لاشك أن الزواج هو أسمى الروابط الإنسانية التي سنتها الأديان السماوية وصدقت عليها الأعراف ونظمتها لتتفق مع الفطرة... وكغيره من أمور الحياة يحتاج الزواج إلى التدقيق والتفكير والأسس السليمة التي تستقيم بها هذه الشركة حتى لاتشكل مصدر تعاسة أو ضرر لأطرافها، ومن هنا يكون الإهتمام أولاً بالإختيار المناسب والذي لابد فيه من مراعاة عدة نقاط منها الدين والخلق والتكافؤ الإجتماعي وأخيراً التوافق الطبي الذي لم يكن هناك إهتمام كبير به فيما مضى مع أنه يؤثر على استقرار الحياة الزوجية وسلامة الأطفال الذين يولدون.
وكون العادات والتقاليد العربية ينتشر فيها زواج الأقارب تتضاعف أهمية هذا الجانب لما ثبت علميا من وجود احتمالات لولادة أطفال مصابين بأمراض وراثية لذلك لابد من إجراء الفحوصات الطبية اللازمه التي إن أعلنت عن وجود نسبة كبيرة من الخطر سنجد أنفسنا عندها في مواجهة القرار وإما المجازفه بإتمام الزواج أو الإنفصال الذي لم يكن هنا بسبب ضغوط إجتماعية ولا إختلاف وشجار بل هو إنذار طبي لابد من أخذه بعين الإعتبار....
زواج الأقارب:
وتركيزاً على هذا النوع من الزواج كان لنا لعربيات لقاء مع الدكتور عدي الشوا أخصائي طب الإطفال الذي يقول: ( الخطورة هي في الأمراض الوراثية التي يحمل جيناتها الزوج والزوجة ومع أن الأمراض من الممكن أن لاتظهر عليهما إلا أنها تورث بعد الزواج للأطفال والأحفاد منها التخلف العقلي ،والغالكستوسيميا ،ومرض الكبد(ويلسون)...أما أمراض الدم الوراثية فهي فقر الدم المنجلي، وفقر دم البحر الأبيض المتوسط ،ومرض الكلية الذي يؤدي للفشل الكلوي.... كما يُعتقد أن مرض الصرع والأمراض القلبية وأمراض الحساسية وداء السكري تزداد في بعض العائلات وتتضاعف إحتمالات توارثها بالتزاوج من الأقارب).
تحليل RHESUS(ريسوس):
هذا التحليل مهم جدا بالنسبة للأقارب وغير الأقارب،فتضارب الفصائل يؤدي إلى العديد من المشاكل التي تنعكس على الأطفال.... ومن هنا حاءت ضرورة إجراء تحليل ريسوس والذي يحكم على إحتمالات تضارب زمرة دم الأم مع وليدها.... وكمثال: لتفسير ذلك عندما تكون زمرة دماء الأم سالبة والأب موجبة وفرضنا أن يحمل الطفل زمرة دماء والده فيحدث عند الولادة أن تختلط بعض القطرات من دماء الطفل مع دماء الأم وتؤدي الى ردة فعل من جسم الأم الذي يبدأ ببناء أجسام مضادة للدماء الغريبة التي تسربت إليه ولاخوف على الطفل الأول الذي ولد لكن الخطر على الطفل الثاني حيث يستمر جسم الأم بتكوين هذه المضادات بعد الولادة وتدخل فيما بعد الى دماء الطفل الثاني لتدمر خلايا دمه. ماذا لو وقعت هذه المشكلة؟
في حال تسرب دماء سالبة الى جسد الأم يتم إعطاؤها مصلاً يقوم بتدمير أي خلايا حمراء دخلت الى جسدها من دماء الطفل لكن لابد أن يحدث ذلك قبل أن تبدأ بإنتاج الخلايا المضادة لتفادي الخطورة المحتملة على الطفل الثاني.....والعلاج الآخر هو في حالة تأثر الطفل الثاني وولادته يقوم الطبيب بتغيير دمه مباشرة.
تكسر الدم ومخاطره:
وكما تشكل زمر الدماء المتضاربة مشكلة تتسبب كذلك الأمراض المشتركة التي يعاني منها الأب والأم في نفس الوقت لمشاكل وخطورة على صحة الطفل.... يقول الدكتور سمير عباس استشاري النساء والولادة :أحد أكثر الأمراض خطورة على الطفل هو تكسر الدم فإن كان الأبوان مصابين به يصبح هناك إحتمال 50% لتوريثه للطفل وفي حال ولادة الطفل وهو يعاني منه نضطر في كثير من الأحيان الى نقل دماء جديدة له كل ثلاثة أشهر تقريباً. آراء وقصص واقعية:
تقول( فاتن محمد) ،طالبة آداب بجامعة القاهرة،أمي هي ابنة خال والدي ولله الحمد لم تحدث أي مشاكل صحية لي أو لأخوتي من جراء هذه القرابة ، لكن المشكلة بدأت عندما تزوجت أختي بإبن عمتي دون إجراء أي فحوصات للتأكد من سلامة هذا الزواج المتشابك فكُتب عليها أن ترزق بطفل (منغولي) ومع أن المعاناه كبيرة إلا أنها صابرة ومحتسبه فهو قضاء الله.
تحكي ( س.ع) موظفة من الأردن عن مأساتها فتقول،ارتبطت أنا وأحد زملائي في الجامعة بعلاقة امتدت طوال سنوات الدراسة وعندما تقدم لخطبتي واجهه أهلي بالرفض لإعتبارات إجتماعية ورغبة منهم بتزويجي لأحد أقاربي وبعد محاولات متواصلة تمت الموافقه على مضض فلم تسعنا الفرحة إلى أن اقترح علينا أحد الأصدقاء أن نجري الفحوصات الروتينية التي تسبق الزواج وكانت النتيجه سلبية تؤكد وجود خطر على أطفالنا في المستقبل ووجدنا أنفسنا أمام أصعب قرار في حياتنا إما المخاطرة والدخول في سلسله المعاناه أو التفكير بواقعية والإنفصال واخترنا الحل الثاني فلا يحق لنا أن نسعد بحبنا ونشقي أطفالنا ونحن مثقفون وواعون للخطورة.
وتؤكد على اهمية ذلك الطالبة( هيا . د) من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة فتقول:أعتقد أن المجتمع اليوم يتحلى بقدر كافٍ من الوعي فمعظم صديقاتي قمن قبل الزواج بإجراء الفحوصات اللازمة وهذا أمر ضروري سوف أضعه بعين الإعتبار كشرط من شروط إتمام زواجي على شريك حياتي ولا أعتقد أنه سيرفض.
أما (خالد فتحي)مهندس كمبيوتر يقول: المسألة قضاء وقدر فالإمراض من الممكن أن تحصل مثلها مثل الحوادث ولايجب تعقيد الأمور فالأسباب تتغير والقضاء ينفذ لانستطيع رده ومع ذلك لن أمانع من الخضوع لتحاليل قبل الزواج إن طُلِب منّي ذلك لكنني لن أضع هذه المسألة في المقام الأول لإتخاذ قراري بالزواج.
وللموظف (ابراهيم. ك)من الإمارات قصة مختلفه يقول: طلب أهل خطيبتي أن أخضع لبرنامج فحوصات شامل من بينها فحص الإيدز ولم أتردد مطلقا للقيام به وذلك لثقتي بنفسي و لأنني أقدر حرصهم على ابنتهم... كما أن قناعتي هي أن العلم والوعي منهج حياة لايصح ادراكه ثم رفض تطبيقه على أنفسنا.