بسمة جمال: الرجل لا ينسى الإهانة، والمرأة لا تنسى الخيانة
من المعروف أن الحياة الزوجية تبدأ بالتشابه وتستمر بالاختلاف، فالأقطاب المتشابهة تتنافر، والمختلفة تتجاذب، هذه الحقيقة وعت إليها الدكتورة بسمة جمال مديرة وصاحبة مركز "حياة " للإرشاد الأسري، والتى اختارها الاتحاد البرلماني الدولي لتكون أصغر سفيرة للنوايا الحسنة بمصر بشأن قضايا المرأة والطفل. وفي هذا الحوار تتحدث الدكتورة بسمة جمال لـ عربيات عن هذا التكريم وعن أهم المشكلات الزوجية وكيفية التعامل معها، وعن الأمور التي يمكن أن يغفرها الزوجان، ومرحلة مابعد الخيانة الزوجية، والملل الذي يصاحب قصص الحب الملتهبة، والمخاطر التي تدفع بالحياة الزوجية إلي الهاوية.
كيف تم اختيارك كأصغر سفيرة للنوايا الحسنة في مصر من قبل الإتحاد البرلماني الدولي بشأن المرأة وقضاياها؟
كنت قد تواصلت مع العديد من الجامعات الإلكترونية التي تقوم بالتدريس عن بعد للتسجيل بها، حتى وصلت للإتحاد البرلماني الدولي للإعلام الالكتروني، وتقدمت بطلب عضوية به، وبدأت في عرض أبحاثي بمجال الإرشاد الأسري ودعم حقوق المرأة، وحدثتهم عن حلمي في تأسيس سلسلة من المراكز الإستشارية المتخصصة لمساعدة الشباب المقبلين على الزواج وحل المشكلات الزوجية وتأهيل الأرامل والمطلقات للتغلب على صعوبات الحياة ونظرة المجتمع، وبالرغم من صغر سني لم أكن اتخيل أو أتوقع أنهم سيختارونني كأصغر سفيرة للنوايا الحسنة لديهم.
التفكك الأسري أفرز الزواج العرفي
لماذا اتجهت لدراسة التنمية الذاتية وتطوير الأداء الإنساني وحل مشكلات الأسرة والطفل لتكون عنوان رسالتك للدكتوراة، بينما تخصصك الأساسي تاريخ؟
هناك فرق بين ما فرضه عليك نظام التعليم وبين ما تحب أن تتعلمه, وأقصد بهذا أن دراسة التاريخ بالطبع هي مهمة وأضافت لي الكثير من المعلومات ولكني كنت أتابع وأتأثر كثيراً بالمشكلات الأسرية المدمرة التي يعاني منها المجتمع من حولي، وخاصة بين طلاب الجامعة فكثير من مشكلات الزواج العرفي والإدمان كان سببها عدم الاستقرار الأسري وسوء أو غياب التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، وعدم وجود المتخصصين الذين يطلب منهم النصيحة والمشورة ليساعدونا على تخطي أي مشكلة أسرية فعددهم محدود جدا وأسعارهم باهظة, ومن هنا قررت الإلتحاق بدبلومات متخصصة في هذا المجال وقراءة مراجع أجنبية ومصرية عن التواصل بين الرجل والمرأة, وبعدها بدأت بإعطاء محاضرات مجانية في بعض الجمعيات الخيرية عن التواصل بين الجنسين وكنت أقوم ببعض الأبحاث استناداً لما قرأت وما رأيت حولي من مشكلات وكانت هذه البداية حتى وصلت لما أنا فيه.
أسست ما يعرف بأكاديمية الحياة الدولية للتدريب والإستشارات وتطوير الأداء الانساني وحل مشكلات الأسرة والطفل، فما الذي تقدمه الأكاديمية للأسرة العربية؟
بدأت بالفعل في تقديم خدمات استشارية لمساعدة المرأة لكي تكون زوجة ناجحة وأماً ناجحة، وذلك من خلال إقامة دورات متخصصة، وكذلك مساعدة السيدات المطلقات والأرامل على تنمية الذات والقدرات لديهم، من خلال الخضوع لبرامج متميزة في إعادة تأهيلهم لعمل مشروعات صغيرة قادرة على إعالتهم ولدعم المجتمع. وكذلك إقامة برامج لتوعية الشباب وخاصة المقبلين على الزواج وذلك من خلال محاضرات وندوات وأمسيات عن أهمية الزواج وكيفيه التواصل الإيجابي بين الرجل والمرأة. وأخيراً مساعدة الأزواج على حل المشكلات الزوجية والأسرية عن طريق عمل برامج متخصصة وجلسات إرشاد وأمسيات مجانية لدعم العلاقه بين الزوجين وإعادة بناءها. كما أعمل حاليا على تأسيس فروع لنا بالمغرب واليمن وبإذن الله ستكون في باقي الدول العربية قريبا.
أبرز المشكلات هي عدم القدرة على تقبل عيوب الآخر
من خلال ممارستك اليومية ومعايشتك للمشكلات الزوجية، ماهي أكثر هذه المشكلات شيوعا؟
أستطيع القول أن أكثر ما يواجهني هي تلك المشكلات المتعلقة بعدم القدرة على تقبل عيوب كل طرف للآخر، والصراعات التي تدور من أجل تغيير الآخر أو البحث عن شريك جديد يحقق التوقعات والأحلام التي ينشدها الزوج في زوجته أو العكس، إما عن طريق الخيانة بالخيال عند المرأة، أو بالخيانة الحقيقية عند الرجل.
أيهما أكثر جرأة وقدرة على البوح والإعتراف بأن هناك مشكلة حقيقية تواجه حياتهما الزوجية، الرجل أم المرأة؟
المرأة غالبا هي من تعترف وتحكي وقد يكون ذلك لسببين: إما لطبيعة المرأة التي عادة ما تبحث عمن ينصت لها وتحب أن تبوح، عكس الرجل الذي لا يحب أن يشارك أحد أسراره الخاصة. والسبب الآخر لكوني امرأة فغالبا ما تشعر المرأة بإرتياح أكبر عند البوح لإمرأة مثلها، بغض النظر عن مهنتي، أشعر بمشاعرها كامرأة، ولكن الرجل غالبا ينظر إلى المرشدة الأسرية بشكل دفاعي متحفز وخاصة في الجلسات الأولى كونه من جنس مختلف فيشعر أني سأميل لشكوى الزوجة.
عدم المصارحة واللامبالاة نتيجتهما الفجوة بين الزوجين
هناك مؤشرات إذا أصبحت واقعا حياتيا فإنها تدفع بالحياة الزوجية ناحية الهاوية، فهلا أشرتِ إليها؟
بصفة عامة، كتمان أي مشكلة وعدم مصارحة الطرف الآخر بما يحزنه وما ينقصه يعتبر بداية لفجوة تأخذ في الاتساع حتى يصل الطرفان لحالة من اللامبالاة بما يفعله الشريك، ومن هنا يبدأ الملل الزواجي، ثم الهروب من المشكلة مع تخزينها فيمتلئ العقل بالمشاعر السلبية، وهنا تكون الكارثة إما باللجوء للخيانة أو الطلاق الكامل الذي ينفصل فيه الزوجان ويعيش كل منهما حياة أخرى، أو قد يكون طلاقا صامتا فيتواجد الزوجان تحت سقف واحد ولكن المشاعر والروح تتجه إلى ناحية أخرى. كذلك يجب على الطرفين التريث عندما تنتهي كل مناقشاتهما نهاية حادة لأي نقاش مهما كان بسيطا، فهنا لابد من إعادة تقييم هذه العلاقة والبحث عن نقاط الخلل، ولابد للزوجين من الانتباه عندما يبدأ أي منهما في الانتقاد المستمر بدلا من الشكوى أو إظهار الازدراء من الآخر أو الدفاع الشديد المستميت عن وجهة نظره بما يصاحبه من لغة جسد سلبية.
الرجل لا ينسى الإهانة، والمرأة لا تنسى الخيانة
ما هي الأمور التي يمكن أن يغفرها الطرفان؟ وما هي الأشياء التي يستحيل نسيانها؟
لا يستطيع الرجل تمرير الإهانة أو التقليل من شأنه أمام الأخرين، وخاصة أصدقائه وأهله، وكذلك يكره الرجل إفشاء أسراره خارج نطاق الأسرة، ولكنه فى المقابل يتغاضى عن تقصير زوجته فى حقه أو في علاقتهما الزوجية، وقد يسامحها في انفعالاتها الحادة في حقه وقت غضبها طالما لم يخرج من نطاق منزلهما. ولكن حذار فهذا الحِلم قد لا يستمر للأبد فإن لم تتدارك زوجته سلبياتها فذلك بالتأكيد يراكم شعوره السلبي وقد يكون سببا في الانفصال، أما المرأة فهي لاتنسى أبدا الخيانة لأنها تشعرها بالنقص، وهي قد تتناسى وتحاول الإستمرار رغبة منها في الحفاظ على أولادها أو بيتها، وهذا الأمر أيضا يختلف من بيئة إلي أخرى. وهي قد تغفر للرجل أي شيء عدا ذلك سواء إهمال أو جفاء إذا عوضها بعد ذلك مع الوقت بقليل من الحب والاهتمام.
بعد الخيانة كيف يمكن أن تستمر الحياة الزوجية؟
الخيانة الزوجية تحدث شرخا كبيرا جدا في العلاقة الزوجية، ولا أستطيع الجزم بأنه يمكن عبور هذه المرحلة لأنها تختلف من شخصية لأخرى، ومن بيئة لأخرى، وهنا يأتي دور الاستشاري الأسري الذي يساعد الزوجين على إعادة بناء العلاقة واستعادة الحب المدفون تحت تراب المشكلات عن طريق اعتراف كل طرف بتقصيره في حق الآخر، واعتذاره وإبداء رغبته الأكيدة في تعويض الحبيب. كل هذه الأمور تحدث بالتدريج عبر برامج تعمل على إعادة بناء الثقة، والتذكير بالأمور الإيجابية.
لماذا يحدث الملل الزوجي وكيف يمكن تجاوزه بسلام؟
الملل الزواجي هو نتاج لتراكمات السنين السلبية، ويأتي بعد قصص الحب الملتهبة، التي تعتمد على الانبهار بالشكل الخارجي الذي يخفت ويفتر بمرور الزمن، وتبدأ المشكلة أو الخلاف على أشياء بسيطة تمر دون أن يحاول الشريكان حلها ويبدأ كل طرف إما فى كتمان المشكلة تلو الأخرى، أو الإفصاح عنها لطرف خارجي، ومع الوقت تتراكم المشكلة التي تتمثل في الكبت ثم التفكير السلبي ثم الانفجار. ولتجنب مثل تلك المشكلات لابد من ممارسة بعض النقاط البسيطة اليومية: كأن لاتنام أبدا وفي نفسك شيء من حبيبك بل يجب أن تصارحه بما يشغلك، كذلك لابد من التشارك معا في أمر يجعل لحياتكما طعم من جديد كزيارة لدور الأيتام أو الصلاة معا، أو المشاركة في قراءة القرآن، وهذا الأمر يعزز العلاقة ويجدد الحب بينكما. كذلك يمكن للبعد عن الروتين تغيير الجو من فترة لأخرى، واستعادة اللحظات الحلوة للشريك كإعادة مشاهدة شريط أو صور زفافكما، أو طفلكما الأول وغيره. وأخيرا التقدير لكل صغير يفعله حبيبك، فالهدايا البسيطة تجدد الحب بينكما والكلمات الرقيقة حتى لو برسالة تجدد الاشتياق بين الحبيبين وتجعل للحياه طعما أخر.
ترتفع معدلات الطلاق يوميا بشكل مخيف فهناك 6 حالات طلاق في مصر كل دقيقة بماذا تعلقين على هذه الظاهرة الخطيرة؟
نحن من جيل تربى ودرس جيدا، ولكنه لم يتعلم معنى الزواج وما هي مسؤولياته، و أولوياته، وكيفية التعامل مع الطرف الآخر. آباءنا وأجدادنا كان لديهم صبراً وهدوءً، وأولويات تجعلهم يستمرون حتى ولو لم يوجد الحب، وكانوا يستعيضون عنه بنعمة الصحة والستر والاستقرار، أما الآن في زمن الانترنت والسرعة فأصبح حتى قرار الطلاق يأتي سريعا بين الشباب, ولذا يجب الإسراع في توفير مراكز للاستشارات بمتخصصين أكفاء قبل أن تزيد النسبة ولن تقل أبداً.