البلوغ المبكر والصوم بين مقاربة الإسلام الشعبي وعلماء الدين
يشكل البلوغ المبكر للأطفال أرقا ذهنيا لبعض الأسر المغربية والعربية، خاصة حين يقترن هذا السن بالصيام بالرغم من ضعف القدرات الجسمانية والإدراكية للطفل والتي اجتهد بعض العلماء بإصدار فتاوى تعفيهم من الصوم. "عربيات" تعرض وجهة نظر الأسر بناء على تجارب عينية، في مقابل وجهة نظر علماء الدين وأساتذة علوم التربية.
بلغت في العاشرة من عمرها وواجهت إشكالية الصوم وحدها في المدرسة
السيدة عائشة الصغير وهي أم لطفلة بلغت في سن العاشرة وكانت تتابع دراستها في المرحلة الإبتدائية، وفي حديثها لـ"عربيات" تؤكد بأن فرائض الإسلام تطبق على الكبير والصغير ولا مجال للتمييز مشيرة إلى أنها كانت ترق لحال ابنتها التي تعود من المدرسة متعبة منهكة منهارة القوى حيث أنها ألزمتها العام الماضي على الصيام لأنها كانت في مرحلة البلوغ بينما لم تتجاوز بعد ربيعها العاشر، لأن الواجب الديني يلزمها بذلك" مضيقة: "زاد من حيرتي أن ابنتي كانت الطفلة الوحيدة التي تلتزم فريضة الصوم داخل الفصل، وللحسم في الموضوع، لجأت إلى فقيه بمسجد الحي لاستشارته ونصحني بعد معرفته بعمر طفلتي بأن لا أجبرها على الصوم لكونها لا زالت صغيرة، لكني حين أخبرته ببلوغها ، شدد عليّ بأن تصوم قطعا، وألح عليّ بأن لا أتسامح معها، وبأن لا آخذ شكواها بعين الاعتبار".
من جانبه أكد محمد والد الطفلة أثناء حديثه لـ"عربيات" بأن بلوغ طفلته في سن العاشرة كان مفاجئا وطرح إشكالا داخل الأسرة، خاصة وأن طفلته رباب، لم تكن مقتنعة بالصيام بما فيه الكفاية، لعدم قدرتها على التحمل من جهة، ومن جهة أخرى إحساسها أنها تشكل حالة استثنائية وسط الأطفال الذين تتابع معهم الدراسة، وتساءل الأب كيف بإمكان رباب التركيز وهي تتابع حصة الدرس، وأن تنجز الحصة الرياضية، ووفقا لقوله أنها تؤكد على عدم مقدرتها المشاركة في الحصة وتتوسل إليه عله يسمح لها بالإفطار وإلا فإنها ستموت متى ما مارست الرياضة، مبرزا بأنه كان يجد نفسه محاصرا بالوسط الاجتماعي العام الذي لايمكن تجاوزه على اعتبار أنه إنسان مسلم، و خاصة بعد أن استفسرت والدة الطفلة الفقيه.
من جهتها، استغربت الطفلة رباب من بلوغها في هذا السن، مقارنة نفسها بوالدتها وخالاتها اللواتي بلغن ما بين الرابعة عشرة والسابعة عشرة، مشيرة أنها لم تكن تستوعب هذه المفارقة وخاصة على مستوى المدرسة، فقد كانت الوحيدة الملزمة بالصيام، مع أن هناك فتيات أكبر منها يأكلن ويشربن أثناء الإستراحة إلا هي، ولذلك تكون محرجة بأن تصرح لهم بأنها دخلت سن البلوغ، وحسبها فهي تكون مضطرة كل يوم للبحث عن مبرر باللجوء إلى الكذب طبعا، كأن تقول لهم بأن سنها يؤلمها أو أنها مريضة.
مضيفة: "كلما طلبت من أمي رخصة لأفطر تؤكد أنني سأنال عقاباٍ من الله، بالرغم من أنني أثق بأن الله لن يتركني أموت جوعا وعطشا بل حتما سيسامحني".
الصيام يرتبط بالقدرة
من جهته قال أستاذ كرسي السنة وعلومها بكلية الآداب بالرباط، وعضو رابطة علماء المغرب، الشيخ عبد الرزاق الجاي أن الصيام من وجهة النظر الشرعية يرتبط بالقدرة، موضحاً "سن البلوغ يختلف بحسب البيئة، إذ يمكن للطفل أن يصل لسن البلوغ في السابعة من عمره".
مضيفا: "اعتدنا في الإسلام الشعبي أن ندرب الطفل على الصيام في سن السابعة، وذلك باتباع مبدأ التدرج نصف يوم مع نصف يوم آخر، بقصد تربيته على القناعة وتقوية الإرادة، لكن إذا لم يستطع الطفل فلا حرج عليه، مصداقاً لقوله تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها".
مشيرا إلى أن شروط الصوم في المذهب المالكي المتبع في المغرب هي العقل، الإسلام، البلوغ. وهذا الأخير يؤكد على آداء العبادات حتى في الحج، لكن بالنسبة للبلوغ في سن العاشرة أو أقل منها، يكون الطفل أو الطفلة لازالا في مرحلة التدريب على الصوم، مستشهدا بابن عاشر الذي حدد السن القطعي للصوم في الثامنة عشرة حتى وإن جاء البلوغ في سن الرابعة عشرة.
ودعا الجاي الى عدم التشدد في مثل هذه الحالة المدرجة أعلاه لكونها لازالت في مرحلة التدريب.
إساءة للإسلام
في حين اعتبر الفاعل الجمعوي والتربوي عمر السمين أن الإسلام الشعبي الذي يجد سنده في حفظة للقرآن، غير مؤهلين علميا لإعطاء توجيهات دينية ترتكز على أصول الشرع وإجتهادات الفقهاء والعلماء، كثيرا ما تسيئ للمضامين النيرة للدين الحنيف، وتخلق مشاكل للأسر، عوض أن تساعدهم على تذليل الصعاب في أمور دنياهم، كهذه النماذج التي تحدد سن الصوم بالنسبة للطفلة متى أتاها الحيض لأول مرة، ولكل طفل متى استحلم، دون مراعاة الإستثناء، إذ يتفاوت سن البلوغ، ووفقا لقوله الإسلام لم يحدد سنا محددا للصوم وهذا ما اجتهد فيه العلماء.
وبالنسبة للحالة المدرجة أعلاه، تساءل عمر، كيف لطفلة جائعة أن تتابع الدروس داخل القسم وماهي قدراتها على التركيز؟ وماهي قدراتها البدنية والنفسية على التحمل؟ بالإضافة الى أنها غير ملزمة بالصوم، وإذا كانت المسألة من باب تحبيب الطفل طقوس الصيام وتدريبه على قوة الإرادة، ينصح الفاعل الجمعوي العائلات بأن تراعى في ذلك أيام العطل المدرسية لتجنب جميع الإكراهات التي يمكن أن تنعكس بشكل سلبي على الأهداف التربوية المرجوة، ومنها ثقافة الصيام.
مفطروا رمضان
من جانبه أكد محسن بنيشو أخصائي في علم النفس التربوي في تصريح" لـ "عربيات" أن التشدد في إجبار الطفل على الصوم حتى في حالة التدريب أمر غير مستحب في شروط تربوية غير ملائمة كالأكل والنوم في غير مناسبة، فغالبية أطفالنا وبمجمل الدول العربية يسهرون إلى ساعات متأخرة، وهذا لايخدم مسألة التدريب وتكون له سلبية على الطفل .
ودعا الأخصائي إلى وجوب تعامل الأسر مع أبنائها بمرونة وحوار، وأساليب تقوم على الإقناع، خاصة في ظل واقعنا الذي أضحى يتسم بصراعات أسرية وتمرد الأبناء على الآباء بحكم أسلوبهم التربوي المتشدد، أو انفتاح هؤلاء الشباب والأطفال على الغرب وعالم الانترنت، وهو ما أصبحنا نلاحظه على العديد من أبناء الفئات الميسورة داخل المؤسسات التربوية من ضرب بعرض الحائط قيم الدين، معتبرين الصيام مفهوما فكريا ينتمي إلى ثقافة قديمة.
داعياً الأسر مراعاة سن الأطفال وقدراتهم على التحمل، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالبلوغ المبكر لما له من آثار نفسية على الطفل وإحساس بأنه يشكل حالة استثنائية، وعدم قدرته على البوح عما يختلج داخله يعمق من كبث مشاعره وأفكاره، ومن هذا المنطلق وجب أخذ هذه العوامل بعين الإعتبار بنهج سبل الإنفتاح ومحفزات التحبيب حتى يكون قادرا على التدرب على الصيام .