أطفال الشوارع، بين أحلام الطفولة وعناء العمل لطلب الرزق
نشفق على أطفالنا من الشمس الحارقة ومن نسمات الشتاء القارصة ... نتفانى في تدلليهم وتوفير احتياجاتهم ... نتفنن في رسم البسمة على شفاههم والرضا في عيونهم ... وفي المقابل كثيراً ما نغفل عن فئة جمعت بين براءة الأطفال وقدرة الكبار .... فئة تسابق الشمس قبل أن تشرق وتسهر إلى ساعات المساء الاخيرة طلبا للرزق دفعت ثمنا باهظا من طفولتها فاغتيلت راحتها على الأرصفة وأصبح أكبر أحلامها أن تلعب ... أن تلهو وتمرح ... أن تتجرد من الحمل الثقيل الذي لم يجد مرسى سوى أكتافها ...
" فاطمة " تحلم بأن تشتري عروس ، و " كمال " يتعب من الإلحاح على المارة لشراء بضاعته .... هؤلاء هم أطفال الشوارع الذين تعرفت بهم في جولتي أثناء إعداد هذا التحقيق ... وهذه هي أحلامهم البسيطة ، فهل نستطيع تحقيقها ؟!
يقول " إبراهيم " طفل في الثامنة من عمره ... (( أمي من أمرتني بالعمل فلا أكاد اخرج من المدرسة حتى أذهب للبيع ، والأموال التي أجنيها أسلمها لامي .... أحلم بأن أرتاح من أشعه الشمس الملتهبة وقت الظهيرة وأتمنى أن العب كبقية الأولاد فأنا لا ألعب )) .
أما " جميل " في الحادية عشر من عمره فيقول (( صحيح أني أعمل من خمس سنوات سابقة ولكني أحلم باليوم الذي أستريح فيه كبقية الأولاد ولا اضطر للعمل )) ... وأضاف عن كيفية المذاكرة (( أصل البيت الساعة العاشرة مساء أكون منهك القوى أذاكر قليلا قبل أن أنام )) .
ويعلق " أحمد " في الصف الأول ابتدائي (( أبي لا يعمل وهو من أمرني بالعمل فنحن عشرة اخوة )) ... و عن الوقت الذي يلعب فيه يقول (( العب فقط في العطلات الكبيرة لارتباطي بالعمل )) .
" كمال " في التاسعة من عمره يقول (( أتعب من كثرة الإلحاح على المارة بأن يشتروا ما أبيع وأحلم باليوم الذي أكبر فيه لأفتتح محلً أبيع فيه بدلاً من التجول على الأرصفة )) .
" فاطمة " في الخامسة من عمرها تحلم باقتناء عروس وتقول (( أبيع الحلوى للأطفال وألعب مع أخوتي على الأرصفه لكني أحلم بأن اقتني عروس )) ..... واضافت حينما نصحتها بتوفير بعض المال للحصول علي العروس .... (( المال الذي أحصل عليه ليس لي فأنا أسلمة لأمي حالما أصل للمنزل )) .
أما " أيمن " عشرة أعوام فقد كبرت أحلامه كما كبرت شخصيته حيث قال ... (( أحلم بأن أصبح طبيبا وأودع هذه الارصفه التي اتخذها في بعض الأحيان سريرا ويضيف أن معاناتي في النظرات المصوبة نحوي من الأطفال فهم يحقروني بالرغم من أني الأفضل فهم يلعبون في الوقت الذي أعمل وأخوتي فيه )) .
وخالف الرأي " عبد المجيد " في الصف الثاني الابتدائي حين قال ... (( أجد وقت للعب رغم عملي ودراستي فانا سعيد بحياتي )) .
د. خديجة خوجة " أناشد كل أسرة لا تستطيع أن تعول أطفالها باللجوء إلى مؤسسات الضمان الإجتماعي " |
تعلق الدكتورة النفسية " خديجه خوجة " قائلة (( أطفال الشوارع لا نعتبرهم ظاهرة بل مشكلة لابد من وضع حلول لها فهؤلاء الصغار انتهكت طفولتهم والآباء لزم عليهم ضمان السلام لأبنائهم من كافة الجوانب " النفسية – الجسدية – العقلية – الإنفعالية " فما لذي نتوقعه من طفل تربى في الشارع ؟! ... هؤلاء الأطفال معرضون لمخاطر ... ومن الناحية النفسية والانفعالية هذه الفئة تكون مصابه بالقلق والتبول اللا إرادي إلى جانب الحقد على المجتمع والعصبية و الحرمان من أبسط حقوقهم مثل اللعب ، مع الشعور بعدم الأمان والظلم .... ومن الناحية الجسدية فهؤلاء الأطفال معرضين لحوادث سيارات أو اغتصاب أو تعلم عادات سيئة ... أيضا نلاحظ على هؤلاء الأطفال مشكلات سلوكية كالكذب والسرقة لعدم توفر الرقابة الأسرية .... ومن الناحية العقلية يتدني مستوى الطموح فينحصر في توفير لقمة العيش ... وإني أناشد كل أسرة لا تستطيع أن تعول أفرادها لإصابه العائل بالفقر أو المرض أو العوز أن تلجأ إلى مؤسسات الضمان الاجتماعي طلبا للمساعدة حفاظا على أبنائها )) .
د. آمال فلمبان " شعور هؤلاء بالنقص والحرمان قد يولد رغبة بالإنتقام " |
أما الدكتورة " آمال فلمبان " - دكتوراه في علم اجتماع – فتقول (( تأثير هذه الفئة خطير على المجتمع لشعورهم بالحرمان والنقص .... وقد يلجأوا مستقبلاً إلى الانتقام فهم بحاجة إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي والجسدي وأناشد الأفراد في المجتمع الإسلامي الذي حث على التكافل والتضامن الاجتماعي أن يشعروا ويهتموا بهذه الفئة وكذلك لابد من توفر جهات مختصة تدرس هذه الحالات كلا على حدا وتقوم بإشباع حاجاتهم الاساسية ومساعدتهم )) .