المدون السعودي طراد الأسمري يسعى إلى معالجة الفقر بـ"فكرة"
خير الأعمال هي التي تتجرد من الغايات والمكاسب الشخصية، ولذلك يبدو أن المدون السعودي طراد الأسمري قد حصل على توقيع الجمهور على جائزة "البوبز" العالمية التي حصدها بتصويتهم في المسابقة التي تعد الأكبر من نوعها للمدونات المكتوبة أو تلك التي تستخدم التسجيل الصوتي والمرئي. "عربيات" التقت الأسمري الذي أكد أن حلمه الأخضر يتجاوز الحصول على جائزة إلى السعي لمعالجة حقيقية وواقعية لمشكلة الفقر، وبينما افتتح في مدونته زاوية للكشف عن من يبيع وطنه بممارساته الخاطئة أوضح أن هناك من يشتريه، مشدداً على أن بين جلد الذات وتحقيرها "خط رفيع" لايجب تجاوزه.
ماذا تعني لك جائزة البوبز العالمية فئة مراسلون بلا حدود؟
من المؤكد أنها تعد حافزاً معنوياً لكنها ليست الغاية ولا الهدف، فللعمل الإعلامي أهداف أسمي وأكبر من أن تتوقف عند حدود الجائزة.
قمت بإهداء التقرير المصور "راتبي ألف ريال" لرئيس هيئة حقوق الإنسان فهل كان لهذه الهدية الأثر الذي تمنيته؟
بالفعل قدمته كهدية لرئيس لجنة حقوق الإنسان تركي السديري آنذاك والذي صرح بأن حالات الفقر محدودة وتنحصرعلى مناطق معزولة وقلت له من خلال التقرير بأن الفقر في كل مكان ولا بد من نظرة أكثر إنصافا للفقراء، أما عن رد الفعل المباشر فأقول لم يتواصل معي أحد من المسئولين بهذا الخصوص ولم أكن أنتظر ذلك فالأهم هو أن الرسالة الإعلامية قد وصلت وبإعتقادي ردود الأفعال المستمرة أجدى من ردة الفعل المباشرة، كما أنه كان من الملاحظ إهتمام عدد من الكتاب والمدونين بالتقرير الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات، ولقد لمست تحولاً في التعامل مع الفقر بعد طرح "راتبي ألف ريال". أتصور أن هذه الأصداء نتجت عن إتجاه الطرح إلى التعمق في مناقشة قضية الفقر، فالتقرير المصور طرح تساؤلا عن مفهوم الفقير وعن الموظف الذي قد يجد نفسه تحت خط الفقر بالرغم من أنه يحتمي بسقف الوظيفة، وأنا عندما تناولت الفقر لم أكن بعيداً عنه بل إن حرصي على تصويره تقف وراءه حياة عشتها وبطالة عانيت منها لذلك كنت أملك رؤية شخصية وتجربة واقعية لا تمثلني فحسب بل تمثل كذلك بعض الأفراد من جيلي وجيراني وأقاربي.
التقرير المصور لتشخيص المشكلة، والعلاج يبدأ بفكرة
لماذا توقفت عن إعداد هذه التقارير المصورة؟
المشاريع إن شاء الله قادمة بالرغم من أنني لست متخصصا في الإنتاج التلفزيوني أو الإنتاج الإعلامي، فالفيلم يعتبر تشخيص للحالة بصورة بسيطة والسعي فيما بعد لإيجاد الحلول، والفقر أولاً وأخيراً ليس مجرد مشكلة اقتصادية بل هو خليط من المشاكل الاجتماعية والسياسية والدينية التي قد نتمكن من معالجتها عندما نقف على مسبباتها بشكل صحيح، ولقد طرحت من خلال المدونة المبادرة الوطنية للتكافل الفكري ضد الفقر "فكرة" والتي تهدف إلى تسخير الأفكار التقنية والمشاريع الاجتماعية والإبتكار لإيجاد حلول، منها على سبيل المثال ما يكفل للمواطن التأمين الصحي، وكذلك البحث عن مشاركين من القطاع الحكومي أو الخاص للمشاركة الاجتماعية، فالهم مشترك ولا نستطيع إلقاء المسؤولية على وزارة العمل أو وزارة الشئون الاجتماعية عند طرح مشكلة البطالة أو الفقر لأن الهم مشترك والمسؤولية مشتركة كذلك.
المشروع يعتمد على "فكرة"، ما أبرز النتائج التي حققتها؟
أنا أؤمن بقاعدة تقول "العقل أساس كل فعل والفكر أساس كل عمل" فالشعوب تعيش بأفكارها، وحينما توجد الفكرة الخلاقة سيكون من السهل تطبيقها خاصة وأننا من الدول التي لا ينقصها مال وإنما أفكار، ونحن الآن بصدد البحث عن جهة تتبنى أفكارنا ليتم تفعيل المبادرة من خلالها، فالفكرة جاهزة من النواحي التقنية والفنية ولا أهدف من خلالها إلى الربحية، ولكن أتطلع إلى أن يكون دور الجهة التي سترعاها تكريم الأشخاص المبادرين من باب مسؤوليتها الاجتماعية.
الجمعيات الخيرية بحاجة إلى برامج تنموية
ألا تعتقد أن بعض الأفراد الذين يعيشون تحت حد الفقر يتحملون جزء من مسؤولية تردي أحوالهم المادية خاصة مع كثرة الإنجاب؟ وهل ترى أننا بحاجة إلى ثقافة فكرية واجتماعية للموازنة بين الإحتياجات والإمكانيات؟
المال والبنون زينة الحياة الدنيا، ولايجب أن يلام الفقير على كثرة الأولاد فإن افتقد المال على الأقل من حقه أن يكسب البنون، وأعتقد أن المسألة معقدة تتطلب نظرة شاملة بعيدة عن السطحية، فعصب المشكلة يكمن في التعليم والصحة، لذلك أطالب بوجود غطاء تأميني كامل للمواطن السعودي للحفاظ على صحته، وكذلك غطاء تعليمي، فالطالب على سبيل المثال يتخرج من الجامعة دون أن يملك أدوات أساسية كاللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى أن معظم الأقسام نظرية أو لم يعد يستوعبها سوق العمل. أتمنى أن يخرج حل لمشكلة الفقر بالشراكة بين التعليم والصحة والقطاع الخاص، فحتى القطاع الخاص أدرج مساهماته ضمن المسؤولية الاجتماعية على إدارة العلاقات العامة والإعلام من باب الدعاية والإعلان، بينما لابد من عمل حقيقي لعلاج المشكلة إيماناً بحلها وليس رغبة في ظهور إعلامي أو حلول وإعانات مؤقتة. فقد جاء للرسول رجل فقير يطلب صدقة، فسأله عليه الصلاة والسلام عن ما يملك في بيته وطلب منه إحضاره وبعد أن قام ببيعه في المزاد سلمه درهمين أحدهما ليشتري به طعاما والأخر ليشتري به فأس وقال له احتطب، حتى يتحول إلى شخص منتج وهذا ما نطالب به الجمعيات الخيرية، ففي المملكة أكثر من 600 جمعية لا تقدم مايكفي لحل مشكلة الفقر وعوضاً عن ذلك قد تروج للإتكالية مالم تتحول إلى جمعيات تنموية لها برامج وأهداف واضحة تسهم في تنمية الأفراد وتعلن برامجها وتنشرها من باب المنافسة.
الإنتقاد لايجب أن يتجاوز جلد الذات إلى تحقيرها
في مدونتك خصصت زاوية بعنوان "وطن للبيع"، ماهي فكرتها؟
إعتدنا على توجيه اللوم للقطاع الحكومي والخاص ولكن في الواقع بعض المشاكل تنتج أحياناً عن الأفراد وممارساتهم التي قد تسهم في تعميق المشاكل التي نعاني منها، من هنا جائت فكرة زاوية "وطن للبيع" والتي تتعرض لفئة تتاجر من وجهة نظري بوطنها لتتفاقم مشاكل الفقر والبطالة، فنجد من يبحث على شراء وظيفة أو التلاعب للحصول على تأشيرات وغير ذلك من الممارسات المخالفة بغرض تحقيق الأهداف.
في "وطن للبيع" قمت بتسليط الضوء على ممارسات خاطئة لبعض أفراد المجتمع، بينما هاجمت حملة الرحمة التي كشفت عن سلوكيات سلبية لبعض الأفراد في التعامل مع الخدم، فماهو الفارق بين ما قمت به وبين حملة الرحمة؟
أؤمن بأنه لا يجب أن يكون هناك إفراط ولا تفريط، وعندما انتقدت حملة الرحمة لم انتقدها وحدي فلقد وجدتها وغيري حملة مُهينة، لأننا عندما نتناول قضية أو مشكلة يفترض أن نتناولها دون أن نتجاوز جلد الذات إلى تحقيرها علناً، ويكفي أن حملة الرحمة صورت تعاملنا مع العمالة ونظرتنا لهم بـ"الكلاب"، بينما كان بوسعها أن تعرض الصورة الحقيقية دون مبالغة أو تسلط الضوء على الجوانب الايجابية بدلاً من رسالة صادمة وجارحة، لذلك لا أعتقد الحملة نجحت أو لاقت القبول من المجتمع.
الجائزة تؤكد أننا نعيش في عهد الحريات
ألا تعتقد أن طرحك لتقرير "راتبي ألف ريال" قد يشوه الصورة في أذهان البعض عن الأوضاع المعيشية في المملكة؟
بالطبع لا، أنا لم أشوه الحقائق إنما عرضت الواقع ولم أرشح المدونة للفوز بل فوجئت بترشيحها، وبالرغم من ذلك أعتقد أن فوزها حمل رسالة لمن يصف السعودية بأنها من أعداء الانترنت والحريات تؤكد بأن عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز شهد على مساحات غير مسبوقة من الحرية وأن أفراد المجتمع السعودي بوسعهم مناقشة مختلف القضايا والمشاكل بشفافية والدليل عدم حجب المدونة.
هل فعلا هناك حرية إعلامية في المملكة، وهل اختفت الخطوط الحمراء؟
لا أنكر وجود خطوط حمراء، وهناك من ساهم في تعميق هذه الخطوط بالإستخدام السيئ للإعلام الإلكتروني بغرض الشهرة أو المصالح الشخصية، لكن الجيل الجديد بات يتحلى بالوعي والإحساس بالمسؤولية وأثبت أنه بوسعه أن يناقش همومه بواقعية ويضع لنفسه رقابة ذاتية مرجعها هذا الوعي، وبإعتقادي لو تم تشريع عشرات القوانين والأنظمة للإعلام الإلكتروني دون أن يشعر المستخدم أنه رقيباً على نفسه فلن نصل للنتيجة المرجوة من القوانين.