الحزن، تقلبات المزاج، المعاناة، اليأس، مشاعر تختلط علينا أحياناً ويصعب تعريفها فنطلق عليها باختصار "اكتئاب"، بينما هي مشاعر طبيعية تجتاح الإنسان من وقت لآخر بحسب الظروف المحيطة به، ولعل الاكتئاب بمفهومه الشائع وحتى العلمي بات من أكثر الأمراض انتشاراً في العالم وانعكس ذلك على سوق العقاقير المضادة للاكتئاب والإقبال على العيادات النفسية بحثاً عن علاج، وأحياناً وهم.
الاكتئاب في واقع الأمر وبشكل مبسط كما يصفه أغلب المرضى أن تشعر وكأنك محاصر داخل حفرة سوداء مظلمة لا تشعر داخلها بالحياة ولا تبالي بأي شيء يدور خارجها وتفقد معها الرغبة بالعمل والدراسة والنوم وتناول الطعام كما يشعر مريض الاكتئاب بأنه عاجز عن عمل أي شيء ولا قيمة له.
التفسير العلمي للاكتئاب
يحدث الاكتئاب بسبب اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ، وهذه حقيقة تقابلها حقيقة أخرى، هي أنه لاتوجد وسيلة لقياس مستوى "السيروتونين" في الدماغ ليتمكن المعالج من وصف الجرعة المطلوبة من الدواء لتتوازن.
بالإضافة إلى أن بعض الدراسات تتعارض مع نظرية تصحيح الدواء لاختلال التوازن الكيميائي في الدماغ، وأثبتت بعض التجارب أن خفض مستوى "السيروتونين" لدى بعض الأشخاص لا يؤدي إلى سوء حالتهم المزاجية ولا يؤدي إلى تفاقم حالة الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب. وبالرغم من أن مضادات الاكتئاب ترفع نسبة "السيروتونين" في خلال ساعات إلا أن العلاج بها يستغرق أسابيع، وبالتالي إذا كان علاج الاكتئاب يتم من مجرد عملية رفع نسبة "السيروتونين" فلا يوجد مبرر للانتظار أسابيع حتى تظهر نتيجة العلاج.
السر لا يكمن في السيروتونين وحده
اتفق الخبراء على أن أسباب الاكتئاب تتجاوز خلل توازن "السيروتونين" إلى التهاب و/أو ارتفاع مستويات هرمونات الاجهاد والجهاز المناعي والنشاط غير الطبيعي في بعض أجزاء الدماغ والنقص في التغذية وانكماش خلايا المخ. أما العوامل النفسية فهي التي تؤدي إلى الأسباب الأكثر انتشاراً للاكتئاب مثل الوحدة، عدم ممارسة الرياضة، سوء التغذية، عدم احترام وتقدير الذات
الفعالية
في عام 2006م أظهرت دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية أن أقل من 50% من الأشخاص الذين خضعوا للعلاج بمضادات الاكتئاب قد تخلصوا فعلاً من الاكتئاب حتى بتجربة أنواع مختلفة من العقاقير. كما أن الغالبية العظمى عادت لهم حالات الاكتئاب بمجرد الانقطاع عن تعاطى المضادات أو أصبح لديهم الرغبة بالاستمرار في الاعتماد على العقاقير والعودة إلى تعاطيها.
دراسات أخرى أثبتت أنه توجد مبالغة في اعتقاد أن مضادات الاكتئاب بوسعها أن تعالج المريض، وأن مفعولها هو عبارة عن مفعول مضاعف للمهدئات والمسكنات بينما أضرارها أكبر. لذلك لايجب استخدامها إلا في الحالات المتقدمة جداً بينما الحل النهائي لعلاج الاكتئاب يكون في جلسات العلاج النفسي، وممارسة الرياضة، وتعزيز ثقة الانسان في قدرته على تجاوز الأزمات ومساعدة نفسه دون الاعتماد على العقاقير أو الطبيب مدى الحياة.
الواجب الأخلاقي للطبيب
يعتبر الواجب الأخلاقي للطبيب قبل وصف مضادات الاكتئاب للمريض أن يشرح له آلية عملها واحتمالات نجاحها وأعراضها الجانبية، فالمريض في المعتاد يود أن يتخلص من الأعراض التي يعاني منها بأسهل وأسرع وسيلة ولو تم وصف العقاقير له سيتعاطاها حتماً، أما لو تم توضيح آلية عملها واحتمالات نجاحها وأعراضها الجانبية بالإضافة إلى البدائل فغالباً يتحمس المريض إلى التعاون مع المعالج النفسي بشكل أكبر وقناعة تنبع من إستيعابه لمشاكله وللحلول المتوفرة.
وقد أثبتت التجارب أن تعريف الشخص الذي يعاني من الاكتئاب بالأعراض الجانبية للعقار منذ الجلسة الأولى تؤدي غالباً إلى أن يتخذ قرار عدم تعاطية، بينما اكتشافه للأعراض الجانبية بعد الوقوع في أسر الدواء لاتجعل لديه ذات الرغبة للعودة إلى الاعتماد على النفس بعيداً عن الدواء.
الأعراض الجانبية
التأثير على عملية الهضم، الاحساس بالألم، التركيز والتفكير، وغيرها من الوظائف الجسدية والعقلية. بالإضافة إلى الهبوط، الأرق، الغثيان. وفي حين أن بعض الأعراض تزول خلال الأسابيع الأولى من فترة تعاطي المضادات إلا أن بعضها يستمر ويزداد سوءًا مع الوقت.
وبالنسبة للمسنين الذين تتجاوز أعمارهم 65 سنة تزداد المخاوف من تعاطيهم لمضادات الاكتئاب إذ أنها قد تؤثر سلباً على العظام وتسبب أعراض انسحاب خطيرة عند التوقف عن تعاطي العقار.
وهناك مجموعة جديدة من مضادات الاكتئاب تستهدف الناقلات العصبية الأخرى بالإضافة إلى "السيروتونين" أو بدونه، وتختلف الآثار الجانبية وفقاً للدواء إلا أن أغلبها يسبب الغثيان، والشعور بالتعب، وزيادة الوزن، والنعاس، والعصبية، وجفاف الفم، وعدم وضوح الرؤية.
الانقطاع المفاجيء عن تعاطي الدواء (أعراض الانسحاب)
نوبات البكاء، الأرق الشديد، فقدان التوازن (الدوخة)، التعب، آلام العظام، وهو مايعرف باسم متلازمة انقطاع مضادات الاكتئاب. بالإضافة إلى القلق والاضطراب، الاكتئاب وتقلبات المزاج، أعراض تشبه أعراض الأنفلونزا، التهيج والعدوان، والكوابيس، الغثيان والقيء، تقلصات في المعدة وآلام، تشنج العضلات.
والمشكلة هي أن الاكتئاب والقلق هما من أعراض انسحاب الدواء ولكن بشكل أكثر حدة من حالات الاكتئاب التي كان يعاني منها قبل تعاطي العقار، ولذلك قد يعتقد المريض أن حالته قد اعتلت من جديد ولابد من أن يعاود تعاطي المضادات ويظل يدور في حلقة مفرغة، يحاول خلالها أن يتوقف عن التعاطي فيعاني من أعراض الانسحاب ويعاود تعاطي العقار دون جدوى. لذلك لابد من التدرج في عملية التوقف عن تعاطيها وتحت اشراف طبي دقيق قد تستغرق العملية 1-2 أسابيع وأحياناً عدة أشهر.
وقد طلبت هيئة الدواء وضع تحذير على جميع عبوات مضادات الاكتئاب يفيد بأنها قد تؤدي إلى ارتفاع مخاطر واحتمالات الانتحار لدى الأطفال والشباب. وتتركز المخاوف من ذلك تحديداً خلال الشهر الأول أو الثاني من تعاطي مضادات الاكتئاب.
حقائق
مضادات الاكتئاب لاتعالج أسباب الاكتئاب بل تعالج أعراضه، لذلك لايفترض أن تكون من الحلول المطروحة إذا كان الاكتئاب بسبب مشاكل خاصة أو طارئة. فببساطة مضاد الاكتئاب يساعد المريض أثناء فترة تعاطيه فقط بينما المساعدة على التأقلم واستقرار العواطف وتعزيز الثقة والشخصية لهم دور أكثر فعالية على المدى البعيد. فالغرض من العقار هو أن تصبح لدى المريض ذو الشخصية الضعيفة جداً القدرة والطاقة على أن يتابع العلاج النفسي.