الإنتخابات النيابية في لبنان بين المصيرية والشكلية
عربيات - خاص :- لطالما اتصف لبنان بواحة واسعة من الديمقراطية تترجمها الانتخابات، وعندما يذكر لبنان يتبادر إلى ذهنك سيل عارم من الحرية والديمقراطية والتعددية والعيش المشترك، هذا ما كنت تشعر به عندما تطأ قدميك أرض هذا البلد متجولاً في مدنه ومناطقه من خلال الكم الهائل من اللوحات الاعلانية والصور المختلفة التي صاحبت الانتخابات والشعارات الحادة التي كانت تعبر عن سخونة تلك المعركة الانتخابية فمن : « ما مننسى والسما زرقا، إلى ما تغيّر جيشك، إلى أرضي أغلى من الذهب، الثالثة ثابتة, الجمهورية الثالثة .... » تلك الشعارات إن دلت على شيء فإنما تدل على العناوين السياسية الأساسية التي على أساسها خاضت القوى السياسية الإنتخابات النيابية.
الإنقسام الحاد
في 14 شباط 2005 أغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري مما أحدث زلزالاً سياسياً في المنطقة وانقساما حاداً في لبنان أدى إلى نزول شرائح واسعة من المجتمع اللبناني إلى الشارع للمطالبة بخروج الجيش السوري من الأراضي اللبنانية وبمعاقبة المجرمين، موجهين اتهام سياسي إلى الجهاز الأمني اللبناني والسوري آنذاك، ورداً على ذلك نزلت جماهير شعبية بقيادة حزب الله إلى ساحة بشارة الخوري قائلة: «شكراً سوريا» في يوم 8 آذار 2005، ونسبة إلى الفئات المشاركة في هذا اليوم سميت قوى 8 آذار، والذي انضم إليها التيار الوطني الحُر بقيادة الجنرال ميشال عون في يوم 6 شباط تاريخ إعلان وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحُر وحزب الله، ورداً على هذه المظاهرة انزلت القوى السياسية والشعبية المتهمة النظام السوري والنظام الأمني اللبناني آنذاك في يوم 14 آذار ، ونسبة لهذا اليوم سميت قوى 14 آذار .
مع هذا الانقسام بين قوى 8 و 14 آذار والذي وصل إلى ذروته بعد عدوان تموز 2006، حيث اتهم حزب الله الحكومة اللبنانية السابقة بالتقصير مطالباً باستقالتها وتشكيل حكومة وحدة وطنية، هذا الانقسام الحاد انفجر في 7 أيار 2008 حيث كان البلد سيقع في حرب أهلية لولا تدخل جامعة الدول العربية والدول العربية وجمع الفرقاء اللبنانيين في الدوحة حيث انبثق عن هذا الإجتماع إتفاق الدوحة القاضي بإنتخاب رئيس جمهورية توافقي هو العماد ميشال سليمان وتشكيل حكومة وحدة وطنية ووضع قانون إنتخاب جديد على أساس قانون عام 1960 .
العناوين السياسية الأساسية بين 14 و 8 آذار
يعتبر الدكتور جورج فرحة عميد كلية الإعلام والعلوم في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجية ان الإنتخابات النيابية هي عمل ديمقراطي وعملية صحية لإنماء المجتمعات حيث تتم المنافسة بشكل حضاري وديمقراطي، تنبثق عن هذه الإنتخابات أكثرية وأقلية، الأكثرية هي الموالاة تدير شؤون البلاد، والأقلية هي المعارضة تراقب أعمال الحكومة فهذا الوضع الطبيعي إذا كان القانون الانتخابي صحيحاً، ولكن في لبنان المشكلة تكمن في قانون الانتخابات، الذي أعاد البلاد إلى الوراء 50 عاماً، لإعادة الوجود إلى بعض الشرائح، وإن قانون النسبية هو الأفضل للتمثيل الصحيح ويُعتقد أيضاً أن معظم الناخبين لا ينتخبون على أساس القناعة بل على أساس الطائفية والعشائرية، نظراً للانقسام السياسي والطائفي الحاد في البلد، وأنه لا يمكن أن يحكم لبنان إلا بالتوافق والحوار لأن لبنان وُجد كي يكون قائم على الحوار. فمن خلال استطلاع آراء بعض المواطنين والتي اجمعت أغلبيتها على أن قانون الانتخاب المعتمد يجب أن يتغير لأنه يعمل على تزكية الطائفية وإهدار حق الأقليات في المناطق ذات الطابع الطائفي الأكثري.
«محمد» 25 سنة من دائرة حاصبيا مرجعيون يعتبر أن قانون القضاء عام 1960 هو قانون غير عادل لأنه سني في دائرة ذات أغلبية شيعية تفرض النائب السني بصوت الناخب الشيعي, وكذلك « عادل » شاب شيعي من بيروت يقترع في بيروت الثالثة يعتبر أيضاً أن قانون الانتخاب يجب أن يتغير لأن صوته لا يقدم ولا يؤخر أمام أصوات الطائفة السنية في هذه الدائرة ذات الأغلبية السنية، أما «كارلا» 23 سنة من دائرة عكار فتقول بأنها لن تقترع لأن النتيجة محسومة في هذه الدائرة ذات الأغلبية السنية، وجميعهم أجمعوا على أن المواطنين يقترعون على أساس الانتماء الطائفي وليس على أساس اختيار المرشح الأفضل والأكفأ.
مشروعنا النهوض بمؤسسات الدولة وفي طليعتها الجيش وكافة القوى الأمنية وتأمين فرص العمل ولقمة العيش للمواطن هذا ما يردده سمير العشي وهو قيادي في تيار المستقبل، حيث يعتبر أن لبنان أولاً، أي أن مصلحة لبنان تتقدم على أي مصلحة أخرى والوطن فوق الجميع ولا أحد أكبر من بلده، وأنه يجب العمل على درء الفتنة التي تحاك ضد لبنان والتي استُحضرت في 7 أيار ولكن حكمة الشيخ سعد الحريري برفضه حمل السلاح في وجه فرقاء لبنانيين أدت إلى اخماد الفتنة حفاظاً على السلم الأهلي وعلى لبنان، حفاظا على السلم الأهلي ولبنان يرفض الشيخ سعد الحريري حمل السلاح في وجه فرقاء لبنانيين. ويؤكد على أن السابع من حزيران كان يوماً مجيداً لقوى 14 آذار عبر فوزها بالإنتخابات النيابية لإكمال مشروع السيادة والحرية والإستقلال وتثبيت السلم الأهلي والعيش المشترك عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية لا حكومة تعطيل وتفريغ معناها أي دون الثلث المعطل للمعارضة بل يمكن اعطاءه لرئيس الجمهورية لأنه الحَكم، فالمعارضة لا تعارض من داخل الحكومة بل تعارض من داخل مجلس النواب، وينتقد العشي مشروع الفريق الآخر الذي هو بمثابة تفريغ مؤسسات الدولة وإدخال لبنان في المجهول ووضع الناس في حالة استنفار وقلق مستمرين لخوض هذا الفريق مغامرة لصالح قوى اقليمية ضاربين عرض الحائط مصلحة الشعب اللبناني .
أما قوى 8 آذار فتعتبر أن مشروعها هو مشروع المقاومة ضد العدو الإسرائيلي والتدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية اللبنانية للحفاظ على كرامة لبنان وحريته والحفاظ على الإنتصار الذي حققته المقاومة بتحرير لبنان في 25 أيار 2000 واستكمال هذا التحرير بتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا معتبرة أيضاً أن الانتخابات النيابية اللبنانية مهمة للغاية ولكنها ليست مصيرية لأن لبنان لا يمكن أن يُحكم إلا بالشراكة وتعاون جميع أبنائه متهمة الفريق الآخر برفض الشراكة والإستقواء بالسفارات لتحقيق مشروعه المتماشي مع المشروع الأمريكي.
أما المواطن اللبناني فكان يقف أمام هاجس الإحتمالات المتوقعة للعملية الانتخابية، بين الشريحة التي كانت ترى أن فوز قوى 8 آذار يعني اتجاه البلد إلى نفق مظلم من الإنكفاء والإنطواء والعزلة الدولية وإلى تداعيات اقتصادية سلبية بسبب تراجع الإستثمارات وتأخر السياحة والإدارة الرجعية، واعتبرت هذه الشريحة أيضاً أن فوز 14 آذار سيؤدي إلى الحفاظ على ما بقي من مؤسسات دولة والعمل على استمرارية عملية التطور والحداثة والإنفتاح الإقتصادي والسياسي وجذب المستثمرين والسواح إلى لبنان الحداثة والتطور، وفي مقابل شريحة أخرى رسمت صورة للبنان في ظل فوز قوى 14آذار معتبرة أنه سيكون بلد ذات طابع غربي وأمريكي يرتمي في أحضان السياسة الأمريكية الرافضة لمنطق المقاومة وإبعاده عن خط الصراع العربي – الإسرائيلي ، وأن لبنان يمكن أن ينجر إلى أتون الحرب الأهلية، بينما لو أن قوى 8 آذار فازت لكان لبنان سينعم بالطمأنينة والهدوء والمناعة الذاتية ضد الخطر الإسرائيلي من خلال وحدة المقاومة والجيش في وجه هذا العدو، أما المواطن اللبناني المحايد فظل قائماً بين هذين الشعارين العملاقين ولسان حاله يقول :«رأفة بالبلاد، ورحمة بالعباد، أحبوا لبنان فقط واعملوا على سلامته واتقوا الله يا أولي الألباب».