في ليلة من ليالي مهرجان جدة ليست كغيرها من الليالي....ومع شاعر أبدع في قصائد الوطن والحب ولم ينسَ الشعر الإجتماعي....وبحضور جمهور ينافس بعدده و بريقه نجوم السماء المتلألأة غنى مع شاعره المفضل أجمل الأغاني...وتستحق أمسية شاعرنا صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن مساعد كل هذه الحفاوة والإستقبال الرائع فمع كلماته نهتز طرباً،ومع آلامه وشوقه تتراقص قلوبنا هياماً و شوقاً،ومع سخريته نضج ضحكاً،ومع نقده الإجتماعي العميق لانملك إلا أن نقف احتراماً لتلك القدرة على صياغة الأحداث بسيناريو محكم ومشوق يصل به إلى أعماقنا ويبعث مفعوله القوي ليشير إلى الخطأ بأسلوبه الخاص جداً....وروحه الخفيفة جداً....والقصيدة من حنجرة عبدالرحمن بن مساعد لم تكن في تلك الليلة تمر عبر أسلاك المايكروفون ومكبرات الصوت بل كانت تنتقل مباشرة من القلب لتصل إلى القلب.....وهكذا هي علاقته دائماً مع عشاق ابداعه....
اكتظت الصالة بالحضور وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز محافظ جدة ملهمة الشعراء التي ارتدت أجمل حللها تستقبل شاعرها فرد عليها وقال(كنت سأتوقف عن اقامة الأمسيات حتى يصدر ديواني الجديد لكن عندما دعاني أخي الأمير مشعل لهذه الأمسية غيرت قناعتي ولو دعاني لأقيم أمسية كل شهر في جدة لفعلت)....
وبدأ أمسيته كما جرت العادة بتلاوة آيات قرآنية وأحاديث نبوية وشكر الله على نعمة القبول والحب الذي يلاقيه حيثما حل....واختار أن تكون أولى قصائده لعشقه الأول(الوطن) قال في مطلعها:
اسألوا دمي....وسعادتي وهمّي
اسألوا التوفيق....والكدر والضيق
اسألوا الطيب في صفاتي....والدعاء اللي في صلاتي
واسألوا شهودي....الدموع اللي في سجودي
اسألوهم...
واسألوا دمي عن غضى أمي....
ورد الحضور على أبيات عشق الوطن بعاصفة من التصفيق والإستحسان لجمال الوصف وتوظيف الصور الرائعة لتجسيد هذا الحب السامي.
وبخفة ظله المعتادة أراد أن يوضح ماقد يسببه الإزعاج للشاعر ومدى ماتسببه وسائل الإتصال الحديثة من قطع للأفكار فحكى عن قصته بقصيدة خفيفة مع صديقه الذي أراد أن يثرثر دون أن يدري أن شاعرنا قد بدأ يغزل خيوط قصيدة جديدة ويجمع أفكاره...ولكن هيهات لصديقه ان يتوقف...وختم قصيده قائلاً:
تبغوا الخلاصة القاسية....صاحبي يومها كم كان مزعج
حيل مزعج....مثلما رنين الهاتف الجوال....
وسط هذه الأمسية...
ثم انتقل بقصيده إلى الجنس اللطيف حيث امتلأ بحضورهم الدور الحادي عشر من الغرفة التجارية وكان لهم نصيب من مداعباته وابداعاته أولها بقصيدة(ياكاعب الطبع)والتي وصفها بأنها(مزح سخيف مع الجنس اللطيف) يحكي فيها عن قوة المرأة المغلفة بملامح الضعف وعن قدرتها على التأثير على الرجل واسره بطريقتها الخاصة ويقول فيها:
شف فعلها برجل شديد......تلقى طلبك ومطلبي
تعطيك بعض اللي تريد......وتاخذ جميع اللي تبيه
استثني من هذا القصيد......كل النساء في كوكبي
وآخرها عندما أهدى قصيدة بعنوان(بأمان الله)لزوجته صاحبة السمو الأميرة البندري بنت هذلول وتسائل عن سبب تهربنا من ذكر أسماء زوجاتنا مع أنه أمر لاحرج منه دينياً وأمهات المؤمنين معروفات أسمائهن،وحتى من حيث العرف والتقاليد كان الملك عبدالعزيز رحمه الله يقول بكل الفخر(أنا أخو نورة).
وجاء دور الغرض الشعري الذي أبدع فيه وميزه عن غيره ألا وهو النقد الإجتماعي الشعري حيث ألقى قصيدة(كاباريه)وقصيدة(مجلس الرجال)وقصيدة(بهو الفندق)وقصيدة(احترامي للحرامي)وغيرها الكثير من القصائد التي تناقش ممارسات اجتماعية خاطئة يطرحها بأسلوب سلس وبسيط وساخر في مظهره لكنه عميق في معناه وصريح في تصويره وقوي في ردة الفعل التي يتركها بداخل المستمع....وتزداد القصيدة ابداعاً بالطريقه التمثيلية المحببة التي يتبعها في الإلقاء فتشعر أنك من نبرات صوته وتسلسل الأحداث تشاهد القصيدة كالشريك المصور الذي يعرض أمامك....وعندما ألقى قصيدة(العادة جرت)و(نحس)تفاعل معه الحضور حتى أنه كان يتوقف ليسمع الأبيات وهم يرددونها معه فقال(اسمحوا لي أن اخلع المشلح فأنا أشعر أنني أجلس في بيتي)...ووقف يحييهم ويبادلهم التصفيق قائلاً(أنا المفروض أصفق لكم).
وعن حال المواطن العربي يقول في قصيدته(يوميا مواطن عربي):
السبت ديون...وأمراض وكبت
الأحد..منذ اللحظة الأولى...وإلى لأبد...ينادي ولا يسمع أحد
الإثنين..القافلة تسير لكن إلى أين؟...لاجواب يصدح ولاكلاب تنبح
الثلاثاء..أصبح ثرياً وازداد عدد الأثرياء...مات خمسة وأربعون مريضاً من ندرة الدواء
وبالرغم من أنه اعتذر في بداية الأمسية عن القاء قصائده المغناة إلا أنه بكرمه المعتاد وامام كل هذا التفاعل والحب لم يرد جمهوره خائباً واستجاب لهم بتقديم قصيدة(مساء الخير)و(رحل).....واعتذر من أحد الأخوة الذين طلبوا منه قبل الأمسية القاء قصيدة(المزهرية)وبخفة ظلة المعتادة قال(أعتذر عن ذلك لأنني كما سبق وذكرت لم أكن أرغب بقراءة الأغاني،وثانياً لأنها ليست معي،وثالثاً لأنها ليست لي بل للأمير الشاعر المبدع بدر بن عبدالمحسن وهو استاذي) وكانت قصيدته الأخيرة التي ودع بها جمهوره الكبير هي القصيدة التي كتبها في والده صاحب السمو الملكي الأمير مساعد بن عبدالعزيز...
وختم الأمسية الرائعة كما بدأها بحيث نبوي وكلمات مباركة....وترك ذكرى خاصة بداخل كل من حضر هذا اللقاء الجميل على أمل تكراره.