حسب تقرير للبنك الدولي، 50% من الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر
بعد أربع سنوات من الانتفاضة، ما زال الاقتصاد الفلسطيني يغوص في ركود عميق… هذا ما يستدل من تقرير جديد للبنك الدولي حول الوضع الاقتصادي في المناطق الفلسطينية.
وحسب تقرير البنك الدولي فإن الانتعاش الطفيف الذي شهده الاقتصاد الفلسطيني، في العام 2003، لم يصمد إلا لفترة وجيزة، ولذلك بقي الوضع أسوأ مما كان عليه قبل بدء الانتفاضة.
وأشار التقرير إلى أن نحو 47% من الفلسطينيين لا يزالوا تحت خط الفقر ( الذي ينخفض كثيراً عن مستوى خط الفقر الإسرائيلي )…وحسب المعطيات، يعيش قرابة 600 ألف فلسطيني على دخل يقل عن 1.5 دولار يوميًا، وهو الحد الأدنى المطلوب لتوفير الحاجات الأساسية من الغذاء والملبس والسكن .
وحسب معطيات البنك الدولي، وصلت نسبة البطالة خلال فترة الاستقرار التي شهدها الاقتصاد الفلسطيني، عام 2003، إلى 25% ، مشيراً إلى أن37% من الشبان يفتقدون إلى أي عمل.
وحسب التقرير يعتمد المدخول الأساسي للاقتصاد المركزي الفلسطيني على التبرعات الخارجية، التي وصلت بين 2001-2003 إلى 950 مليون دولار، وهو مبلغ يضاعف مرتين التبرعات التي وصلت قبل الانتفاضة. هذا و تحول المساعدات الدولية دون سقوط قرابة 250 ألف فلسطيني آخر تحت خط الفقر.
وقال ( نيغيل روبرتس )، المسئول عن المناطق الفلسطينية في البنك الدولي، إن "سياسة الإغلاق التي تفرضها إسرائيل هي السبب الأساسي في الأزمة الاقتصادية الفلسطينية"… وأضاف: " عملية الإغلاق هي العامل الرئيسي في الأزمة التي تعصف بالضفة الغربية إذ ضيقت الخناق على الاقتصاد الفلسطيني وزادت التكاليف على الشركات ".
وحسب التقرير قد تنتهي الأزمة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية عندما يتم فتح الحدود والسماح للقطاع التجاري الخاص بالانخراط في الأسواق العالمية. كما يدعو التقرير السلطة الفلسطينية إلى تفعيل برنامج الإصلاحات والانضباط المالي بهدف خلق مناخ ملائم للاستثمارات.
يشار إلى أن التقرير أعد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات .
مسببات الفقر في الأراضي الفلسطينية
تربط معظم الدراسات التي تتناول ظاهرة الفقر في فلسطين بين هذه الظاهرة وبين ما تعرض له الشعب الفلسطيني من تهجير وتشريد واحتلال عسكري واستيطان على حساب أصحاب الأراضي الفلسطينية منذ العام 1948، فقد مُنع الشعب الفلسطيني من التحكم بموارده الطبيعية والبشرية ومن تشكيل كيانه المستقل، ثم جاء احتلال باقي الأراضي الفلسطينية، الضفة الغربية وقطاع غزة، في العام 1967 حيث سيطرت إسرائيل بذلك على أراضي فلسطين بكاملها، مما أدى إلى نتائج عدة كان من أهمها على هذا الصعيد ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي وتوظيفه لخدمته، فقد تحولت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مخزن للأيدي العاملة الرخيصة وسوق مفتوحة للمنتجات الإسرائيلية، إضافة إلى الاجراءات العديدة الهادفة إلى الحيلولة دون إقامة قاعدة انتاجية فلسطينية تكون نواة لاقتصاد فلسطيني قوى مما ترك أثره على مجمل النواحي المعيشية للفلسطينيين.
إن الأخطر في هذا السياق، بحسب رؤية العديد من المحللين والمراقبين لظاهرة الفقر في فلسطين، هو تجذر هذه الظاهرة في الاقتصاد الفلسطيني بحيث أصبحت تشكل مشكلة حقيقية حتى في ظل تحرر الاقتصاد الفلسطيني من التبعية لإسرائيل، كما أن الخلل الهيكلي في الاقتصاد الفلسطيني الذي أحدثه الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي يحتاج علاجه إلى استراتيجيات بعيدة المدى بعد التحرر من هذه التبعية.
من جهة أخرى فقط تطرقت " دراسة حالات "، حول الفقر في فلسطين في العام 1999، أجراها برنامج دراسات التنمية التابعة لجامعة بيرزيت إلى أهم العوامل التي تؤدي للفقر في فلسطين من وجهة نظر الفقراء ، وأشار هؤلاء إلى دور البطالة في تفشي الفقر وأفادوا بأنها ناتجة عن أسباب ذاتية كالمرض أو انخفاض مستوى التعليم أو عدم ملاءمة سوق العمل، وكذلك لأسباب بنيوية تتعلق بتركيبة المجتمع مثل عدم السماح للنساء بالعمل في مجالات متنوعة، وربطت الشريحة المشاركة في الاستفتاء بين الفقر والحالة الإجتماعية أو موقف المجتمع من الأرملة والمطلقة وزواج البدل والزواج المبكر، كما أكدوا على العلاقة بين الفقر والشيخوخة، حيث تقدر نسبة المسنين 30% من الحالات التي ترعاها الشؤون الاجتماعية في الضفة الغربية، بينما بلغت 15% في قطاع غزة عام 1995 بحسب الدراسة المذكورة. أما بحسب المعطيات الحديثة الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد تبين انخفاض متوسط الدخل الشهري للأسر الفلسطينية من 2500 شيكل إلى نحو 1200 شيكل خلال الربع الأول من العام الحالي 2004، وانخفض في الضفة الغربية من 3000 شيكل إلى 1500 شيكل، وفي قطاع غزة من 1800 إلى 1000 شيكل، كما أن 61.5% من مجمل الأسر الفلسطينية انخفض دخلها منذ بداية الانتفاضة بنسبة 48.7% حيث فقدت أكثر من نصف دخلها خلال الانتفاضة، مما يعني ارتفاع معدلات الفقر في الأراضي الفلسطينية إلى أعلى وبشكل كبير.
البرامج والخطط لمكافحة ظاهرة الفقر
يعمل في الأراضي الفلسطينية ثلاثة أصناف من المؤسسات التي تقدم المساعدات المادية المالية والعينية للأسر الفقيرة، وهي المؤسسات الحكومية، الدولية، والأهلية، وقد بيّن تقرير الفقر للعام 1998 الشروط والآليات المعتمدة من قبل مؤسسات الدعم الرئيسية لاستحقاق المساعدة، ورغم تباين برامج هذه المؤسسات من حيث شروط استحقاق المساعدة المادية إلا أنها تشترك من حيث توجهها بالأساس إلى الأسر والفئات التي تعاني من فقر مدقع، كما تتباين في رؤيتها لنشاطها ومصادر تمويلها لكنها تعمل جميعاً وفق برامج تشمل مختلف مناطق الضفة والقطاع ( وبعضها يشمل فئات خارج هذه المناطق مثل الأنروا ) من حيث شروط استحقاق المساعدة، وبالنظر إلى برنامج وزارة الشؤون الاجتماعية فإنه يحدد الأسر المستحقة للمساعدة بأنها الأسر التي فقدت إجمالي دخلها أو الجزء الأكبر منه بسبب غياب أو تعطل المعيل الرئيسي ( الوفاة، الشيخوخة، المرض ) أي أن المحدد الرئيسي للاستحقاق، إذا استثني برنامج مساعدة أسر الشهداء والأسرى، هو انعدام الدخل أو تدنيه الشديد وليس تراجع مستوى المعيشة دون خط معين، ولذا فإن المساعدة هنا إغاثية وليست تنموية، وبهذا القياس فقد بلغ عدد الأسر المستحقة للمساعدات أواخر العام 1996 نحو 23379 أسرة، وبلغ مجموع أفرادها 89812، أما نهاية العام 1997 فقد بلغ عدد أفراد الأسر التي تلقت المساعدات ذاتها من وزارة الشؤون الاجتماعية 104957، بزيادة قدرها 17%.
أما برنامج وكالة الغوث الدولية فإنه ينحصر في تقديم المساعدات للأفراد والأسر الفقيرة من اللاجئين الذين يتبعون ضمن تصنيفها لـ "حالات عسر خاصة"، وتضع الوكالة شروطاً أكثر تشدداً من وزارة الشؤون الاجتماعية لاستحقاق المساعدة وتشمل هذه افتقاد الأسرة اللاجئة لذكر بالغ بين سن 18 و60 أو غير قادر صحياً على توفير دخل للأسرة دون أن يشترط ذلك ممارسة لعمل مدر للدخل، وأن يكون دخل الأسرة من جميع المصادر أقل من ثلثي أدنى راتب لموظف في وكالة الغوث في منطقة سكن الأسرة وله نفس عدد المعيلين، إضافة إلى شروط عدة، يشار إلى أن عدد المنتفعين من برنامج المساعدات المادية للوكالة في العام 1996 نحو 21890 أسرة شملت 89280 فرداً، وارتفع عدد الأفراد مع نهاية العام 1997 إلى 94753، أي بزيادة قدرها 6.1%.
أما برنامج مساعدات لجان الزكاة في الضفة والقطاع، فإنه يعتمد شرطين رئيسيين لاستحقاق المساعدة، والشرط الأول هو فقدان المعيل (الرجل) والثاني وجود وضع يعجز فيه معيل الأسرة عن توفير الدخل عجزاً كلياً أو جزئياً بصورة دائمة أو مؤقتة، وتقدم لهذه الأسر مساعدات عينية، عادة، وتقوم بعض لجان الزكاة بتوفير كفالة للأسر الفقيرة، لكن التجاوب مع هذا التدبير من قبل الجهات الكافلة، ما زال محدوداً جداً وفي العام 1996 قدمت لجان الزكاة مساعدات لنحو 27585 أسرة في الضفة والقطاع، كما قدمت خدمات صحية وتعليمية لأفراد ومساعدات مالية للأيتام، وغالباً ما توفر لجان الزكاة للحالات المستورة" وللأيتام تأميناً صحياً من خلال مرافقها الصحية، وتعتمد لجان الزكاة نموذجاً خاصاً لطلب المساعدة يرفق بالأوراق الثبوتية، ويتولى باحث اجتماعي زيارة الأسرة والتدقيق في المعلومات الواردة في النموذج، غير أن استحقاق المساعدة لا ينحصر فقط في فئة مقدمي الطلبات، إذ يجري الاستعانة باللجان المحلية في الوصول إلى الحالات المحتاجة التي لم تقدم طلباً للمساعدة لأسباب منها الشعور بالحرج من التقدم بمثل هذا الطلب.
ونظراً لعدم توفر إحصائيات حديثة توضح حجم المساعدات التي قدمتها هذه الجهات خلال السنوات الأخيرة، فإنه من الممكن الاستعانة بنتائج " مسح أثر الإجراءات الإسرائيلية على الأوضاع الاقتصادية للأسر الفلسطينية " أعده الجهاز المركزي للإحصاء خلال الربع الأول من العام 2004، حيث تشير هذه النتائج فيما يخص مصادر المساعدات المقدمة للمحتاجين إلى اعتبار الأهل والأقارب هم في المركز الأول من حيث عدد مرات تقديم المساعدات للمحتاجين بواقع 23.3%، ثم نقابات العمال (21.5%)، ووكالة الغوث 19.5%، ومؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، بما فيها وزارة الشؤون الاجتماعية بواقع 16.9%، والمؤسسات الخيرية والدينية بما فيها لجان الزكاة بواقع 6.8%، أما الفصائل والأحزاب السياسية فقد ساهمت بنحو 2.5%، في حين ساهمت المؤسسات التنموية والهيئات الدولية، والدول العربية، والبنوك المحلية ولجان الإصلاح المحلية وكذلك الأصدقاء والمعارف بنحو 9.5%، وتشير النتائج إلى أن هناك 54.9% من هذه المساعدات قدمت كمواد غذائية، وأن 32.5% منها كانت مبالغ نقدية.
من الملاحظ بوضوح ازدياد هامش الفئات التي تعيش تحت خط الفقر خلال السنوات الأخيرة، وذلك على خلفية منع الآلاف من الأيدي العاملة من الالتحاق بأعمالها داخل إسرائيل وازدياد معدلات البطالة تصل إلى أرقام قياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة. إضافة إلى الإجراءات الإسرائيلية الأخرى والتي تهدم جميع الفرص التي قد تؤدي إلى تنشيط الحركة الاقتصادية داخل أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية.
إن استمرار مشكلة البطالة وما يرتبط بها من انقطاع الدخل لآلاف الأسر الفلسطينية سوف يؤدي الى اتساع دائرة الفقر لتشمل نسبة كبيرة من السكان الفلسطينيين وهذا يتطلب وضع الخطط الكفيلة بالتخفيف من حدة الفقر.