"خطابات كوهين وصدام والصباح في الصعيد" أجوبة تبحث عن أسئلة
" لا أريد أن أكتب تاريخاً، ولا أريد أن أكتب وثائق لزمن مضى، كل ما أردته هو القيام بتحقيق صحفي عن عالم المخطوطات والوثائق والخطابات في بيوت الصعيد" بهذه الكلمات قدم الباحث والصحفي محمود الدسوقي كتابه كوهين وصدام والصباح في الصعيد، حيث يستعرض من خلال كتابه المكون من 16 فصل خطابات متبادلة بين أهالي الصعيد وتجار اليهود وصدام حسين وعاشق النجمي لأم كلثوم والشيخ جابر الصباح وخطابات الأجانب وراهب عاشق وغيرهم الكثير، جمعهم الباحث في صيغة تحقيق صحفي من خلال رحلة استمرت ثلاث سنوات، وجد فيها من التعب والمشقة ما وجد وذلك لعرضهم في سياق متصل، يفتح لنا الدسوقي من خلال الكتاب نافذة علي عالم الصعيد الثري ويوثق بعد كل فصل صور ضوئية للخطابات لعرضها علي القارئ .
وفي هذه القراءة السريعة للكتاب نلقى الضوء علي أهم ملامح هذا التحقيق الثري، ونبتدئ بالفصل الخاص بالوثيقة الهامة لتحرير العبيد، حيث الدكتور شريف عبد العاطي الذي يقول في مقدمة الفصل "جدي شنقير كان يحرر العبيد وأنا الآن أبحث عن حريتي"، ثم يحكي الدكتور شريف عن جده الذي سكن بخان قرب معبد إسنا ويقول: " كانت هناك أسطورة تقول أن لقية الذهب الفرعونية تظهر نفسها علي ديك، وأن حارس اللقية لن يسمح بإخراج اللقية، إلا حين يقوم جدي شنقير بذبح 5 من العبيد في الخان وهو نصيحة العارفين المغاربة " ورفض الجد شنقير هذه النصيحة، بل وقام بإعتاق العبيد جميعاُ خوفا علي نفسه من الطمع في اللقية، آخرهم عبدة اسمها يزيد المال السودانية أعتقها في عام 1861م، وهي الوثيقة التي لحقت بهذا الفصل من الكتاب.
وننتقل إلي خطابات التجار اليهود وهي مميزة بعض الشيء، فالخطابات لا تظهر حالة الانسلاخ من الأمة المصرية الموحدة بقدر ما تظهر حالة التمازج الكبير بين الاثنين في أمة مصرية متحدة، فهناك خطاب للتاجر ساكس وينلكي يحذر التاجر المسلم من أن يسافر ابن الأخير للعاصمة، لأن هناك تجارب بالغارات الجوية في البلاد ليلا، ثم يطلب ساكس من التاجر المسلم أن يؤجل سفر ابنه، ويقع تاريخ هذا الخطاب لعام 1940، ثم يعود الكتاب مستعرضاً الخطابات الأخرى والتي تختص بالتجارة بين التجار اليهود والمسلمين ومعاملاتهم والحسابات المالية ومواعيد تسليم البضاعة، مما ينم عن الوحدة الوطنية والمعاملات الصادقة القائمة علي المواطنة.
وأما العاشق النجمي لأم كلثوم والذي كان مولع بتقليد التواقيع، وأنه من عشقه لأم كلثوم لجأ إلي حيلة حيث أرسل إليها عن طريق جريدة كوكب الشرق يطلب فيها أن تقوم أم كلثوم بإحياء حفلة زفاف نظير 200 جنيه، ويرجو الرد السريع من أم كلثوم تلغرافيا، ففعلت ثم اعتذر لها وأخبرها بأن احد أفراد العائلة توفى، ثم أرسل لها تهنئة في عيد الفطر وبعدها في عيد الأضحى، ولما أرسلت له تهنئة كرد عليه، رفع بهذه الورقة طلب دعوى في بيت الطاعة، باعتبارها زوجته مما جعل أم كلثوم تقوم بتوكل جميع محاميين قنا وأسوان، فلم يجد من يدافع عنه فلم يذهب للجلسة، وتم رفض الدعوى، لكنه عاد ورفع دعوي أخرى علي أثرها تم حبسه 6 أشهر، توفي خلالها في السجن ليحمل علي الأكتاف لمدة 6 ساعات من السجن وحتى المدافن.
ولم ينس الباحث في رحلته أن يعثر على خطابات تسامح بين قطبي الأمة حيث يتطرق لخطاب أرسله تلميذ مسيحي لمعلمه الفلكي المسلم، وكذلك خطاب بين شاعر مسلم وصديقه المسيحي ويقول الأول في مطلع قصيدته "يا من هو مثل أخي أنا وأنت وهو كلنا أشقاء".
وعن خطاب صدام حسين الذي اخرج المصريين من السجون العراقية، فيحكي العم علي أنه ذهب للعراق، ورسم صدام في رسمه مستوحاة للقديس ماري جرجس، حيث رسم صدام مكان ماري جرجس في الأيقونة المعروفة، وهو يمتطي فرسه وفي يده الرمح وعلم العراق وبسن الرمح يقتل التنين الذي رسمه الخوميني حاكم إيران آنذاك، فلاقت اللوحة إعجاب صدام، وعلقت علي البوابة الأمامية في محافظة صلاح الدين تكريت، فأرسل صدام خطاب شخصي مكتوب فيه: "نشكركم علي مشاعركم القومية التي أعربتم فيها من خلال نتاجكم الفني، ووفقنا الله وإياكم لما فيه خير امتنا العربية" مع شيك بقيمة 11 ألف دينار عراقي، ويشير العم علي بأن هذا الخطاب كان وراء خروج المصريين من السجون العراقية حيث اعتبروه العراقيين عراقي.
وبنظرة عامة علي الكتاب فقد حصره كاتبه بالرغم من ثرائه علي كوهين وصدام حسين وهذا ما أوقع الكتاب في خطأ حينما عرض اسم الكتاب في غلافه الخارجي "كوهين وصدام حسين"، بينما في أول صفحة داخليه حمل اسم "كوهين وصدام والصباح في الصعيد" وهو الاسم الذي لازم كل صفحات الكتاب، ويأخذ علي الكتاب عدم وجود علامات ترقيم ولا فواصل بين الفقرات كذلك كثرة الأخطاء الإملائية.
يقول محققه الكاتب محمود الدسوقي عنه: "حاولت أن أقدم الصعيد الكتابي المدون، فالمؤسسين لثقافة الصعيد قدموا الصعيد السمعي اللساني، فالابنودي وهو قامة كبيرة قال لنا أنه جمع الكثير من المواويل والأشعار المصرية علي لسان الأميين والجهلة، لكن ما جمعته هو أقدم من الذين جلس معهم الابنودي فلماذا توارى عن الصعيد الكتابي".
ويضيف الدسوقي عن فكرة الكتاب قائلا: "في البداية كنت أسأل نفسي أسئلة لا أجد لها إجابة، منها هل هناك خطابات رصدت حقبة معينة في التاريخ المصري في الصعيد؟، وهذا ما جعلني أصل إلي هذه الخطابات".
وعن صعوبة الحصول علي تلك الخطابات يضيف قائلا" بعض الناس كانت تعتقد أن هذه الخطابات أثرية وأنها قد تباع "بشيء وشويات" فكان عليك أن تقول له أعطني صورة منه، أو تخبره بأنك سوف تجد له مشتري، فكنت افعل ذلك مع عالم الآثار الشعبي حيث طلبت منه صور لبعض الخطابات بغية الحصول على مشتري ثم بعد ذلك أقول له فشل البيع لكن عليك أن تقتنصه وتحتفظ به".