رجل "المخالفات البناءة" صالح التركي يؤكد لـ"عربيات": لم يتم إيقافي
بعد جولة في أحياء جدة المتضررة من السيل، ومنازلها التي يؤكد حالها أن المدينة قد خاضت حرباً الخصم فيها ضميراً مستتراً تحت أستار تنتظر رفعها من لجنة تقصي الحقائق، عدت وأنا أدرك أن جدة التي اخترقها السيل قد أخرجت أرضها خير أبناءها الكفيل بتضميد جراحها، وهو الخير الذي شاهدناه يغطي أرض المعارض التي كانت بمثابة شريان الإغاثة الذي بث العطاء إلى أطرافها، مؤكداً لجدة أنها مهما تعرضت للخيانة سينتصر الوفاء الذي زرعته في نفوس أبنائها.
عدت بألم المشاهد والقصص، وأمل بثته صور المتطوعين في قلوبنا، وسؤال حائر كان يتطلب إجابة عن آليات وسيارات كنا نشاهدها بأحجامها وأنواعها المختلفة تجوب أنحاء الأحياء المنكوبة لترفع عنها مخلفات أثقلت كاهل مبانيها وطرقاتها و"أزقتها" التي كلما ضاقت وجدت أحجاماً أصغر من السيارات والجرافات تخترقها، ولم يكن من الصعب معرفة أن هذا الأسطول يتبع لرجل الأعمال "صالح التركي" لكن علامة الاستفهام التي كانت تقفز أمامي إلى جانب كل سيارة لم يكن لأحد سوى "صالح التركي" أن يحولها إلى علامة تعجب، فبين مراسلتي له لحظة عودتي لشكره وطلب التواصل معه وبين اتصالي به في اليوم التالي كنت قد تواصلت مع عدد من الإعلاميين والمقربين من رجل الأعمال للاستفسار عن الصفة والمهمة التي تقوم بها آلياته في أكثر المواقع تضرراً دون إجابة حتى انتشرت شائعة على نطاق ضيق تفيد بأن الرجل المثير للجدل قد يكون ارتكب "مخالفة بناءة" جديدة تضاف إلى سجلاته وتم إيقاف آلياته على إثرها لعملها دون تنسيق مسبق مع الجهات ذات الاختصاص.
ولكن صوته جاء واثقاً وموضحاً حقيقة الأمر بقوله:
لاحظت منذ اليوم الأول أن الدفاع المدني قد تكفل باستخراج الجثث ونقل السكان من المواقع الموبوءة الخطيرة إلى مناطق مخصصة للإيواء المؤقت، ومن ثم أصبح دور وزارة المالية صرف التعويضات للمتضررين، كما تركزت مسؤولية الامانة على فتح الشوارع وسحب مياه السيول والصرف الصحي منها، ولكن تبقى دور هام كان لابد وأن يبادر أحد بالقيام به ألا وهو إعادة تأهيل المنازل حتى يتمكن السكان من العودة إليها، لذلك ما أن وجدت أن معظم الأحياء قد تم فتح شوارعها بمجهودات جبارة بذلتها الجهات المختصة أخذت المبادرة بإرسال العمالة والسيارات لتنظيف الشوارع والبيوت وإعادة تأهيلها.
وبين المخالفة والمبادرة يجلي التركي الغموض، قائلاً:
لم أرتكب مخالفة، ولاتوجد صحة لشائعات إيقافي لكن في اجتماع عقد يوم الثلاثاء 8/ديسمبر/2009م مع محافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد تم الإتفاق على ضرورة تنسيق عملية تنظيف الأحياء ليعمل الجميع تحت مظلة واحدة، والعمل سيتواصل بمشاركة جهات أخرى نسقت معها المحافظة منها أمانة مكة المكرمة وأمانة المدينة المنورة التي ستشارك كل منهما بسيارات (بوكلين) صغيرة إضافية، كما أن الغرفة التجارية تعمل على التواصل مع شركات المقاولات ودعوتهم إلى المشاركة في عمليات النظافة وإعادة التأهيل تحت إشراف المحافظة، وستشترك معنا كذلك المؤسسة العامة للتدريب المهني والفني التي ستقوم بتزويدنا بالسباكين والكهربائين والنجارين لإعادة تأهيل المنازل، والبداية ستكون بأحياء "المساعد" و"قويزة" و"كليو14".
ويستدرك معلقاً على التوقف المؤقت عن العمل إلى مطلع هذا الأسبوع، قائلاً:
أتفهم تماماً المبررات التي استوجبت التوقف للتنسيق، فهناك محاظير أمنية يجب وضعها بعين الإعتبار، حيث أفادت الشرطة بأن الأحياء المتضررة قد لاتكون آمنة بعد الساعة السادسة وبالتالي عمل الشركات وكذلك المتطوعين يجب أن يقتصر على ساعات محددة لضمان سلامتهم، كما أنه لايصح دخول المنازل لتنظيفها دون استئذان أصحابها فوجهت المحافظة إلى عدم دخول أي منزل مالم يكن صاحبه على علم. ولحسن الحظ أننا قمنا بمراعاة ذلك منذ اليوم الأول من عملنا حيث اتجهنا إلى التنسيق مع العمدة في كل حي ومع أئمة المساجد، وكنا ننتظر حضور أصحاب المنازل بالرغم من أن أغلب أبواب المنازل مخلوعة.
وعن المشاكل التي واجهته في الأيام الأولى، يقول:
بدأت بالعمل قبل يومين فقط عندما أرسلت عدد كبير العمالة واستعنت بسيارات (بوكلين) صغيرة لقناعتي بأنها الحل الأمثل للوصول إلى "الأزقة" والبيوت لتجرف الطين ومخلفات السيل، كما استعنت بسياراتي الخاصة بشركة (إعادة التدوير) للمساعدة على توزيع الإعانات أو نقل المخلفات التي تسد بعض الشوارع الفرعية ومداخل المباني، والمشكلة التي واجهتنا هي أننا عندما أخرجنا المخلفات لضخامتها كادت أن تسد الشوارع الرئيسية، فاتفقنا الآن مع الأمانة أن تضع لنا أمام كل شارع حاوية وسيارة مخصصة لتفريغها ونقل المخلفات إلى مرمى النفايات حتى نتمكن من مواصلة عملنا.
كنت أستمع إلى حديث التركي وأسترجع الصورالتي شاهدناها خلال الجولة وأنا أتسائل إن كان الاحساس بالمسؤولية ينبع من لحظة تولي المنصب وينتهي بمغادرة مقعده؟ أم أن هناك أشخاص يسكنهم ويحركهم هذا الاحساس مهما تبدلت مواقعهم؟ فكانت إضافته التالية رداً على سؤال لم أطرحه، إذ قال:
لابد أن نعترف بأن جدة تمر بظرف استثنائي، فنحن أمام كارثة طبيعية أصابت بعض الأحياء، وكارثة إنسانية يعيشها سكانها، وكارثة بيئية قد تنتشر معها الأمراض والأوبئة لو لم يبادر كل منا بالمساهمة وفقاً لإمكانياته حتى لايتسع نطاق الضرر أو تطول فترة تجاوز الأزمة، لذلك اتخذت قراري بأن تتفرغ لهذه المهمة جميع شركاتي التي يمكنها أن تخدم في هذا المجال وهو واجب وأمر له أولوية بالنسبة لي وبالنسبة للجميع، فقد سبقتني إلى ذلك الجمعيات الخيرية التي تفرغت لمساعدة المتضررين، وتفوقت على الجميع المجهودات الجبارة التي يبذلها الشباب والشابات لفرز الإعانات وتبرعات رجال الأعمال والأهالي في مركز المعارض وإيصالها للمتضررين بإشراف لجنة أهالي جدة للتكافل، كما أن الجهات ذات الاختصاص قد أدت واجبها في فترة قياسية حيث نقلت حتى الآن حوالي 22 ألف مواطن إلى شقق الإيواء، وبدأت بصرف الإعانات المالية، ومازالت المبادرات تتوالى من الجميع لتجاوز الأزمة.
وعن الفترة الزمنية التي يتوقع أن تستغرقها عمليات النظافة، يقول:
نحن نتحدث عن مساحات ضخمة جداً من المدينة غمرتها السيول وتركتها مغطاة بـ"الطمي"، بالإضافة إلى أن بعض الأحياء كانت أساساً قبل كارثة السيل في وضع سيء وحجم المخلفات الذي شاهدناه عندما تجولنا في الأحياء يستحيل أن يكون قد تجمع خلال أسبوع واحد فقط، لكن مع ذلك أعتقد أن عمليات النظافة قد تستغرق سنة، وقد تستغرق شهر، ما سيحدد ذلك هو التنسيق وتعاون كافة الجهات ذات العلاقة، مع قناعتي بأن العملية ستستغرق شهر واحد فقط لو تواصل العمل وفقاً للخطة التي وضعتها محافظة جدة، وهذا الأسبوع بإذن الله ستتضح الرؤية حيث سنقوم بأول تجربة تنظيف مع إعادة تأهيل لتصبح بعض المنازل المتضررة جاهزة لاستقبال سكانها بالحد المعقول من المتطلبات إلى حين صرف التعويضات.
وفيما إذا كانت عملية التنظيف ستؤدي إلى العثور عن مفقودين، يقول:
ربما، فهناك منازل غطاها "الطمي" بإرتفاع أدوارها الأرضية بالكامل، وأحياء بها حفر تعبأت كذلك "بالطمي" قد يتم العثور على جثث بداخلها.