شبكة الإنترنت الحالية وجيل الويب الثاني تحديدا، هي شبكات مفتوحة بإمكان المرء أن يتقوقع بين ظهرانيها حيثما شاء دونما سبل كبيرة إلى مراقبة ما يمرر أو ممارسة الرقابة على ما يسعى إلى تداوله. هي شبكات افتراضية قد لا يعرف صاحب الرسالة صورة أو هوية المتلقي، لكنه قد يبقى باتصال معه لزمن طويل.
ثمة أطروحات، مروجة هنا وهناك تعتبر أن الشبكة استنبتت بسياق حرية وتحرر، والمفروض أن تبقى كذلك دونما قيود أو حواجز، وأن ما يقوم من بين أضلعها مما قد يكون تجاوزات لن يلبث أن يتمثل قيم الشبكة ومبدأ الحرية القائمة عليه. وثمة، على النقيض من ذلك، أطروحة ترى أن المطلوب هو تقنين الشبكة وإخضاعها للحد الأدنى من الرقابة والمراقبة، على الأقل من زاوية أنها تمرر لمعطيات تطاول القيم والأخلاق المعتمدة.
هذه إشكالية ضخمة وحقيقة؛ إشكالية الحسم في مسألة: هل المفروض تقنين الشبكة وتنظيم قواعد اللعبة من داخلها، أم الاكتفاء بضمان الحد الأدنى من التقنين، وهذا موضوع أعمل عليه منذ ثلاث سنوات، وسأنشر نتائجه بأواخر العام 2010 إن شاء الله.
عرفت مواقع مثل "فيس بوك" و"تويتر" و"يوتيوب" والتي على شاكلتها نجاحات جماهيرية باهرة عبر العالم، فما هي أسباب نجاح مثل هذه المواقع؟
أتصور أن السر في ذلك كامن في الطبيعة الجماهيرية لهذه المواقع، إذ بإمكان كل من لديه مادة أو صورة أو معطى أن يتحصل على حساب مجاني يمكنه من ذات العمليات دونما مراقبة من سلطة أو من رقابة رقيب. ثم هناك خاصية أخرى؛ خاصية قدرة هذه المواقع على ضمان رجع الصدى سيما بالنسبة للقضايا العامة، وهذا ربما هو السبب الذي يجعل الكثير من السياسيين يفتحوا لهم بها حسابات.
من ناحية أخرى فهذه المواقع من شأنها تمكين المستخدم من أن يكون منتج المادة ومستهلكها بالآن ذاته، مسهماً بذلك في تقويض أطروحة التمييز بين المستويين, مستوى الإنتاج ومستوى الاستهلاك.
أضف إلى ذلك، قدرة هذه المواقع على الشيوع بإطار كومة ثلج، فقد احتاجت الإذاعة لما يناهز أربعة عقود ليصل عدد مستمعيها إلى خمسين مليون، في حين لم يتعد إدراك هذا الرقم مع الفايس بوك إلا أقل من عامين.
إلى جانب ذلك، يبدو أن ذات المواقع بات لها بعض من النفوذ كقوة ضغط، فتمرير صور حية على هذا التجاوز أو ذاك، وعن هذه الفضيحة أو تلك عبر المواقع التي أشرت لها غالبا ما يؤثر على أصحاب القرار ويدفعهم للتجاوب مع المواد المروجة.
لذا أعتقد أن غياب ثقافة الرقابة التي تحد من الحرية بأرض الواقع لم تعد قادرة على ضبط ما يروج بهذه المواقع لدرجة اعتبار البعض لها بكونها الفضاء العام "الجديد". ثم إن غياب التراتبية وغياب الوسيط الذي يعمل بالصحافة "التقليدية" مثلا على تقييم وتقدير ما ينشر وما لا ينشر، هذا الغياب جعل كل من لديه مادة أو رغبة في التواصل من إدراك ذلك بسهولة ويسر.
كيف يمكن تقييم إنتاج وتوزيع واستهلاك المعلومات والمعرفة في الوطن العربي ؟ وما هي المكانة التي تحتلها في البلدان العربية عموما؟
هذا سؤال واسع للغاية ويحيلنا إلى إشكالات متعددة، ولا يمكن بالتالي ملامسته في حوار كهذا. ومع ذلك، أستطيع أن أقول بأن الثورة في ميدان تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والاتصال قد مكنت من التجاوز على مرحلة الندرة التي كانت تطبع فترات الستينات أو السبعينات من القرن الماضي. لقد بات للوطن العربي المئات من القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية والآلاف من المواقع على الشبكة، وقس على ذلك من خلال هذه الزاوية، زاوية الحامل أو البنية التحتية أو الرافعة المادية، يمكننا القول بأن ثمة طفرة حقيقية في الارتباط بالشبكات الجديدة من لدن معظم أقطار الوطن العربي.
لكن من زاوية الإنتاج، نلاحظ أن العالم العربي لا يتوفر على بنوك معطيات بالإمكان الاعتداد بها، ولم يطور محركات بحث ناجحة بشبكة الإنترنت ولم يوظف بقوة الكفاءات البشرية المتوفرة بهذا الجانب، ولم يمتط ناصية اللغة العربية كثيرا لترويج المادة الإعلامية بالشبكات الكبرى. أنا أتساءل هنا: كم نصيب العرب من الخمسمائة مليار صفحة من الصفحات الموجودة بالإنترنت؟
المفارقة أنه في ظل انفتاح السماوات وانتشار مدى الشبكات، نلاحظ أنه لا تزال ثمة تضييق على مستوى بلوغ المعلومات، والنفاذ إلى المعطيات المحلية أو الوطنية، بل وتراجعت الحريات الإعلامية بقوة. ولك أن ترى وضعية هذه الحريات في التقارير الدولية الأخيرة سيما تقرير منظمة "فريدوم هاوس". معنى هذا أن إنتاج المعلومة ورواجها واستهلاكها لا تزال خاضعة لتصورات سياسية واعتبارات أمنية يحد من نجاحها ومن مجال انتشارها.
ثم يبدو لي أن المعلومة والمعرفة لا تزالان أداة من أدوات الحكم في العديد من الدول العربية وأن الأمية من تلك الأدوات، وإلا فما السر في نسب الأمية المرتفعة بالوطن العربي في زمن شاعت فيه المعرفة وتجاوز الدول على مفاهيم الأمية الأبجدية والكتابية؟ هذه أمور تحدثت فيها في أكثر من مناسبة ولا مجال للتفصيل فيها هنا وهي موجودة بموقعي الخاص على الإنترنت.
هناك برامج تختص بالشعوذة حيث يتم استقدام مشعوذ ليتحدث مع متصلين لقضاء حوائجهم وإخبارهم بالغيب عن طريق قراءة الفنجان والطالع ،كيف تفسر بروز مثل هذه الفضائيات العربية والبرامج في زمن التقنية والمعرفة والعلم؟
ثورة تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والاتصال وفرت الإناء والأداة، فبات كل من لديه بعض من المال أو الجاه أو السلطة، ناهيك عمن لديه مشروع استثماري أو تجاري، بات بمقدوره إنشاء قناة تلفزيونية أو إقامة محطة إذاعية أو ما سوى ذلك، العيب هنا ليس في الأداة، ولكن العيب في التوظيف والاستعمال.
بهذا السياق ظهرت هذه القنوات، قنوات الشعوذة والسحر والتبشير بالغيب وغيرها. وهي قنوات تراهن على طبيعة المجتمع العربي الذي لا يزال في جزء كبير منه يؤمن بالخرافة وحسن الطالع والحظ والانتهازية وغيرها، إنها قنوات تخاطب خيالا جمعيا ومتأزما ومستلبا ومقموعا إلى حد بعيد ويتطلع للخروج من واقع حاله المتردي عبر الارتباط بقشة ما حتى وإن كان يعلم أنها غير حقيقية في معظمها. وإلا فقل لي من ذا الذي يصدق قدرة شخص على شفاء سرطان الكبد في مراحله الأخيرة بمجرد لمس المريض أو إعطائه بعض الأعشاب الطبيعية؟ وقل لي من ذا الذي بمقدوره أن ينتقل بشخص من وضعية فقر مزرية إلى وضعية غنى، اللهم إلا إذا كان ذلك بالتحايل وتحريف وجهة المال العام؟
الغريب في الأمر أن وزارات الإعلام العربية لا تتحدث عن كذا قنوات في اجتماعاتها بقدر تركيزها على القنوات التي تتعرض للحكومات أو للقائمين عليها، وهذا يبين إلى حد ما السر في شيوعها وسهولة تحصيلها على تراخيص البث من لدن وعبر هذا القمر الصناعي "العربي" أو ذاك.
المواطن العربي للأسف ما يزال مشدودا لمثل هذه الفضائيات والبرامج مثل فضائيات "الكليبات" الغنائية التي تعرض جسد المرأة مثل أية سلعة تجارية،إلى أي شيء يعود هذا الإقبال حسب تقديرك؟
الملاحظ أن حالات الاحتقان الداخلية غالبا ما تدفع الجماهير لمشاهدة ما قد يسهم في تخليصهم ولو مؤقتا من ذات الواقع،وبحكم أن الطبيعة لا تقبل الفراغ وبحكم أن المجتمع العربي يمقت الثقافة ويتقزز كثيرا من النبرة الرسمية التي تقدمها قنواته، فإنه يفضل الانتقال إلى قنوات الغناء الهابط والكلام الساقط وهكذا.
أما عن توظيف جسد المرأة كوسيلة إعلانية، فهذا يعود إلى الثقافة الذكورية السائدة بالوطن العربي، والتي توضع المرأة بموجبها في مرتبة دنيا ينحصر دورها في الجنس والأولاد ثم توظيفها كأداة للإعلان. إنها مسألة ثقافية بامتياز، لا يمكن التخلص منها بسهولة،إنها تحتاج إلى ثورة في البنية الذهنية للإنسان العربي وإلى برامج في التثقيف والتوعية.