الفتاة في اليمن بين قساوة الموروثات... ومعاناة الزواج المبكر
أطفال في عمر الزهور وجدن أنفسهن في مواجهة مع العلاقة الزوجية مبكراً .... شاء الكبار ان تكون سجنا ذهبيا لتطلعات لم تشب عن الطوق بعد ... تبادلوا هم التهاني وعلقوا الزينات واقاموا مائدة غداء واهازيج أفراح لاتخص سواهم ... وبعد نهار صاخب ... انصرفوا تاركين تلك الطفله التى اقتادوها مرغمه من بين العابها لتواجه مشواراً طويلاً مع كهل تفوق الشعيرات البيضاء في رأسه سنوات عمرها الغض ... لتكتسح أمواج الشيخوخة المبكرة مساحات الطفوله التى لم تعشها بعد.
خزعبلات موروثة
إنها واحدة من أكثر الظواهر انتشارا في الشرق ، وليس في اليمن وحسب فالنظرة القاصرة لأبعاد وتأثيرات العلاقات الانسانية غير المتكافئة ثم ذلك الكم من الخزعبلات الموروثة التى ترى في الزواج المبكر والمبكر جدا ضرورة لابد منها للحفاظ الافتراضي على شرف الفتاة وعفه الولد.الصورة واقعية ويدركها الكثيرون ودارت حولها الكثير من الدراسات والابحاث التى فندت القضية ولم تصل في نهاية المطاف إلى نتيجة تذكر سوى ان هذه الظاهرة في قسمها الاول ( الطفلة التى يقرر اهلها خيار الزواج الباكر ) جزءا من منظومة تقاليد جبلت عليها البيئة الشعبية وأصبحت ظاهرة لايمكن معها المعالجة بفعل ترسيخ مفاهيم خاصة ارتبطت ارتباطا عضويا بقناعة مفادها(( ان الزواج المبكر للانثى هو الاكثر ضمانا للعفة )) حالة من الخوف غير المبرر كانت ولا تزال السبب في الكثير من التعاسة لبيوت تأسست على عنصر مختل، من الكفاءة المنعدمة لتلخص بعد سنوات قليلة من الزواج حالة اخرى ولكن من الفشل الذريع في سد الهوة الفاصلة بين تطلعات جيلين لايربط بينهما سوى ورقة زواج اختارها الطرف الاول وهو الرجل ووافق عليها الطرف الاضعف وهي الطفلة.
دراسات
واثبتت دراسة ميدانية أجرتها مجموعة من الطالبات الاكاديميات بجامعة صنعاء ان نسبة الحالات الزوجية المماثلة في اليمن عموما تشكل 65% ... منها 70% في المناطق الريفية النائية و35% بالنسبة للمدن
الرئيسية .
ويسعى الآباء في اليمن لتزويج أطفالهم اناث كانوا أم ذكور في أعمار مبكرة ... ورغم عدم وجود نظرية منهجية تدعو لذلك الا أن الظاهرة برمتها لاتتعدي كونها ظاهرة وجدت لتكون واقعا مألوفا تقبله المجتمع برحابه متناهية.
رأي الطب
وبهذا الصدد تحدث الدكتور/ حسيب اليوسفي- طبيب متخصص في امراض النساء والولادة الحديثة - عن هذه الظاهرة في قسمها الاول " زواج الانثى المبكر " ملخصا الاضرار الجسدية والنفسية التى يمكن ان تلحق بأطراف هذه العلاقة غير المتكافئة قائلا : " هي ظاهرة موجودة بلا شك ... طفلة يزوجها أهلها وعمرها لم يتعد الثالثة او الثانية عشرة ... ويكون الزوج انسانا كبيرا في السن- يعنى فارق جيلين أو ثلاثة على الاقل - والاضرار يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
ـ تمزق غشاء البكارة للزوجة في مثل هذا السن وبهذه الملابسات منالتفاوت الكبير في السن مع الطرف الاخروهو الزوج يصاحبة عادة الكثير منالعوارض الجسدية المؤلمة والنفسية والصحية .ـ تجاوب عاطفي غير آمن : يتكون في الاحساس الداخلي للزوجة محطة ارق قد تلازمها طوال حياتها ففجوة التفاعل الجنسى والنفسي بين الطرفين تظل سببا لفجوة زوجية وهو ما يؤدي مستقبلا الى انهيار العلاقة من اساسها.
ـ تميل مشاعر الزوجة للإحساس بزوجها كوالد أو أب فتختلط مشاعر الأبوة بالمشاعر الزوجية الطبيعية وتقع حالة من الانفصام العاطفي .... فالتفاوت في السن يجعل الزوج - اقرب في خيال الزوجة الصغيرة - لصورة الاب الذي هجرت بيته مبكرا بسبب زواجها وبالتالي حجم التجاوب العاطفي يكون في مستوى غيرآمن لعلاقة زوجية يفترض أن تستمر.
- المسئولية التى تترتب عليها حياة الزوجة في بيت زوجها ففي هذه السن تكون مقترنه بمساحات رغبة في الانطلاق في عالم الطفولة وهو ما قد يحد منه الزوج الذي عادة ما يحيط نفسه في مثل هذا السن بحالة من الرزانه والتحفظ تجاه تصرفات الطرف الاخر بغية رسم ملامح انقياد معينة وهو مايولد بالضرورة حالة من التوقف او الاسقاطات النفسية عند الزوجة الطفلة والتى تؤدي بها الى العيش داخل قوقعه من الانطواء.
خطر الوفاة
واتفقت د / أمل بهنس - وهي باحثة مصرية في جامعة عين شمس ومتخصصة في الدراسات النفسية - مع اعراض زواج المرأة المبكر التى ذهب اليها د/ حسيب ، إلا انها اشارت الى جانب أخر من التأثيرات السلبية لمثل هذا النوع من الارتباط غير المتكافىء بقولها: " هناك نتائج خطيرة قد تتولد بعد عام أو عامين من الزواج الذي يقوم على اختيار الاهل لزوج كبير في السن لطفلة قاصرة وهو اختيار تفرضة حيثيات المجتمع التقليدي والموروثات المعروفة في هذا الصدد واهم هذه النتائج:
- قد تواجه الطفلة المتزوجة خطرا محدقا بحياتها في حالات الحمل المبكر نتيجة صغر سنها وعدم تكون الملامح الكاملة للرحم وهو ما يؤدي الى ولادة متعسرة جدا وكثيرا من هذه الولادات قد تنتهي بالوفاه للام.
بيانات لمنظمات دولية
وبالعودة الى دراسات متخصصة وبيانات لمنظمات دولية تعنى بشئون المرأة والطفولة تبين لنا ان اليمن والتى تحتل ذيل القائمة في معدلات الدول الاكثر عرضة لظاهرة وفاة الامهات في اليمن نتيجة الحمل المبكر وتقدر بـ ((5000)) حالة وفاة في العام الواحد وهو رقم مفزع جدا ونتيجة للتحسن النوعى والنسبي في حجم الخدمات الصحية فقد انخفض هذاالرقم ليصل بين الاعوام ( 2000-2001م ) إلى 1400 حالة وفاة في العام الواحد وهو رقم جعل اليمن على رأس قائمة دول العالم التى تموت فيه الامهات في سن مبكر ونتيجة لزواج مبكر جدا وحمل مبكر أيضا.
واخيرا وقد استعرضنا مع هذا التحقيق ظاهرة زواج الانثى في سن مبكر ... يبقى ان نؤكد ان ارتفاع وعي الاسرة بخطورة الاقدام على تكرار مثل هذه الظاهرة هو الضمان الوحيد للتخفيف من تلك الاثار المفزعة التى تترتب على ذلك.